أبو بكر صايغ : إقليم جنوب البحر .. حصار من الجهات الأربع
اتفقت وكالة زاجل الأرترية للأنباء ” زينا ” مع الكاتب الأستاذ أبي بكر صايغ على إعادة نشر كتاباته في موقع ” زينا ” تعميما للفائدة وقد وعد مشكورًا أن يزودنا بما يخطه قلمه الهميم من إنتاج كتابي جديد .
المقال يكشف محنة إقليم جنوب البحر الأحمر وهو من أكثر الأقاليم بعدًا عن الأضواء ولهذا كان لكتابة الأستاذ أبي بكر صايغ طعمًا خاصًا وهذه المادة إضافية إيجابية لتقارير كتبتها ” زينا ” عن مدينة عصب خاصة .
أبو بكر صايغ : إقليم جنوب البحر .. حصار من الجهات الأربع
أكدت الأخبار بأن تنظيم قوات عفر البحر الأحمر شن هجوماً على موقع عسكري قرب عصب بتاريخ 10/01/2018م وتأتي هذه العمليات التي تنفذها قوات التنظيم رداً على ممارسات عناصر قوة الاستخبارات العسكرية التي توجد في ضواحي عصب مثل تنفيذ حملات القمع والاضطهاد وابتزاز المواطنين واغتصاب الفتيات اللائي يحاولن الهروب وقتلهن وفقاً لما جاء في البيان .
وجاء في البيان ( التنظيم الديمقراطي بهذه المناسبة أن قوات التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر إذا تؤكد أنها علي استعداد تام للعمل مع أي قوة تريد التغيير بالعمل عبر العمل العسكري لأن هذا النظام إن لم تبتر أدواته القمعية ولا يتم استئصاله إلا بتنفيذ هجمات عسكرية متكررة مع التأكيد بأن قواته متهالكة تماماً، كما يدعو التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر كل قوى معارضة التي تريد تغيير حقيقي ترتيب نفسها للعمل العسكري وذلك لإسراع بإزالة النظام وإقامة نظام ديمقراطي في ارتريا)
وهذه الفقرة لفتت نظري واعتقد ( …) سائرون في الطريق الصحيح رغم كل الخسائر التي تترتب عليه .
هذه الخطوة المباركة والرد النوعي لم يأتِ من فراغ وخاصة للمتابع لأوضاع الإقليم الذي يعاني الأمرين من ضيق وسائل الحياة كافة بسبب سياسات النظام المرفوضة من الشعب في إرتريا ، وهنالك خصوصية جعلتني أكتب هذا المقال لأن وضع الإقليم يختلف من بقية الأقاليم الإرترية خاصة من ناحية الحصار الاقتصادي وقفل المنافذ نحو الخارج والداخل .
إقليم دنكاليا أو ” جنوب البحر الأحمر ” كما يطلق عليه اليوم من النظام في أسمرا هو أشد الأقاليم الارترية فقراً من ناحية الثروة الحيوانية والزراعة وأكثر غني من ناحية الموارد البحرية والثروة السمكية والتجارة الحدودية لموقعه المتميز في منطقة باب المندب وحدوده الممتدة والمجاورة لإثيوبيا وجيبوتي واليمن من جهة الشرق عبر البحر الأحمر .
يتكون الإقليم من ثلاث مديريات ” أرعتا – جنوب دنكاليا وشمال دنكاليا ” تقدر مساحته بحوالي 27600 كم وعاصمة الإقليم هي مدينة عصب الميناء الثاني لإريتريا التي كانت تشتهر بوجود ممالح عظيمة ويقال كلمة “عصب ” مشتقة من كلمة ” عصبو ” باللغة العفرية التي تعني الملح .
منذ القدم ظل يعتمد سكان هذه المنطقة على معيشته على البحر فهم بحارة ماهرون وصيادون يعرفون أسرار البحار ولهذا نجدهم دوما أجسامهم رشيقة ولون بشرتهم سمراء بفعل الطقس الحار والبيئة الصحراوية القاسية ، ومن غيرهم يمكنه المشي على تلك الأرض البركانية المتفحمة الأحجار .
إقليم جنوب البحر الأحمر يقع في منطقة تشتعل بالحروب والمواجهات العسكرية المستمرة بين إرتريا من جهة وجيبوتي وإثيوبيا من جهة أخرى بالإضافة للحرب المستعرة في اليمن ووصول أساطيل حربية من مختلف الدول وتمركزها بباب المندب بحجج مختلفة .
الحصار الأول : إغلاق الحدود بسبب الحرب مع إثيوبيا
منذ عام 1998م الحدود الإثيوبية الارترية مغلقة وسكان إقليم جنوب البحر الأحمر كانوا يعتمدون في معيشتهم على ممارسة العمل في الميناء بالإضافة للتجارة البينية وتصدير الأسماك بين إثيوبيا وإرتريا ، أيضاً معظم الخضروات والفواكه والمواشي والحبوب كانت تأتي من إثيوبيا ، وإغلاق الحدود والحرب التي دارت بين البلدين أضرت بمصالح شعب الإقليم بصفة خاصة والشعب الإرتري عموماً .
الحصار الثاني : بسبب الحرب بين جيبوتي وأرتريا
ثم جاءت مرحلة أخرى وهي الحرب بين جيبوتي وإرتريا وتم إغلاق الحدود منذ عام 2008م وحتى اليوم وهذا أيضاً كان وبالاً على شعب هذا الإقليم وتضررت معيشتهم وتعطلت مصالحهم .
الحصار الثالث : بسبب حرب اليمن المستعرة
نتج عن الحرب المستعرة التي تدور في اليمن وبالتالي تم خنق سكان الإقليم من البر من جهة إثيوبيا وجيبوتي .. وبحرا من جهة اليمن وباب المندب .
الحصار الرابع : حصار النظام الأرتري بتهمة التهريب
بعد إحكام الحصار من الجهات المذكورة سلفاً جاء دور النظام في أسمرا ليفرض حصار على سكان الإقليم وذلك عبر منع مرور المواد الغذائية بحجة محاربة التهريب حيث يتم تفتيش كل المركبات التي تتحرك من مدينة ” فرو ” ثم يتم تفتيشها عند دخول مدينة ” قلعلو ” والخروج منها وهي تتحرك باتجاه ” طيعو” حتي تصل لمدينة ” عدى ” ، وعند مدخل ” عدي ” يتم تفتيش المركبات كافة تفتيشاً دقيقاً ولو وجد بها كيلو سكر واحد يتم مصادرته ، ثم يسمح لها بالانطلاق نحو عصب ، وكل من يخالف هذه القرارات يتعرض لعقوبة قاسية قد تصل لمصادرة المركبة التي تحمل البضاعة وسجن مالكها إذا وجد فيها حمولة يزيد سعرها عن 5 آلاف نقفة وهذه المعلومة تحصلت عليها من أحد الأصدقاء المتابعين للوضع من داخل مدينة عصب خلال الفترة الماضية .
هذا النوع من الحصار مفروض على كافة المدن الإرترية بحجة محاربة التهريب والغاية هي تجويع السكان لإجبارهم على مغادرة البلد .
أما على ساحل البحر الأحمر فحدث ولا حرج حيث تفرض القوات البحرية الإرترية حصاراً على الصيادين التقليدين وجلهم من أهلنا العفر حيث تتم مصادرة زوارقهم الصغيرة الصالحة للصيد التقليدي وتمنعهم من الوصول للمناطق التي تتوفر فيها الأسماك بكثرة ولو تجاوزوا الأوامر يتم الحجز على مراكب الصيد ومصادرته في أحيان كثرة ، وربما يتذكر البعض بأن الحكومة الإرترية صادرت حوالي 800 قارب صيد عام 2000م . بعد الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الأمريكية ” كول ” بقاربي صيد بميناء عدن أثناء تزودها بالوقود في هجوم نفذه تنظيم القاعدة حينها .
في عام 2009م سافرت إلي إقليم جنوب البحر الأحمر في مهمة عمل تابعة للاتحاد وبسيارة خاصة وحقيقة استمتعت بالمناظر الخلابة التي تزخر بها الشواطئ الارترية والرمال البيضاء والأشجار التي تنمو في وسط البحر وتشكل لوحة رائعة ، وخلال تلك الزيارة وخارج مهمة عملي أجريت سلسلة من اللقاءات مع عدد من المسئولين لكي أتعرف على أوجه الحياة وما يتم تنفيذه على الأرض من مشاريع تنموية ، حقيقة هنالك مشاريع نفذت على الورق فقط وموجودة في التقارير ولكن لم أجد لها وجوداً في أرض الواقع وجدت عصب مدينة شبه خالية من السكان والميناء الذي كان عامراً بالناس والبضائع تحول أصبح أطلال لا حياة فيها والمخازن الكبيرة التي كانت تمتلئ بمختلف أنواع البضائع تحولت لسكنات للجيش ومخازن السيارات أصبحت صدئة بفعل الرطوبة وجور الزمن .
حملت التقارير الستة ورجعت لأسمرا بعد قضاء أيام في مدينة عصب حيث كنت أقيم في فندق ” راس قمبو ” الشهير بالقرب من الاستراحة التي كان ينزل بها الرئيس الإثيوبي/ منقستو هيلي ماريام ، حيث أكد لي المرافقون من شباب عصب بأن منقستو كان ينزل في هذه الغرفة ويجلس على هذه الاستراحة في فندق ” رأس قمبو” عندما يزور عصب وينزل في فندق” رأ س قمبو”.
بدأت في تجهيز التقارير ووضعت خطة لنشرها في الصحيفة ، وبعد نشر تقريرين فقط فوجئت بأن إقليم جنوب البحر الأحمر عليه حظر من قبل وزير الإعلام السابق / على عبده نتيجة لخلاف بين الوزير وحاكم الإقليم حيث كانت تمنع كافة وسائل الإعلام عن نشر أي مادة عن إقليم جنوب البحر الأحمر للخلاف بين الحاكم للإقليم والوزير وتلك سابقة غير معهودة في العمل الإعلامي في الدول .
حاولت إقناع الجهات المسئولة في قسم الصحافة بأن هذه المواد والتقارير يجب أن تنشر وبعد جدال بدأت التقارير تأخذ حظها من النشر وربما تجاهلتها الجهات التي تكتب التقارير للوزير لأنها ستنشر فقط في صحيفة إرتريا الحديثة ” النسخة العربية ” التي يتم طباعة 1000 نسخة منها ولا تجدها في نقاط البيع حتى لو حضرت الساعة 8 صباحاً في شارع ” كمشتاتو ” أو مكتب الوزير الذي ربما لا يطلع على محتوياتها إذا لم تبلغه سندته عنها ناهيك أن تصل لعصب لسوء التوزيع أو لشيء في نفس يعقوب .
والناس الذين تعودوا على سماع أبواق البواخر وهي قادمة أو مغادرة تقطعت بهم السبل ، ماذا يفعلون الطريق الوحيد السالك هو طريق أسمرا والرحلة تستغرق يومين يقضي المسافرون ليلتهم خلالها في ” قلعلو” أو “عدي ” حسب سرعة البص ، بعد مشقة وتعب يصلون من عصب الى أسمرا في رحلة علاج أو زيارة أو سفر للخارج ، حيث تجد أهلنا العفر يتجمعون في ” ماركاتو” بالقرب من فندق ” فرو ” بملابسهم التراثية رغم قساوة الطقس البارد إلا أنهم يحافظون على ارتداء الزي التقليدي للعفر خاصة كبار السن والنساء مما يجعلهم مميزين دون غيرهم وتبدو على ملامحهم قسوة الظروف وسوء الأحوال المعيشية .
العفر كما عرفتهم وناضلت معهم فهم يتميزون بالشجاعة والثبات على المبدأ وبالكرم الفياض ، وبيئتهم شبه المغلقة تجعلهم دوماً يحرصون على التعرف بالآخر رغم الخجل الذي يظهر في محياهم والصرامة في تقاطيع وجوههم .
التحية لأصدقائي الذين تعرفت عليهم خلال مسيرة العمل في الاتحاد ومازال صوت المناضلة ” عبادو ” يتردد صداه في أذني وهي تصرخ لطرح مشاكل الإقليم والشباب وأيضا أتذكر الأستاذ والرفيق / إبراهيم دردر الرجل الهادئ والواعي بكل ما يدور حوله من أحداث ، معظم الذين أعرفهم غادروا ارتريا باتجاه إثيوبيا أو جيبوتي أو اليمن أو السعودية .
كتب علينا اللجوء يا رفاقي مرة أخري من حيث لا ندري .
يا أبناء السلاطين وملوك البحر يجب أن لا تسقطوا البندقية من أيديكم إذا كنتم تطمحون في النصر واسترجاع الحقوق ولا يضيع حق وراءه مطالب .
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم