مقالات وآراء

أ.باسم القروي يكتب : رحمك الله يا سبي ..لا يزال موقعك شاغراً

مرت أمس ذكراه الثالثة والثلاثون منذ موته بتاريخ 4 / 4 / 1987م فتذكرته بألم ، لكونه ترك فراغًا هائلاً في الساحة الأرترية رحم الله عثمان صالح سبي رحمة واسعة .لقد مات في سن العطاء الجزيل ، والعقل الرزين ، فقد ولد بتاريخ 1931م وما بين الميلاد المتفائل والاستشهاد الاليم  يوجد 56 عاما قضاها في  التحصيل العلمي أخذًا وعطاءً وتأليفاً والنضال السياسي والعسكري .

نهاية فرعون :

القادة المؤثرون أنواع فبعضهم يسوق الناس بالبطش فهذا قد يطول به المقام  حتى يخيل إليه أنه إله أو قريب منه  ويعلو ويعلو ويبطش ويبطش حتى يفيض الإناء   ثم  يسقط راغمًا فيصبح سبة دائمة مثل فرعون عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومن في مقامه كثيرون , ومن في سيرته كثيرون ،  ومن فيه شُعَبٌ من شعبِ فرعونَ وهامان وقارون كثيرون ، ونحن ننتظر للاحقين ما انتهى إليه مصير سابقين ، فمن سار على الدرب وصل ، ومن غرس المر حصد. وكل نفس بما كسبت رهينة ، وكما تدين تدان,  والدنيا دول ، فمن سره زمن ساءته أزمان .اللهم عجل بيوم مسرتنا

السيرة الخاملة :

وبعضهم فئة خاملة ، وسيرة عاطلة ،لا تذكر بشيء غير انها كانت في الصدارة بفعل القدر وكلما انتكست ظروفها  استعانت  بداعم أجنبي أو لاذت بالقبيلة لتنهض إلى  القيام الخامل العاطل كسيرتها الاولى،  يغلبها قوت يومها فتطاوع كل من يوفر لها  مأربها الضئيل وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم .

ومن الفئة الخاملة أن تظهر أطراف تزعم أن سبي كان لها وحدها وتحدد لجهوده ونضاله جغرافية ضيقة من الوطن الواسع وفئة ضيقة من الجمهور الواسع وترفع باسم الحسين راية باكية وتنسى أن سبي كان مثل إبراهيم سلطان وحامد عواتي وعبد القادر كبيري لكل الوطن ولكل الشعب وترفض سيراته العطرة أن تحنط في صندوق بائس مهما جمله صاحبه الخامل الحزين بألوان زاهية أو صراخ المناصرة الفاشلة وذلك لأن الوريث الصالح ليس ادعاء وإنما شرعية الوريث أن يكون  مثل سلفه الصالح علما وخلقا وهمة ونشطة وكسبا وفي الحفاظ على العلاقات الإيجابية التي كانت ثمار طيبة لجهد القائد عثمان سبي مع شعبه ومع الأصدقاء دولا وأحزابا وشعوبا الأمر الذي ظهر في دعم القضية الأرترية وحضورها المتقد في زمانه  ولهذا يتأكد لي خمول هذه الفئة التي يروق لها أن تتمسح بثوب سبي باكية  وهي عاجزة  أن ترث مواهبه وعلاقته ومكاسبه  ومكره وحنكته وحبه لشعبه وحب شعبه له وصدق من قال :

 كن ابن من شئت واكتسب أدباً    **  يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ

فليس يغني الحسيب نسبته        **    بلا لسانٍ له ولا أدب

إن الفتى من يقول ها أنا ذا        ** ليس  الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

السيرة القدوة :

وبعضهم يسوق الناس بالعلم والثقافة المعتدلة  والبيان الفصيح  والخلق  النبيل فهذا قائد مبارك يحبه  الناس ويبقى ذكره في الآخرين ولعلك أنت منهم يا سبي فقد تركت سيرة طيبة  سبق أن تمناها الأنبياء : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) أي : واجعل لي ذكرًا جميلاَ بعدي أذكر به ، ويقتدى بي في الخير)  هكذا جاء في تفسير الآية.

ونص الحديث النبوي الشريف ان من خير الناس من ينال الحمد بما فعل من خير فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن؛ رواه مسلم.

سبي مات ،  ومثله كثير من أقرانه مات ، من قادة الثورة الأرترية  – وفي كل  قدر من الخير –  لكنه أكثرهم ذكرًا وثناء من جماهير عريضة  ولن يعدم من خصم كان يتضايق من نجاحه ويغار منه عندما تقصر خطوه عن خطوه .  

نهاية مؤلمة :

مات سبي ولم يشهد ما وصلت إليه القضية بعد غيابه من مآسي أليمة ، وهوان وهشاشة التنظيمات  وضياع الوطن ،  وكثيرون يرون أن موت سبي شهادة على يد كائد ، حتى تخلو الساحة لمشروع استعماري جديد كان يطبخ ، ولا يريد عقبة تقف أمامه ، نعم قد تحقق الحلم الكائد  ومن قربته إليك يا سبي من أجل الوطن قد استأثر بالوطن ، والفئة التي عملت معها من أجل الوطن ظنت أنها صاحبة الزرع والضرع دون منازع فحاربت قيم الوفاء حتى غدرت بأصحابك من الرعيل- ولعلك انت الضحية كذلك  حسب تحليلات مقربين إليك –  وأنت كنت الأَمَنَةَ ولقد فتح باب الشر والهوان على الوطن بعدك،  وذاق الناس من البؤس وهزال الأمل ما يهدد استقلال الوطن  ، ولم يظهر في الشعب قائد مثلك يعرف من أين تؤكل الكتف ، ومن أين يصدر الينبوع الصافي ، وكيف تركب سفينة النجاة ، تركت بعدك أجساما محنطة لا حراك بها ، يقلبها أفورقي – وقد أزاح عن ساحة الفعل غدرًا كثيرين من القادة ومن كل الفصائل  – عبر الوكلاء أو تقليبا مباشرًا وهي ذليلة  تحت يديه –  كيف يشاء ، وهي تحسن الظن بنفسها أنها صانعة الأمجاد ، وحاملة لواء النضال والفعل يغلبه الفعل والدعاوي لا تغلب شيئاً

مآثر لن تموت :

ذهبت يا سبي وموقعك شاغر

مآثرك كثيرة غير محصية فقد تركت بصمات واضحة في التعليم بلا منافس وكان أبرز ما عمله تأسيس ودعم جهاز التعليم الأرتري عام 1976م الذي قتله بعد التحرير النظام الحاقد بالتعاون مع متآمرين على التعليم العربي الإسلامي محليين ودوليين .

وفي الكتابة والتأليف َمَنْ مثلُك كتب في هذا المجال تاريخًا وجغرافية وترجمة عن كتب الأجانب ولا يزال كتاباك : جغرافية أرتريا وتاريخ ارتريا مصدرًا أمينًا لمن كتب بعدك ، وهز الشجرة بعد هزك، ولا يزال كل من اقتدى بك قصير الخطوة ، عالة على ما كتبت يداك.

ومن مثلك عالج علميا إشكالية الوحدة الوطنية وكتب ( جذور الخلافات الاريترية وطرق معالجتها).

وفي الحفاظ على هوية الشعب الأرتري من مثلك  كان مؤتمنا على التقاليد النبيلة والتراث الاصيل متصالحًا مع شعبه غير خصم له ولا محتقرًا إياه.

أتى غيرك من القادة يحمل الفكر الشيوعي بطرفيه الصيني والروسي فكنت وحدك متفردا متصالحا مع المواطنين فأحبوك

من مثلك استطاع أن يبني جسورا متينة مع العالم العربي لصالح القضية الأرترية

من مثلك كان يمتلك القدرة للتعاون مع  من آذاه فصبر على الأذى من أجل الوحدة الوطنية والقضية الوطنية

علمت أجيالا وأشخاصا وأهلت أفواجاً، في المدارس والجامعات في الدول العربية ، نعم العلاقة الطيبة تثمر الثمار الطيبة ،  وقدمت المعروف لكثيرين وهم يجحدون فضل اليد التي امتدت إليهم بالعطاء فغفر سبي لهم وسالم ، وقد ابتلي في حياته بفريق      (  إي تلي وإي مرح  –  أي علة  دائمة لا يقود ولا يقاد )  فكان عاقلاً في التعامل مع مثل هذه الحالة المعيقة  ، ربما فهم بعضهم تجاوزك العقبة الكؤود انشقاقاً ومع ذلك لا يخلو من اجتهاد سياسي قابل لتفسير إيجابي إذا حسنت النوايا علما انه ليس بالضرورة أن تنبت البذرة الطيبة ثمرة طيبة واجتهاد حسن من الصحابة الرماة في غزوة أحد  كانت نتيجته أليمة .

من مثلك استطاع أن يجرب أكثر من سبيل لتحقيق الهدف واستطاع أن يتجاوز العقبات بهدوء ، كنت مثقفاً تنطق بلسان عربي مبين ، وبأكثر من لغة  تمثل أرتريا  الوطن والقضية والشعب وكنت رمز الجميع  ولم ترفع راية لقبيلة ، ولا علماً لفكر أجنبي

نعم كنت في الميدان ، وكنت في القلم ، وكنت في السياسة ، وكنت في الإعلام . وكنت القائد الرائد الذي لا يكذب أهله –  نحسبك كذلك ولا نزكيك على  الله –  نعم لست وحدك لكنك قد تركت آثارا إيجابية في كل ذلك شاهدة بتفردك.

لست نبيًا يا سبي – رحمك الله-  لكنك كنت خارق العادة في صبرك،  وثقافتك ، وحنكتك السياسية .فكنت أنت القائد لأن القادة الموهوبين الملهمين معدودون.

لست فوق الحساب لكنك كنت المجتهد الواعي  الذي يعبر بحذق شديد فوق الأشواك حتى يسجل كل يوم إنجازا بينما منافسوه يستمتعون بالطعن عليه ، فمات ، وماتوا ، وترك، وتركوا  ، فهنيئا لكل طرف بما كسبت يداه ، وفرق بين من انقطع عمله ،  وبين من تجري له صحيفته  وتتجدد ، تنمو بها حسناته  إلى قيام الساعة حتى تطاولت بحق قامتك أمام تقاصر قامات منافسيك. تقبل الله منك يا سبي وغفر لك.

رحم الله جميع القادة الذين ماتوا في درب النضال فهم عند رب غفور ونحن نكتب ننصح الأحياء حتى يتركوا من بعدهم الأثر الطيب لا السيرة الخمولة . وعثمان سبي كان القدوة الحسنة ولا يوجد في الساحة من ينافس سيرته  إنها تقول (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ )  .

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يرحمه الله وجميع رفقاء دربه كل منهم عمل علي حسب استطاعته ونظن خيرا بهم جميعا ولكن أراك وكأنك تقول توقف كل شيء واظلمت علي الشعب الارتري الدنيا وهذا عجز وتباكي ويءس. و لايقنط من رحمة الله الا القوم الصالون وأيضا وكأنك تقول انتهي باب الإجتهاد والجهاد ومقالك كان فيه ظلم لرفقاء سبي الذين ناضلوا مع وجميعهم فارقوا هذه الحياة فلماذا كل هذا التكلف والاختلافات وانت تحذر وتتهم قبائل من التحيز وانت تفعل نفس الشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى