أ.د.جلال الدين :أصبحت ارتريا الآن عرضة لأطماع إثيوبيا
تمضي الحلقة الثالثة في المادة التحليلية التي كتبها البروفيسور جلال الدين محمد صالح تحت عنوان ” نهاية اللعبة ومستقبل الكيان الأرتري ” موضحة أن المصالحة الوطنية التي جمعت بين تقراي والحكومة المركزية في إثيوبيا من شأنها أن تتقوى بها الأطماع الإثيوبية ضد أرتريا رغبة في بحرها وموقعها الاستراتيجي كما تتوقع الحلقة انهيار النظام الأرتري أمام الغزو الإثيوبي المحتمل
نتابع نص الحلقة الثالثة :
وفيما يتعلق بالتداخل في غاية الحرب، بين إثبات كبرياء إسياس وثأره الشخصي، وبين كبرياء الوطن واسترداد حقه المسلوب، قضية لا يمكن البت فيها والفصل إلا بتحقيق كامل في ملابسات الحرب وكيفية اتخاذ قرارها في دولة من المفترض أن يكون قرار الحرب والسلم فيها منوطًا ببرلمان دستوري منتخب.
وافتقارها إلى هذه الشرعية الدستورية لابد أن يَسِمَهَا منطقياً بحرب كبرياء الدكتاتور، وليس حرب كبرياء الوطن، وانطلاقًا من هذا الاتهام الدستوري، وبغض النظر عن نتائجها، فإنها إحدى القضايا الوطنية التي يجب أن تنال حظها الكافي من النقاش المسؤول في نظام ما بعد نظام أفورقي، سواء تولد من قوى وطنية كامنة في داخله تعمل على حذر وحيطة، أو من هؤلاء الذين يقاومونه من خارجه جهرًا.
وأيًا كان ماسيفضى إليه هذا التحقيق في حينه، فإن اللعبة لم تتوقف باتفاق بريتوريا للسلام الدائم،وإنما وراؤه جولة أخرى ولكن بطريق آخر، ووسائل أخرى، ترمي إلى إخضاع الكيان الارتري، وإعادة هندسته بما يتناسب واستراتيجية إثيوبيا وحلفائها الدوليين، ليس من الأكسوميين التجراويين وحدهم هذه المرة، وإنما من كل الأكسوميين في إرتريا وإثيوبيا، بما في ذلك الأمهرى حلفاء أفورقي، فكل ما جرى هو نقل المعركة من ساحة العنف الدموي إلى ساحة العمل الدبلوماسي، والمكايدة السياسية، وأن من قادوا الحرب وتصدروا صفوفها من اللاعبين الأكسوميين في التجراي عادوا إلى مناصب متقدمة في الدولة؛ لسهموا بدورهم في اللعبة التالية، وبهذا تكون إرتريا انتقلت من مواجهة الأكسوميين التجراويين إلى مواجهة كل إثيوبيا بتطلعاتها الاستغلالية نحو الموانئ الارترية.
ولهذه الغاية التخريبية سيعملون معًا في تفجير الوضع الداخلي لإرتريا، بالتنسيق مع الأكسوميين الارتريين الموالين لهم في الجيش الارتري، ولاسيما قد رأينا انقسام الناطقين بالتجرنية في إرتريا، بين من انحاز إلى التجراي مناصرًا ومتعاطفًا، مقابل آخرين منهم انحازوا ضدهم، وهو مؤشر واضح في خطورة هذا الانقسام على مستقبل البلاد.
وقرأنا أيضًا ما حرره الكاتب الأمريكي مايكل رابين الذي طالب إدارة بايدن بالجدية في تصحيح الوضع الارتري، وهو متخصص في الشؤون الإيرانية والتركية والشرق أوسطية، تلقى آراءه قدرًا من الاعتبار في جمع المعلومات اللازمة وتحليلها لوضع السياسات المناسبة.
ولابد أن يدفع هذا الانقسام في مجموعة التجرنية وهذه التحركات من الأمريكان نظام أفورقي إلى اتخاذ إجراءات مضادة، على صعيد الداخل بالدرجة الأولى والأساسية؛ ولأنه نظام أمني استخباراتي، فسيقوم بمزيد من تشديد القبضة الأمنية على الشعب كله، وبعمليات التطهير الداخلي في الجيش نفسه، يلصق تهم الخيانة والتآمر بعناصر يشك في ولائها له، وليس بالضرورة للوطن.
وهنا سنسمع أصواتًا وطنية مخلصة – كما نحسبها وسمعناها من قبل – تبرر إحكام هذه القبضة الأمنية وتشديد ضغطها على الإنسان الارتري، وفي الآن نفسه ستصمت عن كل عمليات التطهير والتصفية التي سيجريها النظام ضد من يقصدهم بتهم الخيانة والتواطؤ مع عصابة التجراي، إن لم تُسَوِّغْهَا علنا وتُسَوِّقْهَا، بحكم أن كل ذلك في نظرها من متطلبات حماية السيادة الوطنية، وعلى الإنسان الارتري المحب لوطنه أن يبارك في اعتقادها كل الخطوات الثورية في تصفية وإبادة العناصر المزروعة والخائنة من الطابور الخامس، ولا بأس أن يضحي بكرامته مقابل حماية وطنه، بثلاثة عقود تالية، من بعد سابقتها في عهد الكفاح المسلح، ثم الاستقلال، وجميعها قرن إلا عشر سنوات، وليس ذلك بشيء في عمر الأوطان وبنائها، مهما امتد واشتد.
وأيًا كان الموقف من هذه الأصوات وما تدعو إليه، فإن الذي لا مرية فيه هو تفاقم المشكلة الداخلية التي ستنتهي لا محالة إثر غياب أفورقي بأي عامل من العوامل إلى الانهيار الكلي للوطن، وحدوث فوضى جارفة، ومن الصعب افتراض ظهور شخص من الجهاز الأمني نفسه أو الجيش، يتحكم على الوضع بالقوة نفسها؛ لأن الأقوياء اختفوا، والجهاز الأمني متعفن في ذاته، وسيفقد تماسكه، وسينهار كغيره حتمًا ضمن الأجهزة المنهارة بشكل عام، كما الجيش أيضًا، فما المتوقع إذًا ما حلت بالبلاد هذه الكارثة؟ هذا ما سأتناوله في الحلقة الأخيرة، فتابعوني.
أ.د.جلال الدين :اصبحت ارتريا الآن عرضة لأطماع إثيوبيا
نهاية اللعبة ومستقبل الكيان الارتري - الحلقة الثالثة .