مقالات وآراء

أ.د جلال الدين :الجيل الحالي مسؤول عن ضياع الجيل التالي

مشاركة في استطلاع ” زينا ” حول الهجرة الأرترية بين  الإيجبيات والسلبيات يعدد البروفيسور جلال الدين محمد صالح إيجابيات الهجرة بالنسبة إليه معجبا بها وشاكرا ويرى أنها حققت له الأمن بكل جوانبه الفكرية والعقدية والمعيشية  ويعبر عن مخاوفه من ضياع الجيل التالي محملا المسؤولية للأباء المهاجرين فإن تفريطهم في أبنائهم ينتج عنه ضعف ولاء الجيل التالي بالوطن أرتريا وبالدين والقيم النبيلة  وإنها لخسارة كبيرة لا تعوض .نتابع نص المشاركة :

تدور حياة الإنسان في هذه الأرض بين الهجرة والاستقرار، داخل موطنه وخارجه، حيث الضرع والزرع، فهو ابتداءً لا خيار له في الأرض التي يولد عليها، ولا التي يموت فيها، وإنما الأقدار تسوقه إلى ذلك سوقا، من خوف ضيع أمنه، وجوع ضيق عيشه، ومن ثم إذا ما حصرنا دواعي الهجرة وأسبابها، فما أظنني نذهب بها إلى أكثر من عاملين مهمين، امتن الله بهما على أهل مكة، هما:

  • الأمن من الخوف
  • الإطعام من الجوع

وهما عاملان متلازمان، فحيث يكون أحدهما يكون الآخر ضرورة، والإرتريون أقل الناس هجرة، إذا ما قورنوا بمن يجاورهم من الصوماليين والحضارمة، دارت عليهمالأيام وجارت، فركبوا البحار واقتحموا الصعاب، حتى ترايمت أسفارهم، فاتسعت رقعتها، من الجوار العربي إلى المحيط الغربي، أوروبا العجوز، وأمريكا الفتية، وأستراليا القصية.

الهجرة ونيل المقاصد

 وأما فيما يتعلق بنيل مطالب الهجرة وتحقيق مقاصدها، فعلى المستوى الشخصي أقول: كانت الهجرة بالنسبة لي فرجا من الله ومخرجا، حيث وجدت: الأمن السياسي، الأمن الفكري،الأمن الاقتصادي.

والنظام الغربي مبني على منظومة من القوانين الحقوقية، دفع الانسان الغربي للوصول إليها أغلى ما يملك من الأنفس، وأعظم ما تستحق من التضحيات، من يوم ثار متحررا من هيمنة الكنيسة وخرافاتها وتحالفاتها مع الملكيات الجائرة، والاقطاعيات الظالمة، وبات بنظامه هذا مغريا للشعوب الإسلامية بالذات وجذابا، تلجأ إليه من بطش حكامها، وتستغيث بمنظماته الإنسانية؛ للضغط على هؤلاء الذين يكبتون إنسانيتها، وينتهكون حقوقها، وليس لهم من رادع ومانع غيرها، وإذا ما وصلت إليه محتمية به أطعمها من جوع وآمنها من خوف، ومنحها جنسيته، تحمل جوازه، وتزاحم في كل الحقوق المتاحة إلى درجة المنافسة في المناصب العليا، رئاسة الوزراء كما في بريطانيا، هندي الأصل جاء مهاجرا، وعضو في الكونجرس كالمهاجرة الصومالية، وآخر رئيس بلدية أو حاكم ولاية، ويتركها تعبد وتدعو من غير مضايقة، يفسح لها طريق الاستقامة كما يغريها بطريق الغواية، فتركن إليه وتطمئن له، وتتحمل في سبيل ذلك كل المنغصات والمزعجات الهامشية في تقديرها، من عنصرية متعالية تظهرها جماعات منبوذة قانونا، ومعزولة أخلاقيا، أو من انحلال أخلاقي، وتفسخ إرادي تراه عيانا، والقانون يرعاه ويرعاها.

الدين والأسرة والمهجر

وأعظم ما يقلق المسلم في هجرته إلى الغرب تحديدا هو (حفظ الدين) و (حفظ النسل) وهما من كليات الدين الخمس الواجب حفظها دينا وعرفا، ومسؤولية حفظهما يصل مداها إلى الأجيال العاقبة، وقد يلحق المتسبب الأول قدر كبير من جرم العقب المرتد أو المنحرف؛مما يضاعف عليه المحاسبة، إذا ما قصر في تنشئة الجيل الأول من بنيه بالتربية الصالحة، وهكذا يكون كل جيل سابق مسؤولا عن الجيل اللاحق، وأهم ما في هذه القضية من إشكالية، هي قوة وصلابة ارتباط النسل بموطن المهجر،أكثر من ارتباطهم بموطن الأب المهاجر، كل جيل يزداد عمق ارتباطه عن الجيل الذي قبله.

وإذا كان الأب يحمل ما يبعث حنينه بين الحين والآخر من ذكريات مدينته الأولى أو قريته، فإن ذاكرة الأبناء فارغة من كل هذا تماما، ومحشوة بمعالم لندن، وباريس، وواشنطن، وبرلين، وما تحفل به هذه المدن من مغريات، مقابل ما تعانيه مدينة الأب الأصلية من جوع، وحروب، وأمراض، يشاهدها الأبناء على الشاشة المرئية، كما تنقلها آلة الإعلام الغربي ويحللها رجاله. وهذا لابد أن يزيد المسلمين بعامةقلقا على قلق، وأرقا على أرق.

وهي مشكلة كل المسلمين، بمختلف أجناسهم وأعراقهم، متوارثة بينهم لا حل لها، وجدنا من سبقنا يعاني منها، وعنه ورثناها، وبحلوله تعاملنا معها، ونحن بدورنا أورثناها من لحق بنا، وعليها يسير أبناؤنا ثم أبناؤهم، وهكذا تمضي الأمور والله المستعان.

وليس للجميع من آليات الحماية إلا سؤال الله إصلاح الذرية، ثم الاحتماء بالمراكز الإسلامية، وهو ما يفعله المسلمون بالغرب قاطبة، ومن المسلمين من سارع إلى الهجرة العكسية، فعاد إلى بعض عواصم الشرق، القاهرة، والرباط، والرياض، والحجاز هربا، ومنهم من وفق، ومنهم من أخفق.

ومع ذلك هناك ضياع وضلال، أسر تحطمت، زوجات تمردن على أزواجهن، وأبناء تمردوا على أبويهم، وأزواج أخرجوا من بيوتهم، وويل من القانون للأبوين اللذين يتهمان بالعنف اللفظي في العلاقة مع الأطفال، يحرمان من تربيتهم، وأبناء ابتلعتهم الحضارة الغربية وغيبتهم في أحشائها، لهو في المراقص، واحتساء للخمور، وإدمان للمخدرات، وعلاقات محرمة خارج بيت الزوجية، الولد الصديق والبنت الصديقة، واحتباس في السجون لمدد طويلة، ومشاركة في عصابات الجريمة.

وأعرف من قتل بيد هذه العصابات عندما فكر في التراجع عنها والانسحاب منها، وإلى جانب هذا يوجد من اعتصم بالله فعصمه، ولاحق النجاح فأدركه، وارتبط بصحبة كرام فكان من رواد المركز الإسلامي.

ومع ذلك لابد أن أقول لك: تظل الخطورة كما هي باقية بالغة الأذى، وبالقدر العالي نفسه، ما دام الغرب باق في ضلاله القديم، وما دامت الرذيلة بكل صنوفها باتت عنده هي الفضيلة، يعلم الصبيان في المدارس حق الملاوطة، والمساحقة، ويقول لهم: لا توجد المخاطبة بضمير المذكر ولا المؤنث، ومن حق كل طفل وطفلة أن يقررا متى ما بلغا السن القانوني ماذا يكونان، وإلى ذلكم الحين لا يناديان بهو ولا هي!.

جيل المهجر وهموم الوطن

وثمة مؤتمرات إسلامية تعقد لمناقشة ومعالجة مشكلات الجيل الثاني والثالث فما تلا، من نسل المهاجرين الذين أدركهمالموت، وتركوا من خلفهم ذرية ضعافا، صبية ومراهقين، مشوشة أذهانهم، تتنازعها مواطن الآباء التي لا يعرفونها، وموطن البلد الذي على أرضه ولدوا ونشأوا وتعلموا وأتقنوا لغته، ولهم كل الحقوق الوطنية المضمونة بنص القانون.

وغالب التوصيات التي سمعتها في لقاءات حضرتها، أو في أوراق قرأتها، تنص على توطين الإسلام في ديار الغرب من خلال هذه الأجيال، وإشعارها بأنها جزء من هذا الوطن، ولابد من أن تندمج فيه دون ذوبان يفني شخصيتها المسلمة، وليس من العدل بحقها وسلامة تنشئتها خلق التضارب في مشاعرها الوطنية، يخرج الإبن أو البنت إلى المدرسة والجامعة، فيشعران أنهما مواطنان ينتميان إلى هذا البلد، وإذا ما عادا إلى المنزل قال لهما الأبوان: أنتما سودانيان، مصريان، إرتريان.

وهذا خلل كبير، علينا أن نغرس فيهما مسألة المواطنة الغربية، وأن ننسى تلك الديار التي ولد فيها الآباء بكل ما تحمل من آهات وعاهات، لا محالة أنها ستطول، وأنها أكبر مفجع لهذا الجيل.

وهذه القضية من أهم قضايا الحوار والجدل التي ما زال يعيشها الانسان المسلم في الغرب، وأصبحت من أهم المسائل اللافتة والحاضرة بقوة عندما ظهرت داعش، ووجهت نداءاتها إلى الجيل المسلم الأوروبي بالهجرة إلى دار خلافتها ومبايعة خليفتها، وخلقت مشكلة كبيرة جدا جدا جدا، وهناك شباب بريطانيون من شتى الأعراق والأجناس، هاجروا إلى خلافة داعش، وقاتلوا تحت رايتها، وهناك قضوا نحبهم.

وربما لا يعدم من يحن إلى وطن الآباء من جيل الأبناء، ولكن لا أظن إلى الحد الذي سيتخذ منه بديلا، وهو يرى أن لا قيمة للإنسان فيه، يسمع عن السخرة التي لا تنتهي، وعن الجندية المجردة عن الحقوق الوطنية، وعن الحروب العبثية، ويشاهد البراميل المتفجرة تلقى من الطائرات، فتدمر من تحتها من الحرث والنسل!.

وعلينا أن لا ننظر إلى هذه المسألة من زاوية جيل أو جيلين، فمن جيل الأبناء سيكون جيل الأحفاد، ومن جيل الأحفاد يتواصل النسل، ولا ننسى الزيجات المختلطة، فإذا كانت الأم إرترية، قد يكون الأب من جنسية أخرى، وإذا كان الأب إرتريا، فقد تكون الأم من جنسية أخرى، وأنى لهذه الخلطة العودة للاستقرار والإقامة، أو المبادرة إلى مقاومة الاستبداد، وإن قضية مقاومة الاستبداد هي بالدرجة الأولى والأساسية قضية الآباء، هم من أوجدها، بما أخفقوا وفرطوا، وهم من يتحمل مسؤوليتها.

ومن الإجحاف الكبير تحميل هذا الجيل مسؤولية إخفاقهم وفشلهم بحثهم على مواصلة الكفاح المسلح، إنهم أوروبيون، مواطنون، عليهم أن ينجحوا في أوطانهم هذه، محافظين على دينهم، هذا هو قدرهم، وعليهم أن يصنعوا تاريخهم، وهم عنه مسؤولون، أما علاقتهمبتاريخ آبائهم فمحكوم بقول الله تعالى( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ).

فائدة

ترايمت أسفارهم أي تباعدت

وفي المعجم الوسيط، يقال: عليك نهار رَيْمٌ: أي طويل

وبقي رَيْمٌ من النهار: ساعة طويلة.

وفي التجريت يقولون: لالي ريام بمعنى ليل طويل

والله أعلم

الجيل التالي أروبيون مواطنون

إن قضية مقاومة الاستبداد هي بالدرجة الأولى والأساسية قضية الآباء

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى