أ.د . جلال الدين محمد صالح : عندما تفقد المنظمات الدولية القيم يصبح الضحية سلعة تباع وتشترى
مشاركة في استطلاع ” زينا ” آراء القراء والكتاب حول قبول أرتريا في عضوية مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة كتب أ.د جلال الدين محمد صالح :
عندما لا يكون معنى حقيقي لحقوق الانسان، يسمو بإنسانية الإنسان، ويعزز من كرامة الإنسان، من البدهي أن تتمتع الحكومات المارقة بعضوية ( مجلس حقوق الإنسان) في الأمم المتحدة.
ولكن في الوقت نفسه، عندما تقلب القيم هكذا، رأسًا على عقب، فلا يبقى لنا حينها، الا نردد مع رئيس وزراء السودان الأسبق، محمد أحمد المحجوب، مقطوعته الشعرية الشهيرة:
هذا زمانك يا مهازل فامرحي
فقد عد كلب الصيد من الفرسان
إنه الإسفاف بالإنسان، حين يكون الإنسان نفسه مجرد سلعة رخيصة، يتعامل معه المتاجرون بمنطق الصفقات التجارية، يباع ويُشترى؛ للوصول إلى مكاسب سياسية، فحيث يكون الربح السياسي في الحديث عن حقوقه الإنسانية، تسمع التنديد بما يحدث له من انتهاكات، ثم سرعان ما يهمل في زنزانته، تحت قبضة الجزار نفسه، يكابد العذاب، ويندب حظه، اذا ما قضي الأمر الذي فيه يختصمون، بما يخدم مصلحة الطرفين بأقدار محسوبة، يكون فيها للأقوى ضعف حظ الذي هو دونه ؛ وذلك لكون قيم ومبادئ حقوق الإنسان مجرد وسيلة ضغط على هذا الدكتاتور المارق أو ذاك، وقد عاد إلى بيت الطاعة، وهو بيت القصيد، من كل هذه الجعجعة والضجة الكبرى!.
كثيرون هم الدكتاتوريون الذين أدينوا بانتهاكات حقوق الإنسان، ووصفوا بأقبح الأوصاف المنفرة، ثم ما عادوا يوصفون بهذه الأوصاف، لا لأنهم أفرجوا عن ضحاياهم، وأمسكوا عنهم سوط العذاب، وصوت التهديد، وبسطوا لهم بساط الحرية، وإنما لأنهم عادوا إلى بيت الطاعة الذي بدا لهم في لحظة من لحظات ارتفاع معدلات طغيانهم، أن يتمردوا عليه، أو قل إن شئت يتدللوا عليه؛ ليبقوا على مقعد التسلط، إلى أجل غير مسمى.
ما أسياس أفورقي، إلا مثال صارخ لهذا النوع، من الطغاة المستكبرين، فجروا ثم عادوا وتابوا، لا إلى شعوبهم، ولكن إلى من ضغطوا عليهم بقرارات تلو قرارات، ظلت تطاردهم بجناية انتهاك حقوق الإنسان .
غريب وعجيب، بمعطيات الواقع المزري لحقوق الإنسان، في أرتريا، لا بمعطيات البرجماتية الإمبريالية، أن يغفر لنظام افورقي جرائمه التي جناها، والتي ما زال يجنيها، وهي كافية لو حوسب بها؛ لتقعده أمام قضاة محكمة الجنايات الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم الإخفاء القسري، وتوصله إلى ما وراء القضبان، إن لم تعانق به حبل الإعدام، وغير متصور أبدًا أن تجلسه به عضوًا فاعلاً، في مجلس حقوق الإنسان، يدافع عن الإنسان الذي أهانه، ولكن عندما تسود المهازل، فكل مهزلة ممكنة الوقوع والحدوث، وغير مستغربة.
ومع ذلك من المهم والضروري، أن نتساءل: ماذا وراء هذه المهزلة من مهازل أخرى خافية؟.
هل هي رشوة لخطوة إلى عمل ما، يصيب البلاد في سيادتها؛ لصالح السياسات الإمبريالية الجارية في المنطقة؟.
هل تعيد الإمبريالية العالمية إنتاج أفورقي ؛ لأعمال تخريبية، في المنطقة، ليس لها من أداة مناسبة تنفذ بها، غير افورقي؛ ولهذا من المهم إخراجه للناس مرة أخرى، وهو بريئ مما كسبت يداه، من جرم، من حقوق للإنسان؟.
كل هذه تساؤلات مشروعة، تدور في الأذهان، من حق الإنسان الارتري الذي أهدرت -للأسف – الأمم المتحدة كرامته الإنسانية، بهذا التصرف اللا إنساني، أن يطرحها ويثيرها، عسى أن يعرف ماذا وراء الأكمة !
وهو نفسه ما ينبغي أن يفكر فيه ويثيره بالقدر نفسه، إنسان المنطقة كلها؛ لما عاناه من تشرد، نتيجة حروب أشعلها قادة داسوا على حقوق شعوبهم الإنسانية، فاضطروهم إلى الهيام في الصحاري، تأكلهم الذئاب، وتلدغهم الأفاعي، يتاجر بأعضائهم المنحطون، تجار البشر، وآخرون منهم يغرقون في المحيطات، تبلعهم الأسماك المتوحشة.
وكل ذلك موثق، ومشهود، ومع ذلك لا يعبأ به أحد، وينال مرتكبوه، والمتسببون فيه عضوية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، وكأنهم يكافأون بكل برودة، يا لها من مهزلة، لابد أن تدعو إلى طرح مزيد من التساؤل، ومزيد من الشكوك.
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم