أ.د.جلال الدين محمد صالح يكتب في ” زينا ” : مصر
والنيل تشابك طبيعي وحق أزلي و الحضور الأرتري في المشهد مريب
يرتبط النيل بمصر ارتباطا أزليا، بحيث لا يمكن تصور وجود مصر بلا نيل، ولا وجود نيل بلا مصر، رأسان هما في بدن واحد، لايتنفسان إلا برئة واحدة.
ومن يرد مصر بسوء أتاها في نيلها، وهو ما لا تقبل به مصر، وهو ما واجته في ماضيها السحيق، وماضيها القريب وتصدت له، وكلنا يذكر خطاب الرئيس الراحل أنور السادات في الثمانينيات من القرن المنصرم، يوم هدد الدكتاتور الماركسي منجستو هيلي ماريام، إذا ما فكر في المساس بأمن مصر المائي.
وها هي اليوم تواجهه من خلال سد النهضة في إثيوبيا، في عهد الدكتور أبي أحمد
وفي حين ترى مصر في هذا تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي والغذائي، تتذرع إثيوبيا باستغلال حقها الطبيعي في الاستفادة من ثرواتها الطبيعية في تنمية بلدها بتوليد الطاقة الكهربائية.
وهو حق لا تنكره مصر بل أبدت استعدادها للإسهام فيه، ولكن دون المساس بالاتفاقيات المبرمة في توزيع الكميات المتدفقة.
وفي نظر إثيوبيا أنها اتفاقيات مجحفة أبرمها المستعمر على حساب المصلحة الاثيوبية.
الحقوق تقسم بالتراضي لا بالتعنت بين الدول :
وضمن هذه الإشكالية وحلها نشطت الدبلوماسية المصرية، تعمل بكل جدية في نزع الفتيل من أجل الوصول إلى حل يستجيب لمصالح الأطراف الثلاثة، مصر، وإثيوبيا، والسودان، إلا أنها لم تحقق اختراقا يؤهل الجميع لتجاوز الأزمة حتى اللحظة، وقد عزت
ذلك إلى التعنت الذي جوبهت به من الدبلوماسية الاثيوبية.
ونتيجة لهذا الموقف المتشدد من إثيوبيا تقول مصر: إنها لن تفرط في أمنها المائي ولن تتخلى عن الحفاظ في نصيبها الطبيعي والتاريخي من مياه النيل.
وهذا منطق جد مقبول ومعقول بكل المقاييس الأمنية، في السياسة الدولية، إذ لا يوجد بلد في العالم يعرض شعبه للظمإ والجفاف.
ومع ما لإثيوبيا من حق في توظيف مياه النيل الجاري خلال أرضها في تنمية بلدها، وسد حاجات شعبها، إلا أن ذلك مشروط بطمأنة مصر من أي خطر متوقع ينال من أمنها بمختلف تنوعاته، وتشكلاته.
وما تعيبه مصر على إثيوبيا تفردها في اتخاذ القرارات دون إشراك الطرفين الآخرين مصر والسودان والتشاور معهما، هذا إلى عدم جديتها في تفهم المخاوف المصرية والسودانية، وتنصلها من التعهدات اللازمة باتفاق قانوني ملزم، بغرض وضع الجميع أمام الأمر الواقع.
ولم يعد هذا الموقف السلبي من إثيوبيا مصدر قلق لمصر والسودان فحسب وإنما أيضا للإدارة الأمريكية بقيادة بايدن والتي شددت على الاتحاد الأفريقي ضرورة حل هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن.
كما أكد نائب الرئيس البرازيلي خلال زيارته لمصر في سبتمبر الحالي تفهم بلاده لأهمية تدفق نهر النيل لمصر من أجل الأمن المائي والغذائي لمصر.
كسب مصري :
وهذا يعني نجاح الدبلوماسية المصرية في تحقيق مزيد من المكاسب أمام تراجع الدبلوماسية الإثيوبية الملحوظ، ولا سيما بسبب الحرب الطاحنة في تجراي، وما سببته من إحراج كبير للدكتور أبي أحمد، بما ارتكب فيها من جرائم ضد الإنسانية.
وهكذا أن وتيرة الضغوط آخذة في التصاعد على إثيوبيا، حتى لا يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ مهددا السلم الدولي.
الحضور الأرتري المريب :
وغير بعيد أن تكون قوى معادية لأمن مصر من وراء فكرة السد نفسه للضغط عليها ضمن تحالفات من وراء ستار.
وثمة تحركات مشبوهة نراها تحبك تحالفاتها.
ونرى في ذلك الانحياز الارتري الواضح نحو إثيوبيا، حيث زار إسياس أفورقي السد معربا عن إعجابه، في دلالة واضحة على أنه مع الوجهة الاثيوبية.
ومن الطبيعي أن يزعج هذا مصر، ويضاعف من قلقها، وأظن هو ما جعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبادر بزيارة جيبوتي، في مايو 2021 م، الدولة العربية القرن أفريقية، ذات العلاقة المتأزمة مع إرتريا.
وهو ما جعل أيضا السودان يتحفظ عن التجاوب مع رغبة إسياس أفورقي في الوساطة بينه وبين إثيوبيا.
وربما نظرت مصر إلى الموقف الارتري بعين الريب والتشكك.
من أخطاء د.آبي أحمد :
وتخطئ إثيوبيا إذا ما تصورت أنها أقدر على تجاوز مصر في تحقيق ما تريد.
وعليها أن تدرك أن انتهاج سياسات من هذا النوع ضرره أكبر من نفعه.
وحري بها أن تجنح نحو التهدئة والمرونة بدل التصعيد، ولاسيما في هذه اللحظة التي تواجه فيها تصدعا داخليا بسبب الحرب الدائرة في إقليم تجراي.
وهي أكبر خطأ ارتكبته إدارة الدكتور أبي أحمد في حل خلافاتها مع الجبهة الشعبية لتحرير تجراي.
وإرتريا طبعا شريك فاعل في هذه الحرب التي لن تحسم بسهولة، وستظل تستنزف الأطراف المتقاتلة، وربما أدخلت المنطقة كلها في مأزق لن تخرج منه ولو بشق الأنفس، ويبدو أن آثارها السلبية بدأت تنعكس على الحالة الاثيوبية حيث أغلقت الدبلوماسية الاثيوبية عددا من بعثاتها في أكثر من دولة مهمة، منها مصر على سبيل المثال
النيل ومصر
النيل ومصر وإثيوبيا
أ.د.جلال الدين محمد صالح يكتب في " زينا " : مصر والنيل تشابك طبيعي وحق أزلي الحضور الأرتري في المشهد مريب