اختتام الاجتماع الدوري الثاني لمجلس شورى رابطة علماء ارتريا
من ترجمة ومطبوعات الرابطة : كتاب ولاية الحبشة بقلم تركي.
أراد لها النظام الأرتري أن تصمت خائفة ، لكنها ولدت لتبقى ، وحرضها عليها الدول لتقوم بمحاربتها لكنها لم تطاوع ، وظلت الرابطة تعمل دون ضجيج وفق إمكانياتها المهاجرة ، وإمكانيات المهاجر ليست كإمكانيات من تدعمه دولته ، وشعبه، ويقيم بين أهله ، ويستثمر في خيرات بلاده؛ ولهذا رضي موسى عليه السلام أن يؤجر نفسه عشر سنوات حيث اشتغل النبي الموحى إليه بالأجرة عند نبي آخر يوحى إليه حتى أتم العشر عاد بعدها بأهله إلى وطنه وخاض مسيرة الإصلاح والتغيير حتى انتصر . وللعلم إن الإسلام إذا وقر في القلب لا تنزعه التهديدات ولا تحرق شجرته نار الأخدود ولذلك سوف يبقى صامدًا في دار الوطن ودار المهجر فليس بغريب أن رابطة علماء أرتريا صمدت أمام تهديدات النظام ، وواصلت مسيرتها بهدوء لم يمنعها الوعيد الظالم من أن تمضي في نشاطها , ولا ثبط همتها معيقات قلة المال وقلة النصير من أن تتحرك بما هو متاح تقدم دعوة الله وتنشر الدين الرحمة مسالمة هادئة .
تقديرًا لظروف الشدة والهجرة ما عابها ولا ضرها لو كانت صامدة في كهف تنشط القلب بالإيمان في خلوة ، وتمارس النشاط سرًا مثل قصة الراهب الذي تعلم عنده الغلام فانكشف أمره بعد تأسيس الإيمان القوي الذي نما سراً ، وجند وعلم سراً حتى أصبح لها انصار مؤمنون بالفكرة إلى درجة الصمود عند البلاء والتضحية بالنفس والنفيس ومع جواز ذلك وأهميته ظل فعل الرابطة جهيرا حسب إمكانياتها المحدودة وموقعها في الشبكة يعكس حضورها المؤثر ومناشطها الإعلامية التي تصل إلى العمق الأرتري بأكثر من لغة وكلما مضى عام وهي تسمق شامخة ، وتنمو مطمئنة إنها رابطة علماء أرتريا وهي منظمة دعوية إسلامية جامعة تريد أن تكون هيئة مرجعية لكل مسلمي أرتريا في الدعوة والفتوى والفقه والتربية والوحدة والاعتصام بحبل الله مع ملاحظة مفهومه الواسع ا لذي يستوعب كل المذاهب الفقهية والفكرية والجماعات الدعوية .لأن حبل الله ليس محتكرا لأحد يضيقه أو يوسعه كيف شاء وإنما هو يستوعب الأقسام الثلاثة من الأمة : السابق بالخيرات والمقتصد والظالم لنفسه وكلا وعد الله الحسنى إن شاء الله .
الاجتماع الدوري الثاني لمجلس الشورى :
وليس سهلا أن تعقد اجتماعاتها الدورية في أوقاتها بانتظام في زمن الحصار والفقر وسطوة السلطان الجائر في بلادها الذي يتضايق من كلمة الحق ،مهما أتت في ثوب مسالم وحكمة بالغة وأسلوب من الهدى لطيف رحيم حريص على المصلحة العامة
احتضنت مدينة أسطنبول التركية الاجتماع الدوري الثاني لمجلس شورى رابطة علماء
ارتريا خلال الفترة 29 – 30 من شهر أكتوبر الماضي ضم الاجتماع أكثر من 24 عضوا أتى كثير منهم جوًا من مواقع مختلفة في العالم لحضور المناسبة .وضمن الأعضاء الحاضرين كانت المرأة المسلمة العالمة جزئا أسياسيا في المناسبة مساهمة برأيها في النقاش ، توافق على ما تراه مناسبا وتعترض طارحة البديل المناسب من ا لرأي السديد وبهذا تكاملت مع الرجال في صنع القرار ، وفي إدارة العمل الإسلامي الخيري الدعوي والتربوي والعلمي إنه الإسلام الذي ساوى بين الرجال والنساء في تنفيذ المهام وجعل التفاضل بينهم بالسبق على فعل الخيرات لا بالرجولة والأنوثة .
كما شارك في الاجتماع ضيوف شرف يمثلون عددًا من الروابط والهيئات العلمية من كثير من دول العالم ملبين دعوة قدمتها إليهم الرابطة بينهم د.عبد الحي يوسف ، والأستاذ محمد الصغير ود.عصام البشير وعدد كبير يمثل علماء العراق وتركيا وفلسطين والصومال ….
ناقش وأجاز المؤتمر خلال اليومين المذكورين التقريرين الأدبي والمالي كما ناقش واعتمد الخطة التشغيلية لعام 2023م.
ذكرت تقارير المناسبة أنها توسعت في عملها التعليمي والدعوي والبحث العلمي خلال الفترة التي رصدها التقرير على الرغم من معيقات المادة ووباء الكورونا الذي قيد الحركة عالميا .وختمت الفعالية بسرور ورضى ليس لأنها حققت كل أحلامها وخططها وإنما لأنها لم تقصر في المتاح ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها والغاية الميل تبدأ بخطوات واثقة.
وفي ختام الاجتماع أصدر مجلس الشورى بيانا يوضح فعاليات المناسبة كما يندد بالعدو الصهيوني المحتل لفلسطين الأبية ويؤيد جهادها وطالب البيان النظام الأرتري أن يفرج عن المعتقلين من الدعاة والعلماء وغيرهم من المواطنين الذين تكتظ بهم سجون الحكومة الأرترية ولم ينس البيان أن يؤكد على الوسطية الدعوية مشنعاًً الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة ضد الابرياء وأن اختلفت معتقداتهم.
تدشين كتاب عن الحبشة :
صمن فعاليات المناسبة تم تدشين كتاب قيم ألفه كاتب تركي عنوانه :
السياسة الجنوبية للإمبراطورية العثمانية – ولاية الحبشة . ويضم في طياته 328 صفحة
.وقد قامت الرابطة بترجمته إلى اللغة العربية وأتاحت النسخة المترجمة لقراء العربية.
يتحدث الكتاب عن الدور التركي في عهد الدولة العثمانية في ولاية الحبشة والمقصود بها أصالة أرتريا وبقية المناطق تبعًا بحكم أن الخلافة التركية كانت ممتدة إلى هذه المناطق. وقد قام باستعراض مادة الكتاب البروفيسور جلال الدين محمد صالح موضحًا جهد المسلمين في المسيرة الوطنية .منذ العهود القديمة وحتى الآن .
روابط الإيمان:
مما يسر محبي الرابطة أنها جمعت في مظلة واحدة علماء من مختلف المشارب الدعوية والفقهية والتجارب المختلفة وكلهم تآلف مع الآخر موقنًا بأن ما اتفقوا عليه أكثر مما يختلفون فيه وأن مسائل الاجتهاد تظل مفتوحة للنقاش العلمي الهادئ وليست مما تحسم بقرار من طرف ضد الطرف الآخر وإن هذا فقه متقدم جدا يؤسس للتعايش السلمي بين المواطنين وإن الرابطة رائدة الخير في هذا الباب يقتدى بها وتصبح بهذا الوصف الجميل تمثل كل المسلمين في أرتريا يسعى بذمتها أدناها وهي يد على من عاداها .تتصدر المسلمين علماً ودعوة وتربية وقدوة .
وكم هو جميل أن تظهر في الاجتماع مظاهر الحب والتعاون والتآخي بين الأعضاء وكانت زيارات جماعية لمعالم في المدينة ، وكانت زيارات لعلماء آخرين وتواصل
بين الأعضاء ودعوات وإكرام ، وكم هو جميل أن يكرم الأمين العام للرابطة الأعضاء في مقر إقامته في جلسات أنس حميم وتواصل يقصد تقوية الأواصر بين الأحبة ويروح عن النفوس ويعمل على غرس الخلق القويم الذي يجمع بين الأعضاء ولا يفرق ويزرع وينمي الإحساس في النفوس بأهمية وحدة المشاعر والفكر الوسطي ووحدة الصف.
فقرات ادبية :
من بين الفعاليات البديعة كانت هناك فقرات أدبية ألقيت فيها قصائد شعرية باللغة العربية بعضها من إنتاج شعراء الرابطة والبعض الآخر من محفوظات بعضهم ،و كانت قصيدة عن الغزل باللغة العربية ألقاها البروفيسور جلال الدين محمد صالح رئيس الرابطة وأخرى عن الأم باللغة التقرنية ألقاها الأمين العام للرابطة الشيخ برهان سعيد فالأولى كانت مرحة مسرورة توضح جواز رواية الشعر الغزلي وسماعه لدى العلماء اقتداء بسماع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصائد شعرية غزلية محضة أو كانت تفتتح بالغزل وهو وصف محاسن المرأة كقصيدة كعب بن زهير التي جاء فيها :
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا** إلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً ** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ** كأَنه مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ ** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ ** مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
وانتهت القصيدة باعتذار وطلب العفو
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ ** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ** أذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
ومضى حتى انتهى بمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومديح صحابته الكرام :
إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
ومدح الصحابة :
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
والعلماء في الإسلام يروون الشعر ويقرضونه ، ويستدلون به ويتمثلونه ويعجبون بما فيه من إبداع ويقبحون ما يرد فيه من فحش القول وفحش المعنى
والخلاصة إن الإسلام دين إبداع لا دين حجر وكبت المواهب
أحسنتم فهمًا لدينكم يا رابطة علماء أرتريا ولا يضر أن يكون من بينكم من ناقش فكرة: هل يجوز لعالم رواية الشعر الغزلي فالعبرة بالرأي الجمعي لا بوجهة نظر شخصية مطاوعة لكونها تذكر رأياً فقهيا ورعا ولا تدخل في مشادات غالية في وجه الجمهور المجيز .
أما القصيدة الثانية التي ألقاها الامين العام الشيخ برهان فكانت باللغة التقرنية والحديث عن الأم كان حديثًا جليلاً خاصة عند فقدها فقد بكى الشيخ وأبكى بقصيدته الحزينة وكم تفرق الابناء عن الوطن وذهبت أمهاتهم إلى الآخرة وهم في دور الهجرة تفصل بينهم وبين أمهاتهم جور السلطان وبعد الشقة وقلة التدبير. فحق لهم:
* ان يبكوا ألم الفراق
* وان يشكو غلظة السلطان
* وأن يتوجعوا للحي المهاجر
* والجنازة المهاجرة
رد الله الجميع إلى الوطن الحبيب .
.
الاجتماع الدوري الثاني للرابطة
تدشين كتاب عن ولاية الحبشة
انعقاد الاجتماع الدوري في موعده وانتظام كل اعضائه في المناسبة يدل على صمود الرابطة أمام التحديات .
د.حامد محمد حالفا قلم فقيه وأستاذ جامعي يهتم بالسياسة الشرعية والقضايا الفكرية ، يكتب البحوث العلمية المحكمة التي تعالج مشكلات المجتمع من الوجهة الإسلامية