البروف جلال الدين : أمتعني واستفزني كتاب مسحليت :
بسم الله الرحمن الرحيم
البروف جلال الدين : امتعني واستفزني كتاب مسحليت :
قراءة في كتاب مسحليت
بقلم البروف جلال الدين محمد صالح – لندن
أشكرك د.حامد حالفا على أهدائك لي هذا السفر المفيد برابطه المنشور في موقع الموسوعة الوطنية الأرترية – نسخة قيد التنقيح – ، بما وثق من معلومات تاريخية عن مكون قبلي أرتري بجاوي . كثيرون هم الذين يجهلونها ، وقد امتعتني إيما امتاع ، واستفزتني حتى نثرت هذا الذي بين يديك ، متفاعلًا معها، وهذا مما يحسب للباحث وبحثه وأنا جد شغوف وولوع بمثل هذه الكتابات . وقد قرأت من قبل كتاب أخينا الدكتور إدريس جميل عن تاريخ البلين .
وكم نحن في حاجة إلى مثل هذا التدوين ، بأقلام من أبناء الوطن أنفسهم ، ينحدرون من هذه المكونات القبلية ويوثقون تاريخها ، ومقاطنها ومعاطنها .
ومن لا تاريخ له لا وجود له ، ويؤثر عن فيلسوف أمريكي قوله : إذا أردت أن تتحكم على شعب ما فجهله بتاريخه واصنع له تاريخًا من عندك ثم لقنه به .
ولا معنى للتاريخ من غير توثيق ، ولا معنى للتوثيق من غير وثائق مخطوطة أو روايات محكمة ، وصحيحة بسند قوي ، يجعلها أقرب على القبول والتفسير المنطقي. ومعظم مرويات التاريخ ظنية الثبوت ، وربما الدلالة ، وكما يقول الطبري : العهدة على الراوي .
ومهمة الباحثين أن يحللوا هذه المرويات ، ويفسروها وينقدوا منها ما يرونه جديرًا بالنقد وفق المنهج التاريخي ، في البحث العلمي .
وهذا البحث حوى الكثير المفيد والإيجابي وفيما أظنه إسهامًا قرأته بنفس نقدي ، وكتبت عنه ما اعتقد مفيدًا مبدياً ملاحظاتي على التالي :
1 – مسألة تطييب الخا طر في البحث العلمي :
لا داعي للتعبير بقول المؤلف ” تطييبًا للخاطر ” عند ترتيب القائل فالأبحاث العلمية لا مجال فيها لتطييب الخواطر وإنما مجالها البحث عن الحقيقة المجردة بموضوعية جافة كما يقولون . بعيدًا عن الذاتية وعواطفها .
ومن ناحية أخرى أن ترتيب الأسماء على هذه المنهجية – ترتبيب الأسماء وفق الحروف الالفبائية – معمول به علميًا ومتوافق عليه بحيثًا فلماذا الاعتذار بتطييب الخواطر ؟
2- وجهة نظر في ترتيب الفصول :
من الناحية المنهجية أولاً :الفصل التمهيدي ويحمل عنوانا: مدخل الدراسة والإطار المنهجي ويتضمن ما يلي :
المقدمة وفيها يذكر سبب الكتابة بعد كلام عام عن موضوع البحث .
مشكلة البحث التي يود معالجتها وسؤالها الرئيس ثم أسئلتها الفرعية
الدراسات والبحوث السابقة ذات الصلة بالموضوع .
تعريف مصطلحات البحث البحث الأساسية ويسموها المفتاحية وهي : مسحليت ، قبيلة ، تاريخ ، إنسان ، حلف ، جاهلية .
أهمية البحث تحت عناوين : الأهمية العلمية ، والأهمية العملية
الحد الزماني للبحث ( مسحليت من كذا إلى كذا ) والحد المكاني .
منهج البحث المعتمد وهو المنهج الوصفي بشقيه الاستقراء والتحليل وكذلك المنهج التاريخي الذي يعود إلى الماضي لحل وفهم إشكالية الحاضر ، وطرح المستقبل .
وهكذا ينتهي الفصل ا لتمهيدي ثم يلي الفصل الأول .
وأقترح أن يكون الفصل الثاني هو الفصل الأول : أرض مسحليت مواردها الاقتصادية .
وفود القبائل من الجزيرة العربية :
وفيما يتعلق بوفود القبائل من الجزيرة العربية ن فإنه على الرغم من التلاصق الجغرافي بين المنطقة والجزيرة العربية ، والتنقل البشري منذ قديم التاريخ ، من يوم كان القرن الأفريقي ملتصقًا بالجزيرة العربية قبل تفجر البحر الأحمر وتشققه ، فإن الذي لا جدال فيه أن هذه المنطقة عرفت أول ما عرفت هجرة الحاميين من جنوب الجزيرة العربية ودفعهم لسكانها الزنوج على الجنوب ، ثم هجرة الساميين ، قبيلة حبشت وأجعز ، واختلاطهما بالحاميين الأجو والبجه وقيام مملكة أكسوم التاريخية قبل الميلاد ، مع اختلاف المؤرخين في تحديد التاريخ .
البجة واختلاط العرب وصراعهم ضد العباسيين :
والبجة يمتدون من جنوب مصر ،من مدنية قوص ، مرورًا بشرق السودان وغرب ارتريا وساحلَيها الشمالي والشرقي ، على حدود الحبشة وعاصمتها هجر في الساحل الشمالي ، ويذهب حامد تركي وصالح ضرار – رحمهما الله – إلى أنهم عرب ، بينما يقول آخرون : هم حاميون في الأصل ، تغلب عليهم الدم العربي ، من تزواجهم مع القبائل العربية التي استقرت بموطنهم .
وأيًا كانوا فإنهم خاضوا حربًا في معركتين كبيرتين ضد الخلافة العباسية ، وهم يومئذ وثنيون في غالبهم ، الأولى قادها ضدهم عبد الله بن الجهم ، وكان قائد البجة حينها كنون بن عبد العزيز ، وقد هزم، ووقع وثيقة الاستسلام ، نشرها المقريزي في خططه ، وتسمية الوثيقة بعظيم البجة والثانية قادها ضدهم القائد العباسي محمد القمي ، وواجه البجة بقيادة عظيمهم علي لباب ، وقد انهزم ايضًا وسيق إلى بغداد للتعهد بالولاء للعباسيين ، كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ويذكر اليعقوبي والمسعودي والمقريزي أن ربيعة اختلطت بالبجة وتقوت بهم على من ناوأها من نزار وقحطان ، وهو ما يعنى اختلاط نزار وقحطان بالبجة .
بلي أو بلو :
أما بلي أو بلو – كما ينطقها أهلنا – فهي قضاعية على ترجيح ابن خلدون ، ولها هجرتان إلى ديار البجة : الأولى قبل الإسلام ، من جنوب الجزيرة العربية ، والثانية بعد الاإسلام عن طريق مصر ، مع أبناء عمومتهم جهينة .
وقد تحدث ابن خلدون عن شأنهم العظيم في بلاد الحبشة ، ويوجدون في التجراي ، وجاؤوا إلى الإمام أحمد لمبايعته ،كما يذكر الجيزاني ، في كتابه ( فتوح الحبشة ) الذي حققه مستشرق فرنسي فيما اذكر وهو منشور .
الهاشميون وقبائلنا :
والعقل لا يمنع أن يهاجر الأمويون إلى منطقتنا ، هربًا من اضطهاد العباسيين ، والعليون هربًا من اضطهاد العباسيين فقد حدث هذا فعلًا ، وقد ذكر جمال الدين الشامي في كتابه ( المنهل عن أخبار الدنكل ) بيوتات هاشمية ، في منطقة العفر ، وصلوها عن طريق اليمن .
وكان حاكم سواكن من أبي نمي ، ويدعى الشريف زيد بن ابي نمي ، وهم هاشميون ، من أشراف مكة ، وحكام الحجاز، قبل اكتساح الحركة الوهابية الحجاز ، وضمه لحكمها في نجد حتى غزو إبراهيم باشا للدرعية ، وقضائه على دولة الوهابيين عام 1818م .
وحكم أبي نمي هذا سواكن ، والبجة أخواله ، ولاقاه ابن بطوطة في نزوله على سواكن ، عندما قدم إليها من جدة ومعه الشريف منصور بن أبي نمي شقيق حاكم سواكن ، وإليه ينتسب الألمدا ، بيد أن مستر بول يقول في كتابه ( تاريخ قبائل البجة في شرق السودان ) أنهم من المودار إحدى قبائل قحطان المفقودة .
ويذكر العالم اليمني حسن الحيمي الذي رأس وفدًا يمنياً من إمام اليمن ، قدم إلى جندر لمقابلة فاسيلداس تقريبًا في القرن السادس عشر الميلادي ، أنه قابل بحضرة هذا الملك رجلاً بخاريًا تنصر ويزعم أنه هاشمي من أهل بيت رسول الله وذلك في كتابه الذي حققه ونشره قبطي مصري ، يدعى كامل مراد ، فيما اذكر بعنوان :” سيرة الحبشة ” . وايضًا ان يهوديًا قدم إلى عمارة دنقس في الدولة السنارية وزعم انه مسلم ، من آل بيت رسول الله فبجله دنقس ، وأهداه أمة مسلمة ، وهو بدوره أهداها إلى زوجة عمارة دنقس ، ويحكى أنه فعل ذلك للتستر على نفسه ، ويقول : عمارة دنقس عن نفسه : أنه أموي ، على الرغم من الملامح الزنجية البادية فيه ، كما وصفه الرحالة الغربي الذي زاره .
وصحيح أن الناس مأمونون على انسابهم ، ولكن يجب التثبت والبحث الدقيق عندما يتعلق الأمر بنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذلك حفظ حق أهل البيت من الضياع ، مع الخدمة الجادة للمعرفة والبحث العلمي .
وقد اهداني المناضل محمود إسماعيل – رحمه الله – كتابًا ألفه عن نسب العساورتا ، قال فيه : أنهم ينحدرون من رجل يدعى عمر الأساور ، قدم من اليمن ، وهو هاشمي من البيت العلوي والغريب أن جميعهم علويون فيما اطلعت ، وقليل من يقول : إنهم عباسيون كالجعليين والنابتاب .
وهناك من قبائلنا من يدخل إلى البيت النبوي عن طريق الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وثم جدل علمي عما إذا كان الجيلاني نفسه هاشميًا ، فثمة من يقول أنه لم يدع ذلك وإنما ادعاه له ابنه من بعده ، ولا أدري ما الحقيقة ، ؟ فلم أبحث في هذه المسألة ن والذي قرأته في كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لابن رجب الحنبلي أنه حسني .
وعلى كل أطلت الحديث في هذه المسألة لشعوري بأهميتها وضرورة الخروج من الحاوكي الشفهية إلى البحث العلمي وهو خادم للمرويات الشفهية اثباتًا او نفيًا .
وجميل أن الباحث تحدث في ص 65 عن النهي في ادعاء النسب ، وهذه لفتة جيدة منه تستحق الإشادة وتدعو القبائل ان تتوثق من نسبها كما تدعو الباحثين إلى مثل ذلك التوثق وما فات اليوم قد يدرك غدا والكتابة الأولى عن شيء ما محفزة للكتابات التالية مضيفات او مصححات .
البيت الجوك والمسحليت:
يشكر الباحث أن تناول مسألة الاقتتال القبلي تاريخياً بين البيت جوك والمسحليت ، والمصالحة اللاحقة التي انتهت بالطرفين إلى الإلفة والمحبة والتعايش والتعاون والتصاهر . وهذا شيء جميل ، تقتضيه الأخوة الإسلامية ، وبالنسبة لي تعد إضافية علمية مهمة في تاريخ القبائل البجاوية الحديث .
لقب الشوم وكنتيباي :
وفي ص 142 تحدث الباحث عن لقبي |( شوم ) و( كنتيباي ) وهي ألقاب سلطانية ، وفدت إلى القبائل البجاوية ومع الجموعات الأكسومية القادمة من أكسوم .
وهي ألقاب سلطانية يمنحها الملك الأكسومي تتوافق مع الثقافة الأكسومية ، وفي إيمانها بالسلطة المركزية ، خلافاً للثقافة البجاوية ، والتي تؤمن باللا مركزية ، في فلسفتها للسلطة .
ومن التأثر بالثقافة الأكسومية جلب معهم هؤلاء المهاجرون إلى المناطق البجاوية نظامًا سلطانيًا تميز بما يلى :
التقسيم الطبقي :تجري وشماقلي
الالقاب السلطانية : شوم ، كنتيباي
وبهذا هي ألقاب سلطانية وافدة وكنتيباي تعنى مديرًا أو محافظًا بالمفهوم الحديث ويخص بها حاكم حماسين ، ثم حاكم جندر ، وانه أصبح لقبًا مدنيًا تشريفياً بعد ذلك بينما شوم تعنى عمدة ، حاكم قرية ، ويطلق ايضًا على حاكم مقاطعة ،وهذا هو ما قرأته في كتاب ( نصوص من الحوليات الملكية الإثيوبية 1769م – 1840) ترجمه عن اللغة الحبشية القديمة حسن محمد خليفة .
وأما من أهم الألقاب السلطانية عند البجة فلقب ” دقلل ” وهو لقب عظمة ، جاء من ذو جلل ، حميري الأصل ، وبعض البجة من الناطقين بالتجرايت ينطقون الذال دالاً فنطقوه دو جلل ، ثم اسقطوا الواو فصارت دجلل .
وإلى جانب هذا اللقب ، عرفت الزعامت البجاوية البقابًا سلطانية لأخرى ، من الخلافة العثمانية ومن أشهرها : النايب بك ، كيخيا ، سردار ، قرباشا ، وتعنى : الأسود ، مكونة من كلمة : ” قر” وهي االسود وكلمة ” باشا ” . و” آغا” ينطقها اهلنا ( عاقا ) كما ينطقون كيخيا : كيكيا وجميع حامليها من البلو .
وفي الختام هناك ملاحظات خاصة إضافية تتعلق بتصحيح بعض الأخطاء الإملائية والتعبيرية تصلكم في الخاص لعلها تساعد في التنقيح الأكثر الذي أشارت النسخة المنشورة إليه ولا ينجو مؤلف من أخطاء وعين القارئ تساعد عين الكاتب للوصول إلى المبتغى. وأكرر إشادتي بمثل هذه الكتابات فانا محتفي بها وما نقص اليوم من كاتب يكمله غدا كاتب آخر وبهذا تتكامل المنتجات العلمية وعلى الثقافة تبني الشعوب أمجادها ولا ثقافة دون كتابة ودون قراءة ولا حاضر دون تاريخ ولا مستقبل دون حاضر موثق محمي ومورث .