الجنرال” الإثيوبي يسوق المعارضة الأرترية إلى تلاشي قضيتها” .بقلم سالم كبوداي نقلا عن عونا
تمهيدًا لتحويل ملفها إلى إثيوبيا فرض السودان على المعارضة الأرترية مغادرة البلاد ضمن الخيارات الصعبة بتاريخ: 2008/5/30م فرحبت إثيوبيا بها فكان ترحيب ماكر لا ترحيب منقذ ، مضى أكثر من 10 أعوام من وصول آخر تنظيم للأراضي الإثيوبية محتمياً وهي لم تتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه إسقاط النظام الأرتري وإنما ظلت تغلبها خلافاتها ، فكلما أصلحت خرقا قد خرق آخر في جسمها على يد تنظيم آخر وإثيوبيا تدعم الوهن لا العافية في المعارضة وتغذيه – إن رضيت -بأسلوب لطيف ناعم حضاري مهذب وإن سخطت على طرف حجبت عنه دعمها الشحيح بتجاهل لطيف مؤلم دون صراخ ولا تهديد وهي تعرف أنها تؤذي غير المطاوعين..هذه هي الحقيقة المرة التي لا يقوى أن يصرح بها قادة التنظيمات الأرترية خوفاً على توقف عطايا الإبقاء على ما يسد الرمق ولا يحرر البلد.
ما مكاسب المعارضة الإرترية من وجودها في إثيوبيا؟ طرحنا هذا السؤال على أكثر من شخصية قيادية معارضة فالتزموا الصمت تجاه هذا الملف!!
والسبب في رأينا أنه لا مكاسب تذكر ، ولا بدائل عن إثيوبيا للبقاء على قيد الحياة الخاملة، وماذا يفعل من خير بين الموت والخمول ! وكم من عليل يتقلب في الألم وهو يتشبث بالحياة الأليمة بدل الموت الأليم.
يعرف الأرتريون موقف إثيوبيا التاريخي الخصم ومع ذلك اتجهت أنظار المعارضة إلى الهضبة بحثاً عن بديل صالح وهربًا عن السودان القاسي فخسرت لأنها لم تعتمد على نفسها وإنما اتكأت على داعم خارجي له مصالحه التي يرعاها وهو محق.
خسائر
غير خفي أن الموقف السوداني جعل المعارضة الأرترية تخسر :
1 – معسكرات التدريب التي كانت تؤهل فيها أنصارها وأتباعها
2 – الأسلحة والذخيرة والمركبات العسكرية والمدنية -على قلتها- التي كان السودان يزودها بها
3 – الخلفية الآمنة التي كانت تنطلق منها لتنفيذ عمليات عسكرية ضد النظام
4 – الجمهور العريض الذي كانت تتواصل معه في معسكرات اللاجئين توعية وتجنيدا وطاعة وولاء وتوريثا
5 – البوابات الإعلامية التي كانت تخاطب منها المعارضة الأرترية المواطن الأرتري بالداخل و العالم الخارجي مثل ركن إذاعي في كسلا والفضائية السودانية والصحف فقد كانت تتناول القضية الأرترية بقدر معقول يبقيها في الذاكرة.
ولم يكن اتجاه المعارضة الأرترية إلى إثيوبيا عن رضى وقناعة وانشراح لكون إثيوبيا عدو تاريخي للشعب الأرتري ولم يتخل عن إرتريا إلا تحت قوة السلاح والحرب الشجاعة ولهذا كان غير مستساغ أن تكون إثيوبيا بديلا ونصيرا للشعب الأرتري عوضا عن السودان وكان مدخلا قويا ليتخذ منه النظام الأرتري حجة لتشويه قوى المعارضة واتهامها بالارتزاق والعمالة والخيانة ومع ذلك كان الخيار المتاح خاصة أن العمل السياسي لا يعرف الثبات في مواقف فمن كان صديقا اليوم قد يكون عدوا غدا والمصالح تبدل
المواقف ، والجبهة الشعبية نفسها ركبت على ظهر الإثيوبيين ( تقراي) حتى تمكنت من الانفراد بالحكم فلا وجه لأن تعير المعارضة بما كانت تفعله بالأمس وربما سوف تفعله غداً.
فالسياسة تجيز للمعارضة الأرترية أن تطرق أبواب إثيوبيا بحثا عن دعم فهل ربحت من صعودها الهضبة الخضراء ؟
ضئالة الربح وضخامة الخسارة:
بعد مضي أكثر 10 أعوام على آخر تنظيم أرتري تطأ أقدامه أرض إثيوبيا المناصرة وحتى نهاية شهر يناير 2018م لم تكسب المعارضة الإرترية شيئا ذا قيمة من وجودها في إثيوبيا.
صحيح أن المعارضة آمنة في الحبشة يحميها القانون والعدل والنظام الحاكم
إذ لم تتعرض لما تعرضت له في السودان من حالات الاغتيال أو الاختطاف أو المداهمة الليلية والإذلال .. وهذه حالة إنجاز تستطيبها النفوس التواقة إلى الخمول لكنها ليس مكسباً بالمقاييس السياسية والثورية لأن الثورة فعل دائم، ونمو دائم ،وكسب متطور، وتواصل مطرد بالجمهور، وحضور فاعل في الميدان والنظام الإثيوبي لا يتيح هذا الكسب للمعارضة الأرترية فهي كما هي منذ أن استقرت قدماها في إثيوبيا جسم متهالك قليل العدد والعتاد وعديم الفعل تتشعب به خلافاته إلى حد العجز عن علاجها وقادة هرمون شاخت أجسامهم – الدوام لله – بفعل السنين وغير قادرين على التوريث لحجب الجمهور عنهم .. ولهذا يتأكد أنه لا ترغب إثيوبيا في تفعيل المعارضة ا لأرترية عسكريًا ولا سياسياً كما لا ترغب أن تنمو جماهيرياً وإنما تريدها أن تبقى تحت غرفة العناية المركزة لا يأتيها الموت، ولا تدب فيها الحياة جسماً عليلا يقلبه الطبيب ويراقبه عبر أجهزة متخصصة
الجنرال المشرف :
يدير ملف المعارضة الأرترية شخص يعرف بــــ ” الجنرال ” وقد سألت أكثر من شخص من قوى المعارضة فقال : مشهور بهذا اللقب وقد يتبدل الشخص ويبقى اللقب ولهذا تتداول المعارضة هذا اللقب فيما بينها ولا تتجاوز إلى تداول الاسم الحقيقي على الرغم من أنه معروف لدى كثيرين منهم وقد يتبدل دون أن يتبدل معه لقب ” الجنرال ” الثابت
وظل هذا الجنرال يدير الملف إدارة أمنية لا تتجاوزه إلى الأجهزة السياسية ولا العسكرية ولا الإعلامية ولا العلاقات الخارجية. وطبيعة الأجهزة الأمنية أنها كتوم ، ومن مهامها الأولى حماية البلد لا تفعيل المعارضة الأرترية إلا بقدر محدود وفق سياسة الدولة
فكان واضحا أنه لا يهمها تطوير العمل الارتري المعارض وهي ترى أن من حقها أن تهمش :
· حاضره البائس
· ومستقبله اليائس
قياسا على ما تقوم به مع الصومال فإثيوبيا سياسيا تتعامل مع الصومال بمنطق المصالح والثأر ولهذا يرضيها صومال ضعيف تسوقه أنى شاءت؟ وكيف شاءت ؟ لا صومال قوي يهددها في حدودها ، ويصبح عامل جذب وإغراء لتمرد محتمل في إقليمي أوغادين والأروميا.
وفي أرتريا قد لا يعجب إثيوبيا استقرار وتنمية الوطن هناك لأن قوتها- حسب فهمها – في ضعف خصمها وحاجتها إلى البحر حصلت عليها عبر ميناء جيبوتي وميناء بورتسودان ضمن اتفاق بينها وبين الدولتين وجدت بموجبه تسهيلات مغرية ولهذا فقد تجاوزت إثيوبيا شوقها وحنينها – ولو موقتاً- إلى مينائي أرتريا عصب ومصوع .
الموقف الصريح مع إثيوبيا لا يجلب الدعم الصريح
المعارضة الإرترية في كل لقاءاتها مع ” الجنرال ” تقرأ تقاريرها المعتادة تجيب على سؤالي الجنرال : ماذا فعلتم؟ وماذا تريدون فعله مستقبلا؟ يريدون خطة وتقريراً والترجمان ينقل الخطة والتقرير إلى لغة الحاكمين ” التجرنية” من اللغة العربية فيحدث التفاهم بين الطرفين.
الاجتماع يعقد بين كل سنتين تقريبا وقد يتخلف عن الموعد المحدد حسب رغبة الداعي الراعي ” الجنرال” الذي يشهد الاجتماع مع صحب له ضباط مختصين، و يحضره رؤساء التنظيمات الثمانية التي لها قوى عسكرية ومعسكرات في الأراضي الإثيوبية وهي ( جبهة التحرير ، والإسلاميان: الإصلاح، والحزب، وساقم، والإنقاذ ” 2 ” جناح دبوس، وحركات كونما وعفر وساهو ..) والثلاث الأخيرات متهمة – عند الكثيرين وتدعم التهمة أسماؤها ومنسوبوها- بأنها من صناعة إثيوبيا التي ترغب أن تشتت المعارضة على شكل قوميات لإضعاف المفهوم الوطني الموحد ولهذا حاولت تكوين حركات من بلين وباريا.. ولم تنجح حتى الآن في إنشاء أجسام لمزيد من القبائل إلا ما كان من تنظيم النهضة الجبرتي الذي لا يملك سلاحا ولا معسكرا في إثيوبيا وإن كان يشكل حضورا ضمن قوى المعارضة السياسية.
خطة المعارضة :
تقدم خطةً المعارضةُ التي لها أجنحة عسكرية كلها تخاطب بها السلطات الإثيوبية عبر ” الجنرال ” وتطلب دعمها أنها تريد دعما إثيوبيا قويا صريحا بالمال والسلاح والتأهيل والتدريب وبالانفتاح إلى الجمهور اللاجئ الذي يقدر بأكثر من 170 الف معزول في معسكرات لا تواصل لها بين المعارضة كما تريد المعارضة الانطلاق من الأراضي الإثيوبية لتنفيذ مواجهة عسكرية ضد النظام الإرتري بالإضافة إلى أن المعارضة ترغب في دعم
إثيوبيا سياسيا وإعلاميا حتى يصل صوتها إلى الاتحاد الإفريقي وإلى كل المنظمات الدولية مثل كل الثورات الناجحة في العالم وما نجاحها إلا بناء على دعم حسي ومعنوي يتوفر لها من سند خارجي مجاور ولم تنجح دعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – في تحرير مكة – حرسها الله – إلا بعد الحصول على دعم الأنصار بالمدينة.
فشل خطة المعارضة :
خطة المعارضة ظلت تترحل من عام إلى عام وإثيوبيا لا تصغي لها ولا تعلن الرفض المطلق لها .وظلت تمارس حصارا غير معلن يجعل المعارضة الإرترية تتجه إلى التلاشي قبل المواجهة مع عدوها نظام أفورقي يتضح ذلك من النقاط التالية:
1 – إثيوبيا لا تسمح لهذه المعارضة بأي عمل عسكري ضد النظام الأرتري انطلاقا من أراضيها وإنما تطلب منها العمل بالعمق الأرتري وهي تعلم أنه متعذر لوجودها في إثيوبيا
2 – إثيوبيا لا تدعم المعارضة الأرترية بالسلاح والتأهيل والتدريب في معسكراتها وكلياتها العسكرية فمن أين لها القدرة القادرة على تغيير النظام وهي غير مؤهلة وضعيفة .
3 – إثيوبيا لا تدعم المؤتمرات الوطنية الجامعة مثل مؤتمر المجلس الوطني..بل تغرز متاريس في طريق نجاحه وتعمل على تقويض طموحه الموحد لصالح العناصر القومية الهشة والتنظيمات الأكثر طواعية للسياسة الإثيوبية.
4 – إثيوبيا تظل تغذي الخلافات البينية بين مكونات المعارضة وتشجع المكائد بينها إلى درجة أصبح يتجسس بعضها على بعض وكلما غضب طرف على صاحبه وشى به إلى إثيوبيا متوددًا فقد ظل ولاء بعضهم للنظام الإثيوبي أكبر من ولائه لإخوانه ليظفر بحظ أوفر من مصالح مادية وزلفى ودودة تدر اللبن للفطيم الجائع . وذكر الأسماء يثير الاشمئزاز والغثيان.
5– إثيوبيا لا تشجع التواصل بين المعارضة الأرترية و بين الدول والمنظمات الدولية المقيمة في إثيوبيا .
6 – إثيوبيا لا تسمح بالتواصل بين المعارضة الأرترية وبين اللاجئين المقيمين بأرضها
وهذه حقائق يصرح بها القادة الأرتريون المعارضون جوابا على سؤالي ” الجنرال ” لكل تنظيم أرتري لديه قوى عسكرية قلت أو كثرت في الأراضي الإثيوبية وهما : ما تقرير إنجازاتكم خلال الفترة ؟ وما خطتكم المقبلة خلال الفترة القادمة؟ وتظل العلاقة بين المعارضة الإرترية والسلطات الإثيوبية لا تتجاوز هذه العقبة الكؤود.
السطر الأخير :
المخرج من هذا التيه هو عدم الاعتماد على الدعم الإثيوبي والسوداني والاتجاه إلى :
1 – توحيد قوى المعارضة الأرترية في كيان جامع رشيق بعيدا عن تأثيرات الخارج والتحرر من السلوك الكيدي ضد بعضها والتحرر من تودد بعضها للنظام الإثيوبي والسوداني بتقديم معلومات مجانية كائدة ضد بعضها والوشايات الضارة وذلك لأن الأرتريين أقرب إلى بعضهم وأحوج إلى دعم بعضهم وحماية بعضهم.
2 – إحياء العمل السياسي والإعلامي خارج منطقتي الحصار .
3 – التواصل مع معارضة الداخل ودعمها بهدف إحداث تغيير محلي وهذا عمل لا يدعمه السودان ولا إثيوبيا لكنه فرصة لتقوية المعارضة حتى تصبح على مستوى يحترمه الآخرون ويتعاملون معه من منطلق القوة الحاضرة لا من منطلق التبعية الهزيلة .
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم