مقالات وآراء

الحركة الإسلامية الأرترية تودع أحد قادتها المميزين ..الشيخ أبو صالح رحمه الله

كان يعمل في صمت منجز ، وانتهت حياته بصمت مأجور إن شاء الله ، والموت حق ، والجنة حق، ووعد الله للمتقين بأنهم أصحاب الجنة حق، والناس يشهدون لأبي صالح أنه رجل صالح فنحسب أنه من أهل الجنة، قال عنه صاحبه الحميم الشيخ ابو سمية وهو من قد قاسمه الفكرة  والعمل ليل نهار في الصدارة ، فعرف ما جلا من شأنه وما خفي قال : إن من مناقب الشيخ أبي صالح رحمه الله أنه كان قدوة في صحته وفي مرضه وقد هيأ من حوله من الأهل والأصحاب لاستقبال موته بقوة وإيمان وصبر واحتساب.  وثقتنا فيك يا رب كبيرة  فأنت أرحم بعبدك منا ..

عرفته الحركة الإسلامية الأرترية منذ كان طالبًا في المراحل الأولى  من الدراسة ، وظل فيها عضوًا وقائدًا ، تبوأ فيها مناصب قيادية رفيعة وكان هو هو في المنصب الرفيع والمنصب الوضيع

لم ينكسر لندو منصب،  كما لم يتكبر لعلوه ، ظل أبو صالح صالحاً رجل المسجد والزهد والقرآن والذكر حسب ما يروي عنه أصحابه .

تاريخ المرض :

في المؤتمر العام للحركة في أكتوبر عام 2019م شارك بفاعلية كعادته ، كان تحيط به الحيوية والنشاط ، ومضى يتولى تنفيذ مقررات المؤتمر وهو في الصدارة مع الأصحاب القادة ، وفي شهر أكتوبر عام 2020 أحس بآلام باطنية حادة ومفاجئة ، ذهب به أصحابه القادة وأهله جوًا إلى  العاصمة الخرطوم بحثاً عن العلاج ، أظهرت الفحوصات أن إحدى كليتيه تعاني وتحتاج إلى عملية إزالة ، حرص الأصحاب في التنظيم والأهل المقربون على علاج الشيخ الوقور ، يريدون العناية الأكبر ، اتفق الجميع للذهاب به إلى القاهرة ، لحسن الظن بها أنها أنفع من الخرطوم ،  اكدت القاهرة نتائج فحص الخرطوم ، وبدأت في العلاج ، استجاب الشيخ للعلاج فتحسنت حالته ، بعد أشهر قضاها تحت إشراف الطبيب عاد إلى الخرطوم ومعه وصفة طبية وأدوية علاجية لمدة أشهر ليعود بعدها إلى القاهرة للوقوف على الحالة وتقييمها من جديد  بواسطة الطبيب المعالج.

على  الموعد عاد إلى  القاهرة وهو يأمل في العافية ، أقام فيها شهورًا تحت رعاية طبية مركزة انتهت إلى  توديعه إلى كسلا لمواصلة أدوية مصاحبة له ولم يطلب الطبيب هذه المرة العودة إلى القاهرة للمعاينة والمتابعة .فهل كان يعرف أن لا شفاء للحالة وأنه يودع المريض إلى الغفور الرحيم

تواصلت مع المرافقين خاصة أحد أولاده في القاهرة فأكد لي أن الحالة مطمئنة ، سألت أحدًا من  المشايخ زاره في القاهرة فقال لي : وجدته محتسبًا صابرًا ، وهو تحت العلاج . سألت أكثر من مصدر فكلهم لم يصرح بشيء حول أسباب قرار الطبيب ، لكن العلاج تواصل حسب الوصفة المصاحبة  والأمر سيان لأن الدواء واحد سواء  أقام في القاهرة أو الخرطوم ، والشوق إلى الأهل يفضل عاصمة على  عاصمة  ورفقة على رفقة والأهل والعشيرة والأصحاب في التنظيم أنسهم حميم، وصحبتهم ترفع المعنويات وتذهب الهم ، فالعودة من القاهرة مبررة لأن تناول العلاج المر والصبر على الصحة العليلة في البيئة الأنيسة  هو الخيار المفضل مقارنة بالبيئة الغريبة .

الأدعية الباكية :

تواصلت الأدعية الباكية من أصحابه وأحبابه وأهله تنشر في وسائط التواصل الاجتماعي وهي تحرض الناس على  الدعاء الطيب لعافية الشيخ الطيب  ابي صالح  وظللنا نردد:  آمين على  كل دعاء تقع فيه اعيننا في الوسائط ونتذكر أن صاحباً قائدا حبيبا يرقد في الفراش وأكثر الناس تحريضا على الدعاء كان الصاحب الحبيب الشيخ أحمد  إبراهيم كان يتعهد أن يرسل دوما دعوات صالحات مزينات بصورة الشيخ أبي اصلح تطرق باب الله ، وتذكر الأصحاب أن يطرقوا باب الله    . وكل الناس حريصون أن يعود الشيخ إلى الصدارة كما كان في الصدارة ، فمكانه الطبيعي ليس خمول الفراش الأبيض وإنما صهوة العمل العام  يمسك بملفاته الإدارية في التنظيم يمضي بها قدمًا كما قد كان يفعل عبر مسيرته الطويلة ، يخطط ويتابع التنفيذ ويقيم ويشرف على مناشط تنظيمية إدارية وتأهيلية .هذه الأدوية والأدعية كانت تخشى الوفاة فاجتهدت تطرق باب الله تطلب طول العمر للشيخ أبي صالح ، وطول العمل ، وطول الأمل .وفي  كل الأحوال أن الدعاء وصل إلى الله ، وأن الله لا يضيع عمل العاملين وهو وعد بالإجابة لكن وفق ما يريد الله  لا وفق ما نشتهي فإجابة الدعاء يقينية ولها انواع ثلاثة : تحقيق الطلب أو دفع الضر أو الادخار الحميد لينال نتيجة الدعاء بعد الممات ففي الحديث الصحيح : ما من مسلم يدعو ، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها . قال : إذًا نكثر . قال : الله أكثر .- رواه ابو سعيد الخدري ، صحح الحديث الشيخ الألباني ، في : صحيح الادب المفرد ، الرقم 547-

ومعنى قو الصحابي : نكثر ، أي نكثر من الدعاء ولا نمل  ، ومعنى كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (أكثر)  في الحديث الشريف معناها : عطاء الله أكثر عند كل دعوة أراد بها العبد الخير فخزائن الله لا تنفد و خيره لا ينتهي .فهو غير محدود. ولهذا نحسب أن الأدعية التي سبقت وفاتك يا أبا صالح وتواصلت بعد الوفاة ليس تضيع هدرًا على الرغم من أن الوفاة وقعت ، ولا مفر من أجل قد حضر ، ولا مرد لأيام قد نفدت .

من السيرة الذاتية :

الشيخ أبو صالح محمد عثمان إبراهيم  ولد عام 1960م وقد ختم القرآن في خلوة عمه الشيخ آدم ديني في القرية ، درس الابتدائية في ود الحليو بشرق السودان ، والمتوسطة في مدرسة الراعي الصالح بالدويم الشرقية وكان أول دفعته عام 1981م  ، ثم التحق بالمرحلة الثانوية في مدرسة الخرطوم الثانوية الجديدة تخرج منها عام 1983م  وتواصلت مسيرته التعليمية الناجحة حتى  أكمل المرحلة الجامعية بمعهد الكليات التكنولوجيا  متخصصاً في كلية التجارة قسم البنوك .

ومن حيث دوره في العمل أنه  شغل مناصب رفيعة في العمل الإسلامي  حيث ترأس المكتب الاقتصادي في الحركة الإسلامية الأرترية ومكتب الإعلام  وتواصلت المناصب القيادية حتى تدرج صعودًا ليشغل منصب نائب الأمين العام في الفترة قبل المؤتمر العام السادس الذي عقد عام 2019م  وأنجب حزب الوطن الديمقراطي الأرتري ” حادي ” .

محاولات إنقاذ روح الفقيد :

في المستشفى كان يعالج من ضيق النفس ينتابه بين فترة وأخرى ، والأجهزة تركب فيه بأمر الطبيب عند اللزوم ، واستمر الوضع أسابيع حتى تحسنت الحالة ، والإجراء الآخر كان الأدوية البلدية والنبوية حيث تم التكثيف من تناول  لبن الإبل وبولها ، فأخذت صحته بالتحسن وزاد وزنه عشر كجم حسب رواية الأصحاب،  استبشر الناس بالعافية ، وعبر الأهل والأصحاب عن تفاؤلهم بالحالة الصحية الجديدة بعد الانتكاسة الطارئة،

ظل الشيخ أبو صالح متفائلا أكثر من غيره راضيا بقضاء الله وقدره  ، راجيا رحمة ربه ، فهي الأمور كلها لله ميلادا وحياة وموتا ونشورا والسعيد من بعث إلى الله وهو راضي ومرضي عنه

وهذه أمنية كل مؤمن كان يرددها الشيخ ابو صالح ويطمئن الأهل والأصحاب بأنه سعيد راضي بأمر الله فيه  ولا يفعل الله به إلا خيراً.

فجأة أصيب بعارض ملاريا والتهابات فتحولت الصحة إلى متاعب جديدة عادت به  إلى المستشفى  وهناك انتظرته  الأجهزة والأدوية لتعمل فيه بنشاط ، وجاءت مقترحات  لتذهب به إلى العاصمة جوًا فتهيأ الأصحاب لكن الطبيب المعالج نصح بالبقاء في المستشفى  تقديرا للحالة .

ومضت الأيام ثقيلة على  الاصحاب يريدون بذل الوسع في نقله وهم يتذكرون أن الأطباء في مصر عجزوا عن تخليص الجسد من المرض الذي ينهش صحته .لكن العاطفة تدفع الإنسان ليفعل ما في  وسعه لإنقاذ قائد  مربي وقد فدى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأنفسهم ليسلم هو ففي غزوة أحد  سقط  سبعة من الأنصار وهم يدافعون عن رسول الله صلى الله وسلم .فلا عجب أن يدفع الأصحاب ما يفدون به قائدا كان في الصدارة حتى وهو يعالج قسوة المرض الذي أقعد حركته .

كم هو صعب أن ترى جسمك يتناقص كلما طلعت الشمس ، وكم هو جميل أن تجد التوفيق من الله أن تتعامل مع الحالة بتذوق حلاوة الصبر الجميل  وهكذا كان الشيخ أبو صالح رحمه الله وقد زرته مرة في الخرطوم فهالني ما رأيت من جسم نحيل ومرض باد لكني وجئت أن القلب أقوى من أن تهزه الأعاصير ، أخذ يحدثني عن العمل الإسلامي  والتواءات طريقه وبشريات مستقبله واستلم مني نسخة من كتاب ” الطائفية في أرتريا ” اشفقت عليه فقلت : لعل القراءة تتعبك يا شيخ أبا صالح فمن  الممكن إرجاء قراءة الكتاب ، اصر أن أسلمه النسخة قال : الكتاب رفيق حميم لا يمل صحبته .وفي اتصال لاحق قال لي : أنه أكمل قراءة الكتاب وهو راض عن المحتوى الذي اوضح الحقيقة كما هي واضحة شديدة المرارة .

اللحظات الاخيرة :

قال لي  من حضر اللحظات الأخيرة  من حياة الشيخ أبي صالح : أحس الشيخ أبو صالح بالراحة وكان قد ااستغنى عن الأجهزة حسب تقرير الطبيب ، وكان يشفق على المرافقين له من الأهل والأصحاب ، قال للجميع : دعوني الآن أنام فأنا بخير الحمد الله

تمدد على السرير بهدوء ، ونام ، فرح المرافقون بأن حالة الشيخ مطمئنة ، انصرف بعضهم ليلا إلى بيوتهم تخفيفا للزحمة التي لا يرضيها الأطباء في المستشفيات ،  وبعضهم كان يتناوب على رعاية الشيخ .

رن الهاتف إلى  المغادرين بعد ساعة يخبرهم : أن البركة فيكم والشيخ ودع بهدوء إلى ربه  ولعل ذلك الهدوء وذلك النوم كان تحضيراً لانسلال الروح  فروح المؤمن تسل  كما تسل الشعرة من العجين حسب مشاهدة الحاضرين.

على عجل عاد الناس وأكملوا الإجراءات اللازمة لاستلام الجثمان الطاهر عاد إلى البيت القريب الحبيب 

مجلس العزاء :

توافد الأصحاب والأهل من مدن مختلفة  إلى منزل الفقيد وامتلأ بهم السرادق وتقديرًا لظروف البلاد تخفف برنامج العزاء على أن تتواصل المجالس في مواقع مختلفة وبكيفيات تتناسب مع أوضاع  الأهل والاصحاب سياسيًا واجتماعيًا .تليت في مجالس العزاء سيرة الشيخ أبي صالح العطرة بما فيها من مآثر جمة حرص الأصحاب ان يستعرضوها رغبة في توريثها

المشهد السار :

أهل البيت استقبلوا الجثمان  بهدوء جميل ، واحتساب مرضي، لا كما يفعل بعض  المسلمين حتى اليوم من صراخ منكر،  ولطم الخدود ، وشق الجيوب .إنها أخلاق جاهلية خلت منها دار الشيخ أبي صالح التي تزينت بالوقار والرضى بالقضاء والقدر.

استلموا الجنازة متماسكين محتسبين .إنها التربية التي غرستها بيمينك  يا أبا صالح ، ظهر أثرها في أهل بيتك وفي أصحابك.

تقبل الله منهم وتقبل الله منكم وضاعف الاجر .اللهم آجرنا في مصابنا واجبر كسرنا .ولا تحرمنا أجر الفقيد ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وبارك في عقبه  .

الفقيد الشيخ أبو صالح رحمه الله

الحركة الإسلامية الأرترية تودع أحد قادتها

الشيخ أبو سمية : كان الشيخ أبو صالح قدوة في صحته ومرضه وأشيد بموقف البيت المسلم والأسرة المسلمة التي رباها أبو صالح على الخير

تقييم المستخدمون: 4.6 ( 1 أصوات)

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى