تقارير

الحلقة الرابعة(الأخيرة )من التعدين الأهلي

تجميع كميات الذهب وفحصه وبيعه

تضم الحلقة الرابعة- وهي الأخيرة – العناصر التالية :

  * كتل الذهب

  • بيع المحصول
  • كشف التزوير بالنار
  • معيشة المعدنين
  • أسعار مواد معيشة غير الذهب  
  • من سلبيات التعدين الأهلي
  • جهد النظام في التعدين

توزيع المحصول وبيعه :

العادة المألوفة أن صاحب البئر – إن كانت مملوكة لأحد وليست مشاعة – يحتاج إلى عمال  لإنجاز مهمة الحفر والتنقيب ، ويأتي إليه العمال الراغبون فيقوم بتسجيل الأسماء حتى يكمل      العدد المطلوب للشراكة بين العمال وصاحب البئر والقانون يوجب أن تقسم الحظوظ من المحصول الذهب على النحو التالي :

  • نصيب البئر ويدعونه ” أف عيلا ” أي فم البئر
  • نصيب آلات الحفر وهي في الغالب لصاحب البئر وقد تؤجر من غيره بنصيب معلوم
  • نصيب صاحب البئر وهو لا يعمل معهم في الحفر لكنه يستلم نصيبه بناء على أنه يملك الامتياز
  • نصيب جهاز الكشف وهو قد يكون لصاحب البئر أو يتم تأجيره بنصيب معلوم من المحصول.
  • نصيب العمال وهم يتقاسمونه سوية حسب عددهم كما يعملون سوية

فإذا لم تثمر البئر ذهبا وفشلت جهود العمال فلا كسب لأحد ولا يلزم العمال شيئا من غرامات إلا ما كانوا يأخذونه قرضا من  المتاجر .

وهذه الشراكة المقننة خاصة بالبئر الزئبق وهي التي تستخدم في تنقية الذهب مادة الزئبق وهي في تعدين الساحل الشمالي  وفي مناطق من بركه.

وفي الغالب يتحصل الجهد إلى مقدار من الذهب مريح قد تتفاوت الكمية لكن  الشراكة لا تخرج بخسارة  ولهذا يطمئن إليها المعدنون المتعاقدون المتواثقون.

كتل الذهب :

الافتراض الأول الذي يفرح له المعدنون أن يجدوا  في أعماق البئر كتلا من الذهب الصافي  يحوزونها مباشرة  ويرحلون بها إن كانت بكمية كبيرة وقد حدثت حالات كثيرة يرويها المعدنون ويرغب المعدنون  أن تتكرر معهم  الفرصة ذكر لي أن شخصا يدعى إبراهيم وجد 350 كيلو  غرام وانتشرت أخباره تروي بين المعدنين وكان بعضهم يعيب عليه ما فعل بهذه الكمية حيث اشترى منها ماشية وأجهزة كشف ذهب وبقي مع المعدنين يعيش في نكد البحث  عن كمية جديدة من الذهب .وذكروا أخبارا غير سارة عن الماشية وكانت المقترحات تدعوه أن يسكن المدينة ويبني وينشط في اعمال مريحة

ويتناقل المعدنون أخبار شاب مكث سبع سنوات  بمنطقة تعدين تسمى : ” حريروا ”   ومعه جهاز لكشف الذهب خاص به  وكان يشتري السلع ولوازمه الضرورية  قرضا من الدكان على أمل ان يسدد من المحصول  فتكاثر الدين عليه  حتى كاد ان يعلن عجزه وإفلاسه وأخيرا وجد  في جبل وعر  صخرة بيضاء تدعى ” إنجحاي ”  تحمل بشريات فاشتغل  فيها حتى جمع  36 كجم ”  من الذهب الصافي ففرجت عقده النفسية والمادية   .

والاحتمال الآخر وهو الكثير أن الذهب لا يتوفر للمعدنين بكمية كبيرة محضرة  وإنما يحتاج إلى جهد إضافي لاستخلاص الذهب من التراب أو الحجارة  عبر دق الصخور البيضاء التي يسمونها بالتقرايت – لغة محلية –  ” انجح” التي يظنون فيها  خيرا حتى تصبح إلى دقيق ناعم  وهنا يأتي دور الزئبق والصفايات اليدوية وإحراق النتائج بالنار حتى يصفو من الشوائب وهذا الصنيع كثر في معادن الساحل التي تستخدم الزئبق .

بيع المحصول :

لا ترى معارض وأسواق بيع الذهب في مواقع  التعدين مرتبة وتكشف عن منتجاتها وإنما يوجد تجار يتجولون بحقائب مليئة بالنقود ” النقفة ”  ويعرفهم المعدنون فهم من جنسهم لسانا ودينا وعادات ولهؤلاء التجار القدرة في شراء أي كمية تظهر  وبيدهم موازين ذهب حساسة يلوحون بها وهم يقيمون مع المعدنين لفترة ثم ينصرفون إلى سوقهم ولا يعرف أحد مصير هذا الذهب أين يصدر وهل الحكومة لها صلة به أم  يهرب إلى الخارج . وتوجد روايات ترى أن هذا الذهب وبكمياته يهرب إلى السودان ؛ وتوجد رواية ترى أن الحكومة تستلم الذهب غير الشرعي في رأيها عبر التجار فهم عيونها وأيديها علما أن الحكومة قد فشلت سابقا في إلزام المعدنين بالبيع إليها جهرة بسعر هي تحدده  فقد كان بخسا ولهذا رفضه المعدنون وتعاملوا معه بسياسة إخفاء المحصول من الذهب وتهريبه،  وتوجد رواية ثالثة يتداولها المعدنون تفيد أن الذهب الذي يجمعه التجار من المعدنين بشراء حر وأسعار مرضية يهرب ليصل في النهاية إلى ضباط نافذين في الحكومة ويتم تهريبه لاحقاً عبر مطار أسمرا إلى دبي  وكل هذه الروايات غير مستبعدة لأن         المعدن حر فيما ينتج وظروفهم وأحوالهم مختلفة فقد يكون بعضهم يحمل هوى  السودان ويثق في هذا المسار لبيع سلعته ، وبعضهم له تواصل مع الضباط المذكورين أو النظام له تواصل مع التجار المتجولين  وتستوي الخلاصة أن المعدن سيد نفسه ههنا وأن أيسر الطرق عنده للتخلص من الذهب ” الجريمة ” عند السلطان الجائر هي بيعه إلى التجار بسعر الوقت وقبض الثمن فورا دون التفكير في السؤال : أين مصير هذا الذهب وليس ببعيد أن يكون من بين المعدنين طموح وجهود في تصدير الذهب إلى الخارج وذلك إذا كان لديهم تواصل بشبكة تجارية آمنة .

والأسعار تتراوح حسب العرض والطلب كشأن كل السلع التجارية

وبالنظر إلى مسيرة البيع لم تتجاوز أسعار الذهب في مواقع التعدين ما يلي : السعر الغرام : 900 – 950 – 1000 نقفة   وذلك للغرام الواحد من الذهب صافي

كشف التزوير بالنار :

توجد حالات قليلة ظهرت بين المعدنين أنهم يحشون حديدا وسط كتلة مكورة من الذهب حتى يثقل الوزن ،هذه الحيلة ربما غشت بعض التجار في بدايات ظهورها لكن الآن يحتاطون بإحراق الكتلة بالنار حتى  تنفصل القطعة الحديدية عن الكتلة الذهبية .

معيشة المعدنين :

تتفق معيشة المعدنين في معظم أحوالها  فهم يختارون مواقع بعيدة عن موقع التعدين للسكن والاستقرار يرتاحون عن عناء العمل الشاق أما عن طعامهم فهو  نمط واحد لا يتنوع  في غالبه : عصيدة وقراصة  والإدام عدس وشيرو إلى جانب الشاهي والقهوة وأحيانا قليلة يذبحون ” تيسًا ” – ذكر الماعز –  وهذا أشهى طعام يتناولونه. والخيارات في الطعام محدودة .إلا لمن يذهب منهم إلى المدينة فيجدون فيها خيارات  من الأطعمة في المطاعم لكن نزولهم المدينة قليل لأن الغالب في أمرهم التخفي عن الأنظار والتحوط خوفا من الملاحقة.

أكبر مشكلة تواجه معدني بعض المواقع قلة الماء فهي في صحراء أو جبال لا ماء فيها  والمشقة تاتي من ضرورة جلب الماء من مسافة تقدر بثلاث ساعات او شراء ماء بسعر الجالون : 50 نقفة . وهذا ما يحدث في منطقة  كرب  –  KEREB، – بكسر الكاف والراء ، وسكون الباء ، وهي منطقة صحراء  قاحلة وماءها  يجلب من وادي عنسبا  بواسطة الحمير وبمشقة،  ولهذا فمن الصعب توفير الماء حسب الرغبة وإنما يتعامل معه بتقتير شديد إذا لا يباع على شخص واحد أكثر من جالون حسب الرواية .

أما المواقع التي تم اكتشاف الذهب فيها في الوديان فلا توجد مشكلة لوجود أنهار جارية أو آبار غزيرة. وأحيانا كثيرة قد يكون الماء مزعجا يحتاج إلى آلات شفط من البئر حتى يتمكن المعدنون من استمرار الحفر والتنقيب عن الذهب  والآلات الشافطة تشترك في الحصاد ولها أسهم معلومة تزيد عن سهم الأفراد.

أسعار مواد معيشة غير الذهب  :

من الأشياء الضرورية التي يشتريها المعدنون من الأسواق القريبة حيث موقع التعدين أو البعيدة حيث المدن الرئيسية وهنا نذكر نماذج لعلها تفي بالغرض :

كيلو السكر في أرض المعدن تباع 30 نقفة وفي الأسواق العادية بــ 27 نقفة

البن في أرض المعدن بــ 100 نقفة وفي الأسواق العادية بــ 90 نقفة

الدقيق ذرة : ربعية وهو مكيال  يزن 4 كجم  : 80  – 70

كيلو الدقيق القمح:  90 –  80

الملابس : الباكستانية : في الساحل :  500 نقفة مع الصدرية : قميص وسروال وصدرية

الزيت :  جالون : خمس كيلو : 230 نقفة   وفي المدينة بــ  200

علبة صلصة صغيرة  : 5

كيلو العدس : 40 – 35

كيلو الشيرو – مادة نباتية يصنع الإدام منها  : 40 – 35

الخروف :  2500 أعلى سعر وأضخم جسم  والأقل  :  1000

التيس :  1500 – 1000

من سلبيات التعدين الأهلي :

على  الرغم من ان التعدين الأهلي منظور إليه من قبل المواطنين بأنه مورد اقتصادي حلال  وعلى من أنه وفر أموالا كبيرة للعاملين فيه ووفر فرصا للعمل في مناطق حرة بعيدة عن سلطان النظام الجائر فإن من سلبيات هذا التعدين :

  • أن الأرض التي يحفرها المعدنون جعل عاليها سافلها من خلال الحفريات مما أثر في خصوبة الأرض وذهاب الغطاء النباتي فيها
  • تحدث انهيارات أرضية توقع ضحايا  بشرية ومادية لنتيجة لوجود حفر ومغارات عميقة تزيد عن 15 متر في بعض المواقع
  • استعمال بعض المعدنين مادة الزئبق السامة في تصفية الذهب وخلاصه من الشوائب الامر الذي يعرض حياة المواطنين عامة وحياة المعدنين خاصة لمخاطر صحية

واكدت دراسات صحية أن غليان مزيج الذهب مع الزئبق يسبب التسمم  والصداع والأرق وفقدان الذاكرة والعجز عن الحركة والتأثير على الأعصاب والجلد… ولهذا تعمل الدول لحماية مواطنيها من هذه الآثار السالبة إلا في ارتريا فالنظام عاجز والمعدنون ربما يجهلون هذه الآثار وهدفهم الحصول على           الذهب بأي وجه ..

  • عدم وجود مراكز صحية لدى مواقع التعدين يجعل حياة المواطنين تتعرض للخطر مرات عديدة
  • عدم وجود قانون رسمي يحمي المعدنين ويجعل نشاطهم شرعيا ولهذا فهم يتعرضون للنهب الرسمي على يد الضباط المسؤولين .

جهد ا لنظام في التعدين :

التعدين في أرتريا ليس جديدا فقد كان في مواقع منذ عهود الاستعمار الأولى ،  ولا تزال مواقع التعدين القديمة تشهد النشاط نفسه بأقدار مختلفة  مثل مناطق فانكو  في إقليم القاش وغيرها ، سواء على يد الحكومة وشركاتها العالمية أو على يد المواطنين ،

والنظام الأرتري يتعامل مع الذهب بسياسة أن إحدى يديه تحظر المواطنين  من التعدين وتضرب وتنكل دون رحمة ،  والأخرى تسرق الذهب وتحتكره لصالحها

فقد أخذ النظام الأرتري ينشط  في التعدين منذ فجر الاستقلال واتفق لهذا الغرض مع شركات عالمية صينية وكندية واسترالية تزيد عن 25 شركة حسب تقارير إعلامية التي تفيد أن الحكومة تكتسب من عائدات الذهب الكثير من الدولارات لكن المثير أن هذا  المال لا يرى له أثر في حياة المواطنين عامة ولا في حياة سكان  المواقع التي تحتضن شركات التعدين العالمية وعلى سبيل المثال لا توجد في منطقة بيشة التي تنتج للنظام أطنانا من الذهب  وتضم ما يقدر 50% من كميات الذهب في ارتريا لا توجد بها خدمات صحية ولا تعليمية  فوق المتوسطة ولا شبكة ماء أو كهرباء فلا تزال القرى المحيطة بأرض الذهب التي يسكنها المواطنون تعيش معيشة الفقراء والعناء .وفي مدينة ” ركب ” لا توجد مدرسة ثانوية   ولا مستشفى على الرغم من وجود شركة تعدين أجنبية التي تم  انتزاع أرض ” على دار” لصالحها  ورفضت الحكومة رغبة السكان في التدريس باللغة العربية في المدرسة الابتدائية وطالبتهم التدريس بالتقرايت والحدارب فلم تجد الحكومة من المعلمين من يجيد التدريس باللهجات  فاستمر التجهيل  وبهذا يتضح أن النظام يحتكر لنفسه التعدين دون أن يرى المواطنون أثرًا إيجابيًا لثرواتهم القومية  ولهذا كان مبررًا أن يعرضوا عن النظام ويتجهوا إلى  البحث عن كنوز وطنهم بانفسهم

الختام

ينتهي هذا التقرير مؤكدا أن ما يقدر بعشرات الآلاف من الشعب الأرتري يعمل في  مناشط معيشية  خارج النطاق الذي تسمح به الحكومة  الأرترية مثل التعدين الأهلي وهو مهنة تمارس في معظم المناطق الأرترية ، وليس هناك إحصاء رسمي ولا إحصاء محايد يرصد عدد المنشغلين بالتعدين الأهلي لكن الحقيقة الواضحة التي تعرفها الحكومة ويعرفها الشعب أن التعدين الأهلي يمارس في مختلف مواقع أرتريا حتى وصل إلى عمق  المناطق التي تحرسها الحكومة بجيش ليل نهار فقد علمت ” زينا ” أن المواطن وصل هناك يصطاد الذهب  وانتهى التقرير إلى بعض عمليات التعدين تترك آثارا سالبة على الوطن والمواطن مثل الأضرار الصحية التي تزرعها مادة الزئبق التي يستخدمها ا لمعدنون بأساليب بدائية ودون تحوط صحي كما يعمل التعدين على جرف الأراضي وقتل خصوبتها بالإضافة إلى أن الحفر والمغارات العميقة التي يتركها المعدنون وراءهم تنهار بين فترة وأخرى فتخلف ضحايا من جرحى ومعاقين وقتلى. وأهم شيء يلاحظه التقرير أن الشعب الأرتري متمرد علنا على سلطانه فهو يتعمد مخالفة التوجيهات الرسمية ويتحدى  وهي تعرف منه هذا التحدي فتتحوط في مداهمة مواقع التعدين إلى جانب أنها تتجاهل نشاط المعدنين في المواقع القريبة من السودان حيث تمارس قرى كاملة مهنة تتصل بالنشاط في التعدين وتجارة التهريب

التعدين الأهلي في ارتريا

تقرير التعدين الأهلي

الحلقة الرابعة من تقرير التعدين الأهلي في أرتريا

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى