أخبار زاجل

السياحة أولا يا مسحليت:..فتهيئوا لها

بقلم الاستاذ هارون آدم علي 

باحث فى شؤون البحر الاحمر والقرن الافريقي

كتاب : مسحليت الأرض والتاريخ والإنسان . كنز دفين من الشوق والحنين إلى مراتع الصبا لدى كل ارتري . ظهرت فى الآونة الأخيرة عدة مؤلفات قيمة عن القبائل الارترية وتاريخها وتراثها بصورة تمثل ترياقا ضد سموم السياسة وخططها التي تستهدف تلك القبائل ومساعيها فى طمس وتشويه تاريخ تلك القبائل وتقويض تراثها وعاداتها الموروثة تحت شعارات تطوير خداعة فجاءت مؤخرا هذه المؤلفات توثيقا للتاريخ وإبرازا لاسهامات هذه القبائل فى النضال الوطنى .وظل بعض الساسة الارتريين يحاربون مثل هذا الاتجاه البحثي تحت ذريعة محاربة القبلية والاقليمية مع أن الفرق شاسع بين القبلية كممارسة تتنافى مع العدالة والوحدة الوطنية بخلاف القبيلة كمكون اجتماعى فى الدولة لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها بأى حال من الأحوال فكان ظهور هذه الكتابات عن القبائل والمناطق ومن ضمنها كتاب الاستاذ حسن موسى دبكت عن المسحليت كسرا لحاجز الخوف من الإرهاب الفكرى والوهم الثورى فضلا عن تحقيق مراد الله بقوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  }الحجرات:13.              

 فكتاب مسحليت الأرض والتاريخ والإنسان بحق كنز دفين من الشوق والحنين إلى الوطن ومراتع الصبا لدى كل ارتري اينما وجد لاسيما الذين يتيسر لهم قراءة الكتاب واقتناء نسخته المطبوعة عما قريب حيث جاء الكتاب فى فصوله الخمسة شاملا عن المسحليت القبيلة الارترية المعروفة التى تقطن ساحل البحر الأحمر الغربي وكذلك عن أرضها وثرواتها واقتصادها وحرفة سكانها فى جولة قلمية رائعة . نقف معها بقراءة وكلمات مختصرة عن الكتاب بالجملة فيما يلى،:

اولا: الكتابة التاريخية الجادة من شأنها جذب القارىء إليها وشد انتباه المهتمين بالنقد والتحليل حيث يستنبطون من خلالها تأثيرات وعلاقات طبيعة الأرض بسكانها وما ينتج عن ذلك من تفاعلات من انسجام ووحدة أو تنافر واختلاف بين السكان , فعندما ذكر المؤلف فى عدة صفحات من كتابه عبارة قبيلة مسحليت بدل قبائل مسحليت ظننت أن هذا من قبيل التفاؤل لأن إطلاق مسحليت على قبيلة محددة فى تلك المنطقة غير مشهور حسب معرفتي كشهرة المنسع والبيت جوك والأساورتا من سكان المنطقة مثلا ولكن تبدد ظنى هذا عندما قرأت فى الفصل الثالث من الكتاب ص٤٥ فى تعريف المسحليت ( بأنه حلف جمعى كبير يقيم فى عدد من قرى إقليم سمهر فى ارتريا يضم فروعا لقبائل توافقت أن تتوحد فى كيان جامع فى وجه التحديات ..) ، فما دام قد حدث هذا التوافق والتراضى من سواد أعظم من سكان المنطقة على الاجتماع تحت هذا الاسم لا ضير فى ذلك من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل بل يعد إنجازاً كبيراً فى طريق الوحدة والانسجام والتكامل بين القبائل الارترية مما يخدم إمكانية توظيف أسماء الأماكن فى إعادة صياغة التاريخ الارتري الحديث و توحيد اسماء قبائلها الكثيرة بأسماء الأقاليم أو لافتات ومسميات جديدة أكثر قبولا فى الدلالة والمحتوى بدلا من التسمى بأسماء مشروع اللغات الفاشل.

  ثانيا: ذكر المؤلف فى الفصل الثانى من الكتاب عددا من مهن وحرف سكان المنطقة كالزراعة والرعى والتجارة والصيد البحرى واستخراج الملح والمعادن والسياحة حيث امتازت المنطقة بتعدد الحرف والنشاطات التقليدية ولعل فى رايي أن السياحة اهم تلك النشاطات فى الوقت الراهن مع طبيعة المنطقة الجاذبة للسياحة والتى تعتبر صناعة تدر عائدا ماديا اكبر من الزراعة وغيرها ولكنها تتطلب لانجاحها كل عناصر العمل الصناعى من اعداد للبنية التحتية المادية منها والاجتماعية وتعبيد الطرق وتأهيل الكوادر المهنية من قبل الدولة أو مساهمات المغتربين من أبناء المنطقة فإن وجد ذلك ستصبح المنطقة نموذجا يحتذى بها فى مجال السياحة فى ارتريا بلاشك حسب موقعها الإستراتيجي ودورها الحضاري فى ربط الثقافات وتعايش الأعراق عبر التاريخ. وغير سليم آن يتجاهل الاهل في مسحليت هذا الجانب وتنقضي أعمارهم في موارد رزق غير قادرة على تجاوز حد المعيشة حسب واقعها ولا أنفي إمكانية تطوير الموارد المختلفة لتحقيق غنى ورفاهية المواطن لكن السياحة تعد المورد الذي بإمكانه أن يتربع مطمئنا على الصدارة إن وجد العناية واتجهت إليه جهود الدولة والمواطن فهو مورد يحقق الغنى للدولة والمواطن فالشركات الغنية صاحبة رؤوس الأموال والإنسان الفقير سواء في ممارسة مهنة السياحة ..وعلى سبيل المثال يمكن لأي مواطن فقير أن ينشط في البيئة السياحية الجاذبة حتى لو قام بتزيين جمله وحمل به السياح بأجرة مجزية وتحرك به مستعرضا مهارات الجمل في الإبهار على نحو ما يفعله المصريون لتجاوز عتبة الفقر إلى مراقي الغنى ..

وبعيدا عن الجمل ودون التقليل من شأنه كم هو الغنى الهائل الذي ينتظر مسحليت وكل سكان سمهر : 

– السيول التي تجري عبر الوديان الكثيرة تضيع هدرا يستقبلها البحر بحفاوة وهو غني عنها وكنتم انتم أولى بها من البحر لأقامة مشروعات زراعية استثمارية تستوعب في محابس وسدود كل المياه العابرة لتعيد توزيعها حسب الحاجة وحسب ما تقتضيه المشروعات الزراعية الاستثمارية 

– الرمال الذهبية النائمة على شاطئ بحركم كنز ينتظر منكم أن تحولوه إلى غنى ورفاهية بمشروعات سياحية عملاقة يعم خيرها الوطن عامة ومسحليت خاصة 

٣- كم هي الفرصة المتاحة لتطوير صناعة الملح على شاطئكم لاغراض استثمارية والتصدير ..كل المساحات في حدود مسحليت من البحر بارضها الشاسعة ومائها المالح الوفير وقربها من الميناء ومرور الطريق الرئيس المعبد إلى مصوع بقرب الشاطئ كنز ظاهر وثمين فليس صحيحا أن نتعامل مع كنوزنا  بتجاهل ..فمن حق مسحليت أن تعيش غنية سعيدة آمنة حرة ابية في وطن الجدود .وهي قادرة – إن شاء الله- أن تحقق أحلامها بوحدتها وحلفها وهمتها وعملها وبشراكاتها الجمعية وتعاونها الاستثماري وبالتنسيق مع القطاع العام والخاص في الوطن الغالي .

ملاحظة مهمة : 

إهمالك لمواردك الاقتصادية ارضا وكنوزا يغري الآخرين للاستيلاء عليها ..  

  ثالثا: يلاحظ أنه من إنصاف المؤلف وحياديته العلمية عدم احتكار معرفة معلومات كتابه وموضوعه الذى لم يسبقه أحد قبله حيث وسع الشورى بإسناد تصحيح معلومات الكتاب وتنقيحه إلى لجنة سداسية من الباحثين وهذا قليل من يفعله من المؤلفين كما طلب ضمن توصيات الكتاب ضرورة التواصل معه من قبل الاخرين لاسيما ابناء المنطقة لتصحيح أية معلومات تتنافى مع محتوى الكتاب. وهذا من شأنه أن يجعل الكتاب أقرب للتعبير عن رأي الجماعة .. أنه اتجاه جميل في الكتابات الخاصة التي تقوم أساسا على مبادرات فردية..           

  رابعا: فى ختام هذه القراءة السريعة والملاحظات المختصرة عن الكتاب لا يسعنى إلا أن ازجى الشكر والتقدير للمؤلف الاستاذ حسن موسى دبكت على جهده الجبار فى تأليف هذا السفر الذى يعد مرجعا مهما فى موضوعه والذى لولا الله ثم توثيقه الجميل لأصبحت نضالات وبطولات أبناء المنطقة وتضحياتهم نسيا منسيا لدى جيل اليوم فى الغربة والأجيال القادمة، كما الشكر موصول إلى لجنة تصحيح وتنقيح الكتاب قبل النشر و الطباعة ومنهم الاخ الهمام الدكتور حامد محمد حالفا الذى قام بتحرير وصيانة الكتاب . وقد امدنى برابط نسخة الكترونية من الكتاب 

كعادته فى إرسال كل جديد من الكتب والمقالات إلي من وقت لآخر مشكورا ماجورا . ,.         

 أ. هارون ادم على. 

   باحث فى شؤون البحر الاحمر والقرن الافريقي.

25 اغسطس2023م

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى