النكبة الثالثة للشعب الإرتري …لم لا تسمح الحكومة الأرترية بعودة اللاجئين بقلم أ. مريم دنكلاي
يحيي الشعب الفلسطيني في هذه الأيام الذكرى السبعين لنكبة ٤٨ ، حيث تم تهجيره إلى شتى البقاع في أنحاء العالم ، بعد المذابح البشعة التي اقترفها الكيان الصهيوني لتوطين الصهاينة في أرض فلسطين وإعلان دولتهم المزعومة إسرائيل . وتمر هذه الذكرى الفلسطينية مع النكبة الجديدة للشعب الإرتري حيث يزحف أفراد وعائلات إلى مصر وإلى السودان وأيضا طرق بلادا لم يطرقها من قبل مثل تركيا و جورجيا وأندونيسيا بحثاً عن مكتب الأمم المتحدة لتقديم اللجوء كما كان يفعل قبل أربعين عاماً حين قدم إلى السودان إبان الاحتلال الإثيوبي . كانت النكبة الأولى للشعب الإرتري حين هاجر من أرضه مرغمًا إلى معسكرات اللجوء في السودان بعد المذابح البشعة التي اقترفها الاحتلال الإثيوبي في الستينات، وكان أكثره من مناطق الأرياف والقرى، وكانت الأغلبية الساحقة من اللاجئين إن لم تكن كلها هي الفئة المسلمة ، لأن المذابح كانت في مناطقها حيث طلائع الثوار هم أبناؤها. ثم كانت النكبة الثانية في التشرد وتهجير الشعب الإرتري من وطنه بعد حرب مصوع سنة ١٩٧٧ميلادية لكن هذه المرة كانت الأكثرية من أبناء المدن لاسيما أهل مصوع فقد خرج أهلها عن بكرة أبيهم ولم يبق منهم في داخل ارتريا إلا النزر اليسير مثل أبنائهم الملتحقين بالثورة جنودًا وقادة. لكن من رحمة الله بهم في ذلك اللجوء والتشرد أن جمعهم الله في مدن السودان ثم في مدن السعودية حتى بلغ عددهم آنذاك مائتي ألف( 200 ألف نسمة) ، بينما آثر أكثر النصارى الهجرة إلى أروبا وكانت المنظمات الكنسية تجعل لهم الأولوية . واليوم يأتي التشرد واللجوء الثالث للشعب الإرتري مع ذكرى استقلال وطنه ال ٢٧ في ٢٤مايو فكيف يدخل إليه السرور والفرح وهو لا يستطيع العودة إلى وطنه ؟ وهو أحوج ما يكون للعودة في هذه الظروف التي حتمت عليه المغادرة من السعودية بعد الاستقرار بها مدة أربعين عاما، واتخاذها وطناً بديلاً ولم يشعر فيها بالغربة للمشترك الديني واللغوي والثقافي ، لاسيما أهل مصوع الذين يتشابهون مع أهل الحجاز عامة و أهل جدة خاصة في العادات والتقاليد وروابط وعلاقات قرابة قديمة مع بعض الأسر . ومرارة التيه والتشرد في هذه النكبة الحالية أن العائلة الواحدة يتفرق أفرادها في أنحاء العالم . وكم تحمل هذه النكبة في طياتها قصصاً وحكايات ومشاهد أليمة نعيشها ونشعر بها فتدمي القلوب وتكسر النفوس. لو كان للشعب الإرتري وطن يجمعه لما هام على وجهه يذرف دموع الفراق و يقاسي أوجاع الوداع ويسير في طريق مجهول لتبدأ رحلة التيه والشتات مرة أخرى من جديد !! فالهدف من رفض الكيان الصهيوني الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين واضح لأنه محتل يخشى من التغيير الديمغرافي على الأرض التي اغتصبها، وأحيي تشبث الشعب الفلسطيني بحق العودة وتوارث الأجيال لمفتاح البيت من جيل إلى جيل فإن مات الكبار فالصغار لا ينسون . والنظام الإرتري يشاهد هذه النكبة لثالثة والحالة الطارئة للشعب الإرتري ولا يحرك ساكنا ! فما هي مصلحته في بقاء شعبه خارج أرضه ؟! يعلم النظام تماماً أسباب عجز الشعب عن العودة ومفاتيح الحل بيده، فماذا كان سيخسر لو فعل ما يطلبه منه شعبه ليسهل عليه عودته إلى وطنه؟! ألم يكن من المناسب أن يستجيب لمطالب شعبه في هذه الأزمة! أسوء ما يخشاه الشعب الإرتري عامة سواء المسلم أو النصراني من العودة إلى الوطن أمران أما الأمر الثالث يخص المسلمين : الأمر الأول : يخشى على أبنائه من معسكر التجنيد الإجباري المسمى (ساوى) لأن الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود . يخرج منه الإنسان فاقدًا لصحته وعقله ودينه بسبب السياسات والقوانين التي تفتقد لكل معايير حقوق الإنسان. الأمر الثاني : السياسة الاقتصادية التي تحرم الإنسان من حقه في التملك وحريته في التصرف فيما يملك . فالاستمرار في تطبيق السياسة الشيوعية التي عفا عليها الزمن وتجعل الحكومة تملك كل شئ والمواطن لا يملك شيئا ثبت فشلها وتخلت عنها حتى الصين وأصبحت لديها تجارة حرة. و أيضاً انفتحت إثيوبيا على التجارة الحرة مما جعلها دولة جاذبة للاستثمارات بعد أن كانت تعاني من الفقر والمجاعات . بينما بقي الشعب الإرتري يرزح تحت الفقر و المجاعة تلو المجاعة نتيجة لهذه السياسة الاقتصادية المتخلفة والظالمة. الأمر الثالث : خاص بالمسلمين وهو استهداف دينهم وثقافتهم وهويتهم وممارسة العنصرية ضدهم وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وهيمنة النصارى عليهم وتصفية علمائهم ومتعلميهم وتهجيرهم من مناطقهم وحرمانهم من صنعتهم وخير شاهد في الآونة الأخيرة تشريد الدناكل من دنكاليا وحرمانهم من الصيد وهي مهنة آبائهم وأجدادهم وهي أرضهم قبل نشاة إرتريا بل هم أهلها منذ ثلاث آلاف سنة. فقبائل الدناكل كانت تقطن سواحل البحر الأحمر قبل أن ينشأ الأحباش الذين هم عبارة عن الخليط الذي نتج _ كما يقول بعض المؤرخين _ من تزاوج العرب المهاجرة مع سكان المنطقة الأفارقة . فهذه الثلاث لو كف عنها النظام الإرتري الحالي لتدفق الشعب الإرتري إلى وطنه ولانتعش اقتصاده. لأن المغتربين يعودون بأموالهم وخبراتهم فيستأجرون ويشترون ويبيعون ويستثمرون . لو كانت هناك إرادة من النظام لعودة الشعب لفعل هذه الأمور المطلوبة منه لكنه لم ترمش له عين وهو يشاهد غرق الشباب في البحار فأنى له أن يكترث لشأن الآلاف المؤلفة وهي تعيد رحلة اللجوء كرة أخرى ؟! . أيها الشعب الإرتري العزيز تعلم أن الحقوق لا توهب وإنما تنزع انتزاعا فمتى تنزع حقك كما فعلت من قبل ؟!
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم