الوسواس الفكري الجمعي
إن الحوارات الفكرية و النقاشات الثقافية من ندوات ومحاضرات أو لقاءات عامة تكشف كثيرا طريقة أو نمط تفكير الناس أو مايسمى “بالعقل الجمعي” لمجتمع ما. ويبدو أن العقل الجمعي يصيبه مايصيب عقل الفرد من مرض وعافية
فالمتابع للساحة الإرترية مثلا يلاحظ بشكل واضح كيف أن أي حوار أيا كان موضوعه ( ثقافي، اجتماعي ، فني ،سياسي) ينحرف الحديث فيه ليصل الى الحديث عن مرحلة الثورة ومايرافقها من تفاصيل !! واجترار للماضي بكل شخوصه وكياناته بل وبمفرداته أيضا
ولعل أقرب تشخيص مرضي يمكن أن يوصف به مااصاب العقل الجمعي الإرتري في هذه الحالة هو ((الوسواس الفكري الجمعي ))
فإذا كان علماء النفس يقولون أن عناصر الوسواس القهري الثلاثة هي :
الأفكار = الوسوسة، عدم غلق الباب مثلا
الشعور = القلق
السلوك= المبالغة في تكرار الفعل
فإن هذه العناصر تكاد تكون متوفرة حيث فكرة النقص وعدم اكتمال مشروع الدولة المنشودة لم يتحقق أو حتى درجة المواطنة العادلة في أدنى مستويات الطموح لم يحدث أيضا ، فكرة عدم اكتمال المشروع هذه والخوف من الفشل أصبحت “الوسواس القهري” المسيطر في حس العقل الجمعي الإرتري فتصيبه بالقلق من الفشل وتدفعه لسلوك تكرار المحاولة مرارا والبقاء في الماضي لعله يحسن من حالة الشعور بالقلق والضيق، هذا التكرار يجعله يفقد القدرة على الابتكار أو التجديد فيظل في حلقة مفرغة من التعلق بالماضي واجتراره . ولعل هذا يفسر حالة الجمود التي تعيشها الساحة الإرترية بصفة عامة ، وفي الجانب السياسي والحزبي بصفة خاصة .
الملفت للنظر أن هذا المجتمع نفسه ينظر بكثير من الاستياء للأحزاب والكيانات السياسية الحالية ولايرى فيهم إلا مجموعة من الفشلة !
نتج عن ذلك عزوف الشباب عن الانضمام لتلك الأحزاب _ بالاضافة لأسباب أخرى كثيرة بالطبع _ وأن بعض الشخصيات السياسية الإرترية تفضل أن تقدم نفسها للمجتمع بصفة “مستقل” ، وينفي أحدهم انتماءه لحزب سياسي ما كأنه ينفي عن نفسه تهمة الفشل أو وصمة عار قد تشوه سمعته ! . في حين أن هذه_ الأحزاب والكيانات والأفراد إنما هي افرازات المرحلة .
إن الإنسان السويّ يعلم حدود بشريته و ذلك يجعله متقبل لأخطائه متصالح مع فشله ،يقرأ أحداث التاريخ في سياقه الزمني ويستقي منه العبر ويمضي يحسن في حاضره ويبني مستقبله ، متمثلا قوله تعالى (( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة البقرة:134].
بكالوررس صيدلة – اليمن ، دبلوم العلوم الشرعية معارج- جدة ، دبلومة الصحافة والاعلام ، المركز الدبلوماسي – القاهرة، دبلوم اخصائي تخاطب – جدة