تتساقط النجوم واحدأً خلف آخر فأين الخلف الرائد ( وفاة د.صالح أحمد )
( إنا لله وإنا إليه راجعون )
هي الجملة الملاذ التي نلجأ إليها عند نزول المصائب ،
نقولها معزين ، مودعين لعزيز ، ومذكرين أنفسنا برحيل قريب ، فالدنيا ليست دار إقامة ، وخير الناس من ترك أثرا طيباً ، تلهج بذكره الحسن ألسنة محبيه . ونتذكر خير الناس السابقين من الأنبياء والأولياء والصالحين إذ لم يحمهم صلاحهم عن الذهاب إلى الله ، بل قد يحفزهم ؛ فهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يختار الرفيق الأعلى ، على الخلد في الدنيا ما شاء الله وزيارة ملك الموت لهم آخذًا غير آثم كانت الحق المر الذي يجب استقباله برضى وانشراح.
نعم رحل طيب الذكر الشيخ د.صالح أحمد ، والأخ الكريم الوصول م ،س ، حوبور ، كان أول من قرأت عنده الخبر ، لم أصدق ، أنكرته وقلت: لعل للأسماء أشباهًا ونظائر ، ثم وجدت الحدث قد تناقلته الحسابات الفردية والمجموعات في وسائط التواصل الاجتماعي التي بكت واستبكت ، والصور المصاحبة للشيخ الجليل كانت ناطقة فصيحة أبعدت كل الاحتمالات التي تخيلتها ليبقى الجبل الرزين بيننا قدوة صالحة ، وليس كل ما يتمنى المرأ يدركه ، فلكل أجل كتاب، كان الخبر مدعاة للذهول ، كما ذهل الصحابة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الفقيد لم تر فيه معالم العجز ، ولا نذير النهاية الحق ، فالحركة قوية عادية ، والحواس فاعلة ، والعقل ناضج ، والفكر ولود ، والنشاط دائب ، واللسان ناطق فصيح يخاطب المنابر دون خمول ، ولا مقدمات لنهاية غير سارة لأحبته وتلامذته وأهله
مضى عليه رحمة الله مستجيبا للأجل المحدود ، علمت أنه ألقى خطبة الجمعة بتاريخ 18 يناير الجاري فأحس بعدها بمتاعب استدعت زيارته المستشفى فكان على موعد مع الأجل المحتوم هناك فذهب إلى ربه على عجل لم ينتظر حتى وصول بعض أبنائه من الغربة
نعم قد ورد ما يرده الآخرون فجر الأحد 20 يناير بين الأذانين وفي آخر وقت السحر المبارك، وهناك فرق بين وارد ووراد ، وارد تستقبله الملائكة مستبشرة ، ووارد ، تلفظه الأرض وتغلق البابَ دونه السماءُ ، نحسبه على خير ولا نزكيه على الله
يشهد للشيخ الكريم كل من كان يستقي من علمه وخلقه ، كل من كان يدعوه لإلقاء محاضرة أو خطبة ، أو تقديم درس أو بذل نصيحة أو القيام بإصلاح بين الناس ، أو لإدارة عمل جماعي وتنفيذه والتضحية من أجله ، عرف فضل الشيخ د.صالح أحمد الجهات الرسمية والشعبية مصلحًا اجتماعياً عظيمًا وعالماً جليلاً وداعياً نشيطاً هميماً ، وكان فارسًا هماماً مشهود له بالخبرة والحكمة والهمة ولهذا تدافعت إلى تشييعه باكية حزينة .
عرفته منابر المساجد ، ومدرجات الجامعة ، وساحات المنتديات ، خاطب الرجال والنساء والشباب والاتحادات والكبار والصغار والشعب والحكومة .
عرفناك عصاميا شجاعا ، يطرق الأبواب المغلقة ، فتفتح لك باسم الله ، فدرست المراحل كلها متجاوزا عقبات كأداء كان قد وقف عندها آخرون ، ودعوت الناس ليطرقوا الأبواب شامخين
مذكرا أنه لم يخلق الله الأمور في الدنيا لتصلك قطوفها دانية، حتى مريم عليها السلام أمرت بهز الشجرة ، وإسماعيل الرضيع حفر الأرض بقدميه النديتين فتساقطت الثمار ، وتدفقت زمزم .
مما يحزننا :،
الموت حق لكنه مؤلم ، وسقوط القمر يخلفه الظلام ، والنجوم تتساقط فمن يخلفها، وموت العلماء نذير شؤم للأمة ، ولهذا نخاف على أنفسنا وعلى الدعوة ، فمن للمنابر والمجامع بعدهم ، نخشى أن يتخذ الناس رؤسًا جهالاً يُضِلون ويَضِلون .
كم من دعاتنا ضمتهم المقابر ، ولم يأت من يسد مكانهم ، تقاعست همم اللاحقين ان تدرك ما أدرك السابقون من علم وعمل وقدوة ، وهمة.
كم من قادتنا العظام ودعوا الأحياء على خير فلم يستلم بعدهم الراية أبناؤهم ولا بناتهم
كم من المجاهدين الشهداء خذلهم الخلف اللاحقون .
كم من المربين الأوفياء انطفأت نارهم بعد وفاتهم
نخاف يا أخي الحبيب – أبا أحمد – بعدك أن لا يكون في الأمة من يسد المكان الشاغر
أسأل نفسي دوما كم من طلاب العلم يزدحم في باب الدعاة ليشرب من المعين العذب
قبل أن ينضب ، وقبض العلماء من علامات الساعة,
كم من طلاب العلم الباكين عند الوفاة كانوا قد أكملوا كتاب فقه، وحديث، وتوحيد، وتفسير، ولغة، عند المشايخ قبل رحيلهم
هل نحن أمة مستعدة للبكاء وليست مستعدة لشد الحزام ولمزاحمة العلماء ، للأخذ من معينهم الصافي ، والاقتداء بخلقهم وهمتهم وعملهم؟ .
لا يسر العالم الفقيد دموعُ منحدراتُ من خدود أسيفة بقدر من يسر عندما يرى أمامه طلاباً يرثون عمله، وخلقه، وفضله ،ويرفعون الراية شامخة من بعده .
عرفتك يا أبا أحمد شيخاً فاضلاً في علمك ، وخلقك، ومحفزا لغيرك على النيل من أبواب الخير.
وأني أشهد أنك أقمت ندوة ليلية مشهودة يوم عرسي فكانت البديل الصالح عن أمسيات الأغاني الذي أتذوق طعمه حتى الآن وقد أصبحتُ جَدًا وبعض أولادي في الجامعة، وكثيرون يشهدون مثل شهادتي لأنك كنت منيرًا في مناسباتهم السعيدة.
يشهد لك بالخير كل عرس أطربته كلماتك الحنونة الدافئة ، وأشبعه علمك الغزير، وفقهك بالحياة البصير، وكل جمع أشعلت فيه عواطف العمل الصالح ، وكل جلسة اجتماعية كنت علماً فيها مصلحًا وكل نشاط دعوي وتربوي كنت فيه المشعل الوضاء .
ترحل بجسمك اليوم ولم ترحل مآثرك – أخي الكريم –
بسم الله كنت تعيش فوق الأرض،
وبسم الله ضمك إخوانك في القبر ،
وباسم الله تبعث إن شاء الله يوم الدين.
فأنت محاط بكل خير وعملك الصالح يتقدمك فلم نر فيك غير تقوى وصلاح وقدوة وهمة ولا نزكيك على الله .
حفظ الله أبناءك البررة وجعلهم خير خلف لخير سلف يحملون الراية بعزم وقوة ، والله خليفتك فيهم فانت خالد بالذكر الحسن والولد الصالح وجميع طلابك لك خلف يتقاسمون اليوم صورك الناطقة الواعظة ، وسيرتك العطرة الندية فهنيئا لك طيب الذكر د.صالح أحمد وغفر الله لك وقبلك مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
أخوك ، د.حامد محمد إدريس ( حالفه )
الأحد 20 / 1 / 2019م
السيرة الذاتية للفقيد :
أولا – التعريف :
*- الاسم : صالح أحمد محمد عثمان
*- الميلاد :1956م تقريبًا حسب رواية رفيق دربه الشيخ أبي آمنة إدريس علي نور.
* الأبناء : احمد وعثمان وعمر ومحمود وإبراهيم ، والبنات ثلاث: زهور وآمنة وعاشئة وسوادهم أكمل الجامعة وبعضهم مازال في مراحل دراسية.
ثانيًا – الدراسة والتخصص:
*- درس المرحلة الثانوية بالمعهد العلمي بأمدرمان عام 1975م
* – سافر إلى المملكة العربية السعودية فالتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية : كلية أصول الدين عام 1982م وقضى فيها أربع سنوات تخرج بعدها .
* – نال درجة الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة القرآن الكريم- السودان عام 2004م
* – نال درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز من جامعة أمدرمان الإسلامية
ثالثًا – الأعمال والمناشط الدعوية :
1- عرفته الحركة الإسلامية عضوًا فاعلاً منذ أن كان في المرحلة الثانوية ، وقد قام بوظائف دعوية وتربوية وإدارية كثيرة.
2- عمل معلما وداعية في المركز الإسلامي ببابنوسة = بجنوب كردفان ( 1982- 1983م ) مبتعثا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية قسم الدعوة في الخارج.
3- عمل عضواً في إدارة مركز دار تحفيظ القرآن الكريم بديم النور مربع 1 ومعلماً وداعية مربياً.
4- عضو مؤسس بالمدرسة التكميلية مرحلة الأساس بدار تحفيظ القرآن الكريم بديم النور مربع 1
5- عضو مؤسس ومحاضر في جامعة القرآن الكريم فرع بورتسودان ، ومحاضر بجامعة أمدرمان الإسلامية – فرع بورتسودان
رابعًا – تاريخ الوفاة :
دخل المستشفى يوم الجمعة ليلة السبت والوفاة صباح الأحد 20 يناير 2019م فجرًا بين الأذانين ، وكان قد خطب الجمعة وصلى بالناس مع فتور شكا منه والخطبة كانت عن الدار الآخرة حسب رواية مستمعيها. .
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم