أخبار زاجل

تجمع مَسْحَلِيتْ في كتاب… إرث نبيل يستحق الإحياء والاقتداء

د.حامد محمد حالفا 

بسم الله الرحمن الرحيم

التجارب البشرية هدى راشد يلزم التوقف عندها بالدراسة والتحليل للاقتداء بما فيها من إيجبيات وللحذر مما فيها من سلبيات ، وفي التاريخ عبر واعظة ناصحة ولهذا ظهرت أهمية التوثيق البحثي لتجارب الناس الغابرة أو الحاضرة .ولتحقيق ذلك الغرض يأتي كتاب ” مسحليت .. الأرض والتاريخ والإنسان ” الذي شارك المؤلف الأستاذ حسن موسى محمد أحمد دبكت – وهو من قبيلة طاورا إحدى بيوت الزعامة التي تناوبت على التصدر في قيادة مسحليت مع قبيلة عقر وأساورتا – عدد يزيد عن عشرة أشخاص مثقفين من القبيلة نفسها ويعرفون تفاصيلها شاركوا بالقراءة والتنقيح والتدقيق انتهى عملهم بإجازة الكتاب للطباعة والنشر. ولا يعيبه كونه يتحدث عن مكون اجتماعي مخصوص وأرض مخصوصة وذلك لأنه يرغب أن يفتح شهية الآخرين – مع علمه بكتابات قليلة سبقت كمن كتب عن قندع – من المكونات الأخرى من سكان إقليم سمهر حتى تكتب عن ذاتها بيدها بدل الانتظار لأقلام الآخرين الذين قد يخطئون بسبب الجهالة ، أو قد يحشرون في كتاباتهم السم بالدسم لمقاصد سياسية واجتماعية – وهذا ما فعلته بعض الكتابات الأجنبية الاستعمارية – أو قد تتعمد الأقلام الأخرى مصادرة حقوق الآخرين في الوجود والقيم والمصالح .. الأمر الذي يجعل الكتابة الذاتية ملحة دون أن يتلبسها من منغصات المديح والإطراء والتعالي أو منقصات الذم وجلد الذات فالوسط والعدل خير.

وكتاب مسحليت تميز ب :

١ – انه خفيف الظل ، قيم المحتوى إذ لا يتجاوز المائتين صفحة بوضعه الحالي لكنه تضمن بتركيز شديد وكثافة مفيدة قيمًا نبيلة تدعو الجيل المعاصر من الشباب أن يعرفوها وأن يتمسكوا بها .

٢ – القلم الذي كتبه من داخل الحوش في شجرة مسحليت وليس من خارجها الأمر الذي يؤهله للحديث عن مآثر القبيلة وتاريخها وتطلعات حاضرها ومستقبلها .

٣ – المراجعة والتدقيق الذي حظي به الكتاب جعله أقرب لرؤية جماعية من الاجتهاد الفردي

٤ – المصادر التي اعتمد عليها الكتاب في معظمها أشخاص من المكون نفسه عبر استنطاق متكرر لعدد يزيد عن 250 شخصًا تضمهم مجموعة خاصة في الواتساب وعبر مناقشاتهم الجادة رصدت أسماء مكونات مسحليت التي تزيد عن عشرين فرعًا من قبائل أرتريا المسلمة .

 ٥ – الشورى وبسطها بين من يهمهم الأمر لا تزال تنتظرها فرص المساهمة في تنقيح الكتاب واللجنة المخولة بنشر الكتاب والإشراف على تنقيحه ترحب بكل الآراء الإيجابية التي تخدم الكتاب إضافة وحذفا وتصحيحًا 

وهذا الإجراء إيجابي جميل لأنه يتيح لكل أبناء مسحليت المساهمة في نضج الكتاب حتى يصل درجة يثق بها الجميع . فالفرصة متاحة تنتظر المشاركين .

الكتاب يضم خمسة فصول تتحدث في أهم ما يتناوله الكتاب من تفاصيل وتحت كل فصل مباحث تتحدث في فرعياته .

وتأكيدًا على النهج العلمي البحثي المحايد خصص الكتاب الفصل الأول لبيان العناصر الأساسية لكل بحث علمي من تحديد المشكلة وهي في كتاب مسحليت عدم وجود كتاب خاص يتحدث عنها مع ظهور الحاجة الملحة على الأقل في رأي المؤلف والشخصيات التي راجعت الكتاب ودققت فهو بحث متفرد من هذه الناحية كما أن موضوعه إصلاحي اجتماعي نبيل ليس فيه شطط ضد مكونات أخرى ولا تعالي مكون ضد مكون آخر من مكونات مسحليت ومنهج البحث اختار السرد الوصف القيمي التحليلي ورصد التراث النبيل ومحاولة استقرائه معتمدًا على مصادر من شخصيات راوية وكتب ومراجع ذات الصلة .  

وكان واضحًا أن الكتاب لم يبدأ ولم يَنْتَهِ إلإ ليخدم قضايا اجتماعية إصلاحية تهم المكونات التي تضمها مسحليت ولن تجد في الكتاب همزاً ولا لمزاً من طرف لصالح طرف ولتحقيق ذلك تجنب الإشارة إلى السابق واللاحق والكثير والقليل والوافد والأصيل من مكونات مسحليت كما لم يَعْتَنِ برصد ما يحدث من مواقف واحتكاكات سالبة بين فلان وفلان ولا بتفاصيل الأوضاع الجاهلية التي كانت فيها القبائل المجاورة لمسحليت أو ما كانت عليه سير مسحليت ما قبل انتظامها في كيانها الحضاري المدني الراقي وإنما اعتنى الكتاب بما تأسس عليه تجمع مسحليت من قيم ومصالح وقوانين تدير هذه المكونات من حيث المبادئ ومن حيث الأخلاق ومن حيث معالجة ما يحدث من اختلافات محتملة ومن حيث استقامة مسيرة التطور المدني وتأسيس مجتمع السلم الذي يحترم القانون ويتحاكم إليه واخلاقه وأفكاره وعقائده تتأسس على الشريعة الإسلامية التي تضبط السلوك العام للمجتمع كما تضبط العلاقات بين مكونات مسحليت والكيانات الأخرى ذات الصلة التي تتعايش في وئام جميل وتعاون تام وعلى تلك المبادئ والقيم يُنَشِئُ السالفُ الخالفَ من أبناء مسحليت الأمر الذي يجعل تلك المبادئ غير قابلة للزوال حتى وإن غاب لأمر طارئ الظل والهيكل الإداري للقبيلة من شوم وانتخابات تختاره وتعتمد معه مجالسه المساعدة وبطانته الصالحة . 

والفصل الثاني تحدث عن التعريف بأرض مسحليت ومواردها الاقتصادية ونص على تفاصيل المدن وقرى مسحليت وعلى الموارد الاقتصادية الحالية والمحتملة دون أن يجعل الفصل تلك الأرض وما فيها من خيرات حكرًا على مسحليت وحدها .. والفصل الثالث تحدث في التعريف بقبيلة مسحليت ونشأتها وكيفية تداول السلطة فيما بينها موضحًا أنها كانت حاضرة قبل الاستعمار الحديث بشكل تحالفات مع آخرين في تجمعات حاكمة وأنها نمت بالتدرج حتى كونت لنفسها تجمعًا متحالفًا ارتضى أن يحكمه شوم يختاره منسوبو القبيلة وبشكل توافقي ديمقراطي يختارون سلطتهم ويعزلون ويساعدون وينصحون بصورة تكون الرعية فيها بطانة صالحة للقيادة وقد وجد البحث أن شيم مسلحيت عبر التاريخ الذين تناوبوا على الصدارة بلغ المعلوم من أسمائهم بضعة عشر شوماً وقد أمضى في الزعامة بعضهم أكثر من عشرين عامًا . 

وضمن المباحث كان هناك حديث عن الاحتفاء الشرعي لأي مكون اجتماعي يبني أسسه على قواعد الشرع وينشأ على التعاون في المعروف والتناهي عن المنكر ويسعى لتحقيق مصالح ودرأ المفاسد ويتحاكم على الشريعة لمعالجة مشكلاته الاجتماعية وفق أعراف أصيلة لا تزال سائدة مرعية على الرغم من عدم وجود الإدارة الأهلية في البلاد التي لم تقم السلطة الحاكمة بتفعيلها وتنشيطها والاحتفاء بمكتسباتها وقد وجد المبحث أن كثيرًا من قبائل مسحليت تعد فروعًا مهاجرة من أصول عربية وكثيراً منها ينتسب إلى الصحابة أو قريش مثل الأمويين والعباسيين والبكريين والحسنيين والحسينيين الأشراف من آل البيت رضي الله عنهم ، كلها أتت من شبه الجزيرة العربية من شرق البحر الأحمر نتيجة لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية ودعوية دينية وأوضح المبحث أنه لا نكير على تلك الأنساب فأهلها مؤتمنون عليها والشرع يجيز لهم معرفة أنسابهم وأصهارهم والتواصل معها دون التعالي بها .

وفي الفصل الرابع عرف الكتاب بأكثر من عشرين فرعاً لقبيلة مسحليت ومن هذه الفروع يتكون كيان واحد يسمى مجازا ” قبيلة مسحليت ” وهو في الأصل فروع من قبائل شتى كونت جسمًا جديدًا يخضع للقانون الذي يرعى أمر الجميع في جلب المصالح ودرأ المضار وبين البحث أن مسحليت مصطلح يطلق على الأرض المخصوصة وعلى المكونات التي تنتمي إلى هذا الكيان . فهم يد على من عاداهم  

ولشدة حرص الكتاب على معالجة النفوس ومراعاة الخواطر اعتمد على ترتيب ذكر القبائل بناء على الحروف الهجائية فمن قدمه الاسم قدم في الذكر ومن تأخر موقع الحرف الذي يبدأ به اسم القبيلة تأخر ذكره في الكتاب وتوالت أسماء فروع القبائل التي تتكون منها مسحليت حتى زادت على العشرين فرعًا يمثلون قبائلهم ويضمهم الولاء الخاص لكيان مسحليت دون أن تنمحي الصلات الأخرى بقبائلهم الأصلية.

أما الفصل الخامس فقد قصد بيان مجاهدات القبيلة في النضال الوطني وذكر في هذا المجال صوًرًا إيجابية ناطقة بتضحيات مسحليت كما ذكر ما تعرضت له القبيلة من أذى جسيم على يد العدو الإثيوبي انتقامًا من القبيلة لعلمه بنضالاتها الواضحة وتضحياتها الكبيرة دعمًا للثورة الأرترية .

انتهى الكتاب بتوصيات دعت أن يتمسك بها الخلف اقتداء بالسلف وعلى رأسها القيم النبيلة المنبثقة من الشريعة الإسلامية والعرف النبيل والتجارب الهادية ودعت التوصيات أن يقوم من يعنيهم الأمر بترجمة الكتاب إلى اللغتين المحليتين الشهيرتين : التقرايت والتقرنية إلى جانب طباعة الكتاب ورقيًا ونشره. وضمن التوصيات كانت أهمية إحياء الإدارة الأهلية لمسحليت لأنها تقوم بأدوار إيجابية مهمة في إدارة المجتمع والعمل على السلم الأهلي والرقي الأخلاقي والتكافل الاجتماعي فهي سلطة رديفة تساعد سلطة الدولة على خدمة المجتمع وترسيخ مفاهيم وطنية حضرية والقيم النبيلة في تداول السلطة وإدارة المجتمع الآمن العامل المنتج.

رابط الكتاب في الموسوعة الوطنية الإرترية .https://books.eritreanpedia.com/

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى