سافرنا من سويسرا للتسوق في ألمانيا بكامل أفراد أسرتنا ، وهكذا القانون والعرف يتيح لسكان دولة أن يتسوقوا لدى الدولة الأخرى ولا أحد يجرمك ، ولا أحد يطاردك بل قد لا تعرف أنك تجاوزت حدود هذه الدولة إلى الدولة الأخرى إلا عندما تجد تكلفة المكالمات ارتفعت عن الحد المحلي المألوف وقد أتت إليك إشارة بالهاتف تشعرك بتجاوز الحدود وتعرض عليك تكلفة جديدة لخدمة الشبكة فإن شئت واصلت متمتعا أو شئت أوقفت الشبكة المحلية .
فأنت هنا في الدول المتقدمة ولست في دول الجوار لأرتريا أو في العالم الإسلامي الذي تحرمه حواجزه من اغتنام الفرص لمواطنيه. والتبادل التجاري بارتياح يحي أسواق تلك الدول بحيث يجد كل طرف حاجته عند الطرف الآخر فمن يدفع إليك سلعة كمن تدفع إليه ثمنها فلا أحد يحس بمنقصة أو تعالي فكلاكما ظافر بتحقيق مصلحته بخلاف العالم العربي والإسلامي فكم من مهاجر يساهم في تنمية دار الهجرة ومواطنوها ينظرون إليه كأنه ناهب خيراتهم ومنقص أرزاقهم ومهدد أوطانهم إنها النفوس الضعيفة الخاملة الحقودة يشقيها نجاح الآخرين .
وبينما نحن نتجول في المدينة الألمانية عثر ابني على سوار أبيض جميل ، كنا نظنه من الحديد ، وكان يلهو به لهو الصغار بالأشياء الحقيرة .
بعد عودتنا إلى منزلنا في سويسرا لاحظ الأولاد ختماً ورقماً مطبوعاً على السوار فادخلوه على الباحث جوجل في الانترنت ليحددوا ماهيته، فإذا بجوجل يفاجئهم بإفادة أن السوار من ذهب خالص، فجاؤني مسرعين فرحين بالنتيجة، لم أصدق بداية، فذهبت به لأتحرى إلى محلات بيع الذهب فقال لي أحدهم : نعم هذا ذهب . وإذا تريد بيعه فأنا اشتريه منك وسمى لي ثمنًا مغريًا، قلت له : أشاور الأهل وأعود إليك، .
خرجت من المحل فأعدت البحث في الجوجل عن عنوان مكتب الشرطة في المدينة الألمانية التي وجدنا فيها السوار الذهبي. فكتبت لهم رسالة تفيد ما وجدنا في مدينتهم ، ردت الشرطة على رسالتنا في أقل من عشر دقائق تخبرني أن هذا الإجراء تابع لمكتب المفقودات فبعثوا العنوان المعني ، تواصلت مع مكتب المفقودات فطلبوا مني أن أرسل السوار إلي عنوانهم بالبريد مرفقا ببريدي الألكتروني وببياناتي الشخصية وعنواني في سويسرا، سلمت السوار لمكتب المفقودات في ألمانيا ،
نعم ألتزمت التعليمات ؛ وضعت الرسالة والمرفق في ظرف ثم في صندوق مخصص لهذه الأشياء ، دون أن يستلمها مني أحد ، وعدت إلى سويسرا وبعد ستة أشهر جاءتني رسالة على بريدي من مكتب المفقودات الألماني تخبرني بأنه لم يصل إليهم أحد يسأل عن السوار وأن المدة القانونية للتعريف به قد انتهت، وأنت أحق به قانوناً . ولا أحد غيرك يحق له أن يتملكه . وكتبوا مواعيد عمل المكتب ، تحينت تلك المواعيد فأتيتهم فيها ، عرفت بنفسي إلى موظفة المكتب فردت على التحية ورحبت بي . قلت لها : دعاني إلى هذه الزيارة رسالة من طرفكم وعرضت عليها أمر الرسالة البريدية فتذكرت قصتي معهم ، تناولت استمارة معدة من بين أوراقها وطلبت مني التوقيع بالاستلام استلام السوار تبرئة لذمة مكتبها ، ناولتني السوار بهدوء وهي مسرورة ، استلمتها وذاكرتي تستدعي أحكام اللقطة في الإسلام.التي تجيز الاستفادة من المفقودات بعد التحري اللازم ، والمدة اللازمة ، وتفرض التعهد بإعادة الحق إلى أصحابه متى ما وجد له صاحب أبد الدهر وقصة صاحب الأجير الذي ساق الغنم المثمر حاضرة في ذهني .وأنهى القانون في ألمانيا مصير السوار إلينا والفقه قد سبقه في ذلك ويزيد بأن الحق لأحد لا يسقط بالتقادم .
تذكرت حال اللقطة في فقهنا ، و حال اللقطة في بلادنا هل يتعهد الولد بكشف أمرها للوالد ، هل يذهب بها الوالد إلى الشرطة لتبرئ ذمته منها ، هل الشرطي مؤتمن في البحث عن صاحب الأمانة ، هل التعامل السهل الميسور في التعامل مع الأمانة متوفر في بلادنا ؟.
وتبقى الإجابة المرة تكشف عن واقع مرير .الإسلام في الغرب حي في كثير من سلوك المواطنين دون أن يعتنقها سوادهم ، والإسلام في بلاد المسلمين غائب عن كثير من سلوك المواطنين مع اعتقادهم بصدقه وأنه وحي الله المنزل على عباده…معنا كنز ثمين لا نحسن الانتفاع به ولهذا نخسر الدنيا و تحيط بآخرتنا مخاطر نرجو لطف الله فيها ..
الأخلاق منظومة شاملة يتحلى بها السلطان والمجتمع ، ا لأفراد والجماعات والراعي والرعية وبهذا تسمو الأمم وتتقدم وتحقق مصالحها وصدق من قال :
( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)