ورد المقال التالي إلى بريد ” زينا ” وهو مقال متداول في الوسائط الاجتماعية لما فيه من مادة واضحة الفكرة سليمة اللغة ولهذا تعيد زينا نشره :
بدا تصويت إرتيريا المتمثّل برفض قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 2 آذار/ مارس 2022 مفاجئًا لبعض المراقبين لأسباب عدّة؛ من أهمها التشابهات بين الحالتَين الأوكرانية والإرتيرية؛ ذلك أن إرتيريا نالت استقلالها من جارتها إثيوبيا منذ ثلاثة عقود، ولا تزال بعض النخب الإثيوبية تطالب بإعادة ضمّها من جديد. وقد انقسمت الدول الأفريقية في التصويت بشأن القرار؛ فصوّتت خمس وعشرون دولة بالموافقة عليه، وامتنعت ثلاث وعشرون دولة عن التصويت، في حين كانت إرتيريا هي الدولة الوحيدة أفريقيًّا الرافضة للقرار.
وقد شاركت كوريا الشمالية وبلاروسيا وسورية موقف إرتيريا في الجمعية العامة، وكانت إرتيريا هي الوحيدة التي رفضت المقترح الذي تقدّمت به أوكرانيا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف؛ القاضي بإجراء تحقيق دولي في الغزو الروسي لأوكرانيا، وصوّتت دولتان فحسب ضد هذا القرار، هما: روسيا وإريتريا.
ورغم أن البعثة الإرتيرية في منظمة الأمم المتحدة أكّدت، في بيان متعلق بالتصويت، معارضة إرتيريا المبدئية والمبنية على تجربة طويلة مع العقوبات الدولية[2] “لجميع أشكال العقوبات الانفرادية بوصفها غير قانونية وتؤدي إلى نتائج عكسية، فإن هذا التوضيح وحده لا يكفي لفهم الدوافع الإرتيرية من غير وضعها في إطار العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وإرتيريا، التي استمرت في التطور طوال عقد ونصف العقد الماضيين، والتي تحكمها دائرتان متشابكتان من الدوافع؛ إحداهما مرتبطة بالرؤى المشتركة بين البلدين حول بعض التحديات الخارجية، والأخرى متعلقة بدوافع خاصة بالنظام الإرتيري في علاقته بروسيا.
أولًا: رؤى مشتركة
على مستوى السياسة الخارجية، تتبنى روسيا وإرتيريا مقاربة مشتركة تجاه العديد من القضايا، وأهمها استهداف المنظومة الغربية كلًّا منهما. وشكّلت هذه المقاربة أرضية لتنسيق وثيق بين الطرفين في استجابتهما للتحديات الخارجية. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تطابق مواقف بلاده مع مواقف إرتيريا دوليًّا في الأمم المتحدة وغيرها[4].
ومن هذا المنطلق، فإن الاستهداف من المنظومة الغربية عاملٌ أساسي في صياغة السياسة الخارجية لكل من إريتريا وروسيا، بل إن التهديد للكيان الإرتيري من القوى الكبرى، وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية[5]، جزء مهم من السرديات التأسيسية للدولة؛ إذ يتكرر في لقاءات الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي التلفزيونية اتهامها بالحيلولة دون حصول الإرتيريين على استقلالهم؛ فـ “قرار أن تظل إريتريا إلى الأبد تحت احتلال القوى الخارجية في المنطقة، أي إثيوبيا، قرار خارجي”[6]. وبهذا، تشترك إرتيريا وروسيا في مهاجمة الهيمنة الغربية، والمناداة بعالم متعدد الأقطاب. وفي هذا السياق، يبرز أفورقي بوصفه أهم منتقدي الغرب في القارة الأفريقية، فقد كرر انتقاداته للسعي الأميركي بعد الحرب الباردة “نحو استغلال الوضع الجديد كمناسبة تاريخية مواتية لفرض الهيمنة على الآخرين”[7]. ومن ناحية أخرى، أكد وزير خارجية إريتريا ضرورة التنسيق على المستوى الدولي لـ “مواجهة الاتجاه التراجعي من قبل القوى التي لا تستطيع قبول حقيقة وجود نظام دولي متعدد الأقطاب أكثر توازنًا ومتبادل المنفعة”[8].
ووفقًا لفهم طبيعة التحديات الخارجية التي يواجهها البلدان، أخرج بيان وزارة الخارجية الإرتيرية، المتعلق بالتصويت في الجمعية العامة، الصراعَ من بُعده الثنائي بين روسيا وأوكرانيا إلى معركة دولية تقف خلفها “قوى الهيمنة التي تتوق إلى إقامة نظام عالمي أحادي القطب”، بهدف “تطويق روسيا” و”احتوائها”، فقد كان يُنظَر إليها على أنها “العقبة الأساسية أمام أهدافها”[9].
وتبدو الخطوة الإريترية استمرارًا لموقفها من تدخّل روسيا في شبه جزيرة القرم عام 2014؛ ففي حزيران/ يونيو من العام نفسه، ترأّس وزير خارجية إرتيريا، عثمان صالح محمد، والمستشار السياسي للرئيس الإرتيري، يماني قبرآب، أول وفد أجنبيّ يزور “جمهورية القرم” بعد أن ضمّتها روسيا إليها بالقوة في آذار/ مارس[10]، وهو ما استدعى ردًّا أوكرانيًّا ندد بـ “التجاهل الإرتيري الصارخ للقانون الدولي”[11]. وفضلًا عن ذلك، زار وفد إرتيري آخر أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية[12]؛ الإقليمين الانفصاليين عن جورجيا بعد حرب روسيا عليها عام 2008.
ثانيًا: محددات رؤية إرتيريا في علاقتها بروسيا
شهد عام 2021 ملامح استراتيجية إرتيرية تستند في علاقاتها الخارجية إلى توثيق روابطها مع روسيا والصين[13]. إذ انضمت إرتيريا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية[14]، إثر توقيعها مذكرة تفاهم مع الصين بعد سنوات من الامتناع عن ذلك. وتدلُّ هذه الخطوات وغيرها، بوضوح، على شعور النظام الإرتيري بحاجته المتزايدة إلى الانخراط في تحالفات دولية في سياق تصاعد العقوبات الغربية على إرتيريا، على خلفية دورها في الحرب في إقليم تيغراي. وبناءً على هذا، يمكن الحديث عن أربعة محددات رئيسة لرؤية إرتيريا في علاقتها بروسيا.
- الحاجة للتحالف مع قوة كبرى
بالنظر إلى أن إرتيريا دولة صغيرة محدودة الموارد يتمتّع رئيسها بطموحات إقليمية، فقد تولَّد لديها منذ استقلالها عن إثيوبيا، في عام 1991، إدراك مفاده أن أفضل طرائق تحقيق أهدافها إنما يكون عبر العمل على مواءمتها مع أهداف القوى الدولية الكبرى. وفي ضوء ذلك، عملت إرتيريا على أن تكون جزءًا من الاستراتيجيات الأميركية[15]، لكن الموقف الأميركي المؤيد لإثيوبيا خلال الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإرتيريا حول مثلث بادمي بين عامَي 1998- 2000[16]، أثّر تأثيرًا جوهريًّا في بناء تحالفات إرتيريا الدولية، ودفعها للتقارب مع روسيا والصين.
ورغم الانفتاح النسبي في العلاقات بين إرتيريا ودول المنظومة الغربية، على إثر توقيع اتفاقيات السلام بين إرتيريا وإثيوبيا عام 2018، فقد شكَّل اندلاع الحرب في تيغراي، ومشاركة إرتيريا فيها، منعطفًا جديدًا في العلاقة بين إرتيريا وعواصم القرار الغربي؛ إذ تكررت دعوات الغرب إلى سحب قوات إرتيريا من إثيوبيا[17]، واتهمت الولايات المتحدة إرتيريا بأنها أحد الأطراف المؤدية إلى تصاعد الحرب في إثيوبيا، وأحد العوائق أمام التوصل إلى حل تفاوضي[18] بين الأطراف الإثيوبية على نحو ينهي الصراع الذي وصفه قرار صادر عن الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه “يشكل تهديدًا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”[19].
ولم تكتفِ الإدارة الأميركية بهذا، بل فرضت سلسلة عقوبات متدرجة على إرتيريا بلغت ذروتها بالقرار الصادر في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021؛ القاضي بفرض عقوبات على مجموعة من الأشخاص والكيانات الإرتيرية؛ منها الجيش الإرتيري والحزب الحاكم في البلاد. وذكر القرار، أيضًا، أن الرئيس أسياس أفورقي “يشرف شخصيًّا على القيادة والسيطرة على قوة الدفاع الإريترية، ويصدر الأوامر مباشرة إلى جنرالاتها؛ ما يجعله في النهاية مسؤولًا عن دور الجيش الإريتري في الأزمة الإثيوبية”[20]، وهذا يدلّ على إمكانية استهدافه بالعقوبات أو الملاحقة شخصيًّا في المستقبل.
لقد عمّقت هذه الخطوات مخاوف إرتيريا من العودة إلى حالة الحصار، وحالة “الدولة المنبوذة”[21] التي عاشتها في الفترة 2009-2018، أو حتى محاولة تغيير النظام الحاكم[22]. علاوة على ذلك، فإن صدور قرار أوروبي بفرض عقوبات غير مسبوقة على إرتيريا، على خلفية الحرب في تيغراي[23]، يزيد من احتمالات ازدياد الضغوط المستقبلية على إرتيريا.
وفي ظلّ هذه التطورات، تبدو حاجة النظام الإرتيري إلى توثيق تحالفاته مع الصين وروسيا ملحّة، مستفيدًا في ذلك من أهمية موقع إرتيريا الاستراتيجي على كل من شاطئ البحر الأحمر والقرن الأفريقي اللذين تحوَّلا، في السنوات الأخيرة، إلى ساحة صراع محتدم بين القوى الدولية المتنافسة، ولا سيما بين الصين والولايات المتحدة.
- الحاجة إلى الدعم الدولي
تكررت في أشهر الحرب الإثيوبية الأخيرة اتهامات للجيش الإرتيري بارتكاب انتهاكات مروعة في حق المدنيين؛ تضمنت مجازر وأعمال نهب واعتداءات جنسية[24]. ورغم رفض إرتيريا لهذه الاتهامات، فإنها تتخوف من أن تُحمَّل القسط الأكبر من جرائم الحرب ضمن أي مصالحة إثيوبية؛ إذ تنشط وساطات وتمارَس ضغوط كبيرة على كل من الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي؛ لدفع الطرفَين إلى حلول تفاوضية تُنهي الصراع داخل إثيوبيا. في حين تبدي إرتيريا رفضها التام لأي حل تفاوضي مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي يعيدها كقوة سياسية فاعلة في المشهد الإثيوبي؛ إذ يعدّها أفورقي خطرًا وجوديًّا على بلاده بسبب العداوة العميقة بين الطرفين.
فإذا ما أخذنا في الحسبان، إلى جانب ذلك، سِجلَّ النظام الإرتيري الحقوقي المروع؛ إذ اتهمه تقرير للأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان داخل البلاد[25]، ومن ثمّ يكون ثمة احتمال متعلق بمعاقبته على ذلك من خلال قرارات تصدر من الأمم المتحدة، فإنّ الحاجة الإرتيرية تبرز إلى الدعم دوليًّا، ولا سيما من جهة مجلس الأمن؛ إذ تراهن إرتيريا على حق النقض (الفيتو) الروسي للحيلولة دون اتخاذ أي إجراءات عقابية ضدها. وباستثناء الفيتو، وفّرت روسيا في السابق هذا النوع من الدعم؛ إذ إنها حالت دون عقد جلسات لمناقشة الوضع في تيغراي في مجلس الأمن، وعارضت بشدة فَرْض حظر السلاح على إرتيريا وإثيوبيا عام 2000.
وقد تقاطعت انتقادات روسيا لتقارير الأمم المتحدة التي تتّهم إرتيريا بزعزعة استقرار الصومال مع رؤية إرتيرية على صعيد قضايا القرن الأفريقي الكبير؛ إذ اعترضت روسيا على نشر تقرير مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة بشأن الصومال وإرتيريا، المُقدَّم إلى مجلس الأمن عام 2013، واصفةً الاستنتاجات والتوصيات بأنها “منحازة ولا أساس لها”[26].
وانعكس ذلك على تصويت روسيا في مجلس الأمن؛ فقد أبدت تحفّظها من قرار توسيع العقوبات على إرتيريا في عام 2011، من خلال الامتناع عن التصويت[27]، وهو ما تكرر في عام 2014[28]. وكانت روسيا، إضافة إلى ذلك، أول عضو دائم في مجلس الأمن يطالب برفع العقوبات عن إرتيريا في آب/ أغسطس 2018.
- التعاون الأمني والعسكري بين إرتيريا وروسيا
في سياق شعورها بالتهديد، يبدو إيلاء الاهتمام للجانبَين العسكري والأمني محددًا مهمًّا لطبيعة العلاقة بين إرتيريا وروسيا؛ إذ كانت روسيا أولى الدول التي دخلت سوق السلاح الإرتيري بعد رفع عقوبات الأمم المتحدة عن إرتيريا في عام 2018. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أعلن نائب مدير الخدمة الفدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، أناتولي بانشوك، أن إرتيريا أعربت عن “اهتمامها الشديد باستئناف التعاون الدفاعي الكامل مع روسيا”، واهتمامها بشراء “زوارق وصواريخ وطائرات هليكوبتر وأسلحة صغيرة” من بلاده[29]. وفي كانون الثاني/ يناير 2020، أعلنت روسيا أنها ستُسلّم إرتيريا مروحيّتين من طراز “أنسات” Ansat في نهاية العام نفسه[30].
وفي سياق تصاعد الضغوط الغربية على إرتيريا، أعلن السفير الإرتيري بروسيا، بيتروس تسيغاي، لوكالة سبوتنيك الروسية، في 10 شباط/ فبراير 2021، ترحيب بلاده ببناء روسيا مركزًا لوجستيًّا على أراضيها، واصفًا الفكرة بـ “أنها جيدة”[31]. وقد طرح هذه الفكرة أول مرة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عام 2018، في إطار رغبة روسيا في توسيع وجودها العسكري في أفريقيا، غير أن المفاوضات حول هذا الملف تجمّدت بين الطرفين، ووُصِف العرض بأنه كان “خطوة لعلاقات عامة روسية”[32].
إنّ استضافة قواعد عسكرية في إرتيريا هو “تكتيك” استخدمته إرتيريا سابقًا لنسج علاقات تحالف مع قوى دولية، أو إقليمية، تتجاوز الدور الوظيفي للقاعدة إلى تأمين نوع من الحماية في بيئة القرن الأفريقي المضطربة، ولا سيما من الجارة الكبرى إثيوبيا في مرحلة ما قبل توقيع اتفاقيات السلام عام 2018. فبعد الحرب الحدودية 1998-2000 بين إرتيريا وإثيوبيا، عرضت إرتيريا على الولايات المتحدة إقامة قاعدة على أراضيها في إطار “الحرب على الإرهاب”[33]. لكن المحاولة لم تنجح – على عكس اتفاق 2015 مع الإمارات بشأن استضافة قاعدة عسكرية قرب ميناء عصب الإرتيري؛ وذلك لانطلاق طائرات التحالف العربي لقصف اليمن – بعد الإنهاك الاقتصادي والعزلة السياسية اللذين عانتهما إرتيريا إثر سنوات من العقوبات الدولية، ويمكن تفسير اتفاقها مع الإمارات جزئيًا في ضوء ما يصفه البروفيسور أليكس دي وال بأنه تحوّل للقرن الأفريقي إلى “سوق سياسية” Political Market[34].
ورغم اتفاق السودان وروسيا على إقامة قاعدة عسكرية روسية على الساحل السوداني، فإن إرتيريا تعتمد في إعادة إحياء العرض الروسي على هشاشة المرحلة الانتقالية في السودان وحالة السيولة الأمنية في البلاد، ولا سيما في ولاية البحر الأحمر، إضافةً إلى الهواجس الروسية من حدة المنافسة الأميركية في السودان، فضلًا عن الموقع الاستراتيجي للشواطئ الإرتيرية القريبة من باب المندب، والمحيط الهندي، ومنابع البترول في الخليج العربي، وقواعد الولايات المتحدة في جيبوتي والجزيرة العربية. وتنبع أهمية هذا المركز اللوجستي من إسهامه في دعم العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة، وبناء منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية من أجل مراقبة أنشطة القوات الأميركية، أو الصينية، أو الفرنسية، أو اليابانية، وكذلك السعودية والإماراتية، في البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية وما حولها، ومراقبة الوضع الأمني في جميع أنحاء القرن الأفريقي أيضًا[35].
- دور إرتيريا إقليميًّا
لطالما امتلك الرئيس أفورقي طموحات للقيام بدور في القرن الأفريقي الكبير، وهو ما بدأ في الظهور مجددًا في السنوات الأخيرة[36]، مدفوعًا في ذلك برؤية النظام الإرتيري للتحولات في جواره الإقليمي، وفرص الإمساك بزمام المبادرة وقيادة هذه المنطقة بدعم روسي، وذلك لعوامل عدة، منها ما يلي:
- التغييرات السياسية التي قادت إلى سقوط كل من نظام الإنقاذ في الخرطوم، ونظام الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (الإهودق) بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في إثيوبيا، اللذين ظلَّا معاديَين، بدرجات متفاوتة، للنظام الإرتيري، وهو ما صبَّ في مصلحة إرتيريا بعد قيام أنظمة هشة ومضطربة داخليًا.
- قارة أفريقيا التي غدت ساحة للصراع والتنافس بين القوى الغربية من جهة، والقوى الصاعدة مثل روسيا والصين، من جهة أخرى. ويوفر ذلك بالنسبة إلى النظام الإرتيري فرصًا للمناورة والتأثير الإقليمي مع هاتين القوتين، ومن ثم إجبار القوى الغربية على عدّ إرتيريا فاعلًا إقليميًّا، أو تغيير المقاربات السائدة تجاهه.
- مراهنة النظام الإرتيري على الفيتو الروسي والصيني لحمايته من أي إجراء عقابي من جهة الأمم المتحدة في المستقبل، فقد كانت العقوبات التي اتُّخِذَت ضده سابقًا مستندة إلى تدخلاته الإقليمية[37].
خلاصة
يُعدّ التصويت الإرتيري في الجمعية العامة ضد قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا انعكاسًا للتحالف القائم بين إرتيريا وروسيا على صعيد السياسة الخارجية، وهو تحالف ينطلق من رؤى مشتركة متعلقة بالبيئة الدولية وتهديداتها، وحاجة إرتيريا إلى دعم قوة دولية كبرى بأشكال مختلفة من أجل مقاومة الضغوط المتزايدة عليها.
إلى جانب ذلك، تراهن إرتيريا على عالم جديد قد تكون روسيا أحد أقطابه. وتسعى إرتيريا من خلال التحالف مع روسيا إلى تثبيت دورها بوصفها طرفًا مهمًا ضمن القرن الأفريقي الكبير وبيئة البحر الأحمر.
وفيما يتعلّق بروسيا، تُقدّم إرتيريا فرصة على أكثر من صعيد من حيث موقعها الجغرافي الحساس، وانفتاحها على الاستثمارات الروسية[38]، ودورها الفاعل ضمن جوارها الإقليمي، وعداؤها العميق للغرب، وإمساك رئيسها لكل السلطات، في غياب فاعلية أي مؤسسات في الدولة[39]. ويتناغم هذا كله مع الاستراتيجية الروسية القائمة على نسج علاقات تعاون وثيقة مع “الدول المحاصَرة”، في رسالة تقول: “إذا تعرضت لانتقادات بسبب سجلك في مجال حقوق الإنسان، وإذا تعرضت للنقد بسبب أي قضية من القضايا التي يتمسك بها الغرب، فهناك دائمًا خيار آخر”[40].
بالنظر إلى ما سبق، من المرجح أن تستمر العلاقة الروسية – الإرتيرية في التطور مستقبلًا. وإذا كان لهذا الأمر أنْ يوفر مجالَ مناورةٍ لإرتيريا، فإنه في المقابل سيزيد من تأزم العلاقة بينها وبين المنظومة الغربية، بسبب الصراع المحتدم الذي يخوضه هذا الطرف الأخير مع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وهي حربٌ قد تمتد تداعياتها إلى خارج أوروبا ضمن محاولات تقويض النفوذ الروسي في أفريقيا وغيرها.
الهامش :
يوجد في الهامش السفلي أربعون مصدرًا ومرجعًا يوثق لمحتويات المادة أو يضيف توضيحات أخرى
أرتريا مرشحة لمصاعب جديدة من الدول الغربية
خلفيات رفض إرتريا إدانة الغزو الروسيي لأوكرانيا