د. ادريس محمود حسب الله:حادي يواجه التحديات
حادي يواجه التحديات: قراءة في عوامل نجاح المؤتمرالعام السابع
مدخل
دلت التجارب الإنسانية على أن تتابع الأعمال واستمرار الجهود، مع التجديد والتفاعل والمواكبة سبيلٌ مفضٍ إلى تحقيق الأهداف وانتصار المبادئ. ومن طالع نجاحات بعض الحركات على مر التاريخ أدرك أنه ما من حركة نهضت بعد قعود، وصمدت رغم العواصف وتطورت مع الزمن إلا كان لها نصيب وافر من تراكم الخبرات، وتتابع النجاحات، والسير نحو الغايات المرجوة بلا انقطاع أو انحراف.
وفي قراءتنا لمسيرة حزب الوطن الديمقراطي الارتري (حادي) وبمناسبة انعقاد مؤتمره السابع ، نجد ان السمة الغالبة عليه هي تميزه بالاستمرارية مع الفعالية ، والتطور مع الوعي ، والمواكبة مع الأصالة. فقد غير اسمه أكثر من مرة وطور برامجه السياسية وبعض اولوياته ووسائله مع الثبات على المبادئ والأهداف الكبرى التي قام عليها وضحت أجياله المتتابعة من أجلها. و هذا دليل على توفر عناصر الوعي والشجاعة والإمكانات وتوفر عنصر تراكم الخبرات. وهو ما مكن الحزب للمساهمة في مجالات عديدة ، واتاحت له الفرص في تقديم الكثير من المبادرات والمشاريع واثري الساحة السياسية الارترية بالكثير من الكوادر الفاعلة والمؤهلة في جميع المجالات.
قيادات الحزب القديمة والحالية:
يعود الفضل في استمرار وتطور ونجاح الحزب بصيغته الحالية الى مناضلين ومفكرين وسياسيين من الرعيل الأول أرسوا الخطوط العريضة للحزب منذ البداية، وساهموا في انطلاقته بكل صدق وعزيمة، ومن هؤلاء نجد على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ عرفة احمد محمد والمناضل محمد اسماعيل عبده والمناضل حامد تركي والمناضل سعيد صابر والاستاذ صالح على صالح والشيخ عثمان عنجوت والقائمة تطول. هذه القيادات وغيرها الكثير تشكل رموز وطنية ارترية لا أحد يستطيع ان يقدح في وطنيتها أو يطعن في نضالاتها وصدقها وتضحياتها. فقد بدأت الإصلاح منذ ان كانت تناضل في جبهة التحرير الارترية. وقد تعرضت نتيجة تمسكها بمبادئها الى الاضطهاد والسجن والتعذيب ورغم ذلك لم تضمر العداوة ولم تستولي عليها روح الانتقام. وخلال نضالاتها ضد الدكتاتورية عرفت بشمولية الطرح والوسطية والاعتدال في الفكر والممارسة. وقد كان لها دوراً كبيرا في جمع الصف الوطني الإرتري وحشد الطاقات.
هذه القيادات أرست قواعد التعامل مع الآخر ووجهت كوادرها الى أهمية العمل الوطني المشترك، وكانت تمد يدها لكل فصيل مهما اختلفت معه حتى وإن كان ممن اضطهدها. وكانت ترى ألا يقصى أحد عن التحالفات وتؤمن بضرورة حشد الجميع في مواجهة النظام الدكتاتوري في اسمرا. وهي التي لعبت دور العراب أو العنصر الفاعل في معظم الحوارات والتحالفات السياسية بين التنظيمات الوطنية الارترية قبل وبعد الاستقلال، منها ما هو قائم حتى اليوم ومنها ما انتهى.
وفي كل المراحل ناضلت هذه القيادات ضد الدكتاتورية وتفاعلت فكريا وسياسيا مع رفقائها في النضال، وقدمت عصارة تجاربها وخبراتها الواسعة وافكارها البناءة وقدمت الكثير من المشاريع لتؤسس قاعدة العمل الوطني العريض الذي نشهده اليوم، وكانت في كل ذلك من أبعد الناس عن الغرض والهوى، الذي لا يليق بأصحاب المبادئ والرسالات. فلم يعرف عنها تلبس بقبلية ولا عصبية ولا استكبار حزبي، انما كانت انما كانت تعمل من اجل مصالح الشعب والوطن. وحق لمن ينتمي لهذه المدرسة ان يفتخر وان يكون نصيبه وافر من الخبرات والسير نحو الغايات المرجوة بلا انقطاع أو انحراف.
ان القيادة الحالية لحزب حادي تنتمي الى ذاك الرعيل، وهي تسير على نفس الطريق وإن اختلفت الدروب. وهي في طريقها الشائك تحاول الاستفادة من تلك الخبرات المتراكمة، وتتابع الخطوات في سيرها نحو الغايات. ولو نظرنا الى تكوين قيادة الحزب الحالية ومعظمها ظهر بعد المؤتمر السادس ، نجد انها تضم كفاءات علمية وخبرات تنظيمية. وقد أثبتت مقدرتها في قيادة التحولات الأخيرة في الحزب. وفي المؤتمر الاخير للحزب تم تجديد الثقة في القيادة التشريعية ممثلةً في الدكتور صالح عثمان كيكيا لرئاسة المجلس المركزي، مع تجديد في طاقمه الرئاسي وفي هيئة المجلس المركزي. (مقابلة مع قيادي في الحزب). كما تمت اعادة انتخاب الدكتور أحمد صالح ليكون رئيساً تنفيذياً للحزب في الدورة الحالية. والدكتور احمد يعد نموذجاً فريداً في الجمع بين التميز الأكاديمي والخبرة السياسية، بالإضافة إلى الخبرة النقابيّة، فقد درس القانون بجامعة الخرطوم وكلية التربية بجامعة أفريقيا العالمية والدكتوراة بالجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا، وهو بحق أحد الكوادر والتلاميذ النجباء للرعيل الأول تفانياً والتزاماً بالقيم والمثل العليا. أما نائب الرئيس الحالي الاستاذ علي محمد محمود ، فهو من جيل الرعيل الأول ومن المؤسسين. وهو من أسهم فكراً وممارسةً في إنجاح التحولات الإيجابية في مسيرة الحزب. وهو اليوم يلعب دوراً أساسياً في تثبيت أركان الحزب في ثوبه الجديد، ويعتبر القائد الروحي والمفكر السياسي والشيخ الجليل الداعم لعنصر الشباب في الحزب. ولا ينضب معين التجديد والتطوير في الحزب بإبراز العناصر القيادية الشابة في ادارته التنفيذية وفي المكتب القيادي للحزب، ففي المؤتمر السادس بقي اثنان فقط من القيادة التنفيذية التي دخلت المؤتمر في مواقع القيادة وجاءت بقية الوجوه لتظهر لأول مرة في قيادة الحزب. وتم التجديد لنصف ذلك العدد بعد المؤتمر السابع لتخرج نصف القيادة وتحل مكانها وجوه شابة جديدة. وممن تم التجديد لهم المهندسة ابتسام عبدالرحمن التي أظهرت كفاءة إدارية وسياسية تضاهي رصفائها من الرجال، فالمرأة في الحزب تلعب دورا بارزا وتشارك بفاعلية في كل الميادين. (مقابلة مع قيادي في الحزب(
مؤتمرات الحزب:
تميز الحزب بعقد مؤتمراته الراتبة في موعدها المحدد وذلك رغم الصعوبات وقلة الإمكانيات المادية ووجود المخاطر الأمنية. وهذا يدل على حرص الحزب لتفعيل وممارسة الديمقراطية التي ينادي بها. وهي ممارسة مهمة سواءً على مستوى القيادة والقاعدة أو الجمهور العريض بؤسس لحكم راشد قائم على الحرية والتعددية والتداول السلمي للسطة في المستقبل. فالمؤتمرات تتيح الفرصة للمناقشات الجادة والحاسمة وتساهم في تلمس مواطن القوة والضعف، وتقود الى تغييرات تتناسب مع كل مرحلة، حيث يتم فيها تجديد الأهداف وتحديث البرامج وتغيير الوسائل والأساليب والقيادات. وهي آلية مهمة لحسم الخلافات والخيارات المتعددة والمصادقة على القرارات وإعطائها الشرعية اللازمة. ولا يخفى على أحد خطورة عدم عقد المؤتمرات بالنسبة للأحزاب السياسية التي تنادي بالديمقراطية والتعددية واحترام الرأي، فالحزب الحاكم في ارتريا والمسمى بحزب الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية لم يعقد مؤتمره منذ اكثير من ربع قرن، وكذك هو الحال بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية المعارضة في الشتات ، مما يجعلها أحزاباً صورية لا تتسق اسمائها مع أفعالها وهي تمثل خطراً على الأمة الإرترية لانها بيئة صالحة لإنتاج الدكتاتوريات.
أهمية المؤتمر السادس للحزب – اكتوبر 2019:
يمثل المؤتمر السادس للحزب والذي عقد في أكتوبر 2019 نقطة تحول فارقة في مسيرة الحزب السياسية والفكرية والتنظيمية وكانت نتائجه خطيرة ومؤثرة على مجمل توجهات الحزب ويتوقع ان يكون لها انعكاساتها على مستقبله في المدى القريب والبعيد. ومع ان التغييرات ليست جديدة في تاريخ الحزب وهذه ليست اول مرة تجري فيها تغييرات سياسية الا انها في المؤتمر السادس كانت هائلة وعميقة وجذرية شكلت صدمة للبعض في حين وجدت التأييد والاعجاب من البعض الاخر، بل وراهن البعض بانهيار الحزب لمجرد سماعه بهذه التغييرات ولكن انطلاق الحزب بقوة ومساهماته وحضوره على الساحة السياسية وكل ما تلى هذا المؤتمر من إنجازات خيب ظن أصحاب ذلك الرهان.
ونعتقد بان ما حصل من تغييرات في المؤتمر السادس يشكل تطورا كبيرا وانتقالا في التفكير من مستوى الايدلوجية الحزبية الضيقة الى التفكير على مستوى الدولة والمنافسة على الحكم، والسعي لكسب تأييد الشعب الارتري بكل الوانه وانتماءاته الفكرية والدينية والسياسية على أساس البرامج، والشعب الارتري كما أنه يريد التخلص من الدكتاتورية فإنه كذلك يبحث عن البديل.
خلفية عن أبرز التغييرات التي اعتمدها الحزب في المؤتمر السادس:
في مؤتمره السادس خرج الحزب بتعريف جديد لنفسه حيث عرف الحزب نفسه بأنه حزب سياسي وطني ارتري يعمل لإعلاء قيم العدل والحرية والديمقراطية وبناء دولة القانون. وبناءً عليه فإن أهم أهداف الحزب هي:
1- حماية وتعزيز الحريات الفردية والجماعية من حرية الرأي والتعبير والتنظيم وحرية الفكر والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التجمع والتنقل وحرية المشاركة في الحياة العامة.
2- الدولة الارترية دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون وتحترم سلطة القضاء و استقلاليته
3- المواطنة هي الأساس و المعيار لكافة الحقوق والواجبات والمساواة بين كل الارتريين دون تمييز. (المصدر أدبيات الحزب المنشورة على صفحته الالكترونية)
اما اولويات الحزب السياسية فقد تم تلخيصها في إزالة الدكتاتورية وآثارها، والحفاظ على استقلال ارتريا وصون سيادتها، واتفاق قوى التغيير السياسية والمدنية من أجل إحداث تغيير سلس وآمن، وعودة اللاجئين واستقرارهم، واقامة الديمقراطية وحكم القانون … الخ.
ومن أبرز نتائج المؤتمر السادس أنه قيد نشاط الحزب ليكون محصورا في العمل السياسي وتخلى عن ممارسة النشاطات الخيرية او العسكرية، وقرر عدم تبنى اية هوية سياسية (أيديولوجية) غير الهوية الوطنية العامة ، وفتح باب عضويته لكل الارتريين بمختلف توجهاتهم الفكرية ومعتقداتهم الدينية. والحزب يرى أن حصر نشاطاته على المجال السياسي يساعد على تجويد العمل ويؤدي الى تخفيف الالتزامات ، ويتيح الفرصة بذلك التوجه للانطلاق في بناء حزب قوي لديه أولويات سياسية محددة، وليس متشعبا في قضايا لا يستطيع الوفاء بها في الوقت الحالي. مع التأكيد بان الحزب يسمح لعضويته ممارسة جميع النشاطات العامة التطوعية كافراد او كمجتمع مدني. (أنظر أدبيات الحزب ذات الصلة)
وللحزب رؤية تقوم على تفسير الصراع في ارتريا على انه صراع سياسي، وأنه لا يمكن حله إلا بأدوات سياسية . ويقترح الحزب وسائل عديدة من أهمها الحوار السياسي لبناء قاعدة عمل وطني مشترك تدفع نحو شراكة بين أصحاب المصلحة ليقرروا مفهوم التغيير الديمقراطي وخارطة طريق وأدوات التغيير والحفاظ على مكاسبه. ولذلك فقد حرص الحزب على تقديم الدعوة لكل الفرقاء السياسيين في الوطن والشتات للتواضع الى مقاربة تبعد البلاد عن خطر الانقسام أو سقوطها في صراعات عدمية، كما دعا الى حوارات جادة تقرب التنظيمات الوطنية من الاجابة عن أسئلة استدامة الاستقرار وجلب أسباب التقدم نحو مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ويرى الحزب بان واجب المرحلة يتمثل في التوافق على الاستحقاقات الوطنية في البناء السياسي العادل والعمل على رص الصفوف وتطوير برنامج وطني مشترك يتفق عليه عامة الشعب والتنظيمات السياسية بشكل خاص، ويكون بعيداً عن الايديلوجيا وعن التقسيم الديني والقومي، ويتيح مشاركة الجميع في إدارة الشأن العام.
يبدو واضحا من هذا الاستعراض المختصر أن التغييرات التي طرأت على التوجهات السياسية والفكرية والتنظيمية للحزب لم تكن تغييرات شكلية طفيفة وما كانت مناورةً سياسيةً ولا هي نتيجة املاءات او ضغوط خارجية او صراعات داخلية، وانما جاءت بشكل طبيعي وبناءً على قناعات أملتها مراجعات فكرية ومستجدات سياسية استراتيجية، وقد تمت مناقشتها على مستوى القيادة والقاعدة في المراحل التي سبقت المؤتمر. وجاءت المراجعات الفكرية والتحولات السياسية السياسية نتيجة لتقييم التجارب السابقة وقراءة للواقع واستشراف للمستقبل، وتلبيةً لتطلعات الشعب الارتري والتزاماً تجاه المشكلات التي يعاني منها منذ عقود من الزمان تحت النظام الدكتاتوري ، واحساساً بعظم المسؤولية الوطنية، وسعياً وراء الأفضل والأصلح ، والعمل من أجل الانفتاح وطرح الحلول الشاملة والاستعداد لما بعد الدكتاتورية.
أهمية المؤتمر السابع – مارس 2024:
في الفترة 1 – 10 مارس 2024 عًقد المؤتمر العام السابع لحزب الوطن الديمقراطي الإرتري – حادي، تحت شعار “معاً لبناء وطن يسع الجميع” ناقش فيه الوثائق التي أعدتها اللجنة التحضيرية واختار قيادته للمرحلة القادمة (البيان الختامي للمؤتمر العام السابع للحزب متاح على الانترنت)
وتنبع أهمية المؤتمر السابع من كونه ياتي على اعتاب الوحدة المرتقبة بين تنظيمات الأئتلاف الوطني الديمقراطي الإرتري الذي تم تكوينه في عام 2021 من ثلاث تنظيمات سياسية هي حزب الوطن الديمقراطي الإرتري (حادي) وجبهة التحرير الارترية وجبهة الإنقاذ الوطني الإرترية. ويأمل أعضائه للوصول الى وحدة كاملة بين مكوناته وخلق تنظيم وطني جديد يكون رائداً يسهم في تحقيق وحدة وطنية أشمل تضم كافة تنظيمات المعارضة في الشتات، ويكون بذلك انطلاقةً جادةً في طريق التغيير الديمقراطي وتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.
وقد كان مخططاً ان تتم الوحدة الكاملة بنهاية العام 2023 بعد ان يعقد كل تنظيم مؤتمره العادي او الطارئ من اجل المصادقة على قرار الاندماج واصدار بيانات ختامية تتضمن الموافقة على المشروع ، لكن تاخرت الإجراءات العملية لتلك الخطة لظروف خارجة عن الارادة واسباب موضوعية وصعوبات ما تزال تشكل عقبة أمام تحقيق الطموحات والرغبة الجامحة للجميع من أجل تحقيق الوحدة في اقرب وقت ممكن (من مقابلة مع رئيس الحزب الدكتور أحمد صالح)
وجاء المؤتمر السابع كمحطة رئيسية يقوم فيها الحزب بتقييم تجربته السياسية ما بعد المؤتمر السادس. وللاستكمال مسيرة التحولات والمراجعات ، وقد تركزت مداولاته على موضوع الوحدة التنظيمية وأهميتها. وقد وافق المؤتمر على تقرير خطة العمل الوحدوي مع تنظيمات الائتلاف الثلاثة وطالب القيادة السياسية للمضي قدماً نحو إتمام الوحدة الاندماجية، وتم تفويض المجلس المركزي بمهمة اكمال خطة العمل الوحدوي القائمة مع تنظيمات الائتلاف والتي من المتوقع ان تتم حتى نهاية هذا العام 2024م. (أنظر البيان الختامي للمؤتمر العام االسابع،وكذلك مقابلة مع رئيس الدائرة التنظيمية والمنظمات الجماهيرية للحزب الأستاذ عبدالكريم مصطفي مع قناة القرن الأفريقي)
تحديات عامة وخاصة:
يمكن اختصار الوضع العام لكل المعارضة السياسية الارترية في الشتات بانه في حالة ركود وتأخر وانسداد افق وحصار خانق ، مع وجود محاولات هنا وهناك ومساهمات مقدرة ومساعي جادة نظرية وعملية وعلمية وهناك بعض التعاون من اجل احداث تغيير في الاداء وتفعيل في الوسائل لتحقيق الاهداف والعمل لفك الحصار.
إن الائتلاف الوطني الديمقراطي ومن ثم الوحدة الاندماجية التي سعى ويسعى لتحقيقها حزب الوطن الديمقراطي الإرتري (حادي) تعتبر أحد الركائز التي يمكن ان تساعد لكسر الحواجز السياسية التي تحول دون تحقيق عملية سياسية تفضي إلى تغيير موازين القوى، وتفشل محاولات البعض الانفراد بالساحة السياسية وإقصاء الآخر السياسي والاجتماعي والديني. ففي عالم اليوم لا مكان للمتفرقين ولا وجود لقوة دون تضافر الجهود ولا نجاح دون رؤية وطنية شاملة تستوعب التنوع السياسي والثقافي والديني وتتعامل مع الأوضاع بواقعية ومسؤولية وبجدية والتزام.
في هذا الاطار فان من اكبر التحديات التي تواجه حزب (حادي) في هذه المرحلة وبعد اختتام مؤتمره السابع هو تحقيق الوحدة اولا مع التنظيمات الثلاثة في الائتلاف ومن ثم الانطلاق معا من اجل ضم مزيد من قوى المقاومة الإرترية إلى الائتلاف أو أي تكتل سياسي جامع، لانهاء حالة الانقسام التي تشهدها المعارضة في الشتات، ومن ثم الانتقال للعمل من الداخل ، حيث يؤكد الواقع أن الباب للتأثير في الداخل وايجاد موطئ قدم فيه لم يكن مغلقاً بشكل كامل، بل كانت هناك قلة في المهارات والمعرفة أو عدم رغبة في خوض التحديات والانشغال بما دون ذلك. وقد إبان الحراك الشعبي والعسكري الذي يرتفع أحياناً ويخبو أخرى وحالة السخط العامة وظهور انتقادات علنية لأداء النظام السياسي والاقتصادي في المجالس الشعبية، وانتقاد النظام بالكتابة على الحوائظ والجرأة للحديث في وسائل الإعلام من الداخل واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنقل الانتهاكات في السجون وغيرها يدل على الفرص المتاحة للعمل من داخل ارتريا لإحداث التغيير المنشود.
ان محاولة التاثير على الاوضاع داخل ارتريا وخلق توازنات جديدة وقلب موازين القوى هناك يعتبر من اهم التحديات التي تواجه المعارضة الارترية عموما، فقد أشبعت بحثاً المشروعات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية المرتقبة، وتبقي التقدم الى الامام من أجل الاسراع لازالة النظام ورفع الظلم والمآسي والأحزان التي طال أمدها على الشعب الارتري، الذي سوف لن يلتفت الى القوى السياسية الا لمن له القدرة على احداث تغيير في استراتيجية التعامل مع الداخل ومواجهة النظام الدكتاتوري بكل السبل المتاحة والممكنة.
ان من اهم متطلبات المرحلة القادمة للمقاومة الارترية في الشتات هو الانتقال من حالة السلبية والشجب وخطاب المظلومية والاكتفاء بانتقاد النظام وداعميه، الى مرحلة متقدمة أكثر فاعليةً وتأثيراً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد تنتج فعلا منظماً يؤدي الى التغيير ويبعث الأمل في نفوس الارتريين في غد مشرق.
الخاتمة:
ان حزب الوطن الديمقراطي الوطني (حادي) في تطوره النوعي وخاصة على المستوى السياسي والفكري والتنظيمي يعتبرمن الاحزاب الرائدة ونموذجا فريدا ليس على مستوى ارتريا فقط ولكن على مستوى المنطقة ، فالسبيل الذي سلكه الحزب والجهود التي بذلتها قياداته منذ تاسيسه وحتى اليوم جديرة بالدراسة والتامل، وهذه الجهود وخاصة ما تعلق منها بالحرص على الوحدة يؤمل ان تمهد الطريق لاحداث نقلة نوعية في عمل وفكر وتحركات تنظيمات المعارضة الارترية وتدفع الى خطوات جادة توحد الجميع من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري واحلال نظام ديمقراطي ينعم فيه الارتريون بالحرية والسلام.
ان الحالة التي يعيشها الشعب الارتري منذ اكثر من ربع قرن من الزمان حالة ماساوية بكل ما تعنيه الكلمة ، فاستهداف الوجود والهوية والتاريخ والممتلكات واجراءات الهيمنة ما تزال تجري على قدم وساق ، والتباطؤ في التعامل مع هذه المأساة سوف يؤدي بلا شك الى تعقيد الوضع أكثر وأكثر، ولا يستبعد ان تنفجر الأوضاع الى مواجهات عسكرية يائسة وغير محسوبة، فالنظام المستبد في اسمرا لا يهمه تفجر الاوضاع فهو لا يعيش الا في ظل عدم الاستقرار والحروب المستمرة.
ولكي تستطيع قوى المقاومة تجنيب البلاد سيناريوهات التفلت والمواجهات غير المنظمة وغير المحسوبة تحتاج الى تطور نوعي وحركة غير مألوفة واستحداث أساليب جديدة وعمل شامل، وتحتاج الى تماسك داخلي ووحدة في المواقف والتغلب على التحديات الداخلية والخارجية، والا فان القادم يمكن ان يكون اسوأ، خاصةً في ظل تفجر الاوضاع في دول الجوار.
الكل يعلم بان معركة التغيير معركة طويلة وصعبة ومعقدة ، ومع الأخذ بعين الاعتبار كل المعاني السابقة للتغيير وكل المخارج المحتملة من المأزق العميق للوضع في ارتريا فإن الحاسم والجوهري في كل ذلك هو وحدة المعارضة ومركزة نشاطها السياسي ، والمدخل إلى عملية التغيير تكمن في خلق حالة تكامل بين قوى الداخل والخارج، وإحياء الثقة وروح التضحية والأمل وسط الشعب الارتري. وعندها تبدأ الخطوات الجادة للقضاء على الدكتاتور ان عاجلاً او اجلاً. اما انتظار سقوطه بعوامل الزمن فهو خيار قد أثبت فشله، ولن يخدم القضية ابداً ولن يعود للاستقلال بطعمه، وللحرية بمعناها ولن يحقق الآمال في العودة وبناء دولة العدل والحرية والسلام.
وكتبه الدكتور/ ادريس محمود حسب الله
المـــــراجع:
-أدبيات وبيانات ومقابلات قيادات الحزب المتاحة على الشبكة
-مقابلة مع احد قيادات حزب الوطن الديمقراطي الإرتري (حادي)
-مواقع ارترية على الشبكة
د.حامد محمد حالفا قلم فقيه وأستاذ جامعي يهتم بالسياسة الشرعية والقضايا الفكرية ، يكتب البحوث العلمية المحكمة التي تعالج مشكلات المجتمع من الوجهة الإسلامية