تقارير

المؤتمر الثاني لرابطة علماء إرتريا ….. عهد يتأكد وعزم يتجدد

في زمن يتهمها فيه النظام الأرتري بما يتنافى مع طبيعتها، وإمكانياتها، وقدرات روادها ، وفكرها الوسطي المعتدل،  وسلميتها ، وغربتها عن الوطن بسبب الهجرة القسرية ، ووقار منسوبيها وحسن أخلاقهم ، تظهر الرابطة بمؤتمر بهي ، وينجح المؤتمر نجاحاً لا يسر النظام الأرتري الذي يعمل لإطفاء شمعة التعليم والدين في أرتريا  ولهذا راق لي عنوان وشعار المؤتمر ليكون عنوان هذه المادة ؟

نجحت في التحضير المناسب  وفق الآليات المتبعة نظاما فدعت الرابطة أعضاءها من مختلف مواقعهم الجغرافية المتباعدة  إلى مؤتمر عام عادي  وهو الثاني منذ التأسيس.

شهد يوم الجمعة 23 شوال 1442هـ الموافق 4 يونيو 2021م نهاية فعاليات المؤتمر العام الثاني لرابطة علماء أرتريا .

أكثر من مائة عالم وداعية أرتري مسلم مهاجر ضمتهم المناسبة.

وبين المؤتمرين : الأول  – 2015م –  والثاني مضىت خمس سنوات والحدث كان وفاء بالنظام الأساسي للرابطة الذي حدد موعد الدورة بين كل مناسبتين ،

المؤتمر الثاني ناقش خمس أوراق معدة من اللجنة التحضيرية

وهن الدعوية والتعليمية وحقوق الإنسان ، والنظام الأساسي والخطة الاستراتيجية للرابطة خلال السنوات  الخمس المقبلة  ( 2021م – 2026م ) .

تم  نشر هذه الأوراق في المجموعة التي ضمت المؤتمرين فكان النقاش جادا ومثمرا

لم تكن الآراء تابعُا ومتبوعاً على عمية يسوقُها مطاوعةً الأعضاءُ لمن هو أكبرهم  سنا أو وظيفة أو علما أو استقامة أو أسبقية… وإنما كان لكل الأعضاء حق النقاش ، وحق طرح الآراء ،  مهما تباينت مع آراء الآخرين  وهذا هو مفهوم الشورى في الإسلام إذ لا قدسية لرأي أحد في مسائل الاجتهاد ولا نصوص قطعية تحسمها وإنما يشجع الإسلام على وإعمال القواعد الأصولية  اغتنام  لاستنباط الأحكام الشرعية ولاتخاذ الموقف السليم من بين  المواقف الاجتهادية التي تطرحها اجتهادات العلماء .

  ولهذا ظهرت آراء أقرب إلى التنطع – وهي قليلة- ، وآراء أقرب إلى الترخص – وهي قليلة –  وآراء الغالبية ارتضت المنهج الوسطي الذي يمثله الفهم الصحيح لنصوص الإسلام فعادت إليه الأصوات المتنطعة والأصوات المترخصة لأنه هدى للجميع فجلست حواء بجوار آدم تناقش ، ولم يدع أحد أن صوتها عورة ولا حوارها مع الرجال منكر ولا تقلدها مناصب قيادية رفيعة بدعة ،  واختفت مقولة فرض المذهب الواحد والرأي الواحد والفتوى الواحدة لتتيح المجال لتعايش الآراء الاجتهادية المتباينة ولا مانع لدى  الجميع ان يختلف اجتهاد وفهم اليوم للنص الشرعي عن اجتهاد وفهم أمس لاختلافات الزمان والمكان والأعراف  ومستجدات العصر والمصالح المعتبرة شرعاً .إنها نقلة كبيرة فقها وفكرا  وخلقاً وصلت إليها الرابطة .بارك الله فيك يا شجرة البر الظليلة .

سعة الصدر تجاه المخالف:

واحترامًا لذلك الفهم لم يتضايق العلماء المؤتمرون من اختلاف سلوكهم في لباسهم ولحاهم أو درجة استقامتهم او تنوع مظهرهم الخارجي أو تباين مذاهبهم الفقهية أو انتماءاتهم السلوكية والسياسية . وإنما تراضى  الجميع ان يتعاون مع الجميع فيما  اتفق فيه الجميع من واجبات الدين و السعي لتحقيق مصلحة العباد والبلاد.

فهذه لحية مخففة عمدًا بتعهد من  صاحبها ، وتلك لحية موفورة عمدا برعاية من صاحبها  ، وهذا شيخ يمسك بمسبحته جالس في المنصة يذكر الله بها ،  وربما يوجد من يرى المسبحة بدعة منكرة ومع ذلك يغض الطرف عن المسألة حرصا على تأليف الكلمة وجمع الصف المسلم .. وهذا يرتدي البنطال والآخر الجلباب وبعض هيئات الباس تتميز بها قوميات وليست مألوفة عند قوميات أخري

والجميع شكل لوحة زاهية ، تجانس وتكامل وانخرط في فعاليات المؤتمر يناقش بموضوعية  ويطاوع الإدارة ، ويسمع ويصبر على رأي مخالفيه والآراء المتخالفة بحب تحسم في الجلسات الختامية بمعيار التراضي والأغلبية البسيطة و الرأي المغلوب يطاوع الرأي الغالب ورأي الجمهور يرجح على رأي الأقلية عمليا مع عدم تسفيه الرأي المخالف له وفي مسائل الاجتهاد قد يترجح غدا رأي الأقلية فيأتي إليه منقادًا رأي الجمهور لاتخاذ القرار المناسب . وبهذا تم اعتماد الأوراق ووثائق المؤتمر و به جرت الفعاليات في كل تفاصيلها .  إنه الإسلام يعلم أتباعه كيف يديرون أمورهم العامة بالشورى وهي تقليب وجهات النظر والآراء الاجتهادية بين أهل النظر ليختار من بينها أقربها إلى  الحق والصواب كما أنه الإسلام يقر من أتباعه تباين درجات إيمانهم واستقامتهم وكسبهم المعرفي والسلوكي فحظ أبي بكر أفضل من حظ غيره في السبق والإيمان وحظ من لا يفعل  شيئا من  التطوع غير الفرائض موفور في الجنة ولا يعاقب لكون درجة استقامته لم تصل درجة السابقين الأخيار ، أمة الإسلام شجرة واحدة يستظل بها المطيع جدًا والعاصي جدًا والمقتصد.

الزمان يوم الجمعة 4 يونيو ، والمكان هو الفضاء  الذي يجمع الجغرافية المتابعة  والأشخاص المتابعين .

والموضوع هو فعاليات  المؤتمر الثاني لرابطة علماء أرتريا  الذي ضم الرجال والنساء والوسيلة جمعت بين الواتساب والزوم  وتمضي المناسبة بارتياح وبأقل التكاليف مادياً. ويلتقي العلماء صوتا وصورة ويتحاورون . يتفقون بثقة وحجة ، ويختلفون بأدب واحترام .وكلمات ونصائح وإشارات  قائد الركب الميمون الشيخ برهان سعيد نور حسين دوماً كانت تذكر بين فترة وأخرى بالحفاظ على الأجواء الحميمية بين الأعضاء وقد وجدت آذانا صاغية وقلوبًا منشرحة فاستقرت .

تجاوز الصعوبات :

لعل الصعوبة الكبرى كانت ميزانية المؤتمر فليس سهلا أن تجمع أكثر من مائة عضو في مكان واحد تجمعهم  إليه بالنقل الجوي و البري والبحري ثم إقامتهم لأيام حتى تنقضي الفعاليات كم هو مكلف ثم إن الزمان  والمكان قد لا يساعد لإقامة المؤتمر لاختلاف المشاغل وربما العامل السياسي يكون أحد المثبطات فالرابطة مهاجرة  ونظام بلادها يشكك في نواياها وفي زمن الأنظمة الجائرة لا يتيسر الملك العادل الذي يحمي الصحابة المهاجرين  ولهذا كان الخيار المفضل أن يعقد المؤتمر عبر التقنية الحديثة

وهنا أيضا لا يخلو هذا الاتجاه من سلبيات فبعض المواقع التي يقيم فيها بعض أعضاء المؤتمر  تشكو من ضعف الشبكة وبعض الدعاة  قد يكون لديهم ما يمنعهم من المشاركة بمثل هذه التقنية  ومع ذلك اتخذت اللجنة التحضيرية من التدابير ما يسهل كل عسير  حيث جمعت بعض الأعضاء في مقرات موقتة مجهزة بالوسائل وبعض  الأعضاء شاركوا من مواطن إقامتهم وإن تباعدت بهم الجغرافية والزمان، أما  مقر القيادة فقد بدا انه  في وضع مريح يمكن من الإشراف على كل المقرات الفاعلة  ترشد وتدعم المعالجات الفنية  لكل عارض يتوقع منه منع المشاركة.وكانت العوارض الطارئة تحسم فورًا وتعالج من الإشراف الفني إنه شيء مشرف أن يكون الدعاة مواكبين لما وصل إليه عصرهم من تقنية يسرت كل عسير وتجاوزت الرابطة عبر التقنية كل الحواجز المثبطة.

انتخاب القيادة الجديدة :

ضمن الفعاليات أتت فقرة اختيار القيادة الجديدة من بين المؤتمرين  وكلهم قد تنافس على  تحديد 20 شخصا من بين أعضاء المؤتمر وبقي حسب النظام  اختيار خمسة أعضاء ليتم ترشيحهم من الأمين العام ، و يعتمدهم مجلس الشورى وقد فعل .

نظام الانتخاب كان دقيقا وسريا أتاح لكل عضو أن يتخير عشرين شخصا من العدد الكلي لأعضاء المؤتمر وما هي إلا لحظات تسابق الناس فيها إلى القيام بواجب الاختيار  و” التقنية ” تعطيك شهادة أن عملية تصويتك تمت بنجاح والإدارة هناك المشرفة أعطت فرصة لمن عاكسته الشبكة  أو أخطأ  في طريقة الترشيح وعلى الفور وبكل شفافية انتهت عملية الانتخاب فظهرت أمام المؤتمرين أسماء العشرين الفائزين يتقدمهم رئيس مجلس الشورى البروفيسور جلال الدين محمد صالح ونائبه د.حسن سلمان والأمين العام الشيخ برهان سعيد  وضمت القيادة الجديدة أسماء جديدة  بينها موقع لحواء أرتريا وظهرت أصوات من الدعاة القدامى والجدد  تعتذر تواضعَا وإيثاراً عن تقلد مناصب قيادية لكن النظام يمنع الاعتذارات غير المبررة والمؤتمر يفرض على المختارين أن يتحملوا الأمانة ولا خيار للانسحاب وكانت القرعة احد الخيارات المعتمدة في المؤتمر لحسم تساوي الأصوات أو تعارضها  .

 سلم برضى أعضاء المؤتمر بالنتيجة فلا أحد ادعى التظلم أو التزوير أو سوء التدبير مما يحدث عادة في الانتخابات المعاصرة غير الفقيهة  . لأن الاتفاق قد حصل من قبل على  هذه الآلية لاختيار القيادة ولا يوجد في الإسلام ما يوجب طريقة أو يحظر طريقة في عملية اختيار القيادة فالأمر شورى وما اتفق عليه العلماء من وسيلة وآلية مباحة يأتي الشرع ليحميها ويزكيها باعتبارها عقد ووثيقة واجبة الوفاء  .

الفعاليات :

بدأت فعاليات المؤتمر بتوزيع  الأوراق على الأعضاء  بهدف القراءة وكتابة الملاحظات وذلك قبل انعقاد المؤتمر  بأيام ومن ذلك الحين  كانت الحوارات تجري حرة نشطة حتى أكمل المؤتمرون قراءة الأوراق ورقة ورقة حسب الجدول المحدد لكل ورقة   وكان المشرف على هذه الفعاليات د.حسن سلمان حيث كان يودع ورقة ويأذن لورقة جديدة .

أما اليوم الرئيس للمؤتمر فقد افتتح بتلاوة آيات مباركات، أتت بعدها كلمة رئيس اللجنة التحضيرية الشيخ أبو الرشيد محمد جمعة أحمد بخيت  ثم توالت كلمات رئيس مجلس الشورى  والأمين العام ثم تقرير الدورة الأدبي والمالي  وقد تمت مناقشة التقرير بالتفصيل خاصة في جانبه المالي إيراداً وصرفاً ومما بعث على الاطمئنان المهني أن التقرير المالي راجعه مراجع متخصص بصفة مهنية ولهذا حظي بالثقة  وسط المؤتمرين و تمت إجازته بعد نقاش مفصل ..

 سبق ذلك قراءة الأوراق والتصويت في إجازتها وكانت الخلاصة :

  • اتفاق الأعضاء على معظم ما في الأوراق الخمس من مضامين
  • التوجيه بتعديل بعض الأشياء التي اتفق النقاش على تعديلها سواء اتصلت بالشكل أو المضمون
  • تحديد نقاط الخلاف ورفعها إلى المؤتمر لحسمها بآليات الحسم المتفق عليها

وبموجب ذلك كانت الأوراق شبه محسومة ولهذا تيسر التصويت على إجازتها في يوم المؤتمر العام  الرابع من يونيو كما تيسر النقاش الهادئ  في مواطن الخلاف  حتى حسمت  بالتراضي وبعضها بالأغلبية وقد حظيت الورقة الدعوية  بكثير من النقاش الذي قدم مقترحات إضافية مهمة حول الأولويات  الدعوية و أهمية توحيد الرؤى حولها لكن الإدارة رأت استصحاب المناقشات والمقترحات وأن ذلك كاف لإجراء التعديل اللازم حرصا منها على كسب الزمن. كما تم مناقشة الورقية التعليمية التي قدمها الأستاذ أبو الوفاء عبد القادر حامد إبراهيم وتمت إحالتها إلى المجلس مع استصحاب التعديلات المقترحة من المؤتمر  ومثل ذلك حصل للورقة الحقوقية التي طال النقاش فيها وحميت وتيرته .

مواطن الخلاف :

 وكان من بين مواطن الخلاف :

جسم الرابطة  واسمها هل يسمح بفتح  الباب أمام  كل العلماء من كل التخصصات العلمية بحجة أن مصطلح ” العلماء ”  يشملهم ، أو تقيد بالعلماء الشرعيين حتى يخرج غيرهم وبكل ذلك قال فريق ،  ويوجد من رأى أن تضاف العالمات إلى العلماء ليصبح الاسم ” رابطة علماء وعالمات أرتريا ”  واستقر  الرأي أن تكون الرابطة شرعية وأن يبقى اسمها كما هو بناء على أن هذا عرف خاص لدى علماء الشريعة وأن هناك روابط وهيئات علمائية عالمية شرعية درجت على اطلاق هذا الاسم على نفسها  دون ان تضم تخصصات علمية غير شرعية ، كما أن المؤنث في  الخطاب الشرعي داخل في المذكر فلا ضرورة لحشر ” عالمات ” في اسم الرابطة. .

علمًا أن تخصيص الرابطة للعلماء الشرعيين لم ينظر إليه عند سواد المؤتمرين على  أنه لا يجوز إشراك غيرهم  معهم وإنما قالوا : توجد نقابات واتحادات علمائية حسب التخصصات العلمية الأخرى فلا داعي لفتح نيل العضوية لكل التخصصات. وأغرب  الفهمَ بعضُ الآراء القليلة بدعوى  أن مصطلح ” العلماء”  خاص بعلماء الدين الإسلامي ، وأن فتح الرابطة لعضوية حملة العلوم الأخرى يخرجها عن مقصدها الأساسي الذي أنشئت من أجله واتهم الرأي المخالف بأنه يسعى لتجريد الرابطة من خصوصيتها وإنهاء دورها, وضيق بعضهم القول  أكثر فرأى : إما أن تكون الرابطة لعلماء الدين أو  لا فائدة منها.!!

 ويبدو لي أن مثل هذا الرأي أتى  تحلية من صاحبه جلبه  الاستطراد في الحديث وليس برأي جاد يستحق النقاش. ولهذا تجاهله الكثيرون . فهذه وجهات نظر لأصحابها القلة  ولهذا تلاشت أمام التبريرات الأخرى التي تجيز أن تستوعب الرابطة علماء من كل التخصصات  ماداموا راضين بنظامها وأهدافها ووسائلها فإن وجودهم نافع لها ومضيف إليها مكاسب مادية ومعنوية  وبشرية  ومواهب وقد يكون من فوائد عضوية العلماء غير الشرعيين في الرابطة أن تنال الرابطة عضوية في منظمات عالمية علمية وقانونية وحقوقية  وقد تجد الدعم المناسب ماديًا ومعنويًا ،الأمر الذي يسمع صوتها وينمي امكانياتها ويوسع من علاقاتها وتحسن من أدائها  تجاه المستهدفين من خدماتها . فإن حصرت مهمة الرابطة في علم فقه الدين فقد ضيقت الواسع فليس بمفهوم أن تدعم الرابطة الشرعية التعليم العام بمختلف فروعه والمجالات الخدمية والتعليمية الأخرى وإنما يصدق عليها أن تصبح جسما ذا مهمة محددة بطلبة العلم الشرعي ومؤسساته وحتى سعيها الخارجي لكسب الدعم لصالح التعليم ينحصر في الجامعات الشرعية والمؤسسات الخيرية الشرعية وربما يضيق هذا  المفهوم الواسع لمعنى  العلم  لأن العلم إسلاميا  وعاء شامل يستوعب كل فروع المعرفة  فكل المهن المباحة  مما يبتغى به وجه الله علم  إن صلحت النيات وصفت السريرة وحسن العمل  وكما استخدم مصطلح العلم في الجانب الشرعي فقد استخدم في مهن أخرى  لا علاقة لها بفقه الصلاة والصيام والزكاة فهذا يوسف  عليه السلام يشاد بما عنده من علم السياسة (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) سورة يوسف ، ومن علم الأنبياء علم الحدادة  :  (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80) سورة الأنبياء , ومن ذلك علم لغات المخلوقات العجماء:  (  وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16 سورة النمل  وفي ذلك كله إعجاز وتعليم يصلح للاستدلال به على أفضلية علم المهن وشرفها لأنها محل رضى من الله    وفي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم  ((إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ )  ومن الفهم المتعسف أن تجعل هذا الفضل لطلاب الشريعة لا لطلاب الطب والهندسة ..  وقد جاء في الحديث الصحيح ان تصحيح النية مطلب شرعي في كل العلوم الشرعية وغير الشرعية فقد قال صلى الله عليه وسلم : منْ تَعلَّمَ عِلمًا مِما يُبتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ  لا يَتَعلَّمُهُ إِلاَّ ليصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يجِدْ عَرْفَ الجنَّةِ يوْم القِيامةِ يَعْنِي: رِيحَهَا، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح. وعاب الشرع على من نسي علم الرماية كما يعيب على من نسي علم الشرع  فقد قال صلى  الله عليه وسلم 🙁  مَن عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فليسَ مِنَّا، أوْ قدْ عَصَى.) رواه مسلم في صحيحه.

  ، وهذا مقياس يخضع له كل أنواع العلوم المباحة أو المفروضة  من علم المهن وعلم الشرع فمن العلماء الشرعيين من  تسعر النار بهم لكونهم لم يتعلموه لله ، أو كتموه عن الناس ومن  علوم المهن  ما رفع شأن الأنبياء مثل نجارة نوح وحدادة داوود وطب عيسى .. ومع هذا الفهم الشامل والمتقدم اتفق المؤتمر أن الظروف الحالية وتشعب التخصصات وقلة الإمكانيات المتاحة ووجود جهود مستقلة لتأسيس نقابات لعلماء من فروع العلم الأخرى  أمور تفرض على  الرابطة أن تكون وعاء جامعاً  للعلماء الشرعيين  لا لغيرهم وهذا تبرير وجيه من باب تخفيف الحمل على الرابطة لكني لا أرى  أنها  تقصر في خدمة التخصصات الأخرى من فروع المعرفة إن فتح أمامها باب الخير  فإن أثمرت مساعيها منحا لطلبة الهندسة والطب والإدارة .. فهي خدومة بهمة لهذه الملفات، وقد بشرت تجربتها بكثير من ذلك حسب تقرير  الأداء الذي تلي في المؤتمر . وإن وجدت دعما لبناء كليات علمية في الوطن فما أظنها تتردد في فعل المعروف المتاح ،  وقد طالب كثير من المؤتمرين أن تقبل الرابطة معونات إغاثية وخدمية من أهل الخير وأن تسعى في ذلك  وإن لم تكن لها إدارات متخصصة لأن التنفيذ قد يكون بالتنسيق بينها وبين غيرها من مؤسسات  المجتمع المدني المتخصصة  وقد فصلوا في إيجابية هذا المنحى لخدمة الدعوة.

والمسألة الثانية من مسائل الخلاف كانت حول الهيكل التنظيمي  وتركز الخلاف  حول أهمية الفروع والوحدات للرابطة لكنه أقر بالإجماع وحسب النظام الأساسي أن المؤتمر أعلى سلطة في الرابطة يليه مجلس الشورى ثم الأمانة العامة ثم الفروع..  وأفسح المجال لعضوية العالمات المسلمات الأرتريات  ..: ولهذا كانت حواء حاضرة في المؤتمر وفي الترشيحات أعطت صوتها وأخذت صوت غيرها .

مشاهد ختامية :

المشهد الأول –  العربية كانت سيدة اللغات :

  • لغة الخطاب في فعاليات المؤتمر كانت اللغة العربية الفصحى علما أن منسوبي الرابطة يتحدثون بمختلف لغات أرتريا المحلية من تقرنية وتقرايت وساهو وبلين …الأمر الذي يوحي أن العربية حاضرة فارضة نفسها ينشرح لها ا لجميع ويؤازرها ولهذا ربما رأى المؤتمر أنه لا حاجة للترجمات كما أن البيان الختامي صدر بالعربية وقد يترجم لكن العربية كانت محل احتفاء من المؤتمرين جميعا على الرغم من أن الرابطة تنظر إلى اللغات الأرترية بأنها وسيلة دعوة وتواصل وتنتج ببعضها مواد دعوية وتنشرها إعلاميا مثل التقرنية

المشهد الثاني : إدارة الأوراق  

أعجبني أن كل ورقة من الأوراق الخمس كان لها  مدير خاص لها  أطل على المؤتمرين من خلال الشاشة و خلفه شعار المؤتمر  يضبط إدارة النقاش وهو مكلف من سكرتارية المؤتمر واللجنة التحضيرية وكان الأداء ممتازا  تابع المؤتمرون في إدارة الأوراق أشخاصا قادرين على الأداء المتميز في إدارة الحوار البناء على الوثائق. كان رئيس كل جلسة يوزع الأدوار على الأعضاء و يرحب بالمقترحات  الإيجابية ويصنف بعض المقترحات التي تتطلب التحويل إلى المؤتمر وقد أدار إحدى هذه الجلسات  بجدارة د.عبد الحميد زرؤوم  وكانت  ورقته مثيرة للعواطف ودافعة لاتخاذ مواقف قوية تجاه مسألة حقوق الإنسان في أرتريا  .

المشهد الثالث – كلمات رئيسية :

كلمة الشيخ أبي الرشيد رئيس اللجنة التحضيرية كانت ملخصة لما قامت به لجنته من الإعداد المناسب حيث ساقت الأعضاء إلى  المؤتمر وأجادت في إعداد الأوراق وتذليل الصعاب وتوزيع الأدوار على بعضها .وكلمة رئيس مجلس الشورى البروفيسور جلال الدين محمد صالح  كانت مبهرة بفصاحتها وحسن إلقائها ومحتواها الفكري وكانت كملة الشيخ برهان سعيد  الأمين العام للرابطة واعظة جامعة محببة قدمت بلغة سهلة ونصيحة بليغة حضت على الاعتصام بحبل الله ووحدة الكلمة والبعد عن الخلاف والنفرة بين الأعضاء وأن تتبنى الرابطة الخطاب المعتدل وأشاد الجميع بما تحقق من إنجازات خلال الدورة الماضية . .

المشهد الرابع – وجهة نظر في تمرير محتوى دون تصويت :

إدارة د.حسن سلمان لبعض فعاليات المؤتمر كانت ممتازة ، هادئ ورصين وواعي ومستوعب لآراء الآخرين ويتقبل في كثير من الأحيان مقترحات غيره ،  غير أنه لم يكن يعجبني فيه تبريراته الكثيرة لآرائه ومواقفه من محتوى بعض الأوراق  وذلك لأن المؤتمر عادة اجتهاد جمعي يستعمل كل عضو فيه ذاكرته وخبراته بهدف الحصول على الرأي الصائب عبر تفعيل الآراء الجمعية ومعنى  ذلك  أننا نبحث عن هدى غائب مخفي في أذهان الأعضاء  فليس صحيحا السيطرة من شخص على الموقف لأنه لا عصمة لأحد وإنما تتقدم الآراء بصفة اجتهاد قد يخطئ وأن صاحبه يقدمه وهو  خائف  من احتمال وجود خطا فيه والآخرون يقلبونه حتى يتضح لهم أنه حق أو باطل  وتحسم  الآراء بالتصويت بعد التقليب ،هذه هي القاعدة الشوروية في مجال الاجتهاد الإسلامي فغير مناسب أن يأتي شخص ما ويستعرض حججا وتبريرات لصالح وجهة نظر خاصة له أو لغيره يطلب لها مناصرة وتمريراً هادئا في حين لا يجد مخالفوه الفرصة نفسها .. وهذا الطريق أخشى أن ينتهي إلى تعطيل آراء واجتهادات الآخرين ولهذا تصوت بهدوء لصاحب الرأي الفصيح وتعطل في نفسها خاصية التفكير المستقل .وفي النهاية ربما يثمر ذلك الاتكالية المقيتة في التفكير والاستنباط والتحليل وفي التنفيذ كذلك . ومن هنا يأتي الخوف من أن نصنع دون شعور الرأي المستبد. نعم لم يعجبني تمرير عدد من المضامين دون مناقشة نهائية واستعمال الأصوات الناطقة لحسمها  وفق آلية الترجيح على الرغم من أن الإجراء صحيح يأخذ شرعيته من تبرير  أن الأعضاء كانوا قد ناقشوا الأوراق من قبل و تبنوا الآن آراء غيرهم في التمرير المجيز الكسول ربما راعى الظرف الضاغط واطمئن  لاستصحاب التعديلات المطلوبة  فنجحت تلك الآراء ومن حق المؤتمر ان يرجح آراء بعضه  ولا حرج . كما  أن من حقي ألا أرى عافية في المواقف الصامتة التي تنتظر الصوت العالي من شيخ لتقف مؤازرة له ومؤيدة ومتكلة  لأن مثل هذا الخمول يعطل حاسة التفكير المستقل  وإن ساعد اليوم في تمرير هادئ استجابة لمبررات وجيهة أملاها الظرف الطارئ  فقد يكون غدا مدخلا للاستبداد المقيت علما أن الاستبداد خلق ذميم قد يأتيه مسلم كما يأتيه فرعون مستبد واتقاء لذلك شرعت الشورى بآلياتها التي تتطلب الاحترام والإجراء بناء على أنها آلية معتمدة منصوص عليها في النظام الأساسي وإن أي تبرير من فصيح يزين للناس التنازل عن حقهم في اتباع الآلية المعتمدة لاتخاذ القرار الجمعي مدخل غير مطمئن من فاعله ومن مجيزيه الموافقين عليه.

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يا سلام جزاك الله خيرا دكتورنا اوفيت وكفيت نسأل الله أن توضع في ميزان حسناتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى