د.حامد محمد حالفا : من مقاصد الحسبة في الإسلام :
المجتمع الذي يترك الحسبة سوف يظل هاربا من ظله يعيش في المنافي ويورث ابناءه الهروب والمذلة لا الدفاع والتصدي والمقاومة لأن معنى الحسبة اصطلاحا امر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله ومعنى ذلك أنه يجب على المسلمين – ليسلم لهم مستقبلهم آمنا هانئا سعيدا – عدم التعايش مع المنكرات عقدية كانت او سلوكية وسواء كان تارك المعروف أو فاعل المنكر سلطاناً أو مواطناً عادياً وسواء كان جماعة أو أفرادا فإن الواجب أن يدرك المسلم أن من أهداف الحسبة :
- واسطة خير بين السلطة والمجتمع :
من أهم مقاصد الحسبة أنها واسطة خير بين السلطة والمجتمع لكونها من ناحية تقوم ببعض واجبات السلطة وفق قانون يحدد صلاحيات هذه الولاية فهي معينة لها في أداء مهامها وقد تقسو عليها لمصلحتها كما دل له حديث الترمذي وغيره ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) [1] وهي- من ناحية أخرى – تخدم المجتمع لأنها تعينه على الاستقامة عقيدة وخلقا وتدفع الشر عنه والأذى بما لها من جهاز تنفيذي ذي قدرة علمية ومادية وصلاحية قانونية
2 – حراسة قيم الفضيلة
من مقاصد الحسبة أن تحمي القيم الفاضلة في المجتمع في عقيدته وأخلاقه وأن تلزم بها قسرًا مستفيدة مما لها من صلاحيات قانونية وجهاز إداري ذي قدرة مادية مهابة بناء على أنها أسندت لها هذه المهمة ووجبت عليها دون سائر الأمة ويشتد هذا المقصد حينما تتآكل القيم بفعل عوامل الجهل والأمية والتأثيرات المستجلبة والإقبال إلى الدنيا وملذاتهاومما يدل له قوله صلى الله عليه وسلم : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا) [2] رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم 🙁 إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ، ويظهر الجهل ، ويظهر الزنا ، وتكثر النساء ، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد.) [3] رواه البخاري .
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم : انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتُفشُوا العلمَ والتُجلسوا حتى يُعَلًم من لا يَعلَم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً ، [4] رواه البخاري .ولهذا يتعاظم دور الحسبة في المجتمع غرساً لقيم الفضيلة وتنمية لها وحماية من التلاشي . فإن تقاعس أهل الدين عن واجب الحسبة واستطابوا التعايش مع المنكر بحجة الحرية الشخصية أو احترام سلوك الآخر فعندئذ بشر الأمة بشديد العقاب .فقد يبتليها بالسلطان الجائر الذي يحرمها من خير الدنيا ويسوقها قسرا إلى المعاصي لتتهيأ للنار يوم القيامة وهنا خسران الدنيا والآخرة علما أن المجتمع الذي تنشط فيه الحسبة مجتمع حي لا تقوى حكومات المنكر على حرمانه من حقه أو الاعتداء على حرماته وحقوقه .
[1] – سننن الترمذي ، كتاب الفتن. وصححه الألباني ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقها وفوائدها ، للعلامة ناصر الدين الألباني رقم 491
[2] – فتح الباري، مرجع سابق ، ص 179/1
[3] – فتح الباري ، مرجع سابق ،ص 137/1
[4] – فتح الباري ، مرجع سابق ،ص 194/1
من استطاب أن يعيش مع المنكر رضي أن يمتطيه السلطان الجاهلي
د.حامد محمد حالفا : من مقاصد الحسبة في الإسلام
د.حامد محمد حالفا قلم فقيه وأستاذ جامعي يهتم بالسياسة الشرعية والقضايا الفكرية ، يكتب البحوث العلمية المحكمة التي تعالج مشكلات المجتمع من الوجهة الإسلامية