مقالات وآراء

هنا يبدو الخلاص من الأزمة في أرتريا …مقترحات رسالة ماجستير

قراءة في رسالة علمية بعنوان : إشكالية السلطة في المجتمع الأرتري

بقلم . د. حامد محمد إدريس ( حالفه)

البحث العلمي هو الخلاص الذي يرسم المستقبل ا لزاهر للأوطان ويضيء المسارات الصحيحة للعاملين حتى لا تتشعب بهم السبل المظلمة ويبدو أن حظ ارتريا قليل من البحث العلمي الهادي لأن كثيرًا من ساساتها حكومة كانوا أو معارضة تشغلهم يوميات الأحداث والانفعال السلبي تجاه الأزمات فهي لا تتيح مساحة للتفكير الهادئ وإإنما يعالج فيها الغريق هم نفسه كيف ينجو فيغيب التفكير العلمي الهادي

ولعل مما يسعد النفس ويزرع الأمل أن نجد مبادرات فردية شبابية تحمل الهم الوطني وتسعى في إيجاد العلاج  وعلى الرغم من ضخامة هذا الجهد وأهميته إلا  أنه يظل حبيسا في المكتبات ، بعيدا عن صانعي القرار  ولهذا كان من الأهمية بمكان تسليط الضوء عليه لعل الغافلين الهائمين الحائرين يهتدون به يوما ما يدركون أن الحقيقة في البحث العلمي الهادئ لا في الصراخ الدائم في وجه الخصوم .

بين يدي 377 صفحة وهي  رسالة ماجستير من جامعة أمدرمان الإسلامية – السودان –   ، كلية الدراسات العليا ، معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي – قسم الدراسة النظرية – تتحدث عن  : إشكالية السلطة في أرتريا خلال أكثر من عشرين عاما : (  الفترة 1990م – 2013 م ) التي أدت إلى انفراد الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا  بالوطن حزبا وحكومة ولتبقى مفردة شاذة متحكمة أبعدت بقسوة كل من به وعي،  أو قدرة على منافسة سياسية فأجازت لنفسها قتل واعتقال وتعذيب الشعب حتى امتدت يدها على مؤسسيها فألقت بهم خلف القضبان وببعضهم تحت حجارة وتراب في المقابر ضنت عليهم حتى بدقيقة حزن أليم وصمت كسير التي تودع بها أمواتها 

كاتب الرسالة  إدريس محمود إدريس محمد   تحت إشراف د.عبد القادر يعقوب أحمد ، وانتهت مناقشتها وإجازتها عام 2015م .

الرسالة مكونة من  أربعة فصول و 14  مبحثاً :

 أتى  الفصل الأول بعد  تمهيد ليعطي خلفية عامة مختصرة عن دولة أرتريا وهو حديث معتاد لا ابتكار فيه مثل حديث الفصلين:  الأول  والثاني  فهما من مقتضيات  لوازم البحث العلمي التي توجب  ربط الحاضر بالحدث التاريخي والتعريفي. السرد كان مألوفا لكونه يعد مدخلا لا بد منه لكتاب يتحدث عن بلد وقضية بما في ذلك جغرافيتها وتاريخها ومؤثرات  الصراع فيها

كان الفصل الأول: ( النشأة والتكوين والتعدد ودوره في الصراع  السياسي  ) سرد في مباحثه الثلاثة بلغة سلسة : التاريخ والجغرافية والسكان وعوامل الصراع غطى ذلك   88 صفحة من الكتاب 

والفصل الثاني:  بين تنافس القوى الدولية على أرتريا وأثره على المجتمع الأرتري وذلك في 96 صفحة وهي مادة تاريخية في غالبها إلا ما يتفرد به كل باحث من أسلوب التناول وطريقة الطرح والمعالجة والرؤية التحليلية  ولعل من جديد الرسالة أن عدد سكان ارتريا عام 2015 قد قارب سبعة ملايين نسمة حسب تقديرات دولية  وقد قدر عام 993م بأقل من أربعة ملايين نسمة.

 تناول الفصل في مباحثه الاربعة الوجود العثماني في ارتريا والصراع الإقليمي والدولي حول أرتريا وفترة الاتحاد الفدرالي بين إثيوبيا وارتريا ليصل إلى  عهد الثورة الأرترية المسلحة التي خرجت ضد الاستعمار الإثيوبي نتيجة متوقعة لصراع بين مستعمر وأنصاره الموالين له وبين سواد الشعب الأرتري المتمسك بالاستقلال والتضحية من أجل ذلك .

وبهذا تنتهي المادة التاريخية  في فصليها من الرسالة وهي تأخذ حيزا كبيرا ( 184 صفحة  يصل إلى أكثر من 48% من حجم الرسالة .

رسالة الماجستير

والفصل الثالث هو موضوع الرسالة المهم – وقد  أتى بعنوان ( إشكالية السلطة والممارسة السياسية بعد الاستقلال 1993- 2013م ) ضم 83 صفحة ويشتمل على أربعة مباحث عالجت  إشكالية العلاقة بين أرتريا وإثيوبيا عبر الاستفتاء والتطورات السياسية خلال الفترة ( 1993م – 2013م ) وعن الصراع على السلطة في ارتريا وعن النظام السياسي بعد الاستقلال وإشكالية السلطة

خرجت المباحث بتشخيص عميق للحالة السياسية الأرترية في ظل حكومة الجبهة الشعبية فقد وصفتها بالعجز التام عن إدارة البلاد والعجز عن تطوير الحوار المجتمعي والتعايش السلمي  والإدارة الراشدة  والفشل الذريع في كسب الشعب الأرتري وإدارة تنوعه وتباين خصوصياته ولهذا اعتمدت على  الجبر والإلهاء وبالتحفيز بإتاحة الفساد ورعايته  ومع ذلك تخرج الامور عن سيطرتها ولهذا تستعين بالخارج الإقليمي والدولي.

ومما تقدم الرسالة من مادة مهمة أنها تحدثت في في فصلها الرابع عن عن مقترحات بحثية علمية ترشد إلى طريق  الخروج من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد في ظل حكومة الجبهة الشعبية ، جاءت هذه المادة : (الحلول المقترحة لمعالجة إشكالية السلطة في إرتريا) وضم ثلاثة مباحث تحدثت حول  تأمين الانتقال السلمي للسلطة والإصلاح السياسي وبناء الدولة الوطنية الحديثة وتطبيق النظام الفيدرالي حلاً لقضايا  التنوع وتوزيع السلطة والثروة

وتنتهى الرسالة إلى  خاتمة لخصت البحث في 14 نتيجة  من بينها :

  • كل المشكلات المتفاقمة في أرتريا من لجوء وضياع حقوق الإنسان وتدهور التنمية الاقتصادية  وقرب استلاب الوطن… لن تجد حلا  وسوف  تدوم عُقَدُها دون معالجة إشكالية السلطة السياسية
  • إن ارتريا حاليا تعاني من تصدع خطير في مكوناتها الاجتماعية والوطنية لأن النظام تقوده نخبة طائفية مسيحية أدركت خطرها طوائف أخرى فكونت لنفسها كيانات مثل الكونما والعفر والساهو  … تطالب بتقرير المصير ..وكلها كانت ردة فعل للنظام الطائفي ومهدد للوحدة الوطنية وأثبت الرسالة أن النظام الأرتري يحمي مذهبا من المسيحية كما يحمي المصالح الغربية والإثيوبية ويرى الباحث أن المستقبل الأرتري البديل عن نظام الجبهة الشعبية يجب ألا يتجاهل بناء علاقات مصالح إيجابية بين أرتريا وإثيوبيا خاصة ودول الجوار عامة إلى جانب إيجاد علاقات إيجابية مع كل الاطراف  التي لها مصالح في أرتريا جغرافية وكنوزاً فمثل هذه الشراكات من شأنها المساعدة على نيل دعم القوى الإقليمية  والتعامل مع المشروع الوطني الأرتري القادم باطمئنان وهذا من شأنه سحب البساط من النظام الأرتري الحالي الذي يتقوى بالخارج لمواجهة الداخل  .
  • أوضحت الرسالة في نتائجها أنه لا بد من حل لتباين وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في مسائل أساسية لإدارة الدولة يأتي الحل  في أجواء العافية السياسية فهي تساعد على  توحيد الرؤى في  نظام الحكم والدستور والتعددية الحزبية والخيار الديمقراطي وطرق تداول السلطة سلما  وقضايا الهوية واللغة والثقافة والتعليم والأراضي والديانات والحريات  .. تلك مسائل لا يمكن حسمها من طرف دون طرف وإنما تعالج عبر حوار مجتمعي  حر  يثمر توافقاً  على  مشتركات وطنية عامة تغلب مصلحة الوطن وحقوق المواطن واحترام كرامته  على مصلحة الفرد أو الفئة .

وانتهت الرسالة إلى توصيات ثماني بينها  :

  • دعوة للفرقاء للحوار السلمي للوصول إلى صيغة لحل إشكالية السلطة في ارتريا
  • التعمق في دراسة المجتمع الأرتري عبر دراسات تفصيلية محايدة غير مسيسة
  • التحضير لما بعد التغيير السياسي في ارتريا لأن النظام الحالي سوف يترك مشكلات كبيرة معقدة وعدم التحضير المناسب قد يسوق البلاد إلى فوضى تعرض الوطن للخطر
  • بين التحضير يأتي أهمية الاتفاق على شكل الحكم في البلاد بما في ذلك المؤسسات الدستورية والتنفيذية ومرجعيات القوانين وطمأن البحث أن مصادر هذه النظم والوثائق توجد بكثرة لدى مشروعات مقترحة لدى الفصائل االأرترية خاصة وثائق المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي تصلح أن تكون أساسا يشغل الفراغ حتى تنتظم قوانين البلاد وتستقر أمورها بالطرق الشرعية المعروفة .
  • تطبيق النظام الفدرالي صيغة مناسبة لتنوع البلاد ديانة وولايات وسكانا وقوميات مع الاحتياط اللازم في معايير تقسيم الولايات دون الاعتماد على الصيغ القديمة سواء كانت موروثة من استعمار( – تسعة أقاليم -) أو كانت من جهد النظام الحالي ( ستة أقاليم )  فكلها لم تكن نزيهة ولا بريئة وإنما ناتجة عن مواقف ومكر سياسي ذي غرض .
  • تقترح الدراسة حل الحزب الحاكم لأنه معيق لعملية التحول الديمقراطي وحكمت عليه بأنه تنظيم طائفي مسيحي مستبد لا يمثل كل الأرتريين .
  • يدعو البحث الأطراف العربية لوضع استراتيجية موحدة لمعالجة المشكلة الأرترية عبر حوار سلمي وفتح الباب أمام المعارضة الأرترية ( كما تفعل إثيوبيا ) ولم يشر الباحث إلى سلبيات الدعم الإثيوبي كما انه كان قد اكتمل قبل التحول في الموقف الإثيوبي فلم يشر إلى الموقف الإثيوبي الجديد المناصر للنظام الأرتري  المضايق لمعارضيه حتى أخذت المعارضة تبحث عن مواقع بديلة لإقامة مناشطها ومؤتمراتها .
  • يدعو البحث السودان الرسمي للقيام بدور إيجابي يلبي طموحات الشعب السوداني الذي يحب أن يرى أرتريا آمنة مستقرة بناءة ويرى عودة اللاجئين إلى بلادهم وبناء علاقات صحية بين البلدين بعيدا عن  دائرة الملف الامني الذي ظل يتابعها ويؤذيها دون أن يساهم في معالجتها ودعمها وتنميتها .

الملاحظات من حيث الشكل :

لغة الكتابة كانت سلسلة وتقسيم الفصول منطقي والسرد جميل ومع ذلك توجد ملاحظات في الرسالة كثيرة تتطلب جهدا مضنيا للتصحيح .

هذه الملاحظات معظمها تضمه قائمة من  الأخطاء الإملائية والنحوية وهي كثيرة لم تستطع هذه القراءة رصدها كاملة  واكتفت بــ 29  منها تم إرسالها إلى الكاتب لعلها تدعوه إلى مراجعة الرسالة لمعالجة  جوانب القصور  وعلى سبيل المثال ذكر معوقات – عنوان الشكر والعرفان –  بدل المعيقات والهام – ص 26 – في مكان المهم  و رفع المجرور في ” عدد أربعون  – ص  256 – ” والاصل أن يقول : أربعين . وقال : شارك فيها خبراء وطنيين-ص  254 – والصحيح ” خبراء وطنيون ” و أهمل وظيفة الحرف الجازم في مثل :  

(ولم تأتي نتاج تطور طبیعي- ص 254 –  ) و ( فلم یتبقى من العناصر ص 295  ):  و( لم ترقى إلى مستوى التحدي ص 293  ) والصحيح : لم تأت ، فلم تبق ..لم ترق ..بحذف حرفة العلة.

وكثيرة هي الأخطاء الإملائية مثل ( السلطات الثلاثة ، وثلاثة سنوات : والصحيح : حذف التاء في كليهما  وكتابة تاء الفعل مثل تاء الاسم  مثل قوله ( إلا أنھا استطاعة الاستمرار والمحافظة على السلطة ص 259 ) والصحيح  : استطاعت الاستمرار .. والخلط الكبير بين همزات الوصل وهمزات  القطع  .

السطر الختامي:

الرسالة تستحق  النشر والإشاعة بعد التعديلات الإملائية والنحوية  فهي بحث هاد ليته يجد الطريق إلى  السياسيين حتى يهتدوا به وبأمثاله من البحوث العلمية المحكمة التي تعالج المشكلة الوطنية التي تتعاظم عقدها  وتتعمق جراحها كلما طلع فجر جديد فليس من الحكمة تجاهل هذه الأعمال العلمية التي تقوم بها مبادرات فردية شقت الطريق وتجاوزت  الصعاب دون دعم من دولة ولا رعاية من تنظيم  ..وإنما تأتي من أصحابها مبادرة مقدرة تستحق الإصغاء والاحتفاء و الطباعة والنشر والاهتداء .وهذا واجب التنظيمات و المؤسسات والدولة والأغنياء فكفالة كتاب علمي ليس بأقل أهمية من كفالة يتيم أو حفر بئر وبناء مسجد أو  دعم برامج احتفالات راقصة .

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحليل عميق ونظرة ثاقبة، بورك في الكاتب والناشر دكتور حامد. معالجة القضايا من خلال البحوث والدراسات العلمية هي سر تقدم الأمم، وما تخلفنا إلا بتجاهلنا لمثل هذه الدراسات المتخصصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى