د.حسن سلمان معلقًا على كتاب الطائفية:إن هذا البحث جهد مقدر من باحث جاد وشجاع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله الأمين أما بعد:
استهلال:
اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه أن تقوم الحياة في هذه الدنيا على منطق المدافعة بين الحق والباطل والخير والشر والجمال والقبح حتى يتحقق الابتلاء المنشود في قوله تعالى( ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفُورُ) الملك/٢ وكما قيل بأن الأشياء تظهر حقيقتها بأضدادها فأصحاب الحق والخير والجمال تظهر حقيقة معدنهم وجماله بنقيض ذلك
سنة المدافعة في مواجهة الباطل:
ولكن الأهم في كل ذلك أن الحق والخير يحتاج إلى من يقوم بتبنيه وتنزيله في أرض الواقع فجماله وخيرته
وحدها لا تكفي بل لا بد من القوة اللازمة والمدافعة المنشودة لإقامة الحق وتحجيم الباطل والأمر مداولة وفق قوانين العمران والاستخلاف الإنساني ومن أهم هذه القوانين معرفة الباطل على حقيقته ومعرفة نقاط ضعفه وقوته والعلم بكافة العوامل المؤثرة في ديمومته وبقائه وكيفية السبل الكفيلة بتحجيمه وإضعافه كل ذلك مطلوب في مدافعات هذا الوجود البشري ويعرف قرآنيا بالسنن أي القوانين الناظمة لحركة الإنسان في الوجود وعلاقته بما حوله وطبيعة هذه العلاقة ومنطلقاتها ومآلاتها في الدارين
أهمية تشخيص النظام :
وفي جدليات الفكر السياسي والمنطلقات الثقافية في واقع الدولة الإرترية يجري سجال عريض حول طبيعة النظام الحاكم وطائفته بين من يثبت التهمة وآخر ينفيها وكل ينطلق من دوافعه الثقافية والسياسية فتتباين وجهات النظر ومعها تتباين المواقف السياسية بطبيعة الحال.
وقليلة هي الدراسات والبحوث الجادة والتي تتناول الظواهر الاجتماعية والسياسية في بلداننا وخاصة إرتريا وبعض ذلك منبعه الخوف من التصنيف أو المجاملات السياسية التي تسود الوسط السياسي العام ولكن قد حاول الأخ العزيز الدكتور/ حامد محمد حالفا اقتحام أسوار المسكوت عنه والخروج به من دوائر الصمت إلى ساحات الجهر والتناول العلني لقضايا الشعب الإرتري ومنها قضية طائفية النظام الدكتاتوري في إرتريا ومدى علاقة الكنيسة الأرثوذكسية بالنظام وهل العلاقة بين الطرفين هي علاقة تخادم وتساند أم هي علاقة توظيف من أحد الطرفين للآخر وبطبيعة الحال سيرد هنا سؤال مهم وهو من الموظف( كسر الظاء) ومن الموظف ( بفتح الظاء) في الحالة الإرترية النظام أم الكنسية ؟ ولست هنا بصدد الإجابة عن ذلك لأنها موجودة في سردية النص داخل الكتاب ولكن الكاتب يجعل مسألة غياب التوظيف أو التساند مرهون بالرفض المعلن من الكنيسة لممارسات النظام الدكتاتوري تجاه المسلمين تحديدًا ويرفض منطق التذرع بالإكراهات السياسية مع حالة الاستفادة من الامتيازات المتاحة للكنيسة دون غيرها وهي حجة وإلزام محل نظر ومناقشة دون مصادرة لأي رأي حول المسألة مع العلم بأنه حيثما وجد شعب متعدد الأديان والقوميات ثم تغييب فيه التعددية السياسية فمآل ومنتهى تصرفات السلطة السياسية هو التحيز الطائفي أو القومي وفقا لقانون العصبية ونظرية الانفراد بالمجد التي نص عليها العلامة ابن خلدون رحمه الله هذا هو منطق السلطة المستبدة وفق نظريات علم الاجتماع السياسي.
الكتاب ينتهي إلى طائفية النظام الأرتري :
وقد حاول الباحث الانطلاق من تحديد تعريف الطائفية ثم مظاهرها ليثبت إدانة النظام
وإثبات طائفته وإن كثيرا مما ذكره الباحث يصب في إثبات أن النظام ممارساته تخدم الطائفة حتى لو حاول البعض نفي التهمة الموجهة للنظام لأسباب ومواقف سياسية تتعلق بتجنبه للتوصيف الطائفي.
وفي استطلاعات الرأي حاول الباحث تلمس المواقف الخاصة لعينات مختلفة حول السؤال المتعلق بطائفية النظام وقد تباينت الآراء في ذلك بحسب الخلفيات الدينية والفكرية والسياسية والتنظيمية وهو أمر طبيعي ولكن وجود رأي وموقف لشريحة معتبرة من الشعب الإرتري ترى بأن النظام الإرتري يعبر عن حالة طائفية كافية لجدوى دراسة هذا الأمر والوقوف في ملابساته وحقيقته وهذا ما يعطي الدراسة أهمية خاصة في اللحظة التاريخية الراهنة.
للكنائس نصيبها من التضييق :
وفي الكتاب الكثير من المعلومات القيمة حول مواقف الكنائس الإرترية الأخرى ( الكاثوليك/
البروتستانت / ….. إلخ ) وما تتعرض له من انتهاكات وتضييق رغم قلة العدد والاتباع.
وقد تناول البحث ما يتعرض له المسلمون في إرتريا من تضييق وملاحقات وتغييب وتهميش بسبب الممارسات الطائفية للنظام ولعل ذلك جعلهم الأكثر وضوحا في توصيف النظام بالطائفية .
الخلاصة :
وخلاصة القول فإن هذا البحث جهد مقدر من باحث جاد وشجاع في التعبير عن قناعاته وما توصل إليه ولكنه يبقى محل نقاش وتداول وصولا للكمال المنشود وهذا لا يعيب البحث بقدر ما يفتح المجال واسعًا لمزيد من الدراسات والبحوث حول مختلف القضايا الوطنية بعيداً عن المجاملات السياسية التي تسود الوسط العام وذلك لتأسيس أرضية مغايرة عن الواقع الراهن الذي يرفضه الجميع بغض النظر عن دوافع الرفض ومنطلقاته .
التوصيات الختامية:
وفي ختام البحث قدم الباحث جملة من التوصيات التي يرى فيها أساساً للتوافق والتعايش الوطني بين مختلف المكونات الدينية والثقافية وكان مرتكز ذلك من وجهة نظر الباحث الاعتراف بالواقع الديني والتعامل معه باعتباره يمثل جوهر الهوية الوطنية والابتعاد عن كافة أنماط الوصايا التي تفرض على الدين وأتباعه من خارجه تحت شعارات العلمانية واللادينية كما طالب الأطراف الدينية بالحوار الشامل للوصول إلى المشتركات الجامعة التي تؤسس لوطن يسع الجميع وبهذه التوصيات يكون الباحث قد حاول تشخيص المشكلة الطائفية كما يراها في بحثه وختمها بحلول عملية ممكنة وقابلة للتطبيق.
وختاما أسأل الله أن يبارك للباحث في جهوده
العلمية والعملية إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ملاحظة : العناوين الفرعية من طرف محرر ” زينا ”
مبادرة كتاب الطئفية في أرتريا
د.حسن سلمان معلقًا على كتاب الطائفية:إن هذا البحث جهد مقدر من باحث جاد وشجاع