رحل الشيخ إبراهيم معلم في هدوء وبقى الأثر
ودعت إرتريا الشيخ إبراهيم معلم أحد أبنائها البررة في الثاني عشر من سبتمبر 2022 عن عمر تجاوز الثامنة والثمانين ليرقد مستريحا من عناء الفانية بمقابر الشيخ الأمين بالعاصمة أسمرا.
نشأ الشيخ إبراهيم في مسقط رأسه مدينة (نَقْفَة) نقفة الصمود الساحلية وهو سليل الأسرة العلمية المعروفة آل الشيخ دِرْقِي (عَدْ دِرْقِي)، اشتهر الشيخ بلقب إبراهيم (مُعَلٍِمْ) واسمه الصحيح إبراهيم عثمان حامد، و مُعَلٍِمْ لقب لوالده الشيخ عثمان وسبب اللقب يعود إلى أن الشيخ عثمان كان يدرس القرآن الكريم في خلاوي نقفة وكان مولعا بوضع علامات على الألواح يعرف بها كل طالب لوحه من غير تعب فسماه الطلاب ُمعَلٍِمْ فاشتهر ب(مُعَلٍِم )ْ عثمان، وانتقلت إلى أولاده فأصبح اللقب مكان اسم الأب ، وأبناء معلم عثمان هم: إدريس معلم صاحب المسجد المشهور بدار النعيم بورتسودان، وصالح، ومحمود، وحامد وكلهم في دار الآخرة وآخرهم هو إبراهيم الذي انتقل إلى جوار ربه بتاريخ 12.09.22 رحمهم الله جميعا
نضاله في الثورة الارترية
التحق الشيخ إبراهيم معلم بالثورة الإرترية مبكرا ودافع عن وطنه بصدق ضد المستعمر تحت راية حركة تحرير إرتريا، وجبهة التحرير الإرترية، وقوات التحرير الشعبية، والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، وكان عضوا في لجان التعبئة للاستفتاء لنيل الاستقلال، كان مخلصا متفانيا مضحيا بحياته وجهده في سبيل الوطن
تجارته
سلك كل الطرق وجمع بين النضال والتجارة، حيث عمل بالتجارة بين إرتريا والسودان فهو أول من افتتح أول مخبز بحي كوريا- بورتسودان، وكانت له مقاهي شعبية يقصدها الناس من القريب والبعيد، وهو أول من أدخل تقنيات حديثة في صنع المخبازة أشتهرت بها مدينة بورتسودان، تصطف حولها الصفوف والسيارات الفارهة وكان مقهى المخبازة ملتقى للشباب يستريحون فيه بعد يوم مرهق مليء بالنشاط والحيوية في ميناء بورتسودان عروس البحر الأحمر، كانت مخبازته بمثابة خروف لمحدودي الدخل
-وهو أول من أدخل مصنعا للكسرة في السودان، وتعرض مصنعه مرة لإنفجار أنبوبة غاز كادت أن تدمر العمارة بأكملها والأسرة الكريمة تسكن في الطابق العلوي منها، فنجى الله الجميع من الأذى وسلمت الأسرة والعاملون فيه، أحسبه أنه مال مزكى ودعوات الرجل الصالح تحرسه، كان المصنع يمثل مصدرا مهما للغذاء بالمدينة، وكان يؤمن قوت كثير من العمال قبل أن تصادره حكومة السودان ظلما بتهمة سفرالشيخ إلى إرتريا، كان الشيخ يعتز بإنتمائه لكلا الوطنين: إرتريا والسودان ولم يخف ذلك عن أحد.
تدريبه للناس على فن التجارة
كان الشيخ إبراهيم يشرك الناس معه في تجارته ثم يشجعهم على الانفصال منه بعد أن يملكهم سر المهنة، وكثير من نجوم التجارة تدربوا على فن التجارة على يديه، منهم المرحوم إبراهيم باره رحمه الله رحمة واسعة ، ومنهم ابن أخيه مد الله في عمره، وأنتشرت فكرة المخبازة بعده إلي كل ولايات السودان وفي العاصمة الخرطوم إنتشرت بكثرة في السوق العربي والكلاكلات.
عودته إلى إرتريا بعد الإستقلال
عاد الشيخ إبراهيم معلم إلى إرتريا بعد الاستقلال وقام بإنشاء مشاريع زراعية في كل من( أم هميمي) ومحاد عبي، ومزارع البان في مدينة نقفة عاصمة الساحل المنسية المهمشة، هذه المزارع وفرت فرص عمل للمواطنين، وسدت ثغرة شح المواد الغذائية الأساسية بالمدينة
محاولة الانتقام منه بزنك سواكن المهجور
تم إختيار الشيخ إبراهيم معلم رئيسا لمجلس إقليم الساحل في العام 2002 وكان يتمتع بقبول شعبي كبيرفي الاقليم، وبعد توليه لمجلس إقليم الساحل قام بزيارة للمملكة العربية السعودية ضمن جولاته الرسمية خارح البلاد والتقى خلالها بالجالية الإرترية هناك، تفاعلت الجالية مع زيارته تفاعلا كبيرا ولما عاد إلى الوطن أحضر معه سيارة جديدة من المملكة هي من جهده الخاص وماله الحلال، هذا الاحتفاء الكبير من الجالية أثارغضب الحكومة الارترية فصادرت منه السيارة الجديدة التي قدم بها من المملكة، وعلاوة على ذلك طالبته بدفع ثمن حديد زنك قديم تركته الثورة مع بداية التحرير في سواكن فأخذ الشيخ إبراهيم الزنك المهجور إلى إرتريا، وتعود قصة حديد الزنك إلى أن الجبهة الشعبية كان تملك قاعدة عسكرية كبيرة ومستشفى وورشة للسيارات في مدينة سواكن السودانية، وبعد التحرير نقلت كل ممتلكاتها إلى إرتريا وتركت المخازن ومباني الزنك فارغة، فطلب منهم الشيخ إبراهيم معلم بحكم قربه من مصدر القرار وبحكم أنه داعم وشريك أساسي للثورة وصديق شخصي لأسياس أفورقي، طلب منهم أن ينقلو ا له الزنك في جراراتهم إلى إرتريا ليستفيد منه هناك فحملوه معهم وسلموه الزنك في إرتريا.
وبعد توليته رئاسة مجلس الساحل واتساع رقعة نفوذه في الداخل والخارج حقدت عليه الجبهة الشعبية، فصارت منه السيارة الجديدة التي جاء بها من المملكة وطالبته بدفع ثمن زنك سواكن المهجور بأثر رجعي فكاد أن يفلس لولا الله وثم أن أمواله التجارية بالخارج أتقذته من الانهيارالمحقق
اغتيال ابنه عماد
بعد عودته إلى إرتريا عمل ابنه عماد كسائق سيارة أحد وزراء حكومة أفورقي، وكانت لأفورقي مجموعة سرية مخصصة لاغتيالات الخصوم من الوزراء والمسؤولين بمرافق الدولة المختلفة والتجار والمعلمين وكانت تتخلص من خصومها عبر دفن الألغام للمواطنين في طريق السفريات العامة وأحيانا تهجم على سيارات السفر بالرشاشات، وبرمي القنابل ليلا في الظلام على الشباب والشابات وهم يلعبون ألعاب التراث الشعبي كالسومية، والوردي، والقوليا وغيرها، وكانت تنسب أفعالها القذرة وما تقوم به من تصفيات إلى المجاهدين الارتريين قبل أن ينكشف أمرها من قبل المواطنين، وقع عماد إبراهيم معلم بسيارته على لغم أرضي زرع لسيارته في الطريق من قبل هذه العصابة لتصفيته ومن معه فسقط عماد شهيدا رحمه الله.
عبرة لمن يعتبر
كان الشيخ إبراهيم وفيا لوطنه مخلصا للجبهة الشعبية وكانت له صداقه شخصية مع أسياس أفورقي، لكنه طيلة عمره لم يدرك خبث صديقه أفورقي الذي إغتال ابنه عماد مكرا ، وقتل ثروته إنتقاما، وجازاه بالإحسان سوءا ولم تشفع له نضالته الكبيرة وصداقاته الشخصية مع العصابة، و ينتظر هذا المصير كل أصدقاء العصابة المجرمة واحدا تلو الآخر، فهل يعتبر الباقون على الصداقة مع أسياس وزمرته الطائفية
ختاما
ختاما نتقدم ببالغ الحزن بالتعازي الحارة لإسرته ، البيت الكبير والبيت الصغير، وأولاده عبد الله في بريطانيا، وعبد الرحمن، و عادل، بالسودان والدكتورة عالية بإرتريا، والتعاوي موصولة إلى عموم الأسرة الكريمة بإرتريا والسودان ودول المهجر، و إلى كل أصدقائه ومحبيه، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهمكم الصبر و يجبر كسركم ويغفر لميتكم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.