حوارات

زاجل تحاور: أحمد القيسي – الحلقة 4 / 4

الأستاذ أحمد القيسي في الحلقة الختامية في حواره مع زاجل  :

  • إن القناعات الفكرية والتصورات الأيديولوجية ، هي خرافة دفعنا فيها أكثر مما ينبغي
  • السيد أسياس أفورقي ليس مطواعاً ليكون عميلاً للاستخبارات الأمريكية
  • لا بطانة لأسياس وإنما حوله دُمًى يحتفظ لهم بملفات تضم مصائب
  • حرام عليك أن تطرح السؤال بهذا الشكل ، هل فعلاً تعرفون  أرتريا وشبابها؟

أجرى الحوار : باسم القروي ( الحلقة الختامية )

16 – مع التقنية الحديثة كل شيء أصبح مقروءاً  إلا سيرة أسياس أفورقي وقادة الجبهة الشعبية  التي يكتنفها الغموض ولهذا فتح المجال أمام الإشاعات .. لِمَ تلجأ الجبهة الشعبية إلى الغموض في سيرة  أشخاصها ؟ ماذا تذكر عن سيرة أفورقي  نسباً وخلقاً وفكرًا  وثقافة وأسلوب حياة  … نريد شهادة حق للتاريخ وأنت قد عاشرت افورقي  سنين ؟

     دائماً ما كنت أكرر أن ما عشته مع بعض الرفاق في تجربة الثورة , وتحديدًا الشعبية يفوق زمنياً ما عشته مع أبي وأمي … وهذه حقيقة مطلقة . تعرفت بأسياس عام 1971 م ومنها  تبدأ الرحلة حتى التحرير  وقليل من السنوات بعد التحرير  حتى قطعت علاقتى كلياً حتى التحية في مناسبات قليلة انعدمت …

 كان يبدو لي أنني أتعامل مع شخص آخر لا أعرفه  وأن الشخص الذى

أعرفه وكنت أكن له  الاحترام  والتقدير يوماً ما  قد مات منذ زمن بعيد .

   هناك حقيقة علمية  يجب ان نضعها في الحسبان وفي موضوع كهذا  أنه لا يمكن الحكم على شخص أو تجربة من البدايات على نسق واحد لأن حكمة الله في خلقه أن الشخصية الإنسانية تتكون وتتبلور بواقع التجارب المتراكمة حتى تصل في النهاية إلى الشكل النهائي كحصيلة لهذه التراكمات .. لكن ما يبقى قائماً هى الأشياء الوراثية أضف إلى ذلك تاثيراث النشاءة في الصغر .

 بداية العهد في لقائى الأول  به في ضواحي مدينة مصوع  في منطقة  (قدم ) كانت صدمة  إذا شعرت بمدى الفارق الكبير بين الصورة التى كونتها عنه وذلك عبر الحكايات التى كانت تنقل لنا ونحن في  دمشق  وبين الشخصية التى أراها

أمامي  لقد كان إنساناً طويل القامة  ذات سحنة بيضاء  متميزًا بأناقته خلافاً لنا جميعاً  ووسيم أيضاً أضف إلى ذلك انطوائي إلى  أبعد الحدود  ينعزل تحت ظل شجرة بعيدة ويستقر عندها ولا يأتى إلا للأكل أو الاجتماعات التى كانت تعقد مع القيادة حينها  وكان الأخ  محمد علي عمرو رئيساً للقيادة حينها  هذه البداية  وبداية تكوين الصورة . بعدها سافرنا معا وبصحبة الشهيد أبوبكر محمد حسن وبادوري إلى (عد شوما ) وكان هو  ومرافقه حينها  الشهيد (ودي فنقل) وفي تلك الرحلة واجهتني متاعب لا حصر لها :

 أولاً – لم يكن عهدي في الثورة سوى شهر واحد , فأنا لم أَسِرْ هذه المسافات الطويلة في حياتي ثم إن أرتريا التى أعرفها ليست هذه الصحاري  والحرارة الملتهبة  حتى أنني كنت أمازح الشهيد أبابكر ونحن في الطريق , وأنا بحالة معنوية منهارة , قائلاً : هل هذه أرتريا التى نعرفها ؟ إننى أشك ان هناك خطاء ما ربما قد أخطأنا في المسير نحو دولة اخرى ؟؟؟؟؟؟ وإن كانت أرتريا حقيقة فمن المستحسن تركها للإثيوبيين ؟؟؟؟ وهكذا أزعجت الشهيد وأنا ازداد انهيارًا . حتى بلغنا منطقة ( عقى بنسا)  وقالوا سوف ننام هنا علي أن نواصل المسير غدًا عصرًا  ولكن ما حدث لي في المكان كان الطامة الكبرى . وحقيقة لا أدري كيف حدث  إذ يبدو ومن خلال الحركة المستمرة في الوادي  أن دخلت شوكة في قدمي , والغريب بالمنطق أن يكون دخولها من تحت إلى فوق .. ولكن هذه جأت من فوق إلى تحت  وإلى يومنا هذا  لا أدري كيف حدث ذلك  ربما أنني حاولت ركل غصن على الأرض ومنه جأت الشوكة , وبدإ الألم بحكم أن رباط  (الشدة ) يمر

من المكان الذي دخلت منه الشوكة , وقررت أن لا أتكلم حتى لا أصبح أضحوكة  وبدأنا المسير إلى أكثر المناطق خطورة , وهى المكان الذي تعدي منه الطريق المسفلت  الذي يربط بين أسمراء  ومصوع . وكانتدوريات الكوماندوس تقوم بعملية الحراسة عبر دوريات منتظمة , وهي مسألة تقوم على الحظ .. أما أن تجدهم وتصطدم أم يحالفك الحظ وتمر .. وقد كان حظنا رائعاً إذ كان كل شئ هادئًا إلا حالتي الشخصية . إذ تورمت قدمي ولم أعد قادرًا على السير .. وكل ما صبرته هو فقط من أجل أن نعبر الطريق  وحينها نفذ صبري تماماً  وقررت التوقف معلنا بأنني سأبقى هنا  وعليهم مواصلة السير  ولا يهمني أن وقعت أسيرًا أو تم قتلي هنا وتوقف الرتل ونحن لم نَجْتَزْ تماماً منطقة الخطر. وبعد مناقشات بأن المكان الذي سوف نستقر فية قريبا مسافة ساعة  وأن علي التحمل قليلاً فقط . جاء أسياس إلى وفتح زمزمية الماء وقدم لى قليلاً من الماء بغطاء الزمزمية  وقال : الآن سوف تتحسن لقطع المسافة القريبة , وبعدها سوف نعالجك . لا أدري ما الذي حدث لي بتلك القطرات الماء  حتى قمت وواصلت سيري معهم ولكن حافياً بقدم واحدة . وأمسكت الشدة بيدي والألم يشتد حتى بلغنا القرية  . عند الصباح جاء إلينا كبير القرية  وأنا بانتظار من سوف يأتي لعلاجي وأن منظر وشكل القرية لا يوحي بغير البؤس .. ورايتهم يثحدثون مع شيخ القرية .. وخمنت بأن الموضوع هو عن حالتى . وبأنه الدكتور الذي سوف يقوم بعلاجي … ودخلت في دوامة من التفكير. بعد قليل  جاء شيخ القرية حاملاً فنجان قهوة ملئ بالسمن البلدى وطلب مني أن أشربه دفعة واحدة وجاء العذاب رقم اثنين واستجمعت قواى وشربت السمن . ما هى إلا ساعة حتى خرجت الشوكة من الجرح  اضطررت لسرد هذه القصة , لأن السيد أسياس تذكرها بعد خمسة عشر عاماً  حين ذهبوا إليه يطلبون منه سيارته  كى ينقلونى إلى المستشفي نتيجة حالة من التسمم  فكان تعليقه  يبدو أن الشوكة مازالت تفعل فعلها إلى اليوم .اضطررت لسرد هذه القصة لتاكيد أن الرجل صاحب ذاكرة قوية  وتوظيف  مطلق للأحداث وكم من الأشياء التي يمكن أن تحكي  ضمن هذا السياق فحين يريد أن يسجل موقفاً تجاه شخصٍ ما  أو حدث ما سلباً أو إيجاباً لابد وأن يقوم باسترجاع أحداث في ذاكرته تتعلق بهذا الشخص  أو الحدث  ويبني عليها موقفه وفي اعتقادي هذه السمة  تحمل الكثير من الإجحاف في حق الناس اذا لايمكن ان تحكم علي الناس بمقياس ما كانوا يعتقدونه يوما ما  فالعالم يقوم علي التغير

والمواقف محكومة بالزمان و المكان ومدى إدراك الناس للحقائق حينها  وفي اعتقادي هذه نقطة ضعف قاتلة  في شخصيته , وقد ناقشته يوما بهذا المعنى وأذكر أن رده كان : إن جوهر الإنسان يبقى قائماً لا يتغير واقع الأمر .

17 – تتحدث كتابات أرترية عن علاقة أسياس أفورقي بالاستخبارات الأجنبية عامة والإسرائيلية خاصة  قبل انضمامه للثورة وبعد انضمامه … ما الصحيح والخطأ  في هذه  المسألة ؟

حول ما يشاع  بارتباطاته الخارجية , وعمالته للأمريكيين وحينها عبر قاعدة .. قانيو… في أسمراء .. وهي القصة المعروفة .. التى نقلها  ودي جورجو إلى الاخوة في جبهة التحرير الارترية . من الصعب الجزم بها :

 أولاً- اسياس ليس ذلك الرجل المطواع كى يستخدم ببساطة كعميل !! ومن ناحية أخرى لا يستبعد أن قابل من قابل كى يستفيد هو شخصياً  ومنذ ذلك الزمن جرت مياه كثيرة تحت الجسر وتغيرت أحوال وأحوال  ولم يعد لهذا الاتهام معنى في نظري . وللأمانة التاريخية ومهما بلغ الخلاف بيننا  الرجل شانه شان الآخرين .. جاء إلى الثورة حاملاً هموم شعبه  وطموحاته الشخصية  و الشيء المؤلم في قصة الرجل , بقدر ما قدم للقضية من جهد وعرق وإمكانات بقدر ما دمر بلدًا وشعباً , ولكن كيف حصل ذلك  هل كان يحمل في داخله مشروعاً .. شخصياً لا أعتقد لأن ذلك أكبر من طاقته كإنسان , والأمواج العاتية التى حكمت مسيرة الثورة لا تسمح بالمطلق أن ينفرد شخص بمفرده  وأن يوجه الأمور كيفما شاء وقد أثبتت الأيام حين كان محاطاً بعمالقة من القيادات  وحين بقي وحيداً محاطاً بأقزام  وحجم الأخطاء والحماقات  بل والجرائم , وشخصياً حين أفكر بالأمر بعمق أصل إلى نتيجة أن الرجل نفسه ضحية  وأنه صنع من نفسه ماساءة  بينما كان الطريق أمامه سالكاً  حين طلبت القيادة بالتنحي  وإعلان الدستور  وانتخابات حرة ونزيهة للبرلمان وإعلان قانون الأحزاب  ودع الشعب يحكم نفسه بإرادة حرة .. كان هذا في اجتماع كنت حاضرًا فيه , وكانت الفرصة متاحة  للجميع أن يختموا حياتهم بشرف  وعزة  ولكن لم يقبل التسليم وأصر أن يقود انقلاباً

    السيد أسياس هو ابن التجربة  ومنها تشكلت شخصيته  عبر صعودها وهبوطها واقتناعه المطلق  أن كل ما رافق الثورة  والمكانة التى بلغتها  هى بتأثير  منه وليس هناك من حدث أو فعل ذو شان في التجربة إلا وعليها بصمته , هذه الشخصية حسب رصدى الشخصي بذات تتبلور مع نهاية الحملة السادسة  ومنها بدأ يشجع لكل من يتجاوز القيادات ولا سيما العسكرية منها والاتصال به شخصياً وأخذ التعليمات  وكان سريعاً ما يعمل علي تبرير هذه التصرفات … بأنه تقصير من المسئولين أنفسهم   والغريب في الأمر أن الشيء الذي كان يساعده على ذلك  روح الانضباط التى يتمتع بها من ناحية  ومن ناحية أخرى استغلاله للوقت بشكل مثالي إلى أبعد حد  وكنت شخصياً معجباً بهذه الصفات   مثال ذلك : أبان الحملة السادسة  ( 1982 ) والحرب على كل الجبهات عزل الرجل نفسه على قمة جبل ليس بعيداً من مقره وأقام هناك مركزا للقيادة والتواصل مع الجبهات العسكرية , ومع الوضع العام ومعمعة المعارك طوال ثلاثة اشهر متواصلة  تمكن الرجل في ظل تلك الظروف من إنهاء قراءة الموسوعة البريطانية بالكامل , هذا النوع من الانضباطية  إلى جانب المام شبه تام بالواقع السياسي للجبهة وبداية ظهور آفاق الانتصار بدأ في تجميع الخيوط  ويفرض نفسه عن جدارة أنه رقم أساسي  ويجب أن تكون لكلمته  الوزن المطلوب  وكان بالإمكان قبول ذلك في حدود الضوابط التنظيمية , ولم يكن هناك خلاف إطلاقاً حول الدور الريادي وطنياً لشخصه على أقل تقدير داخل الجبهة الشعبية . ولكن يبدو أن حجم التضخم الذاتي في شخصيته كان قد بلغ حداً يصعب تقديره ,

 هناك محطة مهمة صنعتها الصدفة  وكنت حاضرًا  اكتشفت من خلالها , أن الموضوع لم يعد كسابق عهده وأن الأمور قد بلغت حدًا  ومن سخريات القدر أن بروز هذه الظواهر جاءت في اللحظة التى بلغت فيها الثورة مستوى النصر النهائي  وعالم جديد بدأ , يتشكل بنهاية المعسكر الشرقي , وكنت دائمًا أكرر وما زلت بأنه تم التحرير والجبهة الشعبية في أسوأ أوضاعها السياسية ولكنها في أوج عظمتها العسكرية المهم  جئت كالعادة إلى مقر المكتب السياسي  لعمل يتعلق بالإعلام ووجدت بالصدفة  الأخت  نورة محمد وطفلتها  زوجة الشهيد إبراهيم عافة  والأخ رمضان محمد نور والأخ الشهيد على سيد عبدالله ، شخصياً كنت منزعجاً لوجود الأخت  نوره .. ويعود السبب أنها كانت تضغط علي لمعرفة السبب الحقيقي لغياب إبراهيم  ولم يكن لدي ماقوله … حتى إنى تعصبت يوماً .. وقلت لها : الشيء الوحيد المتبقي هو أن يتم تعينك في اللجنة العسكرية حتى تعرفي أسرار غيابهم وظهورهم  حين قلت : لها هذا الكلام كنت في حالة من العجز في تمالك نفسي من البكاء .فتركتها وذهبت ، حقيقة هي لم تتعود مني هذا السلوك

وحين التقت أسياس  أخبرته بما جرى معي مستغربة  وأعتقد أنه حاول تهدئتها وعندما التقيت به بادرني :  لماذا لا تحاول تتحكم في مشاعرك , وحكى لي القصة . وقلت له : عندما أرى هذه المرأة وطفلتها  فجأة استرجع تاريخاً طويلاً يجعلنى غير قادر علي السيطرة  المهم في الموضوع  أكملت عملي الذي جئت من أجله  واستأذنت بأننى سأذهب إلى ( نقفة )  للقاء جماعة الإعلام… وتعيين مسئول لهم بعد أن استشهد المسئول الذى كان هناك  وفعلاً ذهبت إلى موقع السيارة التى تقلني وصعدت فعلاً للسيارة , وعندما بدأنا في التحرك , أوقفنا أحد الحراس قائلاً : أسياس يريدك  توجهت اليه  ووجدته قادماً إلي . وتنحى بي

جانباً وقال : أجل موضوعك الآن  هناك موضوع أريدك أن تكون موجودًا. سألته ماهو الموضوع المهم هذا .. قال : لقد قررنا أن نفاتح الأخت نورا .حول استشهاد إبراهيم  ولهذا الغرض جاء رمضان  وعلي  ، وللأمانة شعرت بامتعاض وقلت له .. أنا أعجز من أن أتحمل الموقف ولذا أَعْفِنِي عن الموضوع. ولكنه رفض  وهكذا كان ، مرت الساعات بالنسبة لى وكأنها أعوام وشغلت نفسي باللعب مع الطفلة حتى حان وقت العشاء  وما أن انتهينا حتى طلبت نورة الإذن بالذهاب إلى النوم  لأنه التوقيت المعروف بالنسبة للطفلة  واستغربت ما الذي حصل  وودعها الجميع  وما أن غابت حتى سألت ما الذي حدث فكانت الإجابة : أنهم قرراو أن يكون في وقت آخر  وليس في حضور الطفلة  لأن المرأة سوف يكون رد فعلها هستيرياً .. ولا يجوز تعريض الطفلة لصدمة مثل هذه .

ما أن ذهبت المرأة وابنتها حتى بدا نقاش كان من بدايته عنيفاً ، ولا أذكر شخصيًا في هذه اللحظة كيفية البداية ، أذكر أن رمضان محمد نور بدأ في عملية شرح الخطأ التاريخي الذى وقع فيه الذين تصدروا حركة ثلاثة وسبعين ( المنكع) وتدخل علي  سيد ببعض الملاحظات  وأضفت من عندي أن المشكلة سوى هم أوغيرهم  تكمن في مسالة النخب المثقفة  والزيف الذي تحمله سواء للواقع أو للدور المنوط بها ، وهذا لا يقتصر علي المثقفين  التجرينية بل أيضًا يشمل المثقفين  والمتعلمين المسلمين وهكذا أخذ النقاش منحى أكثر عمقاً ، وفجأة تدخل أسياس في النقاش وبصورة غاضبة ،  وطلب مني السكوت قائلا : أنت ياقيسي ذاتي في رؤيتك للأمور  أما الموضوع فبصورة إجمالية هناك من عاشوا وصنعوا مجدهم علي حساب الآخرين  وأنت علي رأسهم  ووجه بإصبعه إلى رمضان ، واشتد النقاش  والكل. يصرخ ويمكن تلخيص هذه  اللحظة المفصلية بالنسبة لي علي النحو التالي :-

أولاً –  إن الرجل  يعيش حالة من المعاناة  ، قذفت به بعيدًا مما عهدناه فيه ،

ثانيا:-  إن الرجل بدأ يقتنع أن الكلفة البشرية لقومية التجرينية قد تجاوزت كل التصورات .

ثالثا:- إن المشروع السياسي لمستقبل هذا البلد ، يجب أن تكون الريادة فيه وفق تصور يرسمه هو دون  المساس بحقوق الآخرين  ،

رابعا:- إن القناعات الفكرية  والتصورات الأيديولوجية ، هي خرافة دفعنا فيها أكثر مما ينبغي ، وإن الوقت قد حان للنظر للأمور بصورة براغماتية .

خامسا:-  إن الوقت قد حان تماماً لتصفية الإرث الذي حملناه طويلاً ، ويجب أن لا تكون مسألة الاستقلال ، مسألة إعفاء للماضي ،

سادسا:- إن الجبهة الشعبية  بما حملته من مسؤولية في تحرير البلاد ، لا يمكن أن تستمر وفق هذا النهج ، وتعيد إنتاج نفسها ثانية .

كان حديثًا خطيراً ينبى بالنفق المظلم ، وليس بالاستقلال المضيء ، عندها تذكرت الأخ  المرحوم  المفكر السوداني محمد أبا القاسم  في حديث معه حول شخصية أسياس   وقد قال لي  بالحرف : أسياس فنان يمارس السياسة ، وحين يرسم

الفنان لوحة لا يقبل أن يتدخل أي كان  في تعديل أو نقد أو إضافة ألوان ، فهو يعتبرها عملية خلق خاصة به وبعالمه ، وفي السياسة هذه كارثة ، فالسياسة هي فن الممكن وخلق عالم ضمن قواسم مشتركة حتى وإن كانت أكذوبة .

18- غير سليم أن تتجه التهم إلى شخص واحد رئيس النظام أسياس أفورقي  وذلك لوجود أسماء البطانة المؤازرة  لرأس النظام  تدعمه على قمع محاولات استهدافه لأن فرعون عادة يحكم عبر مجموعة أدوات معينة أشخاصاً  أو أجهزة … هل من  تفاصيل  تعمل على  تثبيت وحماية أركانه؟

شخصية هذا الرجل  هي المحور في كل ما جرى ، ويجري ،  أما عن البطانة فالجميع  ممن بقي معه ، موقعهم تاريخياً هي الصف الثالث والرابع من كوادر الشعبية ، أيام عز الشعبية ، بل والأنكى من ذلك أن معظمهم عاشوا التجربة وهم مغضوب عليهم  فهم ينفذون سياسة تصفية حسابات قديمة ، ولذا فهم الأكثر تجاوبًا له ولقرراته .

19 – الإجابة غير مقنعة لأن فرعون كان معه هامان وقارون والملأ يعملون في تزيين الباطل ويدعمون تثبيت أركانه فغير معقول أن تبرأ البطانة أو تضخم شخص أفورقي مهما أوتي من قدرات على النحو الذي أكدت عليه هذه المقابلة؟ اذكر أمثلة من البطانة المؤثرة ؟

أي بطانة  ؟ كلها لا يتجاوز سعرها ملاليم ينتهى حالهم بانتهاء الرجل هذه هي الحقيقة . وقد لمحت إلى ذلك والجماعة يدركونها تمامًا  إن ذكرت أسماء فستعطي قيمة لمن لا يستحقها

الموضوع يحمل الكثير والكثير أعتقد ما قيل يكفي في الوقت الحالي واعتبر هذه حكمة تتطلبها المرحلة والسياسة

أقسم لك بالله أننا سوف نتحدث عن أشباح وأعطى قيمة لا يستحقوها.  السيد أسياس أفورقي هو الكل والبقية خدم أو لا بطانة جائز. هناك مقربون تجاهلهم أفضل ، لكل واحد منهم ملف يضم مصيبة يحتفظ بها الرئيس في درج مكتبه وهنا يكمن سر ذكائه ولهذا يختلف الموضوع حين تتحدث عن رجل فاعل وحين تتناول دُمَى.

20 – لم تجب على السؤال ولهذا سوف  ينشر كلامك هذا بقسمه وتفاصيله ؟

أنشره  إذا عجبك.

21 – أراك تخاطب أسياس بعبارات محترمة : الرئيس ، السيد …  وغيرك يصفه بأوصاف أخرى.. ما السر؟

هي مسألة تعكس معنى ليس الاحترام. وهو شخصياً يعرفها تماماً ماذا تعني لذا أنا أتعمدها.

المصلحة الآن في بقاء  أسياس أفورقي :

أودّ اختم هذه الإجابة وللأمانة التاريخية  أن الرجل بقدر ما مثل لعنة لهذا البلد  فإن غيابه فجأة هي أكثر من لعنة إن الفراغ السياسي الذي سوف يخلفه ، ضمن الأوضاع التي نراها للمعارضة داخلياً  وخارجياً  لا تنبى بالخير

والتجارب القريبة منا كافيه كي نرى غياب صدام وأين وصل العراق و غياب القذافي وأين هي ليبيا و غياب مبارك …

الفراغ السياسي هي أم اللعنات في مجتمعات مهما كان حبنا وتعلقنا بها فالإرث السياسي  حمل ثقيل ومن هنا يجب أن يقوم البناء الأول لوعي وطني مخلص وكفى الكل الادعاء بأنهم  يمتلكون الحقيقة ، وهم الوحيدون القادرون ، كان يمكن الاسترسال في النقطة  لكن يكفي الإشارة حالياً ، فسوق السياسة الارترية أصبح متخما بالاتهامات  والاتهامات المضادة .

22 – تربية الجبهة الشعبية للجيل الجديد تربية كسيرة خرجت جيلا ذليلا لا يقوى أن يقول ” لا ” في وجه الطغيان وإنما يبحث عن النجاة في  الهرب من الموت على يد الجلاد  إلى الموت على يد الصحاري والبحار وعصابات الاتجار بالبشر.. ما تعليقك  في منهج سار عليه الثوار خلال مسيرة النضال؟

حرام عليك يارجل أن تطرح السؤال بهذا الشكل ، هل فعلاً تعرفون  أرتريا وشبابها . وهل تعرفون بحق نوعية الرجال الذين قاتلوا في حرب التحرير  وضع السؤال بهذا الشكل دليل قاطع عن جهل أعمى ، لو كانت الفرصة متاحة لسرد البطولات لكانت الإجابة  مجلدات  ومجلدات ، أنا أشهد للتاريخ  بأن ما تبقى لي من عمر سوف لن تتاح لي فرصة ، أن أصادف علي شاكلة المقاتلين الذين عشت معهم  وأذكر هنا أن أسياس في إحدى مقابلاته التليفزيونية الطويلة ، ذكر بأن المقاتلين الذين عشنا معهم لا يتكررون إطلاقا إلا في حالات استثنائية  والخلاصة التى يجب أن نعرفها مهما كانوا هم إريتريين وجاءاو من هذا الشعب .

أما عن شباب هذا اليوم وكل القصص والماسي التى نراها لا علاقة لها لا بتربية  ولا إذلال ، هم أيضا أبناء هذا الشعب ، ولكنهم فقدوا الثقة ، وكسر في داخلهم الأمل ، حين يكون الأمل بالغد كبيرًا ، والحلم في صناعة  وطن  وشعب . وعاشوا حياتهم بانتظار اللحظة التى حلموا بها ، وفقدوا أحباء وأهل من أجل تحقيقها والنتيجة  يجدونها أكذوبة  وزد علي ذلك عبودية  وكل القوى نظام  ومعارضة وجماعات وأفراد  مشاركون  ومخادعون في تدمير حلم عاش في داخلهم  اسمه وطن  تم تحويله إلي جحيم  الوطن الأكذوبة  والهروب والنجاة حتي وإن كان الثمن حياتك .

هذا هو الوطن الذي قدمناه لا يكفي اتهام النظام  فهو متهم  بل كل القوي السياسية ومهازلها  ورهانها الخاسر وخطابها  ونحن الأفراد بكل تنوعاتنا مساهمون في صناعة هذه المأساة  ليس هناك أحد معصوم في هذه الجريمة

أنا أعلم أن الكثيرن سيحملون سيوفهم لهذا الموقف ، ولكنني وبرغم أحاول دائماً تجنب الدخول في مهاترات في الكثير من القضايا  إلا أنني علي استعداد أقدم حياتي في هذه القضية  لأنها جريمة اغتيال جيل كامل .

22 –  انتهت المقابلة  مع وكالة زاجل الأرترية للأنباء فما الذي شرح فيها  صدرك وما الذي انقبض له قلبك؟

اخيراً تسألني  عن ما أرضاني  او أغاظني  في هذه المقابلة ، والإجابة لا هذا ولا ذاك  ولكن هناك ما هو أسوأ ، هذه المقابلة  جعلت من الحزن في داخلي يتضاعف  ووصلتني إلي قناعة شبه تامة إلي أي حد نحن مهزومون في داخلنا  ولعلها تكون آخر حواراتي  مستقبلاً. لك التحية  وأقر بأنك مشروع صحفي مستقبلاً

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى