أخبار زاجل

زاجل تعيد نشر مذكرات مسفن حقوص ترجمة المحلل السياسي والاستراتيجي الارتري الدكتور عبد الرازق كرار.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10232081794645805&id=1177902532
زاجل تعيد نشر مذكرات مسفن حقوص, ترجمة المحلل السياسي والاستراتيجي الارتري الدكتور عبد الرازق كرار

مذكرات مسفن حقوص
حركةالمنكع (الخفاش) سبتمبر 1973
الجزء الثاني والأخير فيما يتعلق بحركة المنكع

بعودة أسياس الى الاجتماع، ونتيجة للصخب الذي حدث في اليوم السابق، قررت القيادة الاستماع الى مطالب ومظالم المناضلين، وحالاً تحرك المعارضون وسط المناضلين وأحضروا قائمة تتضمن عدد كبير من المظالم تم طرحها في الاجتماعات التالية. قائمة المطالب الطويلة يمكن تلخيصها في عناوين كبيرة منها غياب الديمقراطية، الضعف التنظيمي في ظل غياب الرقابة الفاعلة والعادلة، غياب العدالة بين الجنود والضباط فيما يتعلق بالمعاش والخدمات، حقوق العضوية، وغيرها من المطالب. مناقشة هذه المظالم تحول الى مناظرة طويلة بين كل من موسيّ وأسياس، حيث برز الأول كقائد للمعارضة بينما أخذ أسياس يدافع عن القيادة.

مدعوما من قبل كوادر مؤهلة وفصيحة مثل أفورقي تخلو ويوهانس سبحتو، تحول موسيّ الى سم زعاف مركب من عدة عناصر، حيث أظهر قدرات عالية في طرح التصور والتعبير وامتلاك ناصية الكلام ، لقد كان ذو شعبية عالية وسط المناضلين، ليس لأنه فقط يجيد التعبير ولكن أيضاً لأنه يعرف كيف يخاطب كل فئة وفق ما يناسبها، وبالرغم من عفويته وبراءته وحبه مساعدة الغير إلأ أنه كان متهوراً، ويمكن أن يصبح مدمراً عندما يتمكله الغضب.

ضمن ما أثير في النقاش كانت هنالك قضية مشروعة وهى الاعتداء الجسدي على المناضلين، فاضافة الى حادثة ودي قشي (التي تعرضنا لها في الجزء الأول) أثار المعارضون حوادث أخرى تتعلق بأسياس أفورقي حيث أعتدي جسديا على كل من تمسقن برهي، والأمين سراج، وآخر يدعى إبراهيم (ربما كان مصوراً) أسياس من قبله أعترف بأنه كان مخطئاً وأنه يتحمل المسئولية عن أفعاله. إن هذه الاتهامات التي اثيرت ضد أسياس كانت حملة تشويه أكثر منها رغبة في معالجة مظالم محددة، وطوال هذه الاتهامات ظل أسياس منصتاً بتركيز وبدا متواضعاً، وكانت هذه أخر مرة يسمح فيها لأحد بتحديه بهذا القدر أو يظهر مهزوزاً ومرتبكاً، كما كانت هذه المرة الأخيرة التي أراه فيها يعترف بخطأه.

طرحت مجموعة منكع قضية غياب المؤسسية في إدراة الاقسام وأن أسياس هو الآمر الناهي في كل شئ بما في ذلك ما ينشر في الاعلام، واستخراج الأذونات للسفر للعلاج وذكروا عدة أمثلة للتدليل على كلامهم ولكن أسياس نفى ذلك وقال أنه يقوم بذلك بالتنسيق مع رؤساء الأقسام، أيضاً أثار المنكع تهميش الإدارة الاقتصادية وهو ما تسبب في شح الاساسيات، وكيف أن المقاتلين يخوضون المعارك وهم يعانون من الجوع، أنا بصفتي رئيس الإدارة الاقتصادية كنت على علم بالظروف التي يتحدثون عنها، وأسياس في رده أجاب بأنهم في القيادة على علم بذلك ولكن ليس لديهم المال الكاف لتلبية تلك المطالب، وأن كل المعارك التي خضناها ببطون خاوية كنا ندافع فيها عن أنفسنا أما أمام الجبهة أو العدو الاثيوبي، وأن القيادات كان يطالها ما يطال الجندي.
أيضاً أثارت مجموعة المنكع قضية الجرحى وكيف أنهم لا يتلقون العلاج والاهتمام المناسب، وكان ذلك صحيحاً حيث مات العديد من الجرحى نتيجة نقص العناية الطبية ولكن لم يكن ذلك بسبب الإهمال وأنما بسبب شح الامكانات والحديث عن أن القيادات كانوا يجدون عناية أفضل أيضا كلام غير صحيح، خاصة ,ان من يقوم على إدارة العيادة المركزية كان هيلي مهسون ، وهو أحد أعضاء المنكع ويعرف التفاصيل.
عن غياب الديمقراطية قدم أسياس مرافعة أبهرت الحضور من المناضلين، ففي الوقت الذي تحدث موسيّ عن غياب آليات للمحاسبة والرقابة على تصرفات القيادة، رد أسياسب بأن نموذج الديمقراطية الذي يتحدث عنه موسيّ لن يرغب أى مناضل عادي أن تكون له بها علاقة وقد تكون ذات نتائج عكسية.

النقاش حول القضايا التي أثارتها مجموعة المنكع لم يتوقف عند السمنار، واصبحت هذه القضايا مختلف حولها وتسيطر على نقاشات الجنود بين مؤيد ومعارض، وهنا قرر المناديب المشاركين في السمنار انتخاب لجنة منهم للنظر في هذه القضايا ووضع معالجات ممكنة لها، لكن مجموعة المنكع رفضوا نتائج انتخابات اللجنة ووصفوها بأنها غير ديمقراطية وأنه يغلب عليها عناصر من اقليم واحد وهو حماسين وأمام هذا الرفض الصاخب للجنة، انسحب بعض ممن تم اختيارهم لها وهم أفورقي تخلو، وتارقي يحدقو، حينها وقفت جماعة المنكع صعدوا على تلة واخذوا يهتفون عبر المايكرفون اليدوي مرددين (ابن حماسين يأكل العشاء، ابن اكلوقزاي ينام على بطن خاوية) كنت وبعض أعضاء القيادة بالقرب من أسياس عندما سمعنا هذه الهتافات، بعض الجنود اعتراهم الغضب وبدأوا الجرى نحو التلة، حينها أوقفناهم وطلبنا منهم أن يدعوا هذا الأمر للقيادة

في اليوم التالي أنا وبصحبة على سيد ذهبنا الى منطقة (الاقينا) وهناك وجدت كل من موسيّ ويوناس سبحتو، تربطني علاقة جيدة مع موسيّ، ولكن لم استلطف ابداً يوناس بسبب علو صوته وشخصيته، عندها سألت موسيّ لماذا يتبنى هذا الخطاب الاقليمي، وكانت إجابته مباشرة( أنه لم يعد لديه خيار آخر وهذا آخر ما تبقى لديه)

لجنة التحقيق التي تم اختيارها بدأت مباشرة عملها، ونحن في هذه الظروف شن علينا العدو الاثيوبي حملة عسكرية واسعة في ديسمبر 1973م وبالتالي ذهب الجميع الى المعارك. حال انسحاب العدو الاثيوبي، عاد نشاط مجموعة المنكع، ولكن هذه المرة على مستوى الجنود وليس قيادة الحركة، حيث أعلن بعض الجنود في سلاح المهندسين أن لديهم مطالب وقدموا الى مقر القيادة دون الحصول على الإذونات اللازمةأو علم القيادةوعند وصولهم أوقفهم الجنود ونحن من قيادة قوات التحرير الشعبية 2 (أسياس، تولدى، أسمروم، سلمون وشخصي) اجتمعنا لنقرر في وضعهم، ولكن ظهر خلاف بيننا، حيث أقترحنا الأربعة أن يلقوا سلاحهم ويعودوا الى وحداتهم بينما وقف تولدى وحيداً قائلا أن هؤلاء الجنود لهم الحق في مقابلة القيادةوطرح مظالمهم، تعجبت من موقف تولدي وهو الذي كان قد طلب منى سابقاً أتخاذ إجراء استباقي ضدهم معتقداً انهم ربما يغتالون اسياس، ولكن الآن يقف في صفهم وسألته ما الذي تغير؟ بغلبة اربعة اصوات مقابل صوت واحد، شرعنا في تجريدهم من السلاح ووضعهم في الاعتقال لفترة محدودة

بعد هذه الحادثة سافر أسياس ومحمد طاهر بادوري وحاج صالح الى عدن، ومنها في جولة للشرق الأوسط، ولم يعودوا الى الميدان إلا في أكتوبر. في غيابهم قررت القيادة وضع قيادة جماعة المنكع رهن الاعتقال، وبدأت القيادة في فحص وتوثيق الأخطار والعوائق والمهددات التي ترتبت على حركة المنكع، ثم شرعت القيادة في جولة الى كافة الوحدات العسكرية للتنوير حول هذه القضية معتبرة أياها فصل قد أغلق وأن التنظيم قد تجاوزه، وحث المقاتلين على العودة الى نشاطهم الطبيعي، وفي هذه الفترة أكملت لجنة التحقيق عملها وقدمت تقريرها، وبناء على هذا التقرير تم تكوين لجنة أخرى في منتصف عام 1974م، لإجراء مزيد من التحقيق مع المشاركين في المنكع وأصدار الأحكام المناسبة لكل حالة.
بعدها وفي نهاية يوليو تحركت أنا وصالح ططو بصحبة خمس كتائب الى مناطق وسط المرتفعات، تاركين وراءنا المنسقين السياسين لبعض هذه الكتائب لأنهم كانوا في اللجنة التي تم تكوينها للتحقيق وإصدار الاحكام المناسبة على مجموعة المنكع، وهكذا لم تجتمع القيادة إلا في اغسطس 1975م، حينها وقفت القيادة على تقرير لجنة التحقيق وإصدار الأحكام ,، وأيدت التقرير، وكانت قيادات المنكع في معتقل في منطقة (بليقات)تحت اشراف سلمون ولدى ماريام رئيس جهاز الأمن، عندما اجتمعت القيادة في اغسطس 1975 للنظر في التقرير ومراجعته، سلمون وفي تصرف طفولي غير مقبول أعتبر أن هذا التقرير يقع ضمن اختصاصاته ورفض تسليمه لنا في البداية.

لا أتذكر كل أسماء أعضاء حركة المنكع وأيضاً لا أتذكر الأحكام التي صدرت بحق كل منهم ولكن لأحكام التي صدرت بحقهم تترواح بين الاعدام والسجن والعفو. بعضهم مثل ورقو زراى تم اطلاق سراحهم بعض قضاء مدة قصيرة في السجن، أيضا العديد من الجنود حديثي التجنيد تم العفو عنهم بعدما أظهروا الندم على فعلهم، أما أقصى العقوبات وهى الاعدام طالت كل من هبتى سلاسي قبرمدهن، تولدي أيوب، أفورقي تخلو، موسيّ تسفامكئل، يوناس سبحتو، رؤسوم زراي، تارقي يحدقو، أبراش ملكي، دهب تسفاطين
إن الانتماء أو شبهة الانتماء الى المنكع أصبحت وصمة عار أعاقت الكثيرون من أداء عملهم الي نهاية 1975م، فمثلا سبحت افريم عندما تكليفه بموقع المنسق السياسي في كتيبة بعد استشهاد منسقها، رفضت الكتيبة استقباله بسبب علاقته بالمنكع، أما بيطروس سلمون والذي كان قائد كتيبة في سلاح المهندسين وكان ضمن المجموعة من سلاح المهدسين الذين جاءت لمقر القيادة دون اتباع الاجراءات النظامية وتم وضعه في السجن لفترة قصيرة وبعدها عمل في وحدة صغيرة بسلاح المهندسين الي أن تمت ترقيته لاحقاً في منتصف 1975م.
أن هذا الفصل من نضالنا على المستويين الشخصي والوطني كان مؤلما للغاية، وأنا عندما أسجل وجهة نظري ليس الغرض الهروب من المسئولية أو تجميل الحقيقة المؤلمة، ولكن لوضعه في سياقه الزماني والمكاني المحدد، لقد تبنت القيادة بالاجماع توصيات لجنة التحقيق والاحكام التي قررتها، وهو ما يجعلنا جميعاً مسئولين عما حدث.

على المستوى الشخصي، لم أتعرض لهجوم من المنكع، ولم اكن أيضاً طرفاَ في مظالمهم، ولا احمل أى ضغينة أو لدى مشكلة مع أي منهم، بل على العكس، كنت أحسدهم على تعليمهم،وذكائهم، كانوا خريجي جامعات أو مدارس ثانوية، وكنت ورفاقي سعداء انهم سخروا علمهم وامكانتهم لصالح النضال، عندما زارنا وفد ليبي مثلا، قدم موسيّ كلمة معبرة ربط فيها نضالنا بالحركة السنوسية في ليبيا وبعمر المختار وهو أمر أغلب القيادة حينها لم يعرفوا عنه أو يسمعوا به حتى، أيضاً انا مؤمن أن اغلب مطالبهم ومظالمهم كانت مشروعة بالرغم من أن معظمها كانت نظرية وغير قابلة للتطبيق في تلك الظروف
لقد دعمت قرار لجنة التحقيق لأني أومن أن المنكع تسببت في تدمير داخلي للتنظيم في وقت كان التنظيم يواجه خطراً وجوديا مزدوجا من العدو الاثيوبي والجبهة.ومع هذا لدى قناعة أن من ابتدروا حركة المنكع لم يكونوا اقليمين في توجههم، رغم أنهم ارتدوا قناع الاقليمية في النهاية، ذلك أن أبرز قياداتهم مثل أفورقي تخلو، تارقي يحدقو، هيلي مهسون، كانوا من حماسين، كما أن من عارضوهم بقوة كان من بينهم من هم من اكلوقزاي مثل تولدى أيوب الذي كانت له مواقف معارضة جدا في بدايات الحركة، وبراخي نقوسي (ودي فنقل)

لمعالجة الجروح لابد أن نؤمن ونعترف أن هنالك أخطاء ربما ارتكبت، ومن وجهة نظر سياسية إذا كان الواجب العدلي يقتضي حلولاً قضائية، فأنا ارحب بذلك وأنا جاهز لمساعدة أى جهاز وطني يرغب أن يحقق في تلك الأحداث، وإذا كان هذا الجسم بصدد إصدار حكم ضدي سوف أتقبل ذلك الحكم.
في ذلك الوقت لم يكن لدى خيار، واتخذت قراري لحماية الأهداف الوطنية وأجنب المقاتلين تحت قيادتي المخاطر، واذا تم تكوين مؤسسة وطنية وفق القواعد والأصول المعمول بها في مثل هذه الحالات ووجدت أفعالي في الماضي غير مقبولة فأن العدالة تقتضي أن أتحمل المسئولية وما يترتب عليها.

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى