زاجل تلتقي السيد/محمد صالح عثمان محمد محمود شلاب، الذي دخل إلى السودان لاجئاً زاحفاً
المعاق محمد صالح لزاجل : فشلت رحلة هجرتي في مسار 14- لفة ونجحت بأعجوبة بمسار أديبرا– عوض الماريا
لست وحدك تصل السودان يا محمد صالح لاجئاً لكن الغريب في هجرتك أنك جئت زاحفاً على أربع حملتك إلى السودان ركبتاك وراحتا يديك والعربة الخشبية المتهالكة كانت مرة تساعدك ومرات تخذلك حيث تحتاج منك إلى دفع فكنت معاقاً يدفع معاقا لكثرة ما أصابها من أعطابٍ وبِلىً
والهدف لم يكن سياسياً ولا طموحاً لهجرة أقصى وإنما قال: أريد عربة المعاقين وسمعت أن في السودان محسنين يمكنهم مساعدتي .أريد هذه العربة حتى لا أتسول ، حتى اتحرك بها مابين موقع العمل و موقع السكن أريد أن أدرس القرآن الكريم وأدرسه فأنا أحسن هذا المجال
وذكر محمد صالح عثمان محمد محمود شلاب أنه لأول مرة يدخل السودان ويعرفه وأنه مسرور بتجاوزه عقبات كؤود في طريق اللجوء وقد انضم إلى إحدى الخلاوي القرآنية ويأمل ان تتحقق له الامنية الثانية وهي الحصول على عربةالمعاقين .
وهذه رواية لجوئه سردها لوكالة زاجل الأرترية بصوت وصورة
تحدث عن العقبات التي واجهته في الطريق فكان أهمها أنه لا يملك تصريحاً ولهذا كان عليه أن يتحايل على سلطان البلاد ويرحل من محطة قريبة إلى أختها حتى لا يكتشف أنه مسافر خارج الحدود وجوابه كان واضحاً محددا ً صادقاً أن النظام أخذا قسراً إخوانه فوجب عليه إعالة نفسه و أمه ولكونه معاقاً ليست له القدرة على مزاولة عمل غير تدريس القرآن ا لكريم ولهذا كانت حجته مقنعة ليقدمها على من يسأله من رجال التفتيش أو الاستخبارات أوالجواسيس كما كان يقدمها لكل الناس حتى الفضوليين .
قال : كنت أسكن في المساجد ضيفاً في معظم محطات السفر وكان يرحب بي من قبل المصلين وأجد إكراماً وإرشاداً ونصحاً من بعضهم وكان من بينهم من يدلني على طريق السودان وينصحني بالتوجه إليه مخاطراً ويتوقع لي أن أسلم من مؤاخذة السلطان لكوني معاقاً
وقال : انطلقت من إقليم عنسبا ومن مدينة كرن تحديدًا – وقد كان أحد طلاب المعهد الإسلامي هناك – حتى وصلت مدينة تسني بالمواصلات العامة فمكثت بالمسجد أربعة أيام وأنا أعلن عن رغبة في خلوة أتعلم فيها وأعلم القرآن بينما أنا في الحقيقة كنت أبحث عن طريق الهجرة إلى السودان وللغرض نفسه.
بعدها سافرت إلى مدينة ( علي قدر ) ثم إلى مدينة 13 صليت الظهر هناك وأعلنت للناس سبب مجيئي أنني أبحث عن خلوة قرآنية فقيل لي :
توجد خلوة واحدة مشغولة فيها شيخ ولا مجال لإضافة شيخ آخر.
واصلت الزحف بالعربة المتهالكة تجاه ( لفة) وهي نقطة حدودية سودانية حسب ارشاد المسلمين الحريصين على نجاح هجرتي.وقد نصحني بعض الطيبين العالمين بالحيل أن أدعي أني من سكان ( لفة) والمألوف أنهم يتحركون في الحدود بين أرتريا والسودان بصورة لا يتمكن منها الكثيرون فادعيت أن لي أهلاً في لفه ومتجه إليهم زيارة
معتمداً على هذا التبرير نفسه . قطعت المسافة بين 13 و14 – وهي آخر نقطة تنتهي فيها الحدود الأرترية – وقد عانيت من التعب والإرهاق الشديد و( بدال العجلة المتهالكة) أرهق يدي ومع ذلك مضيت زحفاً بين 3 إلى 4 ساعات
وقد مرت بي لحظات رعب بسبب ما بدالي من أمطار غزيرة وسحب ثقيلة قادمةمن جهة أبو جمل – وهي قرية سودانية- وكنت أسابق المطر المحتمل حتى وصلت القرية 14 مع الغبار والمطر وفيها مكتب الجوازات الارتري وكانت المفاجئة غير السارة أنهم سألوني عن تصريح العبور فلم يكن لدي لأن رحلتي كلها تقع في دائرة المحظور في نظر السلطات لكني مضطر إليها بهدف البحث عن العمل لإعالة الاسرة وبهدف البحث عن محسن يشتري لي عربة المعاقين حتى يتيسر لي التحرك والعمل.
إدارة الجوازات رفضت كل حججي وطالبت بعودتي من حيث أتيت ومنعت ذهابي للسودان دون تصريح من الإدارة المحلية حيث أقيم وهي لديها تعليمات بعدم منح تصريح بالهجرة خارج الوطن.فتأزم الموقف أمامي
ولم يكن حل غير التواري عن أنظارهم موقتاً ريثما يكتب الله لي مخرجاً من الأزمة
تم إصدار توجيه صارم إلي من ضابط الجوازات أرغمني على العودة إلى مدينة 13 بالبص السفري . قلت لصاحبه : لا أملك ثمن تذكرة فقال : أنا مجبر – مثلك – من طرف السلطات الأرترية أن أحملك مجاناً حتى تصل المدينة فانطلقت عائداً وأنا كاره.
وصلنا القرية 13 فقد وجدت مسجدها عامرًا بالصلين فصليت واسترحت لكني لا زلت حيران متضايق من فشل الهجرة بعد أن شاهدت عيناي أرض الهجرة ، السودان
واصلت الرحلة إلى مدينة تسني حتى أبحث في مسار جديد للهجرة وآمن
من مشاهد الطريق أني لم أجد الماء ولا الخدمات في المسجد الكبير بمدينة تسني ولهذا اتجهت إلى الفندق للمبيت حيث حجزت مثل الآخرين سريري . بحثت عن الطعام في الفندق فلم أجد فاضطررت أن أزحف بعربتي المتهالكة إلى السوق..وعندما رجعت الفندق استقبلتني أسئلة من النزلاء لكني أخفيت أمري عن الجميع حتى لا أكون موضوع حديثهم في جلساتهم
ومع ذلك كنت أجد من ينصحني من بين الناس مخلصاً وقد تم تحريضي للتوجه للسودان
اتجهت مرة أخرى إلى السودان بمسار جديد ..
وقفت في الشارع العام ألوح بيدي رجاء أن تقف لي السيارات العابرة
تعبت من الانتظار في الشارع وتصببت عرقاً من شدة الإعياء وتعبت يدي من تحريك العربة المتهالكة .
والطريق كان موحشاً أخشى فيه من الذئاب والظلمة والامطار وكلها مخاطر لا أقوى على مواجهتها
نصحني أحد الناس بالتوجه إلى خط ( أديبرى) حيث توجد مواصلات متحركة وقال لي : هو أقرب الطرق إلى مدينة كسلا السودانية .
رجحت هذا الخيار لأن خط 13 – لفة قد فشلت المحاولة فيه
ركبت عربة بوكسي مع الركاب حتى وصلت أديبرا،والتعليمات الرسمية تجبر السائق بعدم نزول أي راكب إلا في آخر محطة أمام مكتب الجوازات ولهذا لم يكن متاحاً غير الخيار السيء ، وكالعادة طلبت مني السلطات الارترية جواز سفر أو تصريح مرور وهو الإجراء نفسه الذي رددت بسببه من خط 13 . قلت لهم : لا يوجد لدي ما تطلبون واستعطفتهم .
استعطافاً لم يجد من يصغي له .
ضابط الجوازات ألح علي بتسليم الجواز والتصريح والبطاقة
سلمته الجنسية وأنكرت عليه أني أسافر للسودان فلا وجه للسؤال عن الجواز والتصريح وقد
ذكرت له أن اخواني كلهم في الجنود وأنا وأمي نبحث عن المعيشية ومهنتي تعليم القرآن في الخلوة وانا أبحث عن الخلوة
حجز البطاقة واعطاني مهلة للبحث عن الخلوة
سلطوا على شخصين يراقبانني
ذهبت للمسجد وبقيت فيه مدة وأنا متابع الشخصين المراقبين
أطلت الجلوس عند مناسبة عزاء فانصرف الشخصان .
أعلنت على الملأ أني أبحث عن خلوة
وجدت مقترحات من بعض الناس أن أذهب للسودان إلى قرية عواض الماريا حيث توجد الخلاوي القرآنية وبشروني بالخير هناك
البقاء في نقطة أديبرى كان فرصة لتلقى المعلومات الدقيقة عن كيفية العبور تهريباً للسودان
رجعت لمكتب الجوزات وطلبت البطاقة بحجة العودة لمدنية تسني
عرضوا علي فكرة ترحيلي بالمواصلات مجاناً وهذه خدمة منهم تقدم لمثل حالتي لكنها تضيع حق اصحاب السيارات وهي مكر يستخدم ضد فكرة العبور للسودان
قلت : ما محتاج وإنما أعود بطريقتي الخاصة كما جئت وأبديت لهم رغبة في العودة ماداموا قد رفضوا ذهابي للسودان وكنت قد ألححت عليهم بذلك وأمام رفضهم ومراقبتهم لي
تحيرت وتعبت وتألمت.
دخلت االمطعم وطلبت ومن شدة الحيرة لم أمد يدي للطعام الذي أمامي بل اتكأت على راحة يدي مطرقاً
عرف صاحب المطعم ما أنا فيه من عجز وهم وحزن فاقترح علي الذهاب للسودان وبشرني
فتفاءلت .. ومددت يدي للطعام
لم تطاوعني نفسي للأكل
ساعدني لتناول الخبز حتى أنهيت الخبزة
دلني على موقع بعيد خلف الوادي نصحني أن اتجه إليه ومن عنده أعبر إلى السودان متوارياً عن أنظار السلطات الأرترية.
وجدت أطفالا .. طلبت منهم االمساعدة في عبور الوادي
ساعدني الأطفال على العبور الآمن.
تجاوزت العقبة الرسمية والجغرافية
ارشدوني لطريق السودان
قابلتني الغابة الشائكة فخفت على العربة المتهالكة من الشوك الحاد حتى لا يمزق إطارها
وبعد التماس وبحث مضني وجدت موقعاً صغيراً من بين الأشواك يسمح بالمرور.
عبرت بحذر أخاف على تنفيس إطار العربة
وجدت في قلب الغابة رجالا يسلخون بهيمة ويطبخون ، مظهرهم مخيف، خشيت أن يكونوا قطاع طريق, كان وضعهم مريباً ، ما طمأنني أني لم أجدهم يكترثون بعبوري بجوارهم.
أطلت المشي بالاتجاه دون ظهور معالم . نعم مشيت .. مشيت زحفاً بين المخاطر المحتملة
حتى وصلت طريقا فيه أثر العربات
مضيت به حتى ساقني إلى نقطة عسكرية سودانية فاستبشرت خيرُا وأحسست بالأمان
سألتهم عن طريق قرية عواض الماريا
فدلوني عليها
فمشيت وقد ساعدني أولاد صغار أعجبهم منظر العربة الغريبة
وصلت عواض الماريا وهي قرية سودانية على الحدود الارترية
الشباب خوفوني من الامن السوداني وطلبوا مني الحذر الشديد ثم انصرفوا
فتقدمت وحدي ومضيت حتى غاصت العربة في التراب
نزلت عنها فدفعتها بصعوبة حتى تخلصت من التراب بدعم منه شخص عابر.
سلمت نفسي لمكتب الامن السوداني في قرية عواض عصراً
طلبت منهم توجيهي لكسلا
تجاهلني المسؤول
فأعطيته خمسين جنيها
فأوقف لي عربة المواصلات
طلبوا مني أضعاف ما يدفع المواطن العادي فقبلت.
طلب مني خمسمائة نقفة فأعطيت 450 نقفة مقابل التوصيل بعجلتي المتهالكة التي استقرت على ظهر البص.
توجه بنا البص حتى وصلنا موقف العامرية وهو بأطراف المدينة لا في قلبها
فلزمني أن أتحرك بعربتي الزاحفة وصلاً للمسيرة المهاجرة.
حتى وصلت عند صلاة المغرب الجامع الكبير بمدينة كسلا
واتصلت هاتفياً برجل كنت أعرفه باسمه لا بشخصه.
قال : لا أستطيع أن آتيك وطلب مني أن أذهب إليه حيث هو.
قلت له : أنا معاق ومتعب ووصفت له موقعي وحالتي
جاءني شخص مهندم فسلم وسلمت وسألني فتهيبته بداية ، خشيت أن يكون رجل أمن من السلطات السودانية أو الأرترية ،فأعرضت عنه ، خشيت أن أخسر على يديه نجاح الرحلة بعد أن ظفرت به بعون الله
طمأنني الشخص وعرفني بنفسه وتحدث معي بلغتي ( تجرايت) فأطماننت إليه وذهبت معه إلى بيته وبهذا انتهت قصة الألم وبدأت قصة الأمل والحمد لله
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم