مقالات وآراء

د.سعاد دنكلاي تكتب : زواج عن بعد !!

التعايش التدريجي مع التفتت والتفكك الأسري

الإسلام دين متكامل ومن خلال شريعته نظم حياة الفرد ونظرته للكون والحياة والموت وشملت الشريعة كل تفاصيل الإنسان ابتداءً من   علاقته بخالقه  والكون  إلى الطهارة والنظافة الشخصية ، ومن  تلك التفاصيل اهتمام الشريعة بالإنسان وهو لايزال جنيناً في رحم  أمه  فحفظت  له حقه في الوجود والحياة وحرمت إجهاضه  ومن أجل ذلك رتبت الشريعة الإسلامية لقدومه بزواج شرعي وضبطت هذه العلاقة بكثير من الأمور حفظًا للمولود القادم  بالدرجة الأولى وتنظيمًا للرغبات  الفطرية للأبوين في الدرجة الثانية حتى ينشأ  أفراد المجتمع  في بيئة  سليمة سوية والأسرة في الأساس تعني السكينة والاستقرار ركناها الوالدان : الزوج والزوجة  ويسكن بعضهم إلى بعض  ( وخلق منها زوجها ليسكن إليها)  وعليهما يقع  عبئ تربية الأبناء  فلكل منهما  دوره المقدر في توجيه وتربية الأبناء بالإضافة للأدوار المختلفة للطرفين في  الحفاظ على الأسرة مستقرة وآمنة قائمة  على المودة والرحمة .

في مجتمعنا الإرتري ونتيجة لحياة اللجوء والشتات الطويلة بدأ تدريجيًا يختل  هذا المفهوم  ” البديهي ” وبدأ المجتمع  يتقبل  ويتعايش  مع التفتت  والتفكك  الأسري هذا ، فبعد أن  كانت الأسرة  في الوطن  ممتدة الى الجد والجدة والأعمام يجمعهم  بيت العائلة الكبير _ في حوش واحد تقلصت الأسرة الإرترية الى الأب  والأم والأبناء ثم  تقلصت  أكثر  لظروف قهرية إلى الأم والأبناء  وتغرب الأب  بحثًا عن الرزق في دول أخرى هذا الخلل رغم انتشاره بين المجتمع  في بدايات  اللجوء كان  ينظر إليه  أنه اضطراري وخفف من وطأة قسوته أن الزوجة والأبناء في رعاية أسرة الزوج الممتدة بين أعمام وأخوال وفي الغالب  كانت الأسر في السودان ويغترب الأب  إلى الخليج ومازالت المسافات قريبة ويمكن للأب زيارة أبنائه وأسرته  سنوياَ، رغم غرابة  الأمر إلا  أن  المجتمع كان متعايشاً معه جدا وربما نظرت أسرة الفتاة الى ابنتهم  أنها  سعيدة الحظ ! بزوج ميسور مادياَ!

وتطول   سنون الشتات بالمجتمع  أكثر وتتعاقب الأجيال وفي رحلة البحث عن الوطن البديل  تتسع رقعة ال  (single mother)   للأسف الشديد ويغيب الأب عن زوجته وأبنائه السنة والسنتين وقد تصل  إلى أربع أو خمس سنوات !! يفطم فيها الرضيع ويبلغ فيها المراهق  ويكبر الأبناء أيتاماَ في حياة والدهم !

قد تكون أحياناً أسباب قهرية فوق قدرة رب الأسرة وتكون أحيانًا كثيرة مفاضلة مادية بحتة يفضل فيها رب الأسرة  إرسال المبالغ النقدية بدلًا من رسوم وتكاليف سفره !!

ورغم أننا  تحدثنا عن مثل هذه الحالات سابقًا لكن يبدو أن التشتت الأسري  لا حد له لمجتمع بلا وطن ، وما كان يحدث سابقًا اضطرارًا ونتيجة لقسوة الظروف والأوضاع أصبح الآن  يحدث بأريحية تامة حيث يشترط الشاب المقبل على الزواج والمقيم في الغرب على أسرة الفتاة أنه لن يأخذ زوجته معه لا اليوم ولا غدا !!! وأن تبقى حيث إقامة أسرتها ويتكفل هو بالمصروف الشهري !! ويتم الزواج على هذا الأساس والحجة أن الأطراف راضية !

حقيقة لا أفهم مالهدف من هكذا  زواج ؟!!

إذا كان الهدف الأساسي للزواج الشرعي هو العفة فكيف للشاب أن يعف نفسه وهو يعيش في الغرب بزواج شهر في السنة مدى الحياة ؟!

بالطبع الحديث  هنا  لا يشمل أولئك الذين يسعون في إجراءات لم الشمل فالفترة هنا محدودة على عكس ذلك الشاب الذي أظهر  استغلاله واضحًا ، بالتأكيد مثل هذا العريس غير جدير بالثقة وغير مسئول وأناني ويقع اللوم على أسرة الفتاة التي توافق على هكذا زيجة وأي خير يرجونه من هذا الزواج ؟!  وقد  كبلوا  ابنتهم بزواج على ورق و وتحمل تبعاته بإنجاب أطفال عن بعد وعبء  تربيتهم وحدها لترعى أيتام في حياة والدهم !!

لا تزال مثل هذه الزيجات محدودة وقليلة  لكن تقبل المجتمع لها وعدم استنكاره  وكأنه  أمر  طبيعي  هذا  ما استدعى كتابة هذه  الأسطر فالقضية خطيرة وتتجاوز رضى الأسرتين لجيل قادم ينشئ في تفكك  وتشتت أسري . وفرق كبير بين أن تقع في الخطأ وتعمل على تداركه وإصلاحه وبين أن تطبع مع خطئك وترضاه .

                                                 

الزواج عن بعد!!

التعايش مع التفكك الأسري

خطر التفكك الأسري يستدرج المجتمع الأرتري إلى تغيير مفاهيم نبيلة

تقييم المستخدمون: 2.17 ( 6 أصوات)

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى