سجين هارب من أرتريا يحكي لـــــــــــــ” زينا ” تفاصيل الاعتقال والإفراج بعد أكثر من 5 أشهرقضاها سجيناً
ضيفنا تم اعتقاله ضمن معتقلي أحداث تشييع جنازة الشيخ موسى محمد نور- رحمه الله – في الثالث من مارس 2018م أمضى أكثر من خمسة أشهر في سجن ” عدي أبيتو” بالعاصمة أسمرا تم الإفراج عنه بداية شهر أغسطس الجاري ضمن مجموعة مفرج عنها بقصد تلميع النظام وجهه أمام العالم مقتديا بأبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا الذي أخرج من المعتقلات مساجين سياسيين معارضين .
ضيفنا غادر أرتريا فور الإفراج عنه متجهاً إلى إحدى دول الجوار .
التقت به وكالة زاجل الأرترية للأنباء ” زينا ” فتحدث عن أسباب اعتقاله وأسباب الإفراج عنه وأسباب هربه مرة أخرى إلى خارج الوطن
قابلناه بعد وصوله أرض الهجرة نسأله عن قصة الاعتقال وقصة الافراج فوافق على إعطاء التفاصيل بشرط عدم ذكر ونشر اسمه لاحتياط أمني قال :
لقد وقعت على ورقة الندم والتعهد بعدم المشاركة في أي نشاط مضاد للسلطات مستقبلاً وهذه الوثيقة تترصد الآن تحركاتي ولهذا يجب الحذر الشديد خاصة عندما تعلم أنه لا توجد جهة قوية تحمي الهاربين من النظام وبطشه.
قلت له : لا بأس عليك ، ونبدأ في تفاصيل القصة لأنها تكشف عالماً غامضاً وأنت الشاهد فيه :
قال : كنت موظفا كبيراً في الدولة أتنقل بين مدنها حسب المهنة والتوجيه الإداري ولم يكن لي أي انشغال بالسياسة وإنما كنت منهمكا في عملي الوظيفي ومهنتي التي أمضيت فيها سنواتٍ طوالاً ولم أتعرض لمضايقات من النظام لحسن سيرتي مع عملي .
وفجأة وجدت نفسي متهمًا بالمشاركة في النشاط المعارض الذي قام به في رأيهم الشيخ موسى محمد نور رحمه الله .
أنا لم أكن متابعاً ملف خلاف الشيخ موسى محمد نور مع السلطات لأنه نشاط تعليمي تربوي وأنا ما كان لي اهتمامات بهذا الأمر كما أن الخلاف كان محصورا بين المدرسة والجهات المختصة وليس معروضا في الإعلام حتى يصبح قصة رأي عام .
وعندما تصاعد الخلاف بينه وبين الجهات المختصة أخذت الأخبار تنتشر في الأحياء الأمر الذي ازعج فيما يبدو الجهات المسئولة لكني كنت غير مكترث حرصا على عملي ولأن الحدث يقع خارج اهتماماتي الوظيفية . ومضت الأيام وتصاعدت الأحداث حتى كان موعد اعتقال الشيخ موسى وبعض انصاره ومع ذلك كنت عاديا لم تهتز مشاعري لما حدث لهم على اعتبار أن الحدث صغير وبعيد عن دائرة اهتماماتي ووظيفتي حسب تقييمي للأمر وإن كنت أفهم أن الأمر خرج عن حد الكتمان الذي كانت تريده الحكومة خاصة أن الاعتقالات شملت أعدادا كبيرة من منسوبي المدرسة والمظاهرة رجالا ونساء وتلاميذ وأعيانا ً. فقد أخذت المدينة تتابع الحدث خاصة بعد أن تناول الخبر دعاة ومشايخ في أكبر مسجد بالعاصمة مسجد الخلفاء الراشدين .
بعد خمسة اشهر من الاعتقال خرج الشيخ موسى محمد نور من السجن جنازة محمولة على الأعناق فاهتزت المدينة كلها لهذا الحدث الأليم وتحولت مراسم تشييعه ودفنه إلى مظاهرة صاخبة جابت بعض الشوارع وأخذت الشرطة تطاردها .
لم اشترك في المظاهرة لكني حضرت مراسم دفن الشيخ وساهمت مع المواطنين الذين تجمعوا حول الجثمان بصورة ملفتة للنظر لم يتوقعها النظام الأرتري حيث تجمعت لتشييع الجنازة أعداد ضخمة من المسلمين سكان العاصمة أسمرا وضواحيها .
لاحظت أن الناس المشيعين يتسللون لواذاً منصرفين من المقبرة قبل الفراغ من الدفن وتلاوة دعاء الختام إلى اتجاهات مختلفة فقال لي رفيقي : قم ننصرف كما ينصرف الناس. قلت له :
نحن جئنا من أجل الدفن وكسب الأجر فدعنا نكمل أجرنا وثوابنا لم يحاول إقناعي بل تركني دون نقاش وانصرف ،غادر الموقع .ولم أفهم مخاوفه إلا بعد اعتقالنا ونجاته.
وهكذا فعل معظم الناس حتى لم يبق في القبر إلا أعداد قليلة ، لم انتبه لأي خطر محتمل ، كنا منهمكين في الدفن والدعاء وذكريات القبر الرهيب
شاهدت معي أعدادا قليلة من الأفراد فقد انصرف السواد الأعظم من المشيعين باتجاهات مختلفة .
دعونا الله للمرحوم أن يغفر له وأن يرحمه ويرزق أهله الصبر والسلوان . ثم ودعنا القبر الذي ضم الشيخ موسى محمد نور وقد تركنا حجارة خاشعة فوقه وترابًا يظلله.
وبينما نحن خروج من المقبرة وجدنا في البوابة الخارجية جيشًا وشرطة الحكومة تنتظرنا بعربات جاهزة لاعتقالنا ساقت الناس إلى العربات عساكرُ قساة ٌغير راحمين فاكتظت بنا العربات ومضينا إلى المعتقلات التي كانت مهيأة لاستقبالنا .
خصص لكل أحد يخشى ان يكون مؤثرا وفاعلاً محبسه الانفرادي إنه قفص أصم غير راحم .
بدأت التحقيقات التي صاحبها ضرب موجع وإهانات وتهمة كبيرة وهي التحريض ضد النظام والإخلال بالأمن والاشتراك في النشاط المضاد للحكومة
دافعت عن نفسي بما أعرف فيها من الولاء للمهنة والإخلاص ، وحسن السمع والطاعة لمن أعمل تحت إدارتهم . لم يكن القوم على استعداد لسماع الحجج والبراهين لأن الأمر عندهم مسلمات واثقة
تأكد لي أن السلطات حكمت علينا بأننا أنصار الشيخ موسى محمد نور بحجة أننا بقينا في القبر أكثر من غيرنا فاعتبرت ذلك دليل الوجع الشديد على فقدان عزيز
بقينا في السجن الظالم منذ الثالث من مارس 2018م. حتى بدايات أغسطس 2018م قضينا فيه أكثر من خمسة أشهر .
لم يفرج عنا النظام وإنما أفرج عنا أبي أحمد علي رئيس وزراء إثيوبيا الذي زار أرتريا فقد أراد النظام الأرتري أن يفعل شيئا اقتداء بما تفعله حكومة إثيوبيا فتم الافراج عن بعض المساجين الذين لا يشكلون خطرًا على النظام ، تم الإفراج عن فئة خاصة من النساء والأطفال وبعض الأفراد غير الفاعلين الذين لا يجدون ترحيباً جماهيرياً عند الإفراج ولا جمهورًا متألما عند الاعتقال. أما الفئة الأخرى الفاعلة المخيفة للنظام فلا تزال خلف الجدران القاسية
سألته: هل كان المساجين يلتقون في السجن ويتزاورون فقال :
توجد فئة من المساجين محرومة من تزاور و تلاقي وحتى من زيارة الأهل كانت ممنوعة وإنما يضم المعتقل الانفرادي غرفة صماء غير راحمة وهي مخصصة للسجين الذي يخشى منه أن يؤثر على غيره بخلاف المساجين الآخرين فهم يعيشون في مجمعات وينشغلون ببرامج شاغلة يقضون فيها أوقاتهم.
سألته عن ظروفهم المعيشية فقال :
الطعام وجبتان فقط عشاء وإفطار ومكوناته شوربة عدس متكررة والصلاة بصعوبة وقضاء الحاجة بجدول فهي ظروف السجن القاسي توفر للنزيل ما يسد الرمق,
وتحدث لــــ ” زينا ” عن أنواع التعذيب الذي يتعرض له المساجين فقال :
تعرضنا للتعذيب خلال الأيام الأولى للاعتقال وكان عنيفا شديدا مؤلما منوعا يتنوع بين النفسي والجسدي أما في الأيام اللاحقة فقد توقف التعذيب الجسدي تماماً على الأقل أنا شاهد في حالتي وربما خفيت عني بعض المشاهد لدى الآخرين .
في أي سجن كنت ؟ :
اتجهت بنا السيارات إلى سجن ” عدي أبيتو ” في العاصمة فتم توزيعنا على الزنازن ومجمعات حسب تصنيفهم للحالات .
وسألته عن المشاهد التي لا تزال تخيف النظام في أرتريا فقال :
يغتاظ النظام الأرتري من مظاهر إسلامية تظهر في الوطن أيام الأعياد الدينية الإسلامية عيدي الفطر والأضحى ومناسبة المولد النبوي الشريف والجمعة التي تتكرر كل أسبوع فهذه المناسبات تملأ المساجد صلاة وذكرًا وتلاقياً الأمر الذي يبدي للنظام أن الإسلام حاضر وهذا الأمر يغيظه جدا لأنه قد عمل لطمسه عشرات السنين والإسلام غالب معجز لم يستطع النظام محوه من الحضور المخيف رغم ما بذله من وسائل الإزالة والمسخ الشديد .
لماذا هربت الآن بعد الإفراج عنك :
عايشت آلام السجن وعذابه فلم تطق نفسي البقاء داخل الوطن في ظل النظام القائم ، الحمد لله لقد تمكنت من الخروج حتى أعيش بقية عمري بعيدًا عن الرعب وكوابيس ذكريات الاعتقال البغيض والسجن غير الراحم .
هل تمت محاكمتك وكنت عرفت ما جريمتك وما عقوبتك :
لا ، لا ، كانت التهمة الظن فقط أدركتها من خلال الأسئلة الموجهة إلي ولا محاكمة غير التحري الأمني والنتيجة هي ما يقرره المحقق حسب مزاجه وقناعته ، ولا يخبر بها السجين فظللنا مدة تزيد عن خمسة أشهر في السجن ..ما كنا نعرف متى تنتهي حتى جاء الفرج من الله حينما هبت نسائم السلام في أثيوبيا وتطبيعها مع أرتريا فقد وجدنا أمامنا استمارة الخروج من السجن بعد التوقيع على محتويات ظالمة تفرض عليك أن تعترف بجرم لم تفعله وأن تتعهد بعدم تكراره ، نعم وقعنا فغادرنا السجن الظالم إلى حيث هواء الحرية العليل نعم خارج أرض الوطن الذي يذكرني كل ما فيه بالسجن المقيت ..
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم