سيدي هل لي أن أختلف قليلا؟ اللغة أداة لممارسة السلطة وليست مجرد وسيلة للتفاهم
إدريس سعيد أبعري
بقلم: إدريس أبعري
لم يكن لقلمي شهية للعودة إلى هذا الموضوع الذي أشبع ضجيجا ثم صمتا و همسا قبل أن يحظى مؤخرا بفتاوى أخابت آمال وظنون الذين اعتقدوا بأن سفينة اللغة التي تتموج منذ عقود، حيث تتجاذبها حالات المد والجزر في بحر مليء بالشعاب قد ترسوا وقد يفكرون ربانها الأشاوس بالارتياح على بر هادىء يستنشقون فيه عبير الرضى وروائح السلام. ولكنهم وللأسف لم يفعلوا ذلك، إذ واجهت وزارة التعليم دعوة ضرورة إعادة التقييم بمزيد من حملات التوعية الـ ” أممية .. ” وخرجت تصريحات لمسؤولين كبار في التنظيم والدولة داعمة ذلك، معتبرة بأن انتقاد إلزام التدريس بلغة الأم وأسلوب التعامل الحالي مع اللغة أو اللغات وراءه أغراض سياسية، وأن من يدعون إلى إعادة تقييم الأمر يطالبون من الدولة ” إرغام الناس على التعرب ” وهو أمر يدل على سؤ فهم شديد كما تصدرت في هذا السياق إحدى افتتاحية أعداد جريدة إرتريا الحديثة مقالا خجولا، وعظيا يشيد بفوائد التعليم بلغة الأم، وعلى النحو الذي استمعنا إليه من وزارة التعليم لعدة سنوات مضت، وبشكل يبعث على الملل ازداد الحديث عن قداسة اللغات وأهمية مساواتها في التعليم. وفي الأحاديث الخاصة بات المرء يستمع إلى تدبيج اتهامات لمجهولين يستهدفون الوحدة الوطنية بإثارة مثل هذه القضايا كل هذا عوضا عن مواجهة المسألة باجراء تقييم لا ينكر على الاطلاق حفظ ماء الوجه على أصحاب فلسفة حق القوميات، الذي استورد في اعتقادي من تجارب مجتمعات الجاليات المهاجرة، وليس مصمما لشع ! ! ب يعد لوجوده بآلاف السنين. وبهذه الردود الغير موضوعية أصبح أمر اللغة معقدا على بساطته، الأمر الذي يحتاج إلى إضافة بعض العقاقير التي تعين على تسهيل الهضم. ومثل هذا الهضم المريح لا يمكن أن يتم إلا بإزالة كل عوامل سوء الفهم وهو من أهم مشكلات المجتمعات التعددية، وإن كان هذا لا ينطبق في اعتقادي كثيرا على إرتريا نظرا لعوامل تاريخية وثقافية .عدة وإذا كان هذا يمثل الرأي الرسمي المنشور، فإن خروج موضوع اللغة بكل أبعاده من إطار حكر المعلمين واجتهاداتهم الميكانيكية أدى إلى تفهم إيجابي لعدد كبير من المسؤولين، الذين رأوا فيها أي قضية اللغة بأنها قضية مطروحة، ولابد من مواجهتها بشكل موضوعي يضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبار.
كل هذا حفزني إلى الموضوع برغم شهيتي التعيسة في تناوله، زادتها تعاسة تمنع جريدة إرتريا الحديثة نشر مقالي هذا الذي لم أكن أتمنى له الهجرة إلى ألمانيا، وهو قد يواجه مصيرا مجهولا. وفي اعتقادي فإنه ورغم الانزعاج الشديد للبعض، والشماتة الكثيرة للبعض الآخر، فإن سفينة اللغة هذه سوف ترسوا لا محالة في مرساها الصحيح أجلا كان أو عاجلا لأنها قضية وطنية شعبية وليس مجرد أهواء أفراد يريدون هذا الشكل الثقافي أو ذاك. المناقشات التي بادرت بها الصحافة الخاصة والإعلام الحكومي منذ نهاية العام الماضي أثارت ردود فعل أعلى مسؤولي التنظيم والدو والدولة. حيث تراوحت بين إنكار وجود مشكلة لغة سواء في التعليم أو غيره من مناحي الحياة واتهام من يثيرونها بكل النعوت، وبين من يرون بحساسية الموضوع وأهميته وضرورة مناقشته على أوسع نطاق، من أجل إيجاد حلول تخدم الوحدة الوطنية مع الإشارة
إلى أهمية لغة الأم من أجل الحفاظ على الهوية) وضمان التطور الاقتصادي. ما أثار انتباهي في هذا الأمر (وهو جدير بالإشارة) إن عددا كبيرا جدا من أعضاء قيادة التنظيم، بما فيهم أعضاء بارزين في المكتب التنفيذي وشخصيات قيادية تاريخية أسهمت في تشكيل ملامح مراحل هامة من تاريخ الثورة الإرترية عامة والجبهة الشعبية على وجه الخصوص، أشادت بمقالي وبالمقالات التي كتبت في هذا الموضوع، وكذا المناقشات التي دارت حوله في المنتدى الثقافي. وقد ذهبت ملاحظات بعضهم إلى انتقادي لحصر الموضوع في التعليم، وعدم التطرق إلى الأبعاد الأخرى لمسألة اللغة، كعلاقة اللغة بالتوظيف، وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء مختلف الجماعات اللغوية الإرترية، وعن تجاهلي ” المتعمد ” الإشارة إلى ” الجانب السياسي لمسالة اللغة ” وكذلك إلى الصعوبات العملية التي قد تعترض بالتأكيد مسألة تطبيق مساواة اللغات عند بدء العمل بالدستور الذي أقر مساواتها كأسنان المشط ولدهشتي فإن هؤلاء إما كانوا أصحاب قرار أو تبوؤا موقع صناعته مؤخرا ، الأمر الذي أشعرني بأن بعضهم يحتفظون في مفكراتهم بالموضوع ليحملونه إلى حيث ما يصنع القرار في أول اجتماع للهيئات التنظيمية والحكومية التي يشغلونها. وسواء فعلوا ذلك أو لم لم يفعلوا فهو رد فعل إيجابي تجاه القضية، باعتبارها قضية وطنية وسياسية وليست مسألة خلافات فنية حول فرضيات أكاديمية. والأهم إن هذا ينم على التفهم الإيجابي برغم من أن بعض التصريحات بددت أمال الكثيرين إلى حد كبير. هناك أيضا من رأى بأن صدور مقالي في صحيفة إرتريا الحديثة وشخصيتي كعضو في الجبهة الشعبية، هو عمل متعمد مدسوس قام به التنظيم للتنفيس وامتصاص نقمة الناس. كما أن هناك أيضا من شعروا ببعض الشماتة ” لانتقاد بعض سياسات الجبهة من قبل كوادرها “.
ومع أنه لا أحد ينكر حق الناس في التحليل والاجتهاد، إلا أن التيه في قضايا فرعية لا يخدم القضية الأساسية، والأهم هو إن محاكمة المواضيع هي ماينبغي أن تكون محكا وليس الأفراد. أما بالنسبة لي فإن حرصي على ترجمة مبادئ الجبهة الشعبية كان من أهم أسباب انتقادي لطريقة التعامل مع اللغة حيث أنها لا تعبر عن ما أقره التنظيم في مؤتمراته. هنا وقبل أن أتطرق إلى تفنيد بعض المفاهيم الخاطئة المتداولة بشأن اللغة والتي أشتد أوارها مؤخرا، أود أن أشير إلى الجانب التشريعي الذي استندت إليه في تركيزي على قضية التعليم من مشكلة اللغة. لقد أصدرت أمانة التعليم للحكومة الإرترية المؤقتة في الثاني من أكتوبر عام م ” بيان ” أو 1991 مرسوم قانوني حول السياسة التعليمية لدولة إرتريا، ويمكن هنا إيراد الفقرة التي تتحدث عن لغة التعليم المعنونة ” اللغة المستخدمة في الدراسة ” ” إن السياسة التعليمية للحكومة الإرترية المؤقتة والتي كان بها كسياسة للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا في السابق تنظر للغة كأداة لنقل المعرفة وليس كأداة سياسية. وفي مجتمعنا المتعدد التركيبة يجب أن يكرس التعليم في خدمة المجتمع وتطوره الاقتصادي والحضاري وتعزيز وحدته. ورغم تعددية اللغات في بلادنا، هناك تفاوت في حجم انتشارها وتداولها. ولكون اللغتين العربية والتقرينية والتقرينية هما أكثر هذه اللغات انتشارا وتدولا، سيكون التركيز عليهما واعتبارهما لغتين للدراسة.
فعلى الطلبة الذين يدرسو ! ! ن باللغة العربية، يجب أن يدرسوا التقرينية كمادة، والذين يدرسون باللغة التقرينية بالمثل ملزمون بدراسة اللغة العربية كمادة. وهذا لا يعني التقليل من شأن اللغات الإرترية الأخرى أو وضعها في مرتبة مرتبة أدنى من هاتين اللغتين، فقد وضعت الجبهة الشعبية حروفا للغات الإرترية الغير مكتوبة حتى لا يفرض على الطالب التعليم في المراحل الإبتدائية بغير لغته الأم، ولأن ستدفع الحكومة الإرترية من أجل تطوير اللغات الإرترية، وهنا يتوجب أن نوضح حول الكلام الذي الذي يثار بين فترة وأخرى حول اللغة الوطنية والغير وطنية، بأنه ليست لدينا سياسة تميز بين اللغات أو تقوم بتصنيف اللغات، وليست وليست لدينا سياسة تقر بوجود لغات وطنية ولغات غير وطنية ولافرق عندنا في لغات القوميات الكبيرة أو الصغيرة. واللغتان اللتان اللتان تم التحدث عنهما اختيرتا لإمكانيتهما في خلق التفاهم والتفاعل بين مجتمعنا ” انتهى النص ” وسؤالي، وهو السؤال الذي وجهه أحد الحضور في مناقشات المنتدى الثقافي الذي عقد في بداية هذا العام إلى مسؤول التعليم العام، متى عدل أو ألغي هذا المرسوم ؟ إذا لم يتم التعديل أو الإلغاء، فإن الوزارة تقوم بعمل مخالف للمرسوم الذي أصدرته لأن السياسة السياسة الموجودة على الأرض تقضي بفرض لغة الأم وليس مجرد الدفع إلى تطوير اللغات “، كما أنها لا تعترف بالدور الذي أقره المرسوم للغة العربية. أما إذا كان هناك مرسوم ألغي هذه السياسة فإن منحى المناقشات وبصرف النظر عن أي هيئة تشريعية أقرته أو ألغته، ستكون بالطبع باعتبار إن قضية التعليم قضية عامة يتبادل ! ! فيها أصحاب الشأن الرأي في جو بعيد من لغة الوصايا والاتهامات إلا أن السؤال الطبيعي هنا هو، ألم يكن من الأصح نشر هذه السياسة على كل المستويات بدلا من أن يكون مصدر الإفتاء الأول والأخير هم مسؤولي التعليم .؟. وعلى وزارة التعليم أن تجيب على هذا السؤال قبل التباري في الأحاديث التثقيفية عن ” الهوية ” والفوائد الجمة التي ستجنى من التعليم بلغة الأم ، لأننا بلد ونحكم بالقانون فأين مصير هذا المرسوم؟
أما ملاحظاتي حول المفاهيم الرائجة فهي :
أولا : بين آلية السوق وآلية الدولة.
تكررت في تصريحات بعض المسؤولين فلسفة غامضة، أن اللغة تحددها آلية السوق وليست قوانين أو مراسيم إدارية. هنا لا يمكن للمرء أن ينكر صلاح نظرية البقاء للأصلح، سواء رضي الإنسان ذلك أم لم يرضى، إلا أنه من الصعب إن لم يكن من السذاجة التحدث عن علم الاجتماع ( عن الأمور الاجتماعية والسياسية والثقافية بمثل الحديث عن علم الأحياء. فالأول عرضى للتدخل البشري مهما تسامي صاحب الشأن، لأن السوق لا يمكن أن تكون معزولة عن المؤثرات الاجتماعية والثقافية، خاصة في العصر الذي نعيشه، عصر الحساسيات السياسية والثقافية المفرطة، رغم سرعة وتيرة التطور العلمي وسيادة العولمة زمن اشتداد الصراع بين نزعتي المشاركة والاستبعاد (Conflict between the tendency of inclusion and temptation of exclusion) أما الأخير فتقرره حكمة نواميس الطبيعة فهل نحن ننتمي إلى الأخير؟ وهنا يكمن الخطأ المبدئي، حيث الإحتكام إلى قوانين علم الأحياء. فنظرية ترك الأمور لآلية السوق متهمة حتى على المستوى المستوى الاقتصادي بتوسيع هوة عدم التكافؤ بين الفقراء والأغ والأغنياء ومن ثم خلق عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في العالم. فكيف بها أن تكون ناجحة ومنصفة في تقرير مصير اللغات بما تحوى من مشاعر إثنية وهويات ثقافية، وبما تحمل من مضامي مضامين سياسية وتقرير نصيب الحصص الاقتصادية بين أبناء البقعة الواحد؟
وهنا أيضا تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة حول الفلسفة السياسية التى تقرها مواثيقنا وبرامجنا عند وضعها على الأرض مثل ما هو موقع العدالة الاجتماعية التي تتصدر اسم تنظيمنا من أمر اللغة التي قد تكون سلاح ذو حدين؟ وهل هذه العدالة الاجت الاجتماعية التي نتبعها كفلسفة سياسية هي سليلة جان بول روسو التي تطالع به هاوي النظريات الاجتماعية شوارع زيورخ وأحياء جنيف ؟ أم هي عدالة ” المالمو ” نيريري التي ينبعث أنينها من أزقة أزقة زنجبار، حيث بدأت تتحشرج تحت معاول عمال التعاونيات في البر التنجاني! ! قي قبل أن يوارى المعلم الفاضل الثرى هذا الحالم الذي أمضى عقوده وهو يكرر ) هرامبي( أم أن عقودا أخرى ستبتلع في بحر الزمن العاتي ونحن نبحث عن التفسيرات المعجمية ودلالات فرادة التجربة للعدالة الاجتماعية من وسط ضجيج المهرجانات واللغويات وشعارات الوحدة .؟ وفي كل الأحوال فإن على هذا الزمن العجروف المتهور أن يبطيء خطواته حتى يكتمل الخصام أو الإلتحام مفهوميا ولغويا مع مصطلح ” الوقت لم يحن بعد ” أنه مصطلح فتاك وذو حدين هو الآخر. أسئلة صعبة تتطلب استنطاق الماضي، ماضي هذا الشعب وماضي الآخرين قبل الإقدام أو أو المضي.
إلا أن ما لايجب أن يغيب عن البال هو أن صاحب العقد الإجتماعي الذي هو سليل حضارة الغرب المادية لم يستهين بالثقافات واللسانيات في حياة الشعوب وعلائقها السياسية، وتقف سويسرا شاهدا حيا لهذه الفلسفة ، فالشعوب عبر وللتجارب معاني. والملاحظ هنا حتى البنك الدولي الذي يقود العولمة واقتصاد السوق، أقر رسميا عند تأسيسه عام 1945م أن تكون اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للمنظمة، حيث لا يمكن أن يعمل مواطني الأكثر من أربعون دولة التي أسست هذه المنظمة مالم يجيدوا الإنجليزية، الأمر الذي يؤكد بأن ” التعويم ” الذي هو أهم بعد مصطلحات المنظمة والذي استخدمه بعض الأخوة، لا يستخدم إلا في في الأمور المالية وقضايا العملات وليس اللغة، علما بأن إزالة كل الحواجز الاقتصادية والثقافية بين الأوطان هو أهم مبادئ المنظمة. صحيح أن لغات كثيرة في العالم اندثرت وجماعات عدة انقرضت أو امتزجت لتشكل ملامح مختلفة لجماعات أخرى تجمع بين كل السمات، إلا أن ذلك لم يتم خلال عقد أو عقدين أو حتى قرن وبرغبة سياسية أو جهد كادر تنظيمي، بل كان نتاج ل ! ! تمازج تلقائي استمر لقرون . والمعروف أن الشعب الإرتري مر بمثل هذا التصاهر خلال عدة قرون دون أن يكون أي تدخل إداري في هذا السياق. ومثل هذا السياق التمازجي كان أيضا يتم في زمن التبادل السلعي والدويلات الإقطاعية، وليس في عهد الدولة المركزية والعملة والقوانين والنظم والأحزاب والأيديولوجيات ومنظمات المجتمع المدني.
وفي ظل هذه الوضعية كيف يمكن أن تكون اللغة متروكة لآلية السوق وهي التي تربط علاقة المواطن بمسؤوليات الدولة والإدارات والمؤسسات التجارية التي لها دور حيوي في حياة إنسان إنسان اليوم. وفي حين أن العالم يشهد انتشار منظمات تهتم بتنظيم شؤون الأسرة لتحدد صغر خلية المجتمع، كم طفل عليها أن تنجب وكم سنة ينبغي عليها أن تكون الفواصل بين طفل وآخر، وفي حين أيضا إن دقة تحديد الأشياء تصل إلى الإتفاق حول لغة النقاش في المؤتمرات التي تستغرق أكثر من بضع ساعات. إنني لا أدري أي منطق علمي في تناول مسألة اللغة على هذا النحو، ومع ذلك فكلي آذان وعقل مفتوح لسماع تجارب ناجحة بهذا الشأن على الأقل خلال القرن العشرين، لأنني لا أؤمن بمسلمات جامدة يتعرض من يخالفها إلى كل أنواع التهم. أما في إرتريا وحسب علمي وفهمي لم يتأكد نجاح ” تعويم اللغة ” على حد حد تعبير أحد المسؤولين، بل على العكس من ذلك خلق واقع ومشاعر لم تكن مألوفة لدى الشعب الإرتري خلال تاريخه، وهي مسألة تحتاج إلى التدارك العاجل والتجاوب وليس بالتكابر على الواقع. اعتقد أن القضية عندنا في غاية البساطة، هناك تعددية لغوية، وهناك مبادئ عامة ودستور يقران بالمساواة بين هذه اللغات والمسألة البسيطة والعويصة في نفس الوقت هي بأية آلية يمكن تحقيق هذه المساواة على المستوى العملي؟ إنها مسألة إدارية بحتة وقانونية تتعلق بوضوح التعامل بين الدولة ومواطنيها، وبين الجماعات اللغوية التي تموت حبا لهذا الوطن، لكنها أي اللغة -اللغة قد تتحول بالتاكيد إلى قضية سياسية وهو ما تؤكده تجارب شعوب كثيرة إذا شعر جزء من المجتمع بأن حاجز اللغة يحرمه من حقوق اقتصادية وثقافية وتعليمية مشروعة.
ولهذا فإن المطلوب المطلوب هو إيجاد آلية تنظيمية وإدارية وقانونية تتناسب ومسؤوليات الدولة العصرية تجاه مواطنيها، وليس السكون إلى فلسفة البقاء للأصلح كما كان الحال في زمن إقطاعيات القرون الوسطى. إن الشيء المؤسف جدا هو أن مفوضية الدستور الموقرة، الموقرة، وبرغم من أنها كانت تتكون من صفوة المجتمع الإرتري إلا أنها لم تنجح في مخاطبة الواقع الإرتري في هذا الشأن.
ثانيا: اللغة والهوية الهوية وما أدراك ما الهوية.
هناك اهتمام زائد بموضوع اسمه الهوية، والأخوة المسؤولين الذين تحدثوا عن التعليم بلغة الأم الأم وعن قضايا اللغة فى الصحافة الخاصة والإعلام الحكومي ربطوا ربطوا لغة الأم، رغم الاختلاف الواضح في الرؤى وطروحات الحلول ، بضرورة الحفاظ على الهوية. والسؤال هو أي هوية هذه؟ أهي الهوية الوطنية؟ أم الهوية القومية للجماعات الإثنية واللغ واللغوية؟.
إذا كان المقصود هو الهوية الإرترية فالأمر مفروغ منه. فإرتريا هي نتاج لوجود هوية إرترية وليس العكس، والهوية الإرترية التي تشكلت بشكل تلقائي وقبل ميلاد الجيل الحالي ليس بمسألة مكتسبة بل هي مسألة طبيعية، والإرتريون على اختلاف لهجاتهم ومعتقداتهم الدينية يعتبرون أنفسهم من أقوى شعوب. الأرض افتخارا بإرتريتهم. فما الذي ستضيفه لغة الأم !! ! المفروضة سلطويا على وطنية الطفل الإرتري الذي ناضل أباه وجده ضد المستعمرين المتعاقبين، برغم من أن ما قد تيسر له من العلم في في ذلك الزمن تلقاه بلغة المستعمر وليس بلغة أمه. أما إذا كان المقصود من الهوية هو لغته القومية أو هويته الإثنية، فإن ذلك ربما ربما يكون صحيحا، لأن المسألة فلسفية أكثر منها إدارية وعلمية وقد يكون هذا مجالا خصبا لاختصاصي التربية وعلم الاجتماع والسؤال هنا من الذي ينبغي عليه أن ينهض بهذه المسؤوليات، الدولة أم الجماعة الإثنية ذاتها؟ هنا وبرغم من احتمال سلامة المنطلق فإن هناك ضعف منطق وتشوش في المهام وتداخل فيما ينبغي أن يقوم بهذه المهمة أو تلك، وقد يكون مرد ذلك نابعا من كوننا دولة ناشئة تفتقر إلى منظمات المجتمع المدني. إذ أن المهام الثقافية للجماعات هي: أولا: مسؤولية تلك الجماعة، وثانيا مسؤولية النوادي والجمعيات الثقافية، وليست مسؤولية سياسية تتحمل أعبائها الدولة أما الدولة وإدارتها وتنظيماتها السياسية فمن مهامها أن تعمل على توفير مناخ من تكافؤ الفرص السياسية لكل مواطنيها على اختلاف إثنياتهم وفئاتهم الاجتماعية، وأن تضمن ذلك بقوانين تحدد حقوق وواجبات، ودون أن تكابر ! ! على ما تعتقد بأنها بأنها عواطف ” متخلفة ” ، وحتى لا يكون هناك ظلم أو شعور بظلم .بظلم ثم هناك سؤال أساسي وهو لماذا الإصرار على الحفاظ على الحواجز ” القومية “؟ بل والعمل على تمتين هذا الحصن. فالتداخل الجغرافي كان طبيعيا وقديما، والتزاوج بين الجماعات ثم التمازج العرقي واللغوي وحتى الديني كان موجودا منذ زمن بعيد في هذه المنطقة عموما وفي إرتريا على وجه التحديد. فالعامل اللغوي لم يكن أبرز عوامل التباين بين الإرتريين على الإطلاق، ولهذا فإن هذا الإصرار هو انعكاس لفهم ميكانيكي للمجتمع. إن تقسيم المجتمع على أساس اللغات يعني إدخال نظام من شأنه أن يضع سور بين هذا الترابط، بل ويضع قوانين للحد من هذا المسار المجتمعي الطبيعي. في اعتقادي إن الخطر لا يأتي من ذوبان هذه الجماعات على بعضها، أو من وجود تباين ثقافي فيما بينها، بقدر ما يأتي من فرض معايير محددة لمسار الثقافة والهوية واطلاق أحكام سياسية عليها والخطر أيضا يأتي عندما تتحصن السياسة بشعارات الوحدة الوطنية والمصالح العامة، والتطور الاقتصادي، لفرض معايير ثقافية وسياسية. ويرى المجتهدون والمنظرون في هذا الشأن بأنها فكرة مثالية لتصميم مجتمع جديد ومن ثم تنتشر حالة من عدم الرضى وازدياد القلق، ثم تستغل جماعات غير مسؤولة لمثل هذه الوضعية وتتخندق بمتاريس إثنية وطائفية، وربما تحت شعارات وطنية. ويكون الخطر ال ! ! أكبر عندما ينتشر في أوساط النخبة السياسية، بأن أفكارا سياسية وأيديولوجية بعينها بشأن المجتمع والثقافات هي بمثابة مسلمات لا تقبل الطعن في صلاحيتها أو إعادة النظر فيها. أما التأرجح بين الاعتراف بالتعددية في الخطاب السياسي، بل الحديث عنه بنوع من القداسة، والانزعاج عند محاولة ربط ذلك بالحقوق والواجبات، فأمر فأمر لا يتمنى المرء إلا أن يقي الله هذا الشعب الطيب المتسامح والمتسامي شره هناك أيضا أحكام تعسفية ومقارنات غير صحيحة ترى في تفضيل بعض الإرتريين اللغة العربية على لغتهم الأصلية في المعاملات العامة لسبب ديني على أنها عقدة هوية. ويقارن أصحاب هذا الرأي بين المسلم الإرتري الذي يرى في اللغة العربية لغته، وبين مسلمين في بقاع أخرى من العالم متمسكون بلغاتهم ودينهم معا. وهذه الأحكام والمقارنات ليست علمية ربما ناتجة عن صعوبة فهم الواقع الإرتري أو عسر هضمه، علاوة على أنها غير منصفة، والأسوا أنها تخلق وتعزز صورة سيئة لجماعة تجاه الأخرى.
فالاعتقاد بأن العربية لغتهم لم يمنع أصحابه من النضال والتضحية من أجل تحرير أرضهم واثبات إرتريتهم على مدى ستة عقود من الزمان، كما أن المقارنات تتجاهل الخصوصيات التاريخية والثقافية للشعوب موضع المقارنة، وهو أمر لجد خطير ! ! يقود الإرتريين إلى جهل الواحد بالآخر. والأهم هنا لصاحب السياسة، ليس تكرار الاستغراب والاستنكار لحالة ثقافية واجتماعية وسياسية قائمة لأسباب خارجة عن إرادة الإنسان ثم التصميم على تغييرها مهما كلف الأمر من ثمن وزمن بقدر ما هو التعامل معها طالما أنها لا تؤذي نفسها ولاتضر بأحد . هناك أيضا من يرون بأن مطالبة وإقبال وإقبال جماعات لغوية على تدريس أبنائها باللغة العربية يطمس الخصوصية القومية لتلك الجماعة، وبالنتيجة سيتعرب جزء من البلاد وتكون الهوية الإرترية أيضا في خطر. هذا الكلام أيضا يعوزه الفهم العلمي والتاريخي لمسار التفاعلات الاجتماعية والثقافية بين الشعوب، ويعوزه كذلك الفهم الإيجابي والصحيح لواقع إرتريا. فالإرتري الذي يرتبط بأرضه بعوامل عديدة لا يمكن أن يتخلى عن إرتريته لمجرد أن لغته تغيرت من لغة إلى أخرى. ومع أن اللغة مهمة جدا بل وتعتبر مكون أساسي للوعاء الثقافي، إلا أن التغيير الطوعي لا يمكن أن يضعف الإرتباط بالأرض.
هذا إذا أفترضنا مثل هذا الأمر قد يقع فعلا بعد بضع قرون وعدة أجيال. والأهم كيف يم يم!! كن أن يقتنع الإنسان الذي يعرف تماما إن مدارس لغة الأم ليست هي التي حفظت اللغات الحالية التي يعتقد موجودة منذ بضع قرون ولاهي التي ستمنع من التزاوج والتذاوب، وتحفظ له هذه الخصوصيات التي ينظر إليها بشيء من القداسة، خاصة في الفصو الفصول وعند مراسم المهرجانات. ومع ذلك وحتى لو سلمنا جدلا بأن ذلك قد يشكل هاجسا كبيرا من انقراض الجماعات الإثنية والعرقية، فإنه من الحكمة والمنطق في اعتقادي أن يكون هذا هاجس علماء الأنثروبولوجيا وجمعيات التنوع البيولوجي -Bio diversity) وليس هاجس الدولة التي عليها أن توفر العدالة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية عبر إجراءات إدارية وقانونية، بدلا من الدخول في معارك بحثية. فمسائل مثل ما إذا كان تغير جماعة تعيش في بقعة معينة من الأرض لغتها إلى أخرى يضعف ارتباطها بتلك البقعة أم لا، هي مسائل فلسفية يحسن تركها ! ! للباحثون والعلماء، وليس من شأنها أن تضيع لحظة من زمن الإداريين والسياسيين. ألا يبدو ذلك معقولا وطبيعيا.
ثالثا: اللغة والسياسة كان أول رد فعل عاصف على موضوعي بجريدة إرتريا الحديثة ” بين سندان الرفض الشعبي ومطرقة خبراء التربية ” من مسؤول كبير بوزارة التعليم عندما اتصل بي تلفونيا بنبرة من التوتر، اتهمني فيه بسطحية معلوماتي ولكنه شدد بطريقة تفوح منها رائحة ابتزازية على أني أسيس الموضوع. فقلت له إن المعلومات يمكن تصحيحها أما التسييس فلا أدري ما تعنيه وقد صادفني مثل هذا النقاش كما أسلفت مع عدد كبير من الكوادر والمسؤولين على أن الموضوع هو سياسي أكثر مما هو تعليمي وكان ردي بأني لا أعرف الحدود الفاصلة بين ما هو سياسي وما هو هو اقتصادي واجتماعي وثقافي، لكنني أتحدث عن سياسات محددة وما يظهر من مضار على مصالح جزء من المجتمع. وإذا كان هذا يقع في صنف السياسة فما العيب من الخوض فيه؟ وقد حرض هذا ذاكرتي بالعودة بلغة الأم والوحدة الوطنية، وبين اللغة والهوية، والهوية والتشديد على عدم وجود لغة متطورة وأخرى متخلفة الخ … فقلت في نفسي ألم يكن هذا كلاما سياسيا؟ أم أن الاختلاف في في الذين يستخدمونها وليس في الموضوع؟
وفي مقابلة أجراها التلفزيون الوطني مع الأخ الأمين محمد سعيد سكرتير التنظيم بمناسبة العيد العاشر للاستقلال قال عندما سئل عن اللغة ” لاتوجد مشكلة لغة فاللغات الإرترية متساوية، أما الذين يتحدثون عن وجود مشكلة لغة هم أفراد يعيشون في الخارج ولهم أغراض سياسية، يريدون أن يقولوا بأن لغة التقرينيا هي المسيطرة وأن اللغات الأخرى غير موجودة، وهذا الكلام غير فاللغات الإرترية التقري، والعربي، والتقرينيا متساوية وهي بخير ” .
وأنا هنا لايساورني أدنى شك بأن هذا الكلام مضر جدا جدا تنظيميا ووطنيا، وهو يتنافى والسياسات التي أقرها التنظيم في مؤتمراته، فضلا عن أنه لا يعكس ما هو على الأرض. إن الاعتراف بالمشكلة هو جزء كبير في طريق حلها، أما الإنكار هو أمر متعب حيث يزعج أصحاب الرؤى المخا ! ! لفة، لأنه ينفي الآخر ويدفعهم إلى التعنت . والأهم يضع علامة استفهام كبيرة في مصداقية التنظيم والقيادة في كثير من القضايا التي قد تكون خلافية بين المواطنين الذين لهم حقوق طبيعية في الاختلاف وفي التعبير عن ذاتهم وعمّ يعتقدون أنه صحيح.
الأخ الأمين أكد أيضا بأن الذين يطالبون باللغة العربية يريدون من الدولة إجبار الناس على التعريب، في حين أن الشعب يطالب بلغاته، سامح الله القائل. فالذين كتبوا عن الموضوع ونوهوا إلى ضرورة إعادة تقييم تدريس لغة الأم هم من داخل إرتريا وليس من الخارج فقط، مع أن الإقامة في الخارج لاينفي على الإرتري حقه في الاجتهاد وإبداء الرأي حول قضايا بلاده، كما أنه ليست لكلهم على الأقل مأرب أو مصالح سياسية وحتى تنظيمية أو حزبية خارج الجبهة الشعبية، إذ أن الذين كتبوا هم أعضاء في التنظيم. إن اتهام الناس بسوء نية لمجرد لفتهم انتباه أصحاب القرار أمر ظالم، وهو ما لا ينبغي أن يصدر عن شخصيات قيادية كبيرة في أية حال من الأحوال. أما الاتهام بالتعريب هو استنتاج خاطىء أرجو أن يكون
قاله الأخ الأمين لمجرد تسويق سياسي …. أما فهمي للغة فهي أداة لممارسة السلطة، وهي قوة، وهي جبروت اجتماعي، وهي وسيلة للتفاهم أيضا. وامتلاك ناصية اللغة يغرس الثقة سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وبهذا المعنى فاللغة جزء أصيل فى السياسة وليست مجرد وسيلة للتفاهم. وإذا كان هناك هناك من علم اجتماعي يقول بغير ذلك فهو علم افتراضي غير مبني على تجارب إنسانية أو هو علم معملي لا يخاطب المشاعر البشرية بكل أبعاده الإنسانية والاجتماعية. فالإدارات الحكومية في كل البلدان البلدان تعمل مكاتباتها بلغات محددة، سواء كانت كانت هذه اللغة أو اللغات المحددة وفق قوانين ومراسيم او فرضها واقع ما، والنتيجة أن من لم يجيد هذه اللغة أو اللغات لا يمكن أن ينضم إلى السلك الوظيفي لهذا البلد ) حتى لو لم يمنعه القانون صراحة ). إن إسهام هذا المواطن أو ذاك في الدفاع عن هذا البلد عند المخاطر، لا يمنحه حصانة طبيعية لصيانة حقوقه في الحصول على وظيفة يعتاش منها أسوة بمواطنه الذي يجيد تلك اللغة، وبالتالي تسد عليه طرق النفوذ إلى ثروات البلد، ويكون الحاصل عدم التقاسم العادل للثروة والسلطة بين المواطنين. والسؤال، أينطبق هذا على إرتريا؟
الملاحظة التي تحتاج إلى البحوث والدراسات هي أن بعض الجماعات اللغوية لاتملك موظفا واحدا في مكاتب الوزارات المركزية، ومن ضمن أهم الأسباب في ذلك هو حاجز اللغة. فاللغة المستخدمة في المكاتب ضمن فلسفة آلية السوق هي لغة قومية واحدة وهي شرط ضمني للحلول على وظيفة، ألم يقع هذا في نطاق السياسة ؟ . المهم ليس هناك من يهتم في التصنيف اللغوي سواء كان كان هذا يقع في السياسة أو الأنثربولوجيا بالموضوع أما ابتزاز من يتحدث عن هذا الواقع حرصا على المصلحة الوطنية وكذلك حرصا على التنظيم ووصمه بالتسيس والاختلاف أمر لا يخدم الوحدة الوطنية ولا يعزز مصداقية الجبهة الشعبية، كما لا يعكس التزام قيادتها تجاه صيانة حقوق مواطنيها التي يفترض أن تتجلى في إشراك كل الفئات اللغوية والاجتماعية على تقاسم الثروة والسلطة بشكل عادل وعبر إجراءات قانونية وإدارية لا تكلف مسؤولي الدولة سوى جلسة بضع ساعات. وفي اعتقادي أن هناك بعض مما يحول دون تحقيق ذلك، ومن ضمنه أننا دولة فتية لم تكتمل بعد مؤسساتها القانونية، ولم تتخذ هياكلها التشريعية شكلها النهائي. هذا ليس للتبرير، فأنا أبغض التبرير، بل لمجرد الإشارة إلى إلى الإمكانيات الإدارية والمؤسسية التي تحول دون طرح ومناقشة هذه القضايا على كل المستويات، ووضع حلول لها. فالدستور يقر بمساواة كل اللغات الإرترية، وهذا المبدأ العا! ! م يحتاج إلى وضع الآليات العملية ليستفيد المواطن من هذا الوضع الدستوري، إلا أن ذلك لم يحصل خلال ما يقارب العقد، الأمر الذي أشعر الكثيرين بالغبن وأضعف ثقة المواطن. والأمر يتطلب المعالجة قبل أن ينقسم المجتمع إلى مستأثر يدافع عن امتيازات وآخر يعتقد بأنه يعمل من أجل أن يعترف له بالحقوق. وهناك سؤال يتمتع بقدر كبير من الوجاهة والبساطة، وهو ما هي المصالح الوطنية التي ستصاب بالأضرار من قرار لغة أو لغات رسمية للعمل تدخل في الاعتبار إزالة إزالة حاجز اللغة من الطريق إلى الوظيفة؟
رابعا: شخصنة موضوع اللغة واتهام المتعلمين بانفصام الشخصية ضمن المناقشات التي جرت حول اللغة بعد الندوة التي عقدت بهذا الخصوص في مقر الاتحاد الوطني والشباب، اتصل بي رفيق قديم وأمطرني بوابل من الأسئلة، كما لو أنه يكتشف إرتريا لأول مرة. ومن هذه الأسئلة لماذا يكرهون بعض المثقفين من القومية الفلانية لغتهم الأم ؟ أني استغرب عليكم أنتم المتعلمين في الشرق الأوسط، أن يصل بكم الانفصام حد كره لغتكم وخاصة لغة التقري الجميلة السلسة العريقة التي أصبحت أحبها أكثر من لغتي؟ وخلص أسئلته الاندهاشية بسؤال هام هل تعتقد إذا تم استخدام اللغات في السلك الإداري سيحبون لغتهم ؟ شعرت نفسي بأني زعيم إحدى القبائل البدائية يستجوبه رحالة أو متخصص أوروبي في قضايا اللغات وسيكولوجية الشعوب، أو أمام حضرة عالم الأنثروبولوجيا يجوب إفريقيا لأول مرة اشتط ! ! ت غضبا على زميلي وهو مقاتل قديم ومسؤول كبير وانتبه في حديثه عن شعبه على هذا النحو الذي يدل على الجهل المدقع وهو مالم أتوقعه منه أبدا. وقد اغتنمت الفرصة لكي أخبره عن نفسي على أني لم أعرف أن ذهبت إلى الشرق الأوسط، وأن ما أملكه من العربي البسيط تعلمته في إرتريا، وأني أتراسل مع أشقائي بـ ” التقرينيا ” وليس بالعربي، رغم لغتي هي التقري، وأني أيضا من القلائل الذين يكاتب يكاتبون بعض أصدقائهم بـ ” التقري .”
وأخبرته على أن هناك مسؤولين وكوادر كبار في التنظيم لا يعرفون غير العربي، ويعتم ويعتمدون على سكرتيراتهم لأبسط المكاتبات الروتينية، في حين أنهم يدافعون عن لغة الأم، وعلى أني افترض بأن المسألة في رؤية الأمور من زوايا مختلفة، وليس في المصالح الشخصية. وعدت أجيب على سؤاله بسؤال فقلت: وهل يصح لإرتريا هذا البلد الفقير الصغير المتمازج المتماسك، الموله بأرضه أن ينقسم إلى ” كللات ” لغوية؟ ولم يكن عند إذ ! ! صعبا أن نتفق على وجود مشكلة تحتاج تحتاج إلى حل سياسي لا غير. أما اتهام الناس بعدم القدرة على التفكير، إلا من منطلق ذاتي والذي سمعت من عدد كبير من الكوا الكوادر، فهو محاولة إذلال من يحمل رأيا مخالفا، وهذا الأسلوب علاوة على عدم علميته فهو يكرس تجهيل الذات بشكل مجاني، لأنه لا يحاول فهم ما وراء الظاهر. والمصيبة تكمن في من يوجه الاتهام وليس في المتهم. ومع ذلك فإن الأمر الذي لا يتحمل الجدل هو عودة عودة المئات من متعلمي العربية إلى اللجؤ لضيق فرص التوظيف بسبب حاجز اللغة وقلق آلاف آخرين يوجدون في جامعات الدول المجاورة حول مستقبلهم الوظيفي ومستقبل أبنائهم فى مختلف مراحل التعليم هو أمر يبعث على المخاوف. وكما قال الرئيس اسياس في كلمته التي ألقاها بمناسبة اختتام مؤتمر اللغات المنعقد في أغسطس من عام 1996م في قاعة اكسبوا اسمرا ” أن اللغات تكون نقمة عندما يتم تناولها بشكل خاطىء وقد تكون نعمة إذا ما أحسن التعامل معها “. ومن هنا يمكن يمكن التأكد بأن علاقة التوظيف والتعليم الحالية باللغة توفر مناخا دسما للنقمة وليس النعمة، وبعد هل هناك من يشك على ذلك أو يستطيع إثبات عكس هذا؟ إن من يحاول إثبات عكس ذلك عليه أن يواجه المسألة بقليل من الشفافية وبشيء من الموضوعية. ومن ظواهر تجهيل الذات هناك فهم واسع الانتشار بين عدد من المتعـ المتعلمين ومسؤولين كبار، بأن الناقمين هم فئة المتعلمين الذين درسوا في الشرق الأوسط وهو أمر غير صحيح البتة، وهو ما جعلني أعاتب زميلي المذكور ولكن وحتى لو افترضنا بأن ذلك صحيح حتى بشكل نسبى، فالسؤ ! ! ال هو هل هناك من دولة أو مجتمع يخاصم متعلميه أو يضيق فرص توظيف مؤهلاتهم والاستفادة منهم؟ وقد يستمع المرء احيانا بأن جهلهم باللغة الإنجليزية كان أهم أسباب عدم التحاقهم في المجالات التي درسوا فيها، كما لو أن الوزارات تعمل بهذه اللغة وهو عذر أقبح من ذنب بكثير. إن شخصنة الموضوع تنطلق من فهم خاطىء للإنسان الذي تتوجه إليه هذه النعوت، وهو منطلق لا ينتمي إلى هذا العصر حيث الحوار والتفهم ووضع الحلول. وفي الأخير أود أن أكرر التأكيد بأن الحديث عن اللغة على هذا المنوال لم يكن نابعا من نظرة تعصب ديني أو عرقي كما يعتقد بعض الذين لم يمنحهم الله بعد نظر اجتماعي. فأنا شخصيا إنسان علماني ولست حضرميا كما قد يستنتج .
يستنتج البعض من اسمي بل يستند اهتمامي إلى إقرار حق ولي الأمر في اختيار اللغة التي يدرس بها ابنه، وإلى حق أصحاب اللغات المختلفة في المشاركة في التوظيف وتقاسم الثروة والسلطة بشكل عادل دون الشعور بالغبن والاغتراب، حتى يكون هناك ضمان حقيقي للاستقرار السياسي والاجتماعي والتطور الاقتصادي لمجتمعنا المنهك . ومثل هذه المبادئ تتصدر وثائق تنظيمنا وينص عليها الدستور وإن لم ! ! يدخل حيث التنفيذ. فبعد النظر مطلوب أكثر من أي وقت مضى خاصة في أوساط النخبة السياسية والأكاديمية، لأن الاستقرار من الصعب ضمانه في غياب العدالة الاجتماعية، كما أنه لا يمكن الحديث عن التطور الاقتصادي والتن والتنمية دون ضمان الاستقرار. وبقولي هذا لا أشك أني أدعم موقف موقف قيادة تنظيمي بلفت انتباهها إلى قضايا وطنية أساسية تتطلب اتخاذ مواقف وليس تراشق الآراء والابتزاز والاتهامات. وفي اعتقادي فإن ترك لغة التعليم لأصحاب الشأن من القوميات وأولياء الأمور والتدخل إداريا لتحديد لغة العمل والمعاملات، يمكن أن يكون أنجع وسيلة لحل الاشكالات الحالية التي التي تحول فيها ما ينبغي أن يكون خاصا إلى عام وما ينبغي أن يكون يكون عاما إلى خاص وبشكل أكثر وضوحا على الدولة أن تتدخل في تحديد لغة العمل والتوظيف، وأن تترك لغة التعليم لخيار ” القوميات ” وأولياء الأمور.