” شِعْب ” قصيدة جديدة للشاعر عبد القادر محمد هاشم :
ما أحلى الشعر! وأصدق به! إن كان فرض على الشاعر نفسه فاستجاب مطاوعًا ليعيش خارج الحدود الجغرافية التي تحبسه قسرًا بين أشواكها الظالمة
وها هو الشاعر يدندن همسًا تحول لجهر يتغنى بمدينة ريفية تقع في إقليم ” سمهر ” وتعد أم القرى من حيث الكثافة السكانية ومن حيث وفرة الانتاج الزراعي ومن حيث التضحيات الغاليات في تاريخها البطولي وهي كذلك أم القرى في الظلم والتهميش بعد التحرير
المدينة كان يحلبها النظام ، ويرضع لبنها ولا يزال ، ومع ذلك أهملها؛ من حيث الخدمات بعد التحرير، خيرها صاعد إليه من شباب ومحصول زراعي وحيواني ، وشره نازل إليها؛ فلا مستشفى مناسب يعالج مرضاها، ولا مدارس تستوعب طلابها، ولا جامعة تؤهل رجال المستقبل فيها ، ولا تطوير لزراعتها ، ولا أمن لسكانها فمازال كبارهم وصغارهم يطاردهم التجنيد الإجباري القاسي في وضع مخيف يفرق فيه بين المرأ وزوجه وولده ، إنها مدينة الشهداء والمواقف الباسلة تذكر الشاعر زراعتها ، ووديانها ، وشعبها وتضحياتها فرسمها في لوحة فنية زاهية إنها ” شعب ” إنها تستحق أن ترسم في القلوب .
الْحِبُّ شِعِبْ:
شعر / عبدالقادر محمد هاشم:
القَلْبُ مِن شدَّةِ الأشواقِ مُستَلَبُ
واستأثرت بِهَوىٰ أعماقِه شِعِبُ
أضنَيتِ – سابِيَتِي – الفُؤادَ مُعتَلِقًا
فالصَّبُّ قد شَفَّهُ في عِشقِكِ الوَصَبُ
والقلبُ تسكُنهُ كالرُّوحِ تَمْلِكُه
سِيَّانِ إن زالتا أزاله العَطَبُ
وَيْحَ الفُؤادِ الذي أزرىٰ به أسفٌ
وَحِبُّهُ لِكمالِ المَجْدِ مُكْتَسِبُ
فقد غَدت رؤيةُ المحبوبِ عن كَثَبٍ
مِنَ المُحالِ الذي ما كنتُ أحتسبُ
ولا يزالُ وَثَاقُ القهرِ يأسِرُني
عن قُربِ شائقتي فلستُ أقترِبُ
والسُّرَّةُ انغرست في عُمقِ تُربتِهَا
لِذَا الجَنَانُ غَدا بُحبِّها يَثِبُ
” لاَبَا” يَفِيضُ لها لكي يُوافِيَها
والسَّيلُ تيَّارُه يَعدُو ويضطرِبُ
ينساحُ في سيره طَلْقًا ومندفِعا
والناسُ مِن وجهِه تسعىٰ وتنسحِبُ
يَخُور ُ مِن ثِقَلٍ ولا يَنِي تَعَباً
فما الوفيُّ بِمَن يَعتاقُه التَّعَبُ
و” مَايْ أُولِي” عِندما يَنوِي اللَّقاءَ بِهَا
يَجتاحُ ما حوله والزّرعَ يعتطبُ
واثنانِ بينهما ” شَلاَقُ ” مُنحَدِرٌ
أوديةٌ بِمزيدِ الرَّيِّ تَنسَكِبُ
وكُلُّ وادٍ إذا مَا سَالَ مُحتَمِلٌ
طَمْيًا كثيرًا بهِ البلِادُ تَختصِبُ
” دِقِّي” علىٰ ما مضىٰ قد كان مَركَزَها
ومُلتقىٰ حَضَرٍ مَرَّت بِه حِقَبُ
والآن مِن بعدِه استقرَّ مركَزُها
فَمِن سنينَ مَضت فالمُلتقىٰ مَنشَبُ
العيش تُنتِجُه والحَبُّ غَلَّتُها
وكلُّ محصولِها أغلىٰ ومُرتَغَبُ
فمَن كمِثلُ شعب التي تذود صامدة ؟
صمودُها بِدِمَاءِ المَجدِ يُكْتَتَبُ
ومَن يُبارِي التي قد جَالدت جَحفلًا
مُدَجّجًا بِسلاحِ الفَتكِ يَحترِبُ؟
أتىٰ إلىٰ شِعبِنَا يُلقِي بِهِم فزَعاً
لاَقَوْا دَبَّابَاتِه عُزْلاً وَ مَا رَهِبُوا
خَمْسُ مِئِينَ ارتقَوْا فِدَاءَ مَوْطِنِهِمْ
في ضَحوَةٍ بِجَنزِيرِ السَّحقِ قَد عَطِبُوا
نالوا الشهادة في سبيل موطنهم
وأخرجوا خصمهم بالخزي يرتعب
فانظُر فِتلكَ شِعِبْ وذي شهادتها
ومَالها أبدًا جُبْنٌ ولا هَرَبُ
حُسنَىٰ سَمْهَر خُلِقَت ومُلتقىٰ مُدُنٍ
مِنها الأقواتُ إلى الأمصارِ تُجتَلَبُ
سطر على هامش القصيدة :
جاء في معاجم العربية :
شِعب: بكسر الشين وسكون العين (اسم) وجمعه: شِعاب ومعناه :انفراجٌ بين الجبلين ويطلق على الطريقُ ، وعلى مجرّى للماء تحت الأرض.
فالاسم عربي قح ، والأوصاف منطبقة على المدينة فهي أرض منبسطة زراعية خصبة يرويها واديان : ” لابا ” و” ماي أولي ” المنحدران من السلسلة الجبلية الممتدة التي تظلل المدينة من الجهة الغربية .والمدينة مجمع لمعظم قبائل سمهر تضم ( مسحليت ، وأفلندا ، وأسفدا ، وأقدوب، ومنسع ، وعشائر من حباب ،…. وكان من بين سكانها عرب سعوديون هاجروا منها لاحقًا بسبب الحرب وتركوا مواطن زراعية مخدومة تقع تحت الجبل تسمى ” بسيس “.وما جاء في القصيدة من مفردات : لا با ، وماي أولي : اسمان لواديين ، و ” دقي ” اسم لموقع سكان القرية كان يجمعهم، قبل ترحيلهم إلى موقع آخر اسمه ” منشب ” وشلاق اسم واد آخر صغير يقع بين واديين صغيرين آخرين وهما ” قرسيلي ” و”حرمادو “. وقد أشارت القصيدة إلى هذه الوديان الثلاثة الصغيرة التي ترفد شعب بالماء ” واثنان بينهما شلاق ..” وذكرت القصيدة عدد 500 مواطن “خَمْسُ مِئِينَ ” من سكان شعب وكانت هذه إشارة إلى ما فعله الجيش الإثيوبي بتاريخ 12 ما يو 1988م بالمدينة من قتل هذا العدد الضخم من النساء والأطفال وكبار السن بتهمة دعم المدينة للثورة .
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم