أتت بطفلها تحمله إلى قسم الاطفال بالمستشفى ، نظرت إليه كانت آثار الطعن الفاشل في يده كثيرة حتى تورمت ، المشكلة التي تواجه الممرض أن أوردة الأطفال الصغار مخفية لا يعثر عليها غير المتمرسين وهم كذلك نجاحهم مرتبط بمحاولات تتكرر بإصرار حتى تنجح .وفي هذا معاناة الطفل مع الطعنات وآلام مرافق الطفل المريض من أمه او أبيه وحنان الأم أشد ولهذا تبكي كما بكى هو وتتوجع إذا توجع هو ، تريد عافيته دون أن يمر بمشقة العلاج .لكن حقيقة المهنة تقتضي الصبر على بعض المتاعب من أجل معالجة المريض من الداء الأكثر إيلاما وإضرارا ً
في إحدى المناوبات في المستشفى جاءت أم وهي تحمل طفلاً لها صغيرًا لم يتجاوز العام والنصف من عمره ، و طلبت إلينا أخذ عينة دم لإجراء الفحص وشكت أن الأطباء هناك في القسم الذي كانت فيه لم ينجحوا في العثور على الوريد فتم تحويلها إلى قسم الأطفال بناء على أن العاملين فيه مهرة بمثل هذه الحالة
كالعادة في مناوبتنا ان الممرضين يهتمون بالأطفال الصغار فهذا تخصصهم ، وحياتهم مع الأطفال المرضى اكسبتهم الخبرة الكبيرة ولهذا فهم موضع ثقة الآخرين من العاملين في الاقسام الأخرى من المستشفى
رأيت الممرضة المسؤولة المعنية بمثل هذه الحالات (م…)- وهي خبيرة في المهنة وكبيرة في السن والتجربة – مشغولة بطفل آخر .تعالجه .وفي العادة أن الممرض الجديد يقوم بالمهام تحت عناية الممرض القديم فقلت في نفسي لم لا أقوم بالمهمة مبادرة وهذا عملي. وجدت نفسي استجابة لمقترحها فرحبت بالأم وجلبت لها كرسيا تجلس فيه وهيئت أدوات العمل .جلست الام ترقبني بحذر وتخشى أن تمر ابنتها بطعنات طائشة موجعة من جديد على النحو الذي علق بذاكرتها من التجربة الأولى .وبدا لي أنها تنتظر الممرضة الخبيرة لكني فاجأتها باستلام الملف
والتحضير للطعنة فازداد تخوفها ، استلمت الطفلة وطلبت من الأم الإمساك بيدها حتى أقوم بالمهمة والموضوع سهل لا يتجاوز الدقائق .
لحظة وشاهدت الام الحقنة تتحرك في يد طفلتها ، اخترقت الجلد واختفي رأسها ، لكنها لم تصب الوريد .
الطفلة تصرح بصفة خفيفة من ألم الطعن وهي تتذكر تجربتها المريرة مع الطعانات الفاشلات .
حركت الحقنة داخل الجلد أبحث عن الوريد والتفتيش أخف من إخراج الحقنة والطعن بها من جديد .
دخلت الام في نوبة من الصراخ أشد من صراخ الطفلة
عندما شاهدت حركة الحقنة باتجاهات مختلفة من يد بنتها
تصرخ وتصرخ ويتعالى صوتها متدرجا دون توقف : وهي تردد
: ووب علي ، كر علي ، بتي ، قطعتي يد بتي ، عذبتيها ..) وأخذت تلوح بيدها في الهواء وتصرخ خاصة عندما تزايدت حركة الطفلة
قلت للأم بنبرة حادة دعيني أشتغل شغلي و امسكي بيد الطفلة
لكنها لم تكن تصغي لتوجيهي ونصيحتي
تجاهلت حركة الطفلة وصراخ امها . واجتهدت حتى أكملت المهمة نعم انتصرت ،كنت سعيدة عندما استعطت سحب كمية الدم المطلوبة في جو مثبط غير متعاون
شاهدت الأم الانتهاء من المهمة بالسلام وكانت قد شاهدت المحاولات الأولى المؤلمة والفاشلة فقالت وهي تضحك : لو ما سحبت الدم الليلة ضربتك !
لم أرد عليها لأننا متعودون على هذه المواقف غير الداعمة وهي معذورة لأنها لا تقوى ولا تصبر أن ترى طفلتها تصرخ من الألم.
وبدا أن الأم أحست بكلامها غير اللائق و أخذت بالاعتذار مبررة موقفها بأن بنتها تعرضت لطعنات كثيرات فاشلات موجعات فظنت أن يضاف هذا الوجع إلى تلك الأوجاع
الموقف ذكرني بحالات مشابهة تتعرض لها الممرضات تسبب ضغوطاً وإرباكاً لمهامهن في خدمة المرضى غير المتعاونين من بينها أن والدًا لطفل انتزع طفله من بين يدي الطبيب والممرض فهرب به ،و أن طفلاً آخر هربه أهلوه وبيده فراشة مركبة
وأذكر أن إحدى الأمهات كانت تقول لمعاجلة طفلها : حرام عليكم هذه بنتي صغيرة لا تتحمل الإبرة ولا ترضى بتركيب الفراشة ويتنامى هذا السلوك السلبي أحياناً من ذوي الأطفال المرضى ليدفعهم للتدخل السلبي لسحب الأطفال المرضى من أسرة المستشفى .. الامر الذي يضاعف من صعوبات العلاج .
إن الموقف السليم أن يتعاون أولياء أمور الأطفال مع الممرضين والأطباء من أجل إنجاح مهمة العلاج فهم شركاء أصيلون في أداء المهمة وإن خوفهم الشديد وشفقتهم المبالغ فيها يربك عمل الممرض خاصة ما لم يكن حازمًا قوياً صابرًا هادئ الأعصاب .ولهذا يظهر الأطباء في نظر المرضى أو المرافقين بأنهم قساة القلب واليد وما علموا أن الدواء مر والعلاج مر وأن على الطبيب والممرض أداء واجب أمانة المهنة دون أن يتأثر بمواقف أهل المريض المشفقة .لأن الشفقة التي تدفع للتدخل لمنع العلاج ولإعاقة عمل الممرض والطبيب تسوق إلى مصادقة المرض القاتل لا إلى مقاومته وطرده من الجسم.
من السلوك غير السوي تهريب المريض من العلاج
صراخ في وجه الممرضة هل يربك المهمة ؟
تقييم المستخدمون:
كن أول المصوتون !
تعليقات
تعليقات