ان مؤلف هذا الكتاب هو المناضل الأمين محمد سعيد رحمة الله عليه هو من الذين التحقوا بالثورة الارترية من جدة بالسعودية ووافته المنية بالمملكة العربية السعودية وهو من قيادات الجبهة الشعبية التي أفنت زهرة شبابها في تنظيم (هقدف ) الذي تسبب في كل معانات الشعب الارتري من مرحلة نشأة هذا التنظيم إلى هذا التاريخ وإلى أن توفاه الله في جدة وهو في مهمة تنظيمية
بعد القراءة والتمعن في أسطر هذا الكتاب كنت أحس أنه انطباع شخصي لصاحب الكتاب لكن بعد مراجعات وقراءة أكثر من مرة تلمست أنه كانت تطغي عليه رؤية الجبهة الشعبية و أسلوب قيادات هقدف دائمًا هي التقليل من شان المعارضة الأرترية التي سبقتها في النضال وذلك حسدًا من عند أنفسهم وعليه تصف حركة التحرير الإرترية التي نشأت بتاريخ 2نوفمبر 1958م تحت شعار العنف الثوري هو الطريق الأمثل أو الأسلوب الأمثل ، الذي يحجم القرصنة والغطرسة الأثيوبية ووضعت لنفسها أهدافا كلية يأتي على رأسها :
- توحيد الشعب الارتري
- العمل من أجل الاستقلال
- تشكيل حكومة ديمقراطية
ان مؤسسي حركة التحرير الأرترية كانوا يتمتعون بوعي متقدم ورؤية وطنية صادقة ومشروع دولة وطنية تسع الجميع وكل وطني غيور يجد فيها نفسه ومن خلال طرحهم هذا نلتمس دولة ارترية تسع كل أرتري سواء كان مسلماً أو مسيحياً ..
وكان هناك غيورون يقيمون في مصر العربية مهاجرين بحثا عن العلم ونشطين في العمل الثوري أعلنوا عن تكوين جبهة التحرير الارترية في يوليو1960 م وسموا القيادة باسم ( المجلس الأعلي) وفي عام1961م تم إعلان الكفاح المسلح بقيادة الشهيد حامد ادريس عواتي وإن قيادة هقدفحتي لو كان بلسان أحد أفراد قيادتها سمى هذا التكوين أو هذا النشاط السياسي وإيجاد الكيان العسكري في أسطر هذا الكتاب سماه بالتكوين العفوي غير المدروس وهذه سياسة قيادة هقدف تقلل من الآخرين ولفت الأنظار لشيء هي ما تقوم به معتبرة إياه أنه هو النهج الصحيح – راجع الصفحة 18 من الكتاب – وعندما يقول الكاتب :إن الثورة بدأت عفوية أي بمعنى أن الثورة لم تؤسس ولم تحدد أهدافها وكل شيئ عفوي ينتهي نهاية مؤلمة بخلاف الكفاح المسلح الذي قامت به الثورة الأرترية في أنه توج بالاستقلال المجيد وفق ما رسمته له خطة الثورة الأرترية منذ اندلاعها فقد كانت فكرة ثم تحولت إلى عمل ثوري مشروع ومنظم . ، وسجل الكاتب في وسط أسطر من كتابه قال: إنها خلقت الرعب في أوساط الأمبراطورية الإثيوبيهةوأصابت السلطة الإثيوبيه بالذعر.
كيف يستقيم أن يصف العمل بالثوري بــــ” العفوية” ثم يقر أنه أحدث ” الرعب” لدى العدو الإثيوبي
فهذه ليست نتيجة لعمل عفوي ينطفئ عاجلا وإنما هو نتيجة لعمل ثوري طويل الأجل وكثير الإيجاع للخصم ومصر على تحقيق الاستقلال وقد فعل .
ويصف الكاتب ” المجلس الأعلى ” بالجهل وأن أعضاءه كانوا في غياب تام عن التركيبة الاجتماعية للشعب الأرتري . وهذا الوصف في الحقيقة ينطبق على ” الهقدف ” فهي تتنكر لتركيب الشعب الأرتري وتفرض عليه ثقافة لقومية واحدة متجاهلة القوميات الأخرى وما عندها من خيارات ثقافية أخرى .وهذا موقف ناتج عن اعتداء مبرمج.
إن الحقيقة الواضحة تثبت لمن تجرد عن الهوى والتزييف أن مؤسسي حركة تحرير أرتريا وقادة المجلس الأعلى ومؤسسي الكفاح المسلح كانت لهم معرفة تامة بقدرات ورغبات شعبهم للتخلص من الاستعمار البغيض كما كان يتوفر لهم الفهم الكامل للتركيبة الاجتماعية للشعب الأرتري ، وكانوا على علم وإطلاع شامل على أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والدينية وكانوا يدركون ما تعرض له هذا الشعب من الظلم الواضح والاعتداء الفادح على حقوقه الدينية والأخلاقية والتعليمية والصحية والإدارية .
وقد بذلت القيادة جهدا مقدرا حتى تنهض بالثورة معتمدة على مقدرات الشعب الأساسية ، وقد عملت حتى تمكنت من إعداد مشروع بناء الدولة الوطنية ووضع خطة في المجال السياسي والاجتماعي والعسكري ….
نعم تمكن الشعب الارتري وقياداته من إظهار هذه المقدرات و اربكوا حسابات العدو وهزموا أكبر أمبرطورية في القرن الإفريقي وأضعفت الثورة مقدرات العدو العسكرية كما أضعفت سياساته في المجال الخارجي والدبلوماسي أمام العالم في كل المحافل الدولية ، ومن هنا يتأكد أن قيادة الجبهة الشعبية ( حفاش ) تمتنع من قول الحقيقة حسدا من عند نفسها وقد بدأت تمارس التشويش والتنقيص من مقدرات هذه القيادة منذ وقت مبكر ، وكانت تختفي خلف هذا التشويش من أجل أهدافها التمزيقية والمدمرة للنسيج الاجتماعي للشعب الارتري وكانت لديها رغبة جامحة للانفراد بالساحة الإرترية وحدها دون بقية التنظيمات الأرترية في مرحلة ما قبل التحرير مستفيدة من اختلاف وجهات النظر للتنظيمات الارترية التي كانت موجودة في الساحة الارترية وكانت تريد الانتقاص من القيادات في مرحلة ما قبل التحرير.
ان قيادة (هقدف) عندما أحست بهذا التحجيم لجأت للاستعانة بأصدقائها من التجراي الذين كانوا يشاركونها في حلم مشروع تجراي تجرينيا الذي لم يَرَ النور ، واستعانت بخبراء غربيين لهم الرغبة في دولة نصرانية ترتبط بتجراي أو اثيوبيا الكبري ، وكذلك خبراء شرقيين كانوا يحلمون أن تحكم اثيوبيا بالاشتراكية وسيادة ارتريا تكون مرتبطة بهذا المشروع وتغيب قيادات ذات الصبغة العربية من الساحة الارترية ، وعليه تم إخراج جبهة التحرير الارترية من المسرح السياسي وإبعادها إلى السودان كما تم إبعاد قوات التحرير الشعبية وبعضا من القيادات التي كان لها دور اساسي وتاثير في داخل هقدف سواء كان قبل التحرير أو بعد الاستقلال .
إن أسياس وزمرته بداؤا يتخلصون من القيادات التي تنتمي للمكون المسلم والعربي سواء كان بالتصفية الجسدية او بالسجون وللتوضيح نذكر نموذجا للفترة ما قبل التحرير :
- المناضل الشهيد ابراهيم عافة تم تصفيته جسديًا قبيل استكمال الاستقلال وهو القائد البطل الشجاع مهندس الفتوحات وتحرير المدن وهو من علم النضال وقيادة المعارك كثيرًا من قادة الهقدف.
- اما بعد الاستقلال فيمكن الاستشهاد بتغيب المناضل الكاتب إدريس سعيد ابعري- مؤلف كتاب : أرتريا ورهان الإسلام السياسي – الذي كان في المكتب الاجتماعي لهقدف لكنه في الفترة ما بعد الاستقلال احس بواقع الظلم علي بقية القوميات الارترية وحاول الكتابة في هذا الاتجاه بحكمه معرفته به وكان من القيادات البارزة لهقدف ومن الكتاب الأساسين في جريدة ارتريا الحديثة وكان يسعي لتصحيح هذا الظلم لكن أسياس وزمرته لم يسعدهم الحقائق والصدق وتم اعتقاله حتي يتم اسكاته ولم تشفع له كتابته المعتدية على الحركة الإسلامية الأرترية التي أتت في سياق التودد إلى التنظيم والولاء مثل غيره من قادة الجبهة الشعبية الذين كتبوا في مسيرتها .
- المناضل ابراهيم توتيل القيادي البارز في جبهة التحرير الذي كان يتمتع بثقافة عربية عالية تم اعتقاله حتي لا يتنفس بالعروبة وتم تغيبه بالسجن ولم يشفع له استسلامه للجبهة الشعبية وتصدره للعمل في صفها ووقوفه ضد أصحابه السابقين في جبهة التحرير ..
- المناضل والفنان القامة ادريس محمد علي فهو محسوب علي الذين يسعون لإظهار الثقافة العربية في الدولة الارترية لكن قيادة هقدف بزعامة اسياس افورقي لم تكن مسرورة لهذا التوجه فأخت الفنان القامة بلبل الثورة والنضال وقد تغييبه سجنا .ولم يعرف له مصير حتى الآن على الرغم من أنه كان الصوت النضالي الصادق في حشد الجمهور الأرتري إلى النضال وبناء تنظيم الجبهة الشعبية بفنه الحماسي الثوري
- استمرت قيادة ” الهقدف ” بتغييب القيادات والكوادر التي تؤمن بالثقافة العربية وبعد الاستقلال طالب عدد من المناضليين وقيادات من الجبهة الشعبية أن يكون هناك دستور و أحزاب وطنية بغض النظر عن الاتفاق معها أو الاختلاف وكانت هذه الرؤية المؤشر القوي إلي الطريق الصحيح الذي يجمع شمل الوطن لكن اسياس افورقي وزمرته لم يسعدهم هذا المشروع او المقترح فدبروا لهم مكيدة ثم تم اعتقالهم بينهم وزير الحكم المحلي المناضل / محمود شريفو ومعه القيادات المعروفة بمجموعة الــــ 15
- من أجل إيقاف الظلم القاسي بدأت قيادات رفيعة في التنظيم تبحث عن خلاص للوطن من كابوس الجبهة الشعبية وقائدها الوحيد اسياس أفورقي من بينهم المناضل الشهيد (ودعلي) ‘ والمناضل نور حسين ‘والمناضل عبدالله جابر‘ والمناضل عمر أبوطويلة ‘. وآخرين … هؤلاء جميعهم رغم معرفتهم بغدر وخيانة اسياس افورقي في الفترة الاخيرة كانوا يحلمون بتغيير أفضل لكن افورقي وزمرته غدروا بهم وزجوا بهم الي السجون وكان ضمن القادة الشجعان الشهيد ( ودعلي) فضل أن يكون شهيد اً وأن لا يدخل سجون افورقي فلك تحية جلال وتقدير ايها المناضل الشهيد( ودعلي)
ما انتهت إليه ملاحظاتنا أن كتاب الأمين محمد سعيد – رحمه الله – كتاب بعيد عن البحث العلمي المنصف وإنما أتى ليرسخ فكرة التنظيم الرائد التي يدعيها نظام الهقدف وظلت صفحات الكتاب تمجد المسيرة الظالمة للتنظيم الظالم.
الكتابات الظالمة تقتل الحقيقة
قراءة في كتاب الثورة الارترية الدفع والتردي
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم