قصة اعتقال الاستاذ إبراهيم جمع
هنا بيت سعيد ، يضج بأطفال صغار ، يمنعهم من المرح مرض أمهم (مكة باشاي )، التي ترقد بالمستشفى، تصارع الموت بسبب مرض أصابها ، وكان ممن برفقتها زوجها الأستاذ إبراهيم جمع ، الذي يوزع نفسه بين تمريض الزوجة والإشراف على الأولاد، يتردد بين المستشفى هنا و البيت هناك ، مقسم بين أداء واجبين : واجب الزوج المسؤول، وواجب الوالد الحنون .
وقبيل صلاة العشاء بتاريخ 24/04/1992 م عاد من زيارة زوجته في المستشفى إلى البيت ، ففوجئ بثلاثة من زوار الليل مسلحين، ينتظرون مقدمه، وقد دهموا المنزل بلا أدب ! فلم يكن في سرور بهم المكان، ولا الزمان ، ولا الأسرة ، إذ ليس من مهام العساكر اقتحام البيوت، ولا الطروق في عتمات الليالي ولا القيام بترويع الأهالي.
كان في استقبال الضيف الشؤم بنته الكبرى ( منيرة) وكعادة أهلها في إكرام الضيوف هيأت لهم الضيافة ؛ من طعام ، وشراب. وانتظرت معهم مستبشرة مكرمة حتى قدوم الوالد .وكانوا يتحدثون ( بالتجري ) ولهذا كان ظنها بهم حسناً.
بعد أداء صلاة العشاء حضر إبراهيم جمع، فسلم على ضيوفه ، فوجد هم يتأبطون شراً ، طلبوا منه أن يرافقهم إلى خارج المنزل ، فعلم من سيرة الجبهة الشعبية أن هذا أوان الاعتقال الطويل ، فكانت فرصة أن يودع أهله، ويحزم أمره ، ويقدم نصيحة الوالد لأولاده بالصبر الجميل ، والتعامل مع المحنة بثبات ، وأن يخبرهم بأنه ترك الله لهم الذي خلقهم ولن يضيعهم.
منيرة التي كانت تستقبل الضيوف بترحاب هالتها هذه المفاجئة الصادمة فأصيبت بنوبة قلبية فكانت سابقة الأسرة إلى الأخرة .
اشتد المرض على الزوجة في المستشفى حتى عجزت عن إرضاع طفلتها( سلوى) فسجلت الرقم الثاني في قائمة ضحايا الأسرة الكليمة ذ إماتت سلوى وهي تصرخ من الجوع .
عبد الوهاب هو الابن الأكبر اقتحمت عليه ذئاب الليل حتى لحق بوالده معتقلا عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره بعد عامين من اعتقال والده.
خالد يقع ترتيبه في الوسط من أبناء الأستاذ إبراهيم جمع لقد أصيب بنوبة قلبية من هول الصدمة فأضيف إلى قائمة ضحايا الأسرة مسجلاً الحالة الثانية التي تموت بهذا المرض بعد منيرة .
لم يبق من الأسرة إلا الحسن وأختاه حنان وزهور وأمهم مكة باشاي الذين هاجروا إلى السودان وهم صغار هرباً بأنفسهم فوجدوا الحضن الدافئ هنا معيشة ودراسة وطيب مقام .
درست حنان وزهور ثم يسر الله أمر زواجهما فتفرعتا إلى أسرتين طيبتين و تخرج أخوهما الحسن في الجامعة تخصص علوم وتزوج من أسرة أرترية كريمة أبوها ضمن معتقلي عام 1994م وبهذا اجتمع السلف سجناً ومحنة واجتمع الخلف دراسة وعلما و زواجاً مباركاً ورفعاً لراية السلف فتواصل العطاء والغرس الطيب الذي يغيظ العدا الساجنين ا لحاقدين. فهل علموا أن شعلة الإسلام التي قصدوا إطفاءها لا تزال متقدة وإلى الأبد لا يكسرها عزمها قيد ولا يوقف مسيرتها سجان.
الحسن يقول : لا أنسى والدي الضحية البريئ الذي كان معلم الأجيال ، وقدوة الأمة أعتقل لأنه كان من خريجي المعهد الديني الإسلامي بمدينة كرن، وقام بواجبه تدريساً ودعوة في البلاد وتم تغييه لتغييب دوره عن الحياة حتى تخلو الساحة للنظام الأرتري الطائفي . يضيف الحسن – الذي تركه أبوه وعمره سبعة أعوام – : بشرى لوالدي ولأصحابه الدعاة أن رايتهم قد رفعناها عالية ، وسوف يعود يوسف – بعد طول ظلمة الجب وطول الحبس وبيع العبد- إلى حضن أهله وأحبائه كريماً سيدًا إن شاء الله في دولة العدل والحرية والتنمية.والفتح المبين.
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم