قضية معتقلي الرأي المغيبين قسريًا في أرتريا جرائم ضد الإنسانية . بقلم الأستاذ أبي بكر محمد عبده – محامي ومستشار قانوني أرتري دولي
استهلال تعريفي :
إنه الملف الأكثر إيلاماً ويستحق منا أن نوليه الاهتمام الذي يستحقه وتفعيل إجراءاته القانونية بوضع التكييف القانوني لهذا الملف كجرائم ضد الإنسانية وفقًا لمعايير القانون الدولي، والجرائم ضد الإنسانية تعني بالتحديد وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، «نظام روما»، بأنها الجرائم التي ترتكب من قبل الدولة ضد مواطنيها. والتي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، وبشكل منهجي وضمن خطة للاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد ضد الطرف الآخر، وذلك بمشاركة مع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو الديني أو العرقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسباب أخرى من الاختلاف. وغالباً ما ترتكب هذه الأفعال ضمن تعليمات يصدرها القائمون على مجريات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، تمارس بشكل منهجي ضد أفراد من جماعة أخرى. وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسرى للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها.
تصنيف دولي :
الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب بصرف النظر عن ارتكابها وقت الحرب أو السلام، على أساس أن هذه الاعتداءات جرت كجزء من نمطٍ متواصلٍ قائمٍ على سوء النيَّة وهذا بالضبط ما يجري في أرتريا من انتهاكات يهتز لها الضمير الإنساني. كذلك هنالك الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992، والذي يشكل جريمة ويشكل، في ظروف معينة يحددها القانون الدولي، جريمة ضد الإنسانية، وقد وضعت في الاعتبار حق كل شخص في عدم التعرض لاختفاء قسري، وحق الضحايا في العدالة والتعويض ،على اعتبار الاخفاء القسري جريمة من جرائم التعذيب للشخص المختفي ولأسرته. وهذا الألم المفروض على ضحية الاخفاء وعلى عائلته معا اعترف به (الاعلان) الذي نص في الفقرة الثانية من المادة الاولى على «أن كل فعل يسفر عن اختفاء قسري يسبب آلامًا مبرحة للضحية وأسرته». في العام ,1998 عقد اجتماع دبلوماسي في روما تمخض عن إعداد مشروع لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة. واعتبر النظام الأساسي للمحكمة ان الاختفاء القسري يشكل جريمة دولية ضد الإنسانية. وفي 1/7/,2002 دخل هذا النظام حيز التطبيق بعد ان صدقت عليه ستون دولة.
الحالة في أرتريا :
فلا أفهم كيف ولماذا يعتقل النظام وبدون سند قانوني وفي ظروف غير آدمية لأكثر من ثلاثين عاماً في سجونه أرتريين شرفاء وأحراراً لمجرد الاختلاف في الرأي لا أستطيع أن أفهم كيف تُعتقل مثلا طفلة وفتاة في الخامسة عشرة للانتقام من والدها بغض النظر عن رأينا فيه وفي أمثاله والقائمة طويلة من القاضي محمد مرانت والعديد من رفاقه المعتقلين الشرفاء قائمة تضم أكثر من عشرة آلاف معتقل على أقل تقدير من المغيبين والمختفين قسريًاً في أرتريا وكل هذا غيض من فيض هذا الفعل الهمجي خطف واعتقال بدون سند قانوني وتعذيب واغتصاب وسخرة وقتل خارج نطاق القانون بلا محاكمات من نظام يسمي نفسه دولة !! وكأننا في عصور الظلام العصور الوسطى هذا النظام الفاشل يداري فشله في بناء الدولة التي حلم بها الشعب الأرتري بهذه الاعتقالات التعسفية، هذا الملف قضيتنا الحاضرة وجرحنا المفتوح ولن تهنأ لنا حياة ولا لضمائرنا راحة في وجود هذا الملف المؤلم من حالات الاختفاء القسري والاختطاف لمواطنين أرتريين هم رهن الاعتقال والاختفاء لسنوات طويلة في سجون النظام الأرتري في تعارض صارخ مع حقوق الإنسان وكل القيم التي قامت عليها سنوات النضال الطويل فهل انتهى بنا الأمر إلى هذا السجن الكبير ، في الواقع لا يوجد قانون في أرتريا ولا يوجد تعريف قانوني مُحدّد للمعتقل في أرتريا، هذه هي الحقيقة المأساوية، ، فلا ضمانات قانونية تبدأ منذ لحظة التوقيف، ولا أصول قضائية في إجراءات التحقيق والمحاكمة، ولا حقوق للمتهم في توفير وسائل الدفاع القانونية عن نفسه. الأخطر من ذلك أن تهديد حياة المعتقلين بصورة مباشرة وجديّة، هي السمة البارزة التي جعلت الألوف منهم في عداد مجهولي المصير، بسبب إنكار السلطات لأماكن وجودهم، وإخفائهم بصورة ممنهجة. هذا ما عليه مصير ألوف الأرتريين منذ أكثر من ربع قرن، هذه الحقيقة المأسوية تكشف مستوى إهدار النظام، واستباحة أجهزته لكافة حقوق المعتقلين. من وحي تلك الحقائق التي ظهرت، وغيرها الأكثر مما بقيّ مسكوتاً عنه في جحيم السجون والمعتقلات الأرترية. لا أحد بوسعه أن يُقارب في أرتريا أوضاع المعتقلين، وفق المركز القانوني الممنوح لهم في القوانين الدولية، فلا اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، ولا اتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، ولا غيرهما من مواثيق وأعراف توجب حماية المعتقلين، في أوقات السلم والحرب مما يأبه له نظام موغل في القمع والترهيب والإجرام، خارج نطاق القانون. غالبية المعتقلين ، هم أشخاص مختفون ومغيبون قسرياً، ينطبق عليهم هذا التوصيف، بسبب انعدام ما يدل على وضعيتهم القانونية، كمحتجزين ومختطفين لا يخضعون لإجراءات قانونية، ولا تنطبق عليهم معايير توقيف وحجز وفق الأصول القانونية. فهم عملياً تعرضوا لأشكال من الاحتجاز والاختطاف من قِبل عصابة تنتحل صفة الدولة،. تشير التقديرات إلى أكثر من عشرة آلاف مختفٍ ومغيّب، في سجون أمنيةّ وسريّة تابعة للنظام”. واظب النظام القمعي وبصورة سافرة على إنكار احتجازهم وأماكن وجودهم، وأغلق كل الأبواب أمام معرفة ذويهم بمصير أبنائهم. عدا من تتسرب أسماؤهم في قوائم “شهداء تحت التعذيب” يبقى الجميع فعلياً على قوائم التغييب والتصفية. ينتظرون وربما يتمنون الموت، من هول التعذيب الذي يتعرضون له في جحيم أقبية وزنازين النظام الأرتري. يزيد من فظاعة قضية المختفين قسرياً،
واجبنا القانوني والإنساني :
وفقاً لذلك، تحتم علينا قضية المختفين والمغيبين قسرياً، تبنى خطاب قانوني حيال أولئك الضحايا، يزيل أولاً الالتباس القائم حول الوضعية القانونية التي يجب النظر إليهم وإلى حقوقهم من خلالها. من أوجه ذاك الالتباس اعتبارهم وكأنهم “معتقلون “. بمعنى أن هوياتهم ووجودهم ومصيرهم معلوماً، وأن ذلك يفرض حصراً المطالبة بحقوقهم المنقوصة، والمحاكمة العادلة في مقدمتها. فيما أن واقع الأمر أنهم مختفون ومُغيّبون بقوة الإكراه، ولا يوجد أي سند قانوني لاحتجازهم، سوى سياسة إزاحتهم جسدياً ومعنوياً. بالقطع تؤكد الحقائق التي تم تسريبها ، أن ما يتعرضون له على يد مسؤولي النظام ومرؤوسيهم من محققين وسجّانين وجلادين ترقى بمجملها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بدلالة الانتهاكات الأشد خطورة بحق ضحايا الإخفاء القسري، وفق تصنيف القانون الدولي لتلك الجرائم ومن أهمها ( القتل العمد – التعذيب – التجويع – الاغتصاب – السخرة – .الخ ) لعلّ من أولى موجبات الدفاع عن ضحايا الإخفاء والتغييب القسري، ما يحثنا على تعيين الخطاب القانوني الواضح، حول تكييف نوعية تلك الجرائم الدولية الخطيرة، لتعريف العالم من الناحيتين القانونية والأخلاقية، بحجم مسؤولية النظام وأجهزته الأمنية التي تعمل بطريقة العصابات، عن ارتكاب تلك الجرائم بحق الأرتريين، لازال المجتمع الدولي ومؤسساته المعنيّة، ممتنعين عن القيام بواجباتهم أيضاً، في ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عنها، وفق مسارات القضاء الدولي. فمن الأهمية القصوى إظهار الآثار الإنسانية الراهنة والمستقبلية، على استمرار تغييب العدالة عن ضحايا الإجرام الممنهج من قبل النظام الأرتري. ، ففي كل لحظة تتعرض ضحية ما في زنزانة ما إلى الموت، وفي كل لحظة لا نقوم فيها بواجبنا في الدفاع عن حقوق من ينتظرون الخلاص على أحر من الجمر، فنحن أيضاً لسنا بمنأى من المسؤولية في إيقاف مقتلة الأرتريين، التي توجب علينا العمل المنظم، لكسر جدار الصمت الدولي، حيال صرخات ومعاناة ضحايا جرائم النظام الأرتري، وكي تتوج مسيرة الدفاع عن قضيتهم، بأثر ملموس في إنقاذ البقية الباقية من جلاوزة العار.
جهود مقدرة غير كافية :
أعلم أن هنالك جهوداً مقدرة من البعض تعمل في هذا الملف ولهم كل التقدير وأتصور أننا كأرتريين في جميع أنحاء العالم يجب أن نجعل من هذا الملف مفتوحًا قائمًا حاضرًا في كل المنابر وكل المواقع ونثير الموضوع على المستوى الدولي والإقليمي ونعد ونحيل التقارير الدورية حول حالة حقوق الإنسان والمختفين قسرياً في سجون النظام إلى السفارات الأجنبية المؤثرة ومنظمات حقوق الإنسان بكل اللغات حتى نجعل من النظام مُلاحقاً ومعزولاً وأن يعلم بأن هذا الفعل الجبان منه لن يمر بلا ثمن وهذا يتم بجعل هذا الملف مفتوحاً على الدوام من خلال المؤتمرات والأدب والفعاليات والمهرجانات وجميع وسائل النضال القديم والحديث وأن يتم إدراج أسماء بعينها من زبانية النظام وجلاديه في قوائم خاصة بهذه التقارير وأن يتم توثيق هذا للحاضر والتاريخ والمستقبل والأخوة الأرتريون المقيمون في الدول الأوربية والدول الغربية هذه فرصة لتعزيز وفتح هذا الملف وإحالة التقارير عن حالة المخفيين قسريًا في سجون النظام الفاشل بلا محاكمات إلى هذه المنظمات الأجنبية والسفارات ووضع قوائم بأسماء الجلادين وجميع المتورطين بشكل مباشر وغير مباشر وأقترح أن يتم تحريك إجراءات جدية بإعداد ملف قانوني متكامل موثق ومعد بشكل قوي من الناحية القانونية ورفعه للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وتوثيق ذلك بالصور وكل ما هو متاح من الوثائق ، فمهما طال الزمن فالوطن باقي والطغيان إلى زوال بإذن الله ..
أبوبكر محمد عبده – محامي ومستشار قانوني أرتري دولي – 18 أبريل 2020 م
ملاحظة : العناوين الفرعية من ” زينا “
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم