مقالات وآراء

مات قوم وما ماتت مكارمهم

لست أدري من أين أبدأ فالمصيبة أعظم عندما يكون الفقيد رجل دعوة وعلم قل أن تجود الايام بمثله ،غابت شمس الدار ونضبت عينه التي اخضر بها عوه وأورقت بها أغصانه و أثمرت بها الجنات حوله فخيم الظلام والحزن على كل ناحية منه وما أصعب ألم الفراق المفاجئ للحبيب بلا عودة.
انتقل الى جوار ربه العمود الفقري لدار تحفيظ القرآن الكريم وعلومه بديم النور مربع ( 1) الشيخ محمود ادريس ابو هوى صبيحة الإثنين 10.06.2019 بعد حياة طيبة مباركة مليئة بإنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها ، كان رحمه داعيا ومربيا وأبا حنونا ، زاهدا عن ملذات الدنيا ، باسم الوجه ، ندي الكف ، عفيف اليد واللسان، طلق المحيا يأخذ بقلب كل من يلقاه من أول وهلة، انتقل الى ربه والحزن يملأ قلوبنا برحيله المفاجئ ورغم فراقه المؤلم سيبقى حيا بذكراه العطرة في قلوبنا .
لم يدخر شيئا من علمه وجهده بل أفنى حياته التي هي أغلى مايملك رخيصة لخدمة دينه ومجتمعه كان وفيا لدينه وأمته ، وكان داره قبلة العلم ومأوى للمهاجرين والنازحين وأمن الخائفين ، فتح للناس بابه حين كانت كل الأبواب مغلقة ، كان يعرض نفسه على الناس ليعرفهم بدين الله بدأ مشوار الدعوة بحلقة للقرآن الكريم في منزله ثم تطور العمل المبارك الى دار مستقل لتحفيظ القرآن الكريم ينفق على للدارسين من ماله الخاص تسانده بعض الأيدي الخيرة التي تعمل في الخفاء من أصدقائه وجيرانه منهم الشيخ المرحوم ادريس مسندو و الشيخ الحاج عمر ، والشيخ عبد الله دمباي وغيرهم كل واحد من هؤلاء الرجال كان يأتي إلى الخلوة ويأخذ معه عددا من الطلاب ويتكفل باعاشتهم في بيته مع اطفاله – قل أن يتكرر مثل هؤلاء الرجال المخلصين- ثم فتح الله عليه قلوب داعمين مخلصين تزاحموا على بناء مرافق الدار وإعاشة الطلاب فاكتمل البناء وفرجت الضائقة وأصبح الدار قبلة العلم من كل مكان ليس من داخل السودان فحسب بل من كل دول الجوار وخاصة ارتريا واثيوبيا والصومال وجيبوتي ، فعم نوره ربوع السودان خاصة والقرن الافريقي عامة يبدد الجهل والظلم والطغيان.
ورغم عظم مشغولياته كان الشيخ قريبا من الناس في مناسباتهم وكان يداعب الناس بشيء من الترويح على النفوس وكأنه ليس ذاك الرجل المثقل بالمسؤوليات العظام وأكثر ما نال إعجابي في شخصيته تألقه الدائم وحيويته رغم كبر سنه وضعف جسمه لم يتوقف عن تدريس حلقات العلم المختلفة في التفسير وعلم اللغة والأدب والفقه كان بحرا في تخصصات مختلفة لم يخل بيته من طلاب الحلقات الخاصة حتى وقت وفاته كان هناك طلاب ينتظرونه في المجلس للدرس وهو ميت…طالت نومة الشيخ في ذلك اليوم ، وطال انتظار الطلاب له فدخلوا عليه الغرفة وقلبوه يمنة ويسرة لعله ينهض كعادته ويلاطفهم بكلماته الحانية اللطيفة إلا أن إفادة الطبيب قطعت الأمل أمام تلك الامنيات حين قال لهم الشيخ فارق الحياة قبل ساعة من الآن…… كم تمنوا أن تكون إفادة الطبيب خاطئة ولكن بلا جدوى مات الشيخ وقدر الله نافذ.
حتى الكتب المنهجية لم تتخلف عن تشييع جثمانه الطاهر فقد كانت حاضرة على حقائب الطلاب الذين تحول درسهم الى وداع أخير لشيخهم من غير مقدمات ولا إشعار سابق وهي سنة الله في خلقه فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
نم قرير العين يا شيخ محمود فنار القرآن التي أوقدت جذوتها لن تنطفئ في دارك ان شاء الله فأبناؤك وطلابك وأحبابك سائرون على الدرب.
أملنا كان أن نعود من الغربة فستقبلنا انت في مجلسك مبتسما مازحا كعادتك مع طلابك لكنك قررت الرحيل في هدوء وصمت طاهرا نقيا ففي جنات الخلد نلتقي يا شيخ محمود ، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا شيخ محمود لمحزونون.
أتقدم بخالص التعازي لأسرته وطلابه ومحبيه في الداخل والخارج ونسأله سبحانه وتعالى أن يجبر كسرنا ويغفر لميتنا وأن يرفعه بفضله أعلى منازل الجنان.
نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي أحدا على الله.
وانا لله وانا إليه راجعون .
ابنك المفجوع / محمد ادريس قنادلا – سويسرا

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى