بقى من العطلة الصيفية يومان وكنا نستشرفها بشغف ونتبادل أطراف الحديث عنها وأين سيقضيها كل واحد منا وفي الأثناء جاء مدير العمل وبيده أوراق طلب منا بقعد التحية الإطلاع عليها ، وكانت المفاجأة ما لا يخطر ببالي فهي كانت عبارة عن كشف ساعات العمل المفقودة الذي يلزم العامل قضاؤها وجوبًا في العام المقبل رضًا وطواعية.
هذا الإجراء مألوف لدى الموظفين القدامى ،اعتادوا عليه بشكل دائم ولذا لم يتضايق منه أحد غيري كنت الوحيد المتضايق ليس تبرمًا من العمل ولكن بما أني كنت مواظباً على العمل وأسجل حضوري وانصرافي عبر جهاز بصمة الحضور والانصراف بالمؤسسة دخولاً وخروجًا في الوقت المحدد، كنت أحسب قد أتيت عملي على الوجه الأكمل وأن هذه المتأخرات جاءت عن طريق الخطأ ولا بد من مراجعتها مع المدير،وبعد مراجعتها معه اتضح أن هناك أياماً في جدول العمل الرسمي صادفت عطلات غير رسمية للمؤسسة فتوجب قضاؤها لأنها ضاعت من زمن العمل العام وأخذ فيها أجر من غير جهد.
وبعد شرح لطيف عرض علي خضرة المدير خيارات لسداد الزمن الضائع بعد العودة من العطلة الصيفية فالتزمت بسداده بمقدار نصف ساعة كل يوم أشتغل نصف ساعة إضافية بعد نهاية الدوام. يعني سداد بالأقساط المريحة إلى أن ينتهي الدين.
بعد خروجي من مكتب المدير رجعت بتذاكري إلى ما يفعله كثير من الموظفين في بلادنا أثناء العمل من إضاعة جل وقتهم في الدردشة الالكترونية وتناول وجبة الفطور والشاي والقهوة الذي لم يقيد بزمن محدد ، الموظف والعامل لا يتهم بإتقان عمله وينهمك في أعمال أخرى لا تخص المؤسسة وينسى بأنه أجير خاص للمؤسسة التي يعمل بها، وليس أجير مشترك بين عدة جهات في زمن واحد، فالموظف في هذا الوقت مملوك للمؤسسة التي يعمل بها وليس له حق أن يمارس نشاط غيرها.
والأسوأ من ذلك توقيع الموظف بدفاتر الحضور والانصراف وهو غائب عن العمل يقوم بالتوقيع له زملاؤه الحاضرون وأحيانا بتواطؤ المدير ؛ وأحيانا دون علمه لأنه غير متابع وغير نشط لا يتحرك من أريكته متأثرًا بغيبوبة الطعام.
وفي مقارنة سريعة بين مدراء العمل في بلادنا و مدراء العمل في سويسرا خاصة والغرب عامة فإن مدير العمل في بلادنا حده التوجيهات النظرية، والجلوس في مكان هادئ يناول فيه مشروبات ومأكولات شهية لا يشركهم فيها ولا يشاركهم في العمل.
أما مدير العمل في سويسرا خاصة وفي الغرب عامة يشقى أكثر من الموظفين، فهو بجانب العمل الإداري يعمل مثل الموظف العادي بنسبة أداء أدق وأجود ، وهذا يذكرنا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حيث كان شاركهم في الحفر وحمل التراب ونقله، حتى وارى التراب شعر صدره الشريف ـ في حفر الخندق ترغيباً لهم في الأجر وتنشيطاً للهمة، وهو يرتجز {اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة … فاغفر للمهاجرين والأنصار} رواه البخاري.
إن الأمم الراقية لم ترتفع إلى المعالي إلا بإتقان العمل واحترام إنسانها هذه المبادئ الراقية هي من صميم مبادئنا الإسلامية فمتى نعود إليها ونقتدي بنبينا في إتقان العمل واحترام الإنسان والعدل بين الناس كافة وبين الرئيس والمرؤوس خاصة.
اللهمَّ أَحْيِنا على سنَّته، وأَمِتنا على مِلَّته، واسقِنا مِن حوضه، واحشرنا تحتَ لوائه.
أخلاق المسلمين
متى تصل أخلاقنا إلى مستوى أخلاق الغرب
قيم المسلمين
مقال مقارن بين أخلاق العاملين