مصطلح ( الرأي الآخر) هل يقنع معتنقيه بواجب التعايش مع الإسلاميين في الوطن الواحد
( بتاريخ 2 سبتمبر عام 2014م تم نشره بمجلة المجتمع الكويتية
بقلم : د. حامد محمد إدريس
راج مصطلح الرأي الأخر في الأوساط السياسة المعاصرة بدرجة أصبح فيها من المسلمات لدى كثير من المنظرين السياسيين وأخذ يتنامى حتى أصبح مفضلا لدى مستخدميه على مصطلحات التمايز بين الناس بسبب عقيدة أو فكر أو جنس أو انتماء.
والمهتمون بالشأن السياسي يخوضون في استخدام هذا المصطلح مثل غيرهم، والمساعي السياسية المعارضة الجارية تجد فيه عاملا فعالا لتحقيق غايتها في توحيد الصف الوطني المعارض مبشرة بوطن حر لا يؤذي فيه أحد أحدا، ولا ينتقص فيه طرف من حق الطرف الآخر ، وتتضافر أيديهم لتنمية الوطن الكبير ، وبسط العدالة فيه ، من خلال إقامة نظام سياسي يتوافق المواطنون على دستور يديرون شأنهم به . فإلى أي مدى يمكن قبول هذا المصطلح وإيحاءاته الدلالية من الناحية الشرعية
وإلى أي مدى يمكن تحقيق مقاصد هذا المصطلح من الناحية الواقعية بين الإسلاميين وغيرهم ؟
هذا المقال يجتهد لمعالجة هذا الموضوع في النقاط التالية .
أولا – تعريف مصطلح الرأي الآخر:
بالنظر إلى مصطلح الرأي الآخر نجد أنه مركب من ( لفظين ) وهو ( رأي ) و( آخر) – بفتح الخاء- ولكل منهما دلالة خاصة في اللغة العربية قبل انضمامهما وصيرورتهما اسما ذا دلالة واحدة اصطلاحية مستحدثة لم أجد سابقا لها في المعاجم العربية المرجعية المعتبرة ، ويشابهه في المعنى ( الفكر المعارض) و( الفهم المخالف) وقد أطلق عليه لدى الفقه الإسلامي مصطلحات ( اختلاف الفقهاء وآراء الفقهاء ورأي الخصوم وعقيدة أهل السنة والجماعة مقابل عقيدة المعتزلة في مسائل وعقيدة الخوارج في مسائل.. ) للدلالة على الموقف المخالف في المسائل الفقهية والسياسية والعقدية بين المسلمين، ومصطلح ( أهل الكتاب) و( الفرق ) و( الملل والنحل ) للدلالة على (الآخر) المخالف عقيدة وقد ألف فيه كثيرون من علماء المسلمين ناظرين في أسبابه ومرجحين موقفا على موقف في كثير من مسائل الخلاف الفقهي و العقدي وهو خلاف كان محتملا حتى لدى أصحاب المذهب الفقهي الواحد أو الموقف الفكري والسياسي الواحد وبموجب هذه المقارنات كان التفريق بين مذهب ومذهب وبين حزب وحزب وبين ملة وملة و كانت الخلاصة أن بعض المذاهب الإسلامية أو بعض الطوائف السياسية من طوائف المسلمين أقرب إلى الحق من غيرها وأن بعض الملل أقرب إلى المسلمين من بعضها الآخر كما دل على هذه الحقيقة قوله تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) سورة المائدة ، آية 82
أما الآن فقد أصبح المصطلح علما مركبا ذا دلالة واحدة ولهذا يمكن تعريفه إصطلاحا :
بأنه إيجاد صيغة تصالحية بين الناس المتعارضين عقديا وسياسيا وأخلاقيا .. يتعايشون من خلالها بسلام وتعاون مروضين أنفسهم على تقبل هذا التعايش رغم ما لديهم من خصوصيات التباين
ثانيا – ثورة أصحاب المصطلح :
ألفت لترسيخ هذا المصطلح ودعمه كتب كثيرة قال د. سعد البازعي- أكاديمي سعودي درس في أمريكا متخصص في الأدب الإنجليزي وعضو مجلس الشورى ببلده – في محاضرة بعنوان ( احترام الآخر) وقد نشرتها شبكة راصد قال : إن ولادة مصطلح الآخر دليل على نضج التفكير، فهو مصطلح حيادي وليس هجومياً مثل «العلوج- الكفار…» وهو تفتح في الفكر الإنساني الذي ينظر لكيفية التعامل مع الآخر، ولو كرسنا هذا المفهوم «الآخر» ضد «الإقصاء» فسنكون قد حققنا قفزة حضارية، تخلو من الإقصائية والعدائية تجاه الآخر، لكنها في نفس الوقت ذات ليست مهزومة وقال: تحدثت في الغرب عن مصطلح ا لآخر أكثر من مائتي كتاب ) انتهى..
يأمل هذا المصطلح أن يجد قبولا لدى الجميع ورضى على ادعاء أنه فكر وسط مسالم غير مستفز فهل هو كذلك ؟
نرى بعض معتنقيه يجعلون منه دينا يسمح لنفسه بالتسلط والاعتداء على مخالفيه على النحو الذي ذهب إليه د. أحمد صبحي منصور- أزهري متخصص في التاريخ الإسلامي وهو من مؤسسي المدرسة القرآنية التي تنكر السنة الشريفة وقد خالف العلماء المسلمين في مسائل شتى من أمر الدين وقد فصل من جامعة الأزهر بسبب شذوذ أفكاره – فقد كتب مقالا اعتدائيا تحت عنوان : ( من هو الآخر فى الاسلام؟) جاء فيه :
(السائد فى الفقه التراثى ولدى المتطرفين تقسيم العالم الى معسكرين متصارعين : معسكر الايمان والسلام والإسلام، وهو دار الإسلام، وخصمه وهو الغرب ؛ معسكر الكفر ويسمونه دار الحرب. وفى هذا التقسيم يوضع غير المسلمين من الأقليات الدينية موضع الشبهة والاضطهاد، وينظر اليهم باعتبارهم خونة ينتمون للعدو الخارجى فى معسكر الاعداء أودار الحرب ) . وأخذ د. أحمد صبحي منصور يتهجم على الإسلام ويفسره تفسيرات غير مقبولة شرعا وواقعا قال : ( معظم المسلمين فى تدينهم الواقعى يؤلهون محمدا، يعتقدون بحياته الأزلية فى قبره، ويحجون اليه، ويصلون له ” السنن” ويعتقدون أنه سيشفع فيهم ويدخلهم الجنة، ومع أن شهادة الاسلام واحدة، هى ” لا اله الا الله “، يقول تعالى لخاتم النبيين محمد (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) محمد 19 )، الا أن المسلمين جعلوا شهادة الاسلام الواحدة شهادتين،لا تتم الأولى بدون الثانية، فيقولون ايضا ” ومحمد رسول الله “، وبذلك يعصون الله تعالى الذى أمرهم أربع مرات فى القرآن الكريم بألا يفرقوا بين الرسل، والمفهوم انك حين تشهد أنه لا اله الا الله فقد آمنت بكل الرسالات السماوية التى نزلت لتؤكد هذه الحقيقة :أنه لا اله الا الله، وتكون قد آمنت بكل رسل الله تعالى وأنبيائه بدون تفريق بين أحد منهم لأن كل واحد منهم جاهد وناضل وأوذى فى سبيل هذه الحقيقة . )
ثالثا – التخوف المشروع :
ومن هنا تتمدد علة أصحاب ( الرأي ا لآخر ) القاتلة ويكون مبررا التخوف المشروع من طرف الإسلاميين والحذر الواجب عند التعامل مع هذه العلة فإن أتى من يرغب أن يفسر لنا الإسلام مثل هذا التفسير الباغي ويطلب من المسلمين أن يعتقدوا صحة تأويلاته الباطلة وأن يعملوا وفقها عقيدة وأخلاقا وعزز موقفه بالقهر والاعتداء مثل الذي فعله قديما متطرفوا حزب العمل في جبهة التحرير الأرترية بالإسلاميين أمثال الشيخ حامد تركي – حفظه الله – والشيخ محمد إسماعيل عبده – رحمه الله – ومثل ما تفعله حاليا الجبهة الشعبية من قمع كل ما له صلة بالإسلام من معلمين ودعاة ومعاهد ومقدسات ومثل ما تفعله حاليا كذلك بعض فرق المعارضة الأرترية المشتتة من تضايق تجاه وجوب التعاون والعمل مع التنظيمات السياسية الإسلامية واعتبار وجودها إفرازات سلبية للنظام القمعي الحاكم في أرتريا فليس هناك أمام المسلمين غير مجاهدة هذا الاتجاه التسلطي القمعي كما جاهدوا غيره من المعتدين وأنى لأخشى أن تتحول مقولة ( الرأي الآخر) في أرتريا إلى كيانات وجماعات مستبدة تحمل السلاح لكبت مخالفيها عقيدة وخلقا وذلك لأن من بينها من ظهرت منه بوادر إقصاء للإسلاميين وتعالى على صف الوحدة الوطنية التي يشارك فيها الإسلاميون مع غيرهم من الوطنين وفرض خيارين ضيقين عليهم: أن يتنازلوا عن تمايزهم العقدي والأخلاقي والسياسي أوأن يعتزلوا الصف الوطني الموحد ويتركوه لجماعة ( الرأي الآخر) وهما خياران مرفوضان من طرف الإسلاميين فمن المستحيل تجريد الإسلاميين عن مبادئهم ومن المستحيل كذلك إقصاؤهم عن كل عمل سياسي إيجابي هم رواده ويتحركون مع غيرهم لصنع الأحداث لا الأحداث تصنعهم مع ما لديهم من تمايز وخصائص اقتضاها وجودهم كما اقتضت خصائص أخرى وجود مخالفيهم .
أقول ذلك لأن العقائد والأخلاق المنبثقة عنها لا يوجد مبرر لوجودها ما لم تكن لها خصائص مميزة تظهرها في رأي أتباعها بأنها الحق وما دونها باطل فالإسلام حق وغيره من الأديان والعقائد باطلة وأخلاقه حق وما يخالفها باطل قال تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) سورة آل عمران ، آية 8 . ويطالب أتباعه بالولاء والبراء التامين لله ولرسوله وللمؤمنين به وكذلك تنظر اليهودية إلى نفسها والنصرانية وأهل الملل الأخرى مثل العلمانية بفروعها المختلفة وإن الادعاء بإيجاد مذهب محايد تجتمع عليه كل الملل أمر أقرب إلى المحال لأنه يتطلب حذف بعض نصوص وأحكام وعقائد الشرائع المختلفة وإبقاء وضم بعضها إلى البعض الآخر لتأسيس الدين ( المرقع ) ( الملفق ) من كلها وهذا ما لا ترضى به كل الأديان والملل والنحل ولهذا تبطل المصطلحات المستحدثة ( قبول الرأي الآخر واحترامه والتضحية من أجل انتصاره وتمكينه وعدم إقصاء الآخرأوعدم إلغاء الآخرأو التعايش مع الآخر.. ) كما يبطل موقف التنظيمات السياسية الأرترية التي تتعالى على الجميع وترفض الانضمام إلى الآخرين بزعم أنها أكثر فهما وإدراكا لفقه ( الرأي الآخر ) ومصطلح ( الديمقراطية ) المعاصر وبناء على ذلك ترغب أن يأتي إليها ( الآخرون ) متتلمذين لا شركاء نضال ولا شركاء مصالح وإن هذا التعالى وإلغاء الآخرين هو المركب نفسه الذي غرقت به سياسة النظام الأرتري – نظام الجبهة الشعبية – فتنافر معه شعبه والمقربون إليه كما تنافر معه جيرانه من الدول وأصدقاؤه وأصحاب الفضل على تمكينه من دول الغرب والجمعيات والمؤسسات الصليبية .
رابعا- تحقيق مصالح الجميع :
إن الصيغة الممكنة للتعاون بين الإسلاميين وبين جماعات ( الرأي الآخر) يمكن حصرها في صورتين :
أ – زمن التمكين الإسلامي الذي يخاطب المسلمين الحاكمين أن يتيحوا الحرية العقدية والفكرية لمخالفيهم مصداق ذلك قوله تعالى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة ، آية 256
وأن يأمن مخالفهم من اعتدائهم وأن يكونوا مع ( الآخر) أمة واحدة تتعاون في المعروف وتحقق المصالح المشتركة كما دل عليه قوله تعالى :
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) سورة الممتحنة ، آية 8
وضمن القسط والبر أن يشكلوا مع المسلمين أمة واحدة ( مواطنين ) يسعون في حماية الحرمات دينا وعرضا ومالا ونفسا عقلا ويعملون في تنمية الوطن إلى درجة تحقيق الرفاهية وأقلها أن يجد كل مواطن تعليما مجانيا وعلاجا مجانيا وأن يتوفر له الغذاء المناسب والمسكن المناسب والدابة ( السيارة ) المناسبة وأن يتزوج بحلال.( تكوين الأسرة ) فإن ذلك من واجبات الدولة في الإسلام وما سوى ذلك فهو فضلة يتسابق فيها المواطنون بشرف .
إن وطنا يحكمه الإسلام قادر أن يتمتع فيه اليهود والنصارى والفرق الأخرى بحقوقهم كاملة ماداموا خاضعين لحكم القانون غير ناكثين للمواثيق بينهم وبين الدولة قائمين بما عليهم من واجب المواطنة وهذه الصيغة الإسلامية للتعاون مع ( الآخر) لا تتخاصم مع المفاهيم السياسية المعتدلة المعاصرة التي تتيح للأحزاب أن تتنافس في كسب الأمة فما من حزب استطاع أن يطرح برنامجا سياسيا وأن يقنع به سوادا من المواطنين غالب فله أن يحكم ببرنامجه الانتخابي بعد التمكين وفق القانون فإن كان بوسع المسلمين وأحزابهم متفرقين أو متحدين أن يقنعوا المواطنين بوجوب تحكيم الشريعة تحقيقا لغايات أخروية ومصالح ومكاسب دنيوية فما جاز لغيرهم جاز لهم في ظل المنافسة السياسية السلمية الشريفة وعلى جماعة ( الرأي الآخر) أن يتقبلوا هذا الفوز الإسلامي الحاكم خضوعا للقانون والعهود والمواثيق ولا يضيقوا به ذرعا كما فعلت ديمقراطيات العالم المعاصر وليس من المنطق في شيء أن يتحكم المهزوم سلما على الغالب أصواتا وإنما يتعهد الإسلاميون مع ( الآخر) أن يكون الصراع سلما وحسب القانون في ظل نظام يتيح الحرية غير المؤذية لكل المواطنين وأن يرضى الجميع بنتائجها الطبيعية فقد تتيح فوز الإسلاميين الحاكمين بالشريعة مرة وقد يفوز غيرهم مرة أخرى إن كانت الأمة قد انحازت إلى غيرهم إذ لا يمكن التمكين لسلطان تلفظه الرعية.
ب – أما في زمن انكسار واستضعاف المسلمين وحينما لا يقوون على إقناع الناخب ببرنامجهم في ظل المنافسة السلمية على السلطة ولا يقدرون على تكوين سلطة سياسية إسلامية محضة في وطنهم يحكمونها بشرع الله تعالى وينشرون العدل والبر إلى كل المواطنين ويرعون حق الجميع في حرية العقيدة وحرية العمل وحرية الأخلاق غير المؤذية للآخرين – وهذا تصور محتمل في حالة فوز غير الإسلاميين في السباق السياسي السلمي – فإن الإسلام نفسه يجيز لهم السعي في صيغة مغايرة للتعامل مع ( الآخر) من أجل تحقيق أهداف ومصالح مشتركة اقتصادية وسياسية واجتماعية ومن أجل دفع العدوان والاعتداء على جميع المواطنين ومكتسبات الوطن وهذه من إيجابيات هذا الدين الحنيف لكونه يسعى دوما للحصول على عوامل مقربة بين الناس لا مبعدة بهدف تحقيق مصلحة عامة فحلف الفضول في الجاهلية حظي بمشاركة رسول الله صلى الله عليه وسلم حماية للضعفاء من تسلط الأقوياء الجبارين ووضع الحجر الأسود في موقعه من الكعبة المشرفة كان فعلا صائبا شارك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة – حرسها الله ورعاها – وصحيفة المقاطعة الجائرة تجاوزها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحالف مع قوم مشركين من أهله قريش وانتصار الروم النصارى على أهل فارس المجوس أمر يفرح به المسلمون في المدينة المنورة ويستبشرون به وواجب وحق المواطنة في الإسلام يسمح باستيعاب ( المنافقين ) – وهم أشد الناس كفرا ويجاهرون بمعارضتهم للسلطة الإسلامية ويخذلونها في أحرج الموافق – في قائمة معصومي الدم والمال والحرمات الخاصة والعامة ولهم من الحق وعليهم من الواجب ما لغيرهم من خيار الصحابة. فإذا وجد مسلم غير ممكن – تنظيما كان أو حزبا أو شخصا في مجتمع يغايره عقيدة وأخلاقا يمكن تسميته بـــ ( الآخر) فحينئذ يجوز له إقامة روابط وصلات سياسية واجتماعية واقتصادية وتحالفات خدمة للمصلحة العامة ولعل انطلاقا من هذه المفاهيم الشرعية نجد الإسلاميين الأرتريين يتعانقون مع غيرهم من تيارات العمل السياسي الإرتري المعارض ويصلون معها إلى مواثيق عمل مشترك .قد يعد أرضية مناسبة للعمل المشترك لما بعد تغييرالنظام السياسي الحالي
خامسا- حدود التعاون مع الآخر:
قد تصل هذه الصلات الإسلامية مع ( الآخر) إلى حد المشاركة في السلطة بقانون يتفق عليه الجميع – وهم جزء فاعل فيه – يحمي الحريات ويبسط العدل ويمنح الحقوق . وذلك من منطلق أن الإسلام يأمر معتنقيه أن يقوموا بالمعروف بالقدر المتيسرلهم فإن تيسر لهم مع ( الآخر ) حماية خصوصياتهم من عقيدة وخلق وتعليم وتربية ومعيشة فهذا قدر سعى إليه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم – المهاجرون – رضي الله عنهم – إلى الحبشة النصرانية وإن تيسر لهم أن يكونوا سلطة تحقق عبرها العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فهذا موجب للتعاون مع ( الآخر) لتحقيق هذه المقاصد شرعا وهو قدر مهم من الغايات القصوى التي يريدها الإسلام من المسلمين
وأخيرا : المفاصلة الواجبة
إن ا لذي لا يقبله الإسلام من ( الآخر) أن يصدر منه اعتداء على حرمات المسلمين وحجر على عقيدتهم واستهداف لأخلاق أبنائهم وتفسير خاطئ لدينهم ومصادر تشريعهم مثلما يروجه الأمريكان حاليا ومناصروهم في العالم الإسلامي من تقسيم المسلمين إلى إرهابيين ومعتدلين ومواكبين ومتخلفين والسعي إلى تغييب أو حذف كل النصوص الشرعية التي تدعو إلى الجهاد أو الولاء والبراء أو تحث المسلمين على الاعتزاز بالدين وتوجب عليهم تعليم وتربية أبنائهم على التمسك به كما توجب عليهم الاهتداء بهداه في كل مناحي الحياة فعندئذ ليس من الإسلام في شيء أن يتعايش الإسلاميون مع من يكن لهم الحقد والحرب ويخفي لهم سيف الغدر ولهذا وجبت المفاصلة الواضحة الصارمة التي نص عليها الله بقوله (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) سورة الكافرون ، آية 6 .
وقطع كل حبال التعاون والتسامح كما دل له قوله تعالى (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) سورة الممتحنة آية 1 وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) سورة المائدة ، آية 57 ، فلا ينتظر جماعة ( الرأي الآخر ) أن يجدوا من الإسلاميين تنازلات يأباها دينهم وأخلاقهم وإنما سوف يجدون الإسلام يأمر أتباعه أن يكونوا مع ( الآخر ) أمة واحدة موفين بالعهود والمواثيق خدمة للمصالح المشتركة ودفعا للعدوان المشترك مادام هذا الآخر راغبا في أداء هذا الواجب مخلصا متعاونا مأمون الغدر والخيانة .
فإن كانت الأطراف الأرترية غير الإسلامية التي يمكن إدراجها في قائمة (الآخر) تسعى لترويض الإسلاميين حتى تصنع منهم أدوات لتحقيق مئاربها فإن تلك خدعة قد نجحت في فترات من عمرالنضال أصبح فيها من لا خلاق لهم من العلمانيين والشيوعيين والصليبيين رواد الأمة إلى الضلال عقيدة وخلقا وسياسة وانهيار وطن لكنها ليست من السهولة بمكان أن تنجح حاليا في أمة تخرج أبناؤها من جامعات وذاقت مرارة المحن من أجل استراداد حقوقها والدفاع عن حرماتها ومقدساتها وتمرست في العمل السياسي إلى درجة أصبحت فيها قادرة أن تقود نفسها والآخرين بهدى الإسلام الرائد .
الخلاصة :
إن موقف الإسلاميين إيجابي تجاه ( الآخر) سواء كانوا في حالة التمكين أم في حالة الجهاد والسعي إليه فتمكينهم عدل وأمن ورحمة ووفاء ورخاء اقتصاد وتصاعد تنمية لكل المواطنين حتى تصل مستوى لا يجد الحاكم فيه من يقبل صدقة بيت المال دون تفريق بين دين ودين أو جنس وجنس أو لغة ولغة .. وفي حالة الجهاد هم متعانون مع كل موقف إيجابي يسعى لتحقيق الأهداف العامة للوطن والمواطنين حماية للعرض والنفس والعقل والأرض والدين.
فإن كان ( الآخر) راغبا في الاستفادة من هذه الفرص التي تتيحها شريعة الإسلام وأخلاق الإسلاميين فهم أشد سعادة بمثل هذا التلاقي والتعاون في ا لمعروف وإن انطوى ( الآخر) على خدعة تسعى لترويض الإسلاميين ليكونوا سلما للوصوليين فإنهم الآن في وضع من العلم والخبرة وحسن البلاء ما يجعلهم يميزون ما ينفعهم وما يضرهم من مواقف ( الآخرين) فلهذا لا ينتظر منهم أن ينقادوا أذلاء أمام ذئب يريد افتراسهم أو أن يتحلوا بالصبر الجميل أمام نار تريد إحراق أخضرهم ويابسهم فهل لدى ( جماعة الرأي الآخر) استعداد للتعامل مع الإسلاميين وفق هذه المفاهيم الشرعية الواقعية ؟؟؟.
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم