مظاهرة المهاجرين الإرتريين بروما تنديداً بحادثة لامبيدوزا
بسم الله الرحمن الرحيمم
تقرير شامل عن المظاهرة الإرترية الحزينة في روما
التعبير عن الرأي والموقف في جو حر بخصوص الأحداث درس تمرن عليه الأرتريون خارج الوطن ولهذا أخذوا يقومون بأدوار إيجابية تجاه القضايا العامة وإنها فرصة لم تكن متاحة لهم في بلادهم التي تمنع أن يكون التعبير عن الفرح أو الترح بطريقة هي ترسمها وتجبر الناس عليها ليس من بينها – يقيناً – ما يفدح الحكومة أو يعارض سياستها أو يطالبها بحقوق لازمة عليها
الساعة العاشرة صباحاً بلغ العدد قريباً من ألف شخص بين الرجال والنساء وسواد الحضور كان في عمر الشباب جاؤوا للتعبير عن مشاعرهم الأليمة ، تعبير كان موجهاً ضد حكومة بلادهم
تجمع كلهم في ميدان في وسط العاصمة ( روما ) بتاريخ الجمعة 25 أكتوبر
أتوا إليها من مختلف الدول الأروبية من سويسرا والسويد وبريطانيا وهولندا ..
المناسبة كانت التنديد بحادثة غرق سفينة بتاريخ 3 أكتوبر الجاري كانت تقل مهاجرين- معظمهم أرتريون- ركبوها لتوصلهم إلى إيطاليا لكنها أوصلتهم إلى قاع البحر وأفواه الحيتان
العدد الكلي لركاب السفينة كان قريباً من ستمائة شخص لم ينج منهم إلا ( 155) شخصا تقريبا
موقع الحدث كان على شاطئ الجزيرة الإيطالية ( لامبيدوزا) وصلها المهاجرون على سفينة ذات طوابق وقد أصابها عارض- غير معروف حتى الآن – أوقف حركتها في عمق ا لبحر فالضطرب الركاب هلعاً من سوء مصير ،
تصارخوا مستنجدين صرخات تتلاشى في الفضاء ، ولوحوا بما تيسر لديهم.. ففريق يلوح بالايدي وآخرون يرفعون ثياباً بيضاً يطلبون النجدة؛
- لعل سفينة نجاة ترق لحالهم
- لعل طائرة من الجو تلتقطهم من الهلاك
- وصل الاجتهاد ببعضهم فأشعل نارًا على ظهر السفينة حتى يبلغ ضوؤها – ليلاً – مدى بعيداً لم تصل إليه صرخاتهم وتلويحاتهم
اشتعلت نار الصراخ لكنها لم تسمع منقذًاً ولم تجلب إنقاذًا وإنما اتصلت بمواد قابلة للاشتعال فخرج الموقف عن السيطرة .
أكد شهود عيان أن السفينة تحولت كتلة من نار تلتهب فتقاذف الناس عنها إلى البحر وقضى كثير منه غرقا واحتراقا
روايات :
يقال إن سكان الجزيرة لا يرحبون بالهجرة غير الشرعية التي قد طال تاريخهم معها وقد شاركتهم في معيشتهم حسب رأيهم
والسلطات الرسمية المحلية لم تكن متحمسة بداية لاستقبال المهاجرين الأمر الذي جعل السفينة المنكوبة تمكث في البلاء مدة طويلة ولم تجد من يغيثها
هذه رواية بعض الناجين وهناك رواية أخرى مفادها أن النار المشتعلة التي ابتلعت السفينة قبل الغرق لم تتح فرصة لوصول النجدة إليها
والروايات تتكاثروتتباين ..
ولهذا تبقى الحقيقة أن المأساة الأليمة حدثت بسبب ما يجد الأرتريون من ظروف طاردة في بلادهم يستعذبون العذاب في الهجرة على الصبر في ألم الوطن ولهذا لم يردع لاحق المهاجرين ما يتعرض له سابقهم من الهلاك والعذاب والبيع والإهانة
جمعية التنسيق الارترية:
نظمت المناسبة جمعية التنسيق الارترية وعدد من منظمات المجتمع المدني الارتري وأفراد متطوعون كلهم ساهم في إقامة المظاهرة ، وقد كان الفضل الأعظم للجمعية المذكورة وهي جمعية تطوعية سواد أعضائها أرتريون مقيمون في إيطاليا نشطون في مجال حقوق الإنسان والخدمات الاجتماعية وفيها أعضاء من إيطاليين أصليين متعاطفين متطوعين
وبيد هذه الجمعية يوجد ملف هؤلاء الضحايا فهي التي تتابع شأنهم القانوني من حيث دفن الأموات منهم وتسوية أوضاع الناجين بالتنسيق مع الجهات الإيطالية المعنية وكان ضمن مناشطها إقامة هذه المظاهرة التي اهتمت بما يلزم الأموات من حقوق الصلاة حسب دياناتهم إلى جانب إحياء قضيتهم في الأوساط الرسمية
كلمات غاضبة :
في الميدان الذي ضاق بالمتظاهرين خاطب الجمع الحزين عدد من المتحدثين بينهم القس الإرتري المقيم في إيطاليا ويدعى قشي موسى وقد تحدث بلهجة شديدة ضد النظام الارتري الذي يعرض المواطنين إلى المخاطروقال : نحن صمتنا طويلاً عن الأسرى والمعتقلين القدامى ونحن اليوم نحصد الحصاد المر بسبب صمتنا الطويل . وقال : إننا نحمل المسؤولية الكاملة للنظام الأرتري الذي يجبر المواطنين على الهجرة من الوطن بسبب سياساته القاسية المستبدة ودعا القس موسى إلى تعايش الأديان في أرتريا وإلى العمل من أجل التغيير المنشود في البلاد
من جهته تحدث الإمام الذي تم اختياره ليمثل المسلمين في المناسبة – وهو شاب بدا بزي المسلمين الارتريين التقليدي ( قميص وسروال وصدرية وطاقية والعمامة على الكتف والجزمة – تحدث في كلمته متالما لما يحدث للمهاجرين الأرتريين من مخاطر الهلاك في البحار والفيافي الذي يحول أحلامهم في المعيشة السعيدة والأمن والعمل إلى الموت غرقاً أو عطشاً أو حرقا ًأو قتلاً وتعذيباً على يد تجار البشر ودعا إلى تعايش الأديان والعمل على إنهاء ماساة الهجرة عن الوطن
واعتبر الشيخ الإمام ما يحدث للأرتريين عقاباً من الله يستوجب العودة الحميدة إليه والاستغفار
وذكر في كلمته بسجناء الرأي والضمير في بدايات تسعينات القرن الماضي حيث قامت السلطات الأرترية باعتقال كثير من المواطنين عامة والدعاة والمعلمين خاصة و لم يعرف مصيرهم حتى الآن .ودعا إلى العمل الجاد من أجل إنقاذ ما تبقى من الوطن والمواطنين
ضمن الفعاليات أتت كلمة امراة كبيرة وقورة عرفت بأنها مناضلة قديمة أتت من هولندا للمشاركة في المناسبة قالت في كلمتها :
ظللنا نصفق للنظام الأرتري مدة طويلة وهو يفعل فينا من الجرائم ما يفعل دون أن نعترض عليه ودون أن نقوم بالمقاومة ولهذا علينا أن نخجل ونستحي حينما يغرق أبناؤنا ويتعرضون للمخاطر بسبب النظام الجائر . حضت كلمتها على المقاومة الصابرة العاملة تخليصًا للشعب الأرتري من نظامه المستبد الجائر.
كما تحدث كل من الاستاذ محمد نور كراني والاستاذ عبد الكريم مصطفى عن الحدث باسم الحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية ودعا كل منهما في كلمته إلى ما من شأنه نقل المعارضة الأرترية إلى تجاوز مرحلة العجز التي تعيش إلى مرحلة الفعل الذي ترغب أن تحدثه في ارتريا وعليها أن تسعى لوضع حد لمأساة الشعب الأرتري في الداخل والخارج
و ظهر أن مندوبي الحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية كانا في مقدمة الصفوف مردديين الشعارات المعادية للنظام ا لأرتري وقد كان وجودهما واضحاً في حين تو ارى عدد من منسوبي تنظيمات المعارضة خلف منظمات المجتمع المدني ولهذا لم يظهر دور المجلس الوطني في المظاهرة على الرغم من أن من بين مسؤوليه من كان يشغل منصباً في اللجنة المنظمة للمناسبة
شعارات غاضبة:
ردد المتظاهرون شعارات منددة بالنظام الأرتري كتبت باللغة العربية والإيطالية والتجرنية والإنجليزية
كتبت هذه الشعارات والملصقات الإعلامية في لافتات كما هتف بها المتظاهرون بحناجرهم بمختلف اللغات كان منها:
- العلم الأرتري الأصلي
- العلم الإرتري الجديد
- صور لبعض الشهداء بينهم صورة لسعيدعلي حجاي
- صور لبعض الدعاة المعتقلين
- صورة للفنان المعتقل : إدريس محمد علي
ومن شعارات المظاهرة :
- الطائفية مقبرة الأوطان
- كفاية
- فضيحة دولية .. من المسؤل منها ؟؟
- رسالة من تحت الماء ( كانت ضمن لوحة مرسوم فيها عين تطل من البحر دامعة ) وفي المشهد بعض صور جثامين الغرقى .
- 23 عاما من الديكتورية في أرتريا – صورة الرئيس الأرتري (مصلبة ) بالخط الأحمر
دعت جميع هذه الشعارات الهاتفة إلى إسقاط النظام ونددت بمارساته القمعية واحتكاره للسلطة
مسار المظاهرة :
تجمع الناس في الميدان وعبروا عن مشاعرهم الحزينة بالكلمات والهتافات وأمامهم نعشان أحدهما كتب عليه (369 ) للدلالةعلى عدد الغرقى الأرتريين ونعش آخر كتب عليه رقم (1 ) بدا أصغر حجماً للدلالة على من غرق من الأطفال في هذه المأساة الأليمة
بعد ما يقدر بست ساعات في الميدان تحرك المتظاهرون والنعشان على أكتافهم والقساوسة والمشايخ يتقدمون الصفوف نفذوا مسيرة رمزية على الميدان في قلب العاصمة روما وكانت قد استعمت إلى أغنية حزينة باللغة التجرنية تتحدث مفرداتها عن صديق حميم يتلهف صاحبه لاستقباله ويتوقع أن تبشره بمقدمه السفينة المنتظرة لكن الصاحبان الحميمان لم يلتقيا فقد حال الموج والغرق بينهما وتحول موقف الأمل السعيد إلى الألم التعيس.
الأغنية ألهبت المشاعر إلى درجة البكاء حتى القسيس دمعت عيناه
توجهت المظاهرة نحو قاعة أنيقة تبعد عن الميدان مسيرة عشر دقائق تقريباً أتت إليها المظاهرة راجلة وهي تتناوب بخشوع النعشين رقم 369 ورقم 1
المؤتمر الصحفي :
رحبت القاعة الأنيقة بالعدد الضخم – مجاناً تعاطفاً مع الحدث الأليم- وهو يهتف ضد النظام الأرتري وما أن استقر الجموع بدأ المؤتمر الصحفي الذي تحدثت فيه لجنة ممثلة لجمعية التنسيق الأرترية المنظمة للمظاهرة ، جاء في مؤتمرها انها سعت للقيام بحقوق الغرقى من دفن وفق توجيهات الدين والتنديد بالظروف التي تجبرهم على ارتياد المخاطر والدعوة إلى توفيق أوضاعهم في ديار الهجرة وتحدثت اللجنة في المؤتمر الصحفي إلى أنها وجدت تعاوناً كبيراً من الجهات الرسمية في إيطاليا في أداء مهمتها وشكرت الحضور على استجابة دعوتها.
القاعة فتحت الباب في نهاية المؤتمر الصحفي للجمهور المتظاهر أن يشارك في النقاش فتبادل الناس الأفكار والمقترحات كان بينها توسيع عضوية اللجنة المعنية بالملف وقد تباينت الآراء حول هذه القضية إذ وجد أن الحضور لا يمثل قاعدة وجمهوراً يختار وإنما جاء كل فرد استجابة للحدث دون أن يكون ممثلا للجماهير ا لذين يشاركونه الهم في المنطقة التي يقيم فيها ولهذا كان الاعتراض القوي على عدم شرعية شخص ليكون عضوا للجنة ممثلا لجهة . ولهذا اتفق الحضور على :
- الإشادة بإنجازات وجهود اللجنة المعنية بملف قضية الغرقى
- صواب المقترح الذي يدعو إلى توسيع عضوية اللجنة لتمثل كل المهاجرين الأرتريين بالدول الأروبية
- التواصل المستمر بين اللجنة وبين مختلف قطاعات المهاجرين حسب مواطنهم التي يقيمون فيها
- الإشادة بموقف السلطات الإيطالية المتعاون مع اللجنة لانجاح مهمتها
موقف الحكومة الارترية :
في بيان نشر وتصريحات لمسؤولين أرترييين رموا بالمسؤوليةعلى أمريكا وتحت ضغوط المجتمع الدولي والغضب الشعبي في الداخل والمهجر أعربت الحكومة الأرترية عن موافقتها لعودة الجثامين إلى أرتريا لكن من الناحية العملية شكك معارضون على جدية السلطة الأرترية وصدقها وذكر أكثر من مصدر إشاعة مثبطة تزعم أن النظام الأرتري طالب ذوي الغرقى بسداد فاتورة الفحص المعملي وفاتورة ترحيل الجثامين! ولم يستبعد بعض المعارضين أن يطالب النظام الأرتري بمبلغ خمسين ألف نقفة غرامة الهاربين عن الوطن بعد عودة الجثمان يلزم أهل الضحية بدفعها .
الشيء المؤكد أن النظام الأرتري لم يكن جزءاً من فعاليات المظاهرة في كل مراحلها الامر الذي يعد خصماً من رصيده السياسي أمام الجماهير الأرترية في المهجر والداخل.
المعارضة الارترية :
حضر المناسبة كل من رئيس المجلس الوطني الأرتري للتغيير الديمقراطي ونائبه وعدد آخر من كوادر التنظيمات الأرترية لكن الطابع الغالب في المظاهرة كان للمجتمع المدني ولهذا لم تتح أي فرصة لرئيس المجلس الوطني بمخاطبة المظاهرة على الرغم من حضوره في حين سمح للحزب الإسلامي الإرتري أن يخاطب المظاهرة كما خاطبها نائب رئيس المجلس الوطني
التغطية الإعلامية
تابع الفعاليات الإعلام الإيطالي والإعلام الإرتري المعارض من قنوات وإذاعات وصحف ومواقع نت إلى جانب وكالة زاجل الأرترية التي تابعت المناسبة لكن الإعلام العربي سجل غياباً تاماً عن الحدث
اين الجثامين :
لم تقف المظاهرة على الجثامين ، إلا ما جاء في خطاب المؤتمر الصحفي للجنة المكلفة بالملف وقد ذكرت بعض التبريرات أن بعض الجثث قد تشوه تفهما أو تلفا مما ادى إلى تغيير معالم الضحايا وبعضهم الآخر غرق في عمق البحر والبعض الثالث تم دفنه في مقابر معلومة تحت إشراف أهليهم الذين تعرفوا عليهم وبالجملة لا يزال الملف تحت الإجراء والمعلومات لم تكتمل
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم