من أي مدينة في أرتريا إلى كسلا .. ثمن الهروب الآمن يتراوح بين 4- 5 آلاف دولار
فتاة من ضحايا الهجرة غير الآمنة تروي تجربتها الأليمة وتعيب على أهلها عدم الدفاع عن الأعراض
وقفت وكالة زاجل الأرترية للأنباء على حالة مأساوية تعرضت لها فتاة تحركت من إقليم عنسبا وحدها تهرب بنفسها إلى السودان دون أن تكون لديها مال ولا ضمانات نجاح ، وصلت الحدود لكنها وقعت في فخ عصابات التهريب قبل وصولها مدينة كسلا وظلت محتجزة في مزارع مخفية ويأذن المهربون بالتواصل مع قريب لها في السودان تحضه على دفع الفاتورة لإبقاء نفسها على قيد الحياة وتروي عبر الهاتف ما تتعرض له من عذاب يرقق القلوب للتعاطف معها
تداعى أقاربها لسداد مبلغ قريباً من مائة ألف جنيه سوداني كان ثمنا لإخراجها .وصلت الفتاة وهي بحالة يرثى لها من آثار التعذيب إلى جانب أن ثعباناً لدغها في المزارع والغابة موقع الاحتجاز فتعفنت رجلها الملدوغة وتورمت إلى درجة الانتفاخ الشديد الكامل للرجل لأنها بقيت مدة طويلة دون أن تتلقى العلاج .
سأل الأهل الفتاة لم غامرت بروحها واختارت طريق العذاب بعيدا عن أهلها فقالت:
تعرضت لتهديد التجنيد الإجباري في أرتريا والأهل عاجزون عن حمايتها بل صامتون كشأن كل الآباء في أرتريا الذين تأخذ عنهم بناتهم للتجنيد قسرا وهم هادئون لائذون بالصمت الذليل ، فرارا من ذلك حاولت الهجرة إلى السودان وأنا اعلم بالمخاطر لكني توقعت أنها أخف من مخاطر التجنيد الإجباري
قيل لها : هل كنت تتوقعين أن تُحَملِي اهلك دفع فاتورة إطلاق سراحك من يد العصابات ؟
قالت : نعم ولم أكن أتوقع منهم دعم هجرتي إلا عبر المغامرة الخطرة التي قررت أن أجعلهم فيها أمام الأمر الواقع
قلت لقريب لها :هل سلمت من انتهاك العرض من طرف الخاطفين ؟ قال : لا أحد يسأل هذا السؤال فالأولوية كيف تخرج من أيدي الذئاب . ونتمنى لها السلامة ونحسن الظن ولا سبيل للتحري والتحقيق .
علمت زاجل أن أعدادا كبيرة من الفتيات والنساء الأرتريات
وصلن السودان عبر الطرق الخطرة في رحلة شبه انتحارية هرباً من جحيم النظام وقد دفعت بعض
المهاجرات أثمانا مختلفة يتراوح بين 30 ألف إلى 90 ألف جنيه و بعضهن قد وصل السودان دون أن يتعرض لاختطاف ودفع ثمن النجاة من الذئاب حسب إفادة حوار جرى بين ” زينا ” وبين مصدر عليم
يشرف على مدرسة قرآنية تضم لاجئات مسلمات أرتريا ت خضن رحلة العذاب مشيا على الأقدام.
وفي السودان تتوزع هؤلاء الهاربات بين مواصلة الدارسة في مدارس خاصة أو مدارس تعليم الدين وبعضهن من يواصل رحلة العذاب إلى خارج السودان ومن بين الهاربات من يعمل في البيوت خادمات رغبة في الحفظ والمعيشة إلى جانب أن هناك أعدادا تقيم في معسكرات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بشرق السودان .وقد تعرضت هذه المعسكرات لحالات اختطاف للائذين بها متكررة كما أنها تعد معبراً لمواصلة رحلة التهريب إلى دول خارج السودان عبر الشبكة نفسها وبدعم من أقارب الهاربين وذكر المصدر أن خيارات التهريب من الخرطوم متاحة بكل الطرق برا وبحرا وجواً عبر دولة أخرى يتحول إليها الهارب وقال : إن أشهر محطات التهريب : مصر ، ليبيا : تركيا . والأولى أغلى من حيث السعر وأفضل من حيث ضمان الوصول إلى المحطة الأخيرة .
الهجرة الآمنة :
من جهة أخرى أكدت مصادر خاصة عليمة أن شبكة أخرى للتهريب تبعث على الاطمئنان جذبت كثيرا من الزبائن وأقنعت بالتعامل معها لأنها تقدم خدمة الهروب الآمن بمقابل الدفع الباهظ.
تنشط شبكة تهريب بشر في تجارة التهريب الاختياري الآمن دون اختطاف ولا تهديد ولا تعذيب
تعمل هذه الشبكة في الترويج للسلعة الجديدة الرابحة بين أفراد يتواصلون سرا يضمون شخصيات أمنية وعسكرية ويسخرون إمكانية الدولة في أرتريا والسودان لإنجاح العمل وسلاحهم الأهم هو السر المكتوم بين الهارب والمهرب . الشبكة لها مناديب في كل منطقة في أرتريا تتواصل مع الراغبين في الخروج الآمن وتستهدف بالأساس أبناء التجار والضباط وكبار الموظفين ومن لهم أقارب في الخارج الذين لهم ا لقدرة على دفع الثمن الكبير
تبدأ الرحلة من أي مدينة في أرتريا وتنتهي المرحلة الأخطر في مدينة كسلا السودانية وتمر عبر الطرق الرسمية مستخدمة سيارات حكومية فارهة محمية من التفتيش والإيقاف في الطريق
تقوم هذه الشبكة بنقل الأفراد الراغبين للهروب من ارتريا إلي السودان ..مقابل دفع مابين 4 إلي 5 ألف دولار وتقول المصادر إن الشبكة بين أفرادها الذين يقومون بالتنسيق الميداني نساء لبعث مزيد من الثقة على الزبائن حيث يتم استهداف الأسر وأبناء الأغنياء والضباط والموظفين الراغبين في الهروب إلي السودان. وأفاد المصدر أن حركة النقل تتم عبر سيارات خاصة رسمية…ويتم تمريرها عبر الطريق الرئيس وصولا إلي الأراضي السودانية حيث يتم استلام الهاربين بواسطة مجموعة أخري لتقوم على حماية الهاربين في بيوت خاصة بمدينة كسلا بعيدًا عن الأنظار يقيم الهارب مخفيًا حتى يسدد أهلوه الثمن المتفق عليه وأكد المصدر أن الثمن يدفع كاملا دون تقسيط وأن الهارب لا يسلم إلى أهله دون دفع الثمن وأن أية مماطلة في دفع الثمن قد تحول الهجرة الآمنة إلى اختطاف خطر.
سألت ” زينا ” المصدر عن ضمانات المهربين التي يوفرونها للهاربين مقابل الدفع ا لباهظ والعملة الصعبة فقال :إلي حد ما أفضل من المحاولات الأخرى حيث يتم في يوم احد التهريب و تسليم الهارب إلي مدينة كسلا السودانية
وذكر المصدر أن الخوف حاصل بالنسبة لتهريب الفتيات والنساء لكن يخفف منه أن الشبكة تضم نساء مقاتلات سابقات في الجيش الأرتري حسب ما يقول الهاربون إلى جانب أن التهريب المدفوع القيمة يأتي على شكل مجموعات تضم عوائل الأمر ا لذي يطمئن وعلى كل حال يعتقد أهل الهاربين أن المهربين حريصون على استمرار التجارة ولهذا يعتنون كثيرًا بالهارب ويحرصون على سلامته حتى يصل إلى محطته الأخيرة . وتحدث المصدر عن توقيت دفع الثمن فقال :
لا يدفع ثمن الهارب حتى يصل المحطة الأخيرة كسلا كما أن الدفع غير قابل للتأخير وغير قابل للتقسيط وإنما يدفع فورا بعد التواصل بين الطرفين
سألت زينا كيف يثق أهل الهارب بالمهربين ويصدقهم وهم فئة لا أخلاق لها تتعامل في التجارة القذرة فقال : المسألة لا تخلو من عنصر المغامرة والتوكل على الله ومبعث الثقة فيها أنها مجربة وناجحة فأهل الضحية يسلمون المبلغ المحدد إلى شخص في موقع يتفق فيه ثم يختفي دون أن يتحدد اتجاه أو عنوان معلوم يوصل إليه، لكنه يعد بتسليم الهارب في سوق كسلا وفعلا يصدق ويفي بما وعد به حيث يتم توصيل الهارب إلى السوق دون مرافق من المهربين ويتواصى الجميع بكتمان الملف حرصا على سلامة الجميع وأكد المصدر أن شبكة المهربين تعرف كل تفاصيل الطريق وكل تفاصيل الجهات الرسمية الحامية للطريق كما تدرك تماما تفاصيل المدن في محطة الختام أو محطة الانطلاق أو محطات العبور وأضاف : إنها أجهزة رسمية تستغل خبرتها وإمكانيات الدولة في التجارة القذرة.
وجواب على سؤال زينا قال المصدر : قبل ا لدفع يتم التواصل بين الطرفين كما يسمح بمخاطبة الضحية المهرب بكل اللغات العربية والتجري والتجرنية ..دون أن يخوض الحديث في تحديد ا لمكان ولا الزمان .يفعل ذلك حتى يطمئن الدافع أن ماله لا يدفع دون أداء الخدمة المتفق عليها
يعتقد كثيرون أن هذا العمل لا يمكن أن ينجح ويستمر دون مشاركة أفراد من الأجهزة الأمنية بين السودان وأرتريا الذين يؤمنون الطريق ويسخرون أجهزة الدولة وأدواتها لتسهيل مهمة التهريب
وبهدف أن يكون الهارب مروجًا للشبكة لا خصماً لها يسمح للهاربين بالحديث مع أهليهم في ارتريا عبر هواتف نقالة ويجمل طريق الدفع الباهظ مقابل المخاطر التي يواجهها الهاربون بالطرق التقليدية التي يتعرض فيها الهاربون إلى فئة ا لتهريب القاسي الذي يتحصل على الثمن بتعذيب الضحية
ويواصل الهارب رحلته من كسلا إلى الخرطوم – إن رغب في ذلك -عبر الشبكة نفسها لكن بأسلوب مختلف وبثمن أقل ثم يواصل رحلته إلى الخارج ..إلا أن السرية تظل تصاحب التهريب في كل المراحل
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم