من يمسك بيد السودان عن إيذاء الهاربين إليه باسم القانون ؟ أكبر موجة ابعاد: السلطات السودانية تُعيد (66) ارترياً إلي بلادهم
ابعدت السلطات السودانية يوم الثلاثاء (29 اغسطس 2017) 30 ارترياً الي بلادهم فيما ينتظر العشرات نفس المصير بعد أسابيع في اكبر موجة إبعاد للارتريين من السودان.
وتأتي خطوة الإبعاد تنفيذاً لحكم أصدره قاضي محكمة مدينة كسلا (شرق السودان) الصادق عبدالرحمن الفكي يوم الاثنين الماضي (28 اغسطس) بالسجن شهرين والإبعاد في مواجهة 66 ارتريا بتهمة التسلل غير المشروع إلي الأراضي السودانية.
وكانت قوة من الجيش السوداني قد القت القبض علي 66 ارتريا (بينهم 35 امراة) مطلع يوليو الماضي اثناء مداهمتها لموقع للمهربين جنوب ولاية كسلا (غابة ودباعو بمحلية ريفي ودالحليو) ليتم ترحيلهم بعد ذلك الي سجن مدينة كسلا عاصمة الإقليم.
ومن بين الارتريين الذين صدرت ضدهم الاحكام 30 شخصا تتراوح اعمارهم بين (14 و 17 سنة). وأكد مصدر موثوق أن الأطفال الـ(30) تم استلامهم بواسطة شرطة (الجوازات) وتم إبعادهم في اليوم الثاني للحكم الي بلادهم عبر معبر (اللفة – 13) الذي يربط السودان بارتريا فيما سيتم إبعاد الـ(36) المتبقين بعد قضائهم عقوبة السجن التي نصَ الحكم علي أنها تبدأ من تاريخ دخولهم السجن (16 يوليو) وتنتهي في منتصف سبتمبر القادم.
وحال عودتهم إلي بلادهم يواجه المبعدين عقوبة السجن والتجنيد “القسري”.
وروي شاب ارتري كان قد تم إبعاده من السودان آواخر العام 2016 الي ارتريا واستطاع بعدها الفرار إلي إثيوبيا ما حدث له بعد إبعاده بقوله “تم إبعادي بحكم قضائي مع حوالي (50) ارتريا آخرين بعد أن ألقت الشرطة السودانية القبض علينا ونحن نحاول الهجرة الي ليبيا … وضعونا داخل السجن لأيام وكنت محظوظاً لانهم كانوا يركزون استجوابهم علي من هم اكبر منا سناً أما نحن الشباب فقد أرسلونا إلي معسكر تدريب عسكري قضينا فيه ستة اشهر توجهنا بعده الي موقع عسكري في مواجهة الجيش الإثيوبي”.
ويبدو أن السلطات الارترية غيرت سياستها تجاه الهاربين من أداء الخدمة العسكرية خلال الشهور الماضية وباتت تكتفي بسجنهم فترات قليلة وتعيد إرسالهم من جديد إلي معسكرات التدريب وجبهات القتال. ففي الماضي كانت عقوبة الهاربين هي السجن لسنوات طويلة كما هي تجربة الشاب الارتري صاموئيل “بعد ان القوا علي القبض وانأ أحاول الهروب إلي السودان قضيت ثلاث سنوات في سجن عسكري مع الأشغال الشاقة وأعادوني بعد ذلك إلي الخدمة العسكرية”.
ويُرجح مراقبون ان تخفيف العقوبات علي المبعدين يعود إلي ضغوط غربية علي النظام الارتري بجانب عجزه عن مواجهة ظاهرة الهروب التي لم يعد بيت ارتري يخلو منها.
ولكن لا احد من الفارين يعني له تخفيف العقوبات شئياً فالعودة إلي ارتريا هي “الجحيم ذات نفسه” لدي الكثيرين منهم. وأكد شاهد عيان من داخل محكمة كسلا ان الاطفال الذين تم ترحيلهم فورياً انتابتهم “نوبة بكاء هستيرية” لحظة مغادرتهم.
ويعتقد مراقبون إن المجموعة التي تم الُحكم عليها بالإبعاد راحت ضحية للعلاقات المتطورة بين الأجهزة الامنية في ولاية كسلا واستخبارات القطاع الغربي لارتريا. ففي السادس من يوليو الماضي اورد مركز SMC المقرب من جهاز الامن السوداني خبرا عن لقاء لوالي كسلا آدم جماع مع مدير أمن القطاع الغربي بدولة اريتريا أكد علي “أهمية التنسيق في متابعة القضايا الحدودية ومحاربة الظواهر السالبة والجرائم العابرة للحدود خاصة مسائل تهريب البشر بالإضافة الي التهريب”.
وكشف مصدر من ولاية كسلا ان الوالي آدم جماع (تربطه صلة قرابة بمحمد حمدان حميدتي قائد مليشيا الدعم السريع) وقف بقوة خلف قرار محاكمة الارتريين الـ(66) رغم معارضة بعض القضاة للخطوة وتوصيتهم بترحيل المجموعة إلي معسكرات اللاجئين. واضاف المصدر الذي فضل حجب اسمه “استعان الوالي جماع بمعتمدية اللاجئين COR التي تعمل تحت ادارة الشرطة السودانية والتي أصدرت خطاباً جردت فيه المجموعة من صفة اللجؤ وشددت علي انه لا تنطبق عليها معايير اللجؤ مما دفع القضاة إلي إصدار الأحكام”.
ووفقاً لشاهد عيان فقد تمت محاكمة الارتريين بعد تقسيمهم الي مجموعات من خمسة أشخاص “لم تكن محاكمة كل مجموعة تستغرق اكثر من دقائق فالحكم كان جاهزاً والقاضي حاكمهم بقانون الجوازات السوداني الذي يعطي القاضي سلطة سجن وتغريم وابعاد كل متسلل .. تطوع محامي للدفاع عنهم مع مترجم ولكن لم يغير ذلك في سير مجريات المحكمة”.
وتؤكد مصادر متعددة ان الحكومة السودانية ابعدت اعداداً كبيرة من الارتريين والاثيوبيين إلي بلادهم السنوات الماضية دون ان تُتاح لهم الفرصة الكافية للدفاع عن انفسهم. ويقول محامي سوداني قضي سنوات طويلة في الدفاع عن الارتريين امام المحاكم “تصدر الأحكام بالسجن والإبعاد لان القاضي يطبق المادة (30) من قانون الجوازات السوداني ويتعامل مع المحكومين كمجرمين بدلاً من نقلهم إلي معسكرات اللاجئين وفحص طلباتهم .. وفي أحيان كثيرة تلجأ أجهزة الأمن إلي عقد المحاكمات بعيداً عن أعين المحامين والإعلام وتستخدم تكتيكات مثل عقد المحاكمات عند السابعة صباحا أو نقلها إلي محاكم طرفية”.
ويواجه اللاجئون الارتريون تحديات خطيرة في السودان فمن جهة تنظم ضدهم الشرطة حملات مستمرة تحت مسمي “ضبط الوجود الاجنبي” وفي الاتجاه الآخر تنشط عصابات (الاتجار بالبشر) في المناطق التي يقيمون فيها. وفي الثالث من يوليو الماضي اختطف مسلحون (20) طالب لجؤ ارتري من داخل مقر للشرطة السودانية في معسكر (ودشريفي) المجاور لمدينة كسلا.
وكان الاتحاد الاوروبي قد قرر منح السودان مبلغ (100) مليون دولار من إجمالي مليار ومائتي مليون دولار خصصها لمساعدة عدد من الدول لمواجهة تحدي (الهجرة) بجانب مساعدات متنوعة أخري تحصل عليها الحكومة السودانية لنفس الغرض ومع ذلك تشتكي الحكومة السودانية بصوت عالٍ من أنها “لا تقبض ثمن” فتحها لحدودها أمام اللاجئين.
ويوجه اللاجئون الارتريون انتقادات “قاسية” لمفوضية اللاجئين الدولية UNHCR علي صمتها وضعف دورها في حمايتهم. وحتي اللحظة، لم يصدر أي توضيح أو تعليق منها حول حادثة محاكمة وإبعاد الإرتريين في كسلا. وكان المفوض السامي لشئون اللاجئين فيليبو غراندي قد سجل زيارة الي السودان منتصف الشهر الماضي ودعا “المجتمع الدولي إلي زيادة دعمه للسودان” إلا أنه تحاشي الإشارة الي المشاكل و “الإنتهاكات” التي يعاني منها اللاجئون في السودان.
ومابين “انتهاكات وابتزاز” السلطات السودانية ونشاط عصابات (الاتجار بالبشر) والصمت الدولي “المريب” تجاه عمليات الإبعاد المستمرة من السودان الي بلادهم يعيش الآلاف الارتريون “المنسيون” في السودان علي أمل ان يلتفت إليهم العالم. أما أصعب اللحظات علي الإطلاق فلاشك أن من يعيشها هم الـ(36) ارتريا القابعون في سجن مدينة كسلا والمتوقع ترحيلهم بعد أسبوعين إلي الدولة التي هربوا منها بحثاً عن “السلام والحرية”.
المصدر : صحيفة ( التغيير (الجمعة, 1 سبتمبر, 2017 ، تقرير: صالح عمار
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم