متابعات

«نيويورك تايمز»: مشاريع «الاستعباد» في إريتريا.. بتمويل الاتحاد الأوروبي

20 مليون يورو  بما يعادل 22 مليون دولار دعما من الإتحاد الأوروبي تصل إلى يد النظام لتمكين سياساته القمعية ضد المواطنين

و” زينا ” تعيد نشر التقرير الذي نشر أصالةباللغة الإنجليزية ثم تمت ترجمته إلى العربية :

كتبت ماتينا ستيفيس – جريدنيف مراسلة «نيويورك تايمز» في بروكسل تقريرًا في الصحيفة الأمريكية حول مشاريع إصلاح الطرق التي يمولها الاتحاد الأوروبي في إريتريا، والتي تستخدم فيها حكومة الدولة القمعية المجندين فيما يمثل نوعًا من العمل القسري الذي ترفضه المنظمات الحقوقية والمواثيق الدولية. وأغرب ما في الأمر هو أن المفوضية الأوروبية تعاقدت مع وكالة تابعة للأمم المتحدة للإشراف على المشروع، بينما ليس لها مكتب في إريتريا، ولا تعرف أبسط الأمور عن هذه المشاريع، وإنما تكتفي بما تقدمه لها الحكومة الإريترية من معلومات.

تستهل الكاتبة تقريرها بقولها إنه «نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى وقف تدفق المهاجرين من أفريقيا، وإحداث تغيير في الدول الديكتاتورية، فإنه ينفق الملايين على المشاريع التي تُبنَى على أكتاف أشخاص يعملون بنظام التجنيد الإجباري».

أنفق الاتحاد الأوروبي 20 مليون يورو العام الماضي في إريتريا بهدف محاولة وقف الهجرة الجماعية من هذا البلد الأفريقي القمعي، الذي يعد من كبرى الدول التي يبحث أبناؤها عن اللجوء إلى دول أخرى.

استخدمت هذه الأموال، التي تعادل 22 مليون دولار، في شراء معدات ومواد لتشييد طريق، وهي مهمة غير مثيرة للجدل في الظاهر. ولكن هناك مشكلة تتمثل في أن العديد من العمال في هذا المشروع جُنِّدوا قسريًا للقيام بهذه المهمة، وليس لدى الاتحاد الأوروبي وسائل حقيقية لمراقبة ما يجري على الأرض.

أثار هذا الوضع غضبًا في دوائر حقوق الإنسان، لكن هذا لم يمنع الاتحاد في ديسمبر (كانون الأول) من اتخاذ قرار بإعطاء إريتريا عشرات الملايين الأخرى من الدولارات، وتمويل نظام التجنيد القسري الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه «يرقى إلى مرتبة الاستعباد».

لم يُعلَن عن المساعدات الإضافية، البالغة 95 مليون يورو، من قبل، وهي مثال صارخ على المأزق الذي يواجه الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يسعى فيه إلى الحد من الهجرة، على حد وصف المراسلة.

    ما لم تخبرك به نوبل للسلام.. هل انتهى النزاع بين إثيوبيا وإريتريا حقًا؟

«معالجة الأسباب الجذرية للهجرة»

يتابع التقرير: عندما يتعلق الأمر بإريتريا، وهي دولة مغلقة تقع في القرن الأفريقي ويبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة، فلا يوجد سوى قدر ضئيل من الإشراف الحقيقي على المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي في هذه الدولة التي قررت ألا تكون المساعدات المقدمة لها مشروطة بضمانات الإصلاحات الديمقراطية.

وهذه الأموال جزء من الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا، والذي تبلغ قيمته 4.6 مليار يورو، وهو صندوق خاص أنشئ في أوج أزمة اللاجئين في عام 2015 «لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة».

وفي حين أن تلك الخطة مدعومة من أطراف كثيرة (بإجماع واسع النطاق)، إلا أن تنفيذها أدى إلى تشويه ما يعتبره الكثيرون هدفًا وجيهًا، حتى أنه أثار أسئلة حول ما إذا كان يؤدي إلى نتائج عكسية.

وبالرغم من كل ذلك لا يزال تدفق طالبي اللجوء خارج إريتريا مرتفعًا باطراد. إذ يطلب ما لا يقل عن 5 آلاف إريتري اللجوء إلى أوروبا كل عام طيلة سنوات العقد الماضي. وفي عامي 2015 و2016 بلغ الرقم ذروته بأكثر من 30 ألفًا، وفي العام الماضي كان أكثر من 10 آلاف.

أوروبا تعتبر الإريتريين لاجئين شرعيين

وفقًا لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي، «يوروستات (Eurostat)»، فإن 80٪ على الأقل من طلبات القبول قُبلت؛ مما يعني أن الدول الأوروبية في أغلبها تعتبر الإريتريين لاجئين شرعيين.

ويقول التقرير: إن «المسؤولين الأوروبيين وخبراء الهجرة يعتقدون أن الإريتريين سيستمرون في الوصول إلى أوروبا بالآلاف، حتى مع انخفاض الأعداد الإجمالية للمهاجرين الجدد مقارنة بأعلى مستوياته في منتصف العقد».

ويتعلق هذا الانخفاض بالحملة على حدود أوروبا المطلة على البحر المتوسط، من خلال الاتفاقات مع تركيا وليبيا، أكثر مما يتعلق بالتمويل المقدم إلى أفريقيا أو الشرق الأوسط، بحسب التقرير.

وينتهج الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا نهجًا طويل الأجل، حتى أنه أصبح جزءًا مباشرًا من أسلوب «الدفاع الأمامي» الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي ضد الهجرة؛ إذ يحاول التصدي لها من مصدرها في أفريقيا.

وتُنفَق منح الصندوق في جميع أنحاء القارة، مع التركيز بشكل خاص على البلدان التي ترسل أكبر عدد من طالبي اللجوء إلى أوروبا. ونظرًا لأن الصندوق جرى الإعلان عنه باعتباره تمويلًا «طارئًا»، فإنه لا يخضع لمطالب المشتريات والرقابة الصارمة التي تصاحب في العادة إنفاق الاتحاد الأوروبي.

نهج المسار المزدوج

عندما يتعلق الأمر بإريتريا يتحوَّل المسؤولون الأوروبيون إلى تبني ما يسمونه «نهج المسار المزدوج»، بمعنى: فتح أبواب الحوار مع مع الحكومة بموازاة منحها الأموال في الوقت نفسه، بغض النظر عن النتائج.

إجمالًا جرى تخصيص 200 مليون يورو من الصندوق لإريتريا على أمل أن تساعد هذه الأموال في تعزيز الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص العمل، والإبقاء على الإريتريين في وطنهم، وتوطيد اتفاق السلام، الذي جرى التوصل إليه في منتصف عام 2018 مع عدوها السابق إثيوبيا.

ويقول منتقدو الاتحاد الأوروبي: «إن ما يجرى التغاضي عنه، أو تجاهله في هذه الحسابات، هو السجل المروع للحكومة الإريترية التي تعتبر واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم»، بحسب التقرير.

وبعد حرب عصابات استمرت 30 عامًا، حصلت إريتريا على استقلالها من إثيوبيا عام 1991. وخاض الجانبان الحرب مرة أخرى بسبب الحدود بينهما، من عام 1998 إلى عام 2000، بعد أن رفضت إثيوبيا الالتزام بحكم دولي. وأبقى أسياس أفورقي، زعيم المتمردين في إريتريا الذي أصبح رئيسًا، على حالة الطوارئ منذ ذلك الحين.

رغم معاهدة السلام.. تواصل القمع والتجنيد الإجباري

جزءًا من حالة الطوارئ هذه، ظل برنامج الخدمة الوطنية للتجنيد الإلزامي العام بصيغته غير محددة المدة قائمًا، حتى بعد اتفاق السلام لعام 2018، وهو إنجاز حصل رئيس إثيوبيا بسببه على جائزة نوبل للسلام.

وقالت لاتيتيا بدر، التي تغطي البلاد والمنطقة الأوسع لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»: «على الرغم من اتفاق السلام مع إثيوبيا، لا يزال وضع حقوق الإنسان في إريتريا صعبًا». وأضافت «تواصل الحكومة تجنيد الكثير من سكانها في الخدمة الوطنية لأجل غير مسمى واحتجاز العشرات من المعتقلين السياسيين في ظروف غير إنسانية».

وأردف التقرير أن الإريتريين محاصرون في بلدهم في ظل هذا النظام؛ لأنهم مضطرون أولًا إلى الحصول على تأشيرة خروج قبل مغادرة البلاد. ويظل الكثيرون مجندين حتى الأربعينات من عمرهم، وهم يؤدون وظائف مدنية أو عسكرية مقابل أجر ضئيل.

وتقول جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة إن نظام التجنيد الإجباري، الذي تعتمد عليه إريتريا اعتمادًا كليًا في تسيير أمورها، يرقى إلى مرتبة العمل القسري. لهذا السبب علقت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تمويل المساعدات والتنمية للبلاد.

وقالت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي: إن الحكومة «أٌبلغتها» بأنها سوف تستخدم المجندين للعمل في مشروع الطريق.

وقال التقرير: «إن تفاصيل إعداد هذا المشروع توضح أنه صمم بعناية لضمان عدم اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يدفع مباشرة للمجندين للعمل في موقع البناء».

وقالت المفوضية الأوروبية في ردود مكتوبة على أسئلة من صحيفة «نيويورك تايمز»: إن «الاتحاد الأوروبي لا يدفع مقابل العمل في إطار هذا المشروع. ولا يغطي المشروع سوى مشتريات المواد والمعدات لدعم إصلاح الطرق».

المفوضية تعاقدت مع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع

وأضافت المفوضية، التي تعاقدت مع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع لإدارة هذا المشروع نيابة عنه، أنها تولي «اهتمامًا خاصًا من أجل ضمان توفير الحد الأدنى من معايير الصحة والسلامة للعمال المشاركين في مواقع إصلاح الطرق».

لكن وكالة الأمم المتحدة المعنية ليس لديها مكتب في إريتريا، وتقول إنها تتحقق من المشروع من خلال زيارات تنظمها الحكومة الإريترية.

    الحكومة الإريترية هي التي تراقب نفسها بنفسها.

وردًا على الأسئلة التي طرحت في هذا الصدد، قالت الوكالة إنها لا تراقب العمل هي الاخرى، بل الحكومة الإريترية هي التي تراقب نفسها بنفسها. وقال متحدث باسم الوكالة إنها «لا تراقب تنفيذ المشروع. وأن الحكومة هي التي تتولى تنفيذ المشروع، وتتابعه وزارة الأشغال العامة».

وردًا على سؤال حول عدد المجندين الذين عملوا في المشروع وما هي رواتبهم، قالت الوكالة إنها «لا تستطيع الوصول إلى هذه المعلومات»؛ مما يتناقض مع ما قالته المفوضية بشأن مستوى التفاصيل المقدمة للوكالة.

مكتب خدمات المشاريع  في إريتريا يخالف مبادئ الأمم المتحدة

ولدى سؤالها عما إذا كانت ترى مشكلة في تسهيل مشروع ينطوي على استخدام عمل المجندين في إريتريا، وهي ممارسة نددت بها الأمم المتحدة، قالت الوكالة إنها «تحترم مبادئ الأمم المتحدة الأساسية، بما في ذلك القضاء على جميع أشكال العمل القسري أو الإجباري»، لكنها قررت المضي قدمًا على أية حال، وهو ما يستهجنه التقرير.

إن تغيير نهج الاتحاد الأوروبي تجاه إريتريا هو جزء من سعي أوسع لإخراج البلاد من عزلتها؛ إذ تهتم القوى العالمية بالقرن الأفريقي، والساحل الطويل لإريتريا على طول البحر الأحمر، وهي منطقة تحظى بأهمية جيوسياسية.

ويلفت التقرير إلى أن الإمارات أقامت في السنوات الأخيرة قاعدة ضخمة على الساحل الإريتري لدعم جهودها الحربية في اليمن مباشرة عبر البحر الأحمر الذي يعد ممرًا مهما للسفن التي تنقل البضائع والنفط إلى أوروبا عبر قناة السويس.

وقال المسؤولون المشاركون في صياغة السياسة الأوروبية تجاه إريتريا: إن الاتحاد لا يريد أن يُستبعد من تلك «اللعبة» التي تتكشف فصولها، والتي أصبحت أكثر نشاطًا منذ السلام مع إثيوبيا، وما تلاه من رفع عقوبات الأمم المتحدة الطويلة الأمد ضد إريتريا بسبب صلاتها بالجماعات المسلحة الإقليمية.

الاتحاد الأوروبي يمكنه دعم تنمية الاقتصاد وتخفيف القمع في إريتريا

وقال ويليام دافيسون من مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة بحثية: «إن التقارب مع إثيوبيا وإلغاء العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة يتيحان للاتحاد الأوروبي العمل على تعزيز تنمية اقتصاد إريتريا المتداعي وإقناع الحكومة بالابتعاد عن طرقها القمعية من خلال استمرار التواصل معها والصبر عليها».

ويتابع التقرير أن أفورقي كان ناجحًا نجاحًا ملحوظًا في الحفاظ على سيطرته على البلاد دون تقديم تنازلات، أو الاستجابة لنداءات التغيير. غير أن الحكومة أشارت مؤخرًا إلى أن الخدمة الوطنية يمكن تخفيضها تدريجيًا بمجرد توفير وظائف كافية لاستيعاب المجندين.

وقال الاتحاد الأوروبي إنه لا يوافق على سياسة الخدمة الوطنية التي تتبعها إريتريا، على الرغم من استخدام المجندين للأدوات الممولة من أوروبا، حسبما يشير التقرير.

وقالت المفوضية الأوروبية إن «الاتحاد الأوروبي لا يدعم الخدمة الوطنية لأجل غير مسمى في إريتريا، ويواصل الدفع من أجل إصلاح هذا النظام من خلال حواره السياسي المعزز مع الحكومة»، مضيفة: أن «حقوق الإنسان تقع في صلب كل الإجراءات الخارجية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي».

 

تاريخ النشر للنسخة العربية : 24 يناير 2020م والمرجع :

https://www.sasapost.com/translation/conscription-eritrea-eu/

والنص الاصلي باللغة الإنجليزية  تم نشره بتاريخ 8 يناير 2020م والمصدر :

 https://www.nytimes.com/2020/01/08/world/europe/conscription-eritrea-eu.html?fbclid=IwAR0QFunOka3BI_zZXEfgD6ka_W9Fpo1czeVCOAWVNyC6V_4gSxxPDj4-ryI

 

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى