هل الأسرة التقليدية مهددة بالانقراض أيها الأرتريون
إن العادة لدى المسلمين تعطي الوالدين حق إدارة الأسرة ، والشرع يقف بشروط مع هذه الصلاحية؛ التي تمنح الوالدين حق الأمر، والنهي والإلزام؛ الذي يفرض على الأبناء عدم الخروج عن دائرة الطاعة في المعروف لهذه الإدارة المصغرة ، وهي في الغالب عرفاً تحدد مواصفات خاصة للاستقامة؛ تحاكم بها سلوك الأبناء بداية من الأشياء الصغيرة، وهي غير المتعدية بالنفع أو الضر إلى الآخرين؛ مثل شكل اللباس، أو طريقة تسريحة أو حلاقة الشعر، مرورًا بالقواعد التي تحكم عرفًا المشي والجلوس و طريقة تناول الطعام والشراب والسلام والكلام والتواصل، ووصولاً إلى تحديد مصير المستقبل بالتشاور بين الولد والإدارة الصارمة للأسرة . ومع مرور الزمن حدثت تنازلات من إدارة الأسرة فأخذت تعبر عن تضايقها ، مما يطرأ من سلوك الأبناء والبنات التي تأثرت كثيرا وتضررت بالمجتلبات عبر الوسائل الاجتماعية من منتجات التأثير السالب إلى درجة تخشى الأسرة أن تهتز ثوابتها خاصة الأسرة التي هاجرت إلى الدول الغربية لتعيش أجواء الحرية التي تتيح للناس الحرية الكاملة بعيدًا عن تدخلات الأسرة وسيطرتها غير المنضبطة بالقانون السائد.
وفيما يلي نذكر مشهدين حقيقيين يدلان على هزال صلاحية الأسرة في زمن التواصل الطاغي والثقافة الوافدة :
المشهد الأول – قصة من السودان،تعود تفاصيلها إلى أن شابا ذا مكانة علمية واجتماعية كبيرة تقدم إلى والد فتاة يطلب يدها فوافق والدها دون التذكير بالإجراءات القديمة التي تفرض استرضاء حواشي الأسرة على هذا الزواج .تم الاتفاق على تحديد موعد الزواج
حضر المناسبة بعض أفراد عائلة الفتاة وطالبوا بفسخ العقد بحجة أن العريس ليس من قبيلتهم وأن الزواج تم دون اتخاذ الإجراء المتعارف عليه بين أعضاء الأسرة الكبيرة
اشتد النزاع بين الطرفين :عائلة الفتاة العروس ويقف معها بيتها الصغير وأفراد من القبيلة المعترضين .شاهد العريس الموقف واعتبره انتقاصا من كرامته من أناس لا ناقة لهم ولا جمل في العرس فهو في رأيه أن مسألة الزواج تخص العريس والعروس ووليها الذي زوجها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح البلاغ المعتدين .
ومضت الرواية تقول : إن الشرطة تحفظت على المدعى عليهم بناء على أنهم في موقف معتدي حتى جاء الشاكي بعد عودته من الفندق ليفرج عن المعتقلين بتهمة التدخل في شؤون الآخرين وتم الإفراج عنهم بعد أخذ تعهد قضائي بعدم تكرار مثل هذه الأخطاء.
وهذا مثال واقعي في البيئة التي تلزم الخاطب بالمرور على معظم أفراد العائلة الممتدة لنيل رضاهم وكان عليه أن يقدم الهدايا والعطايا لصالح كل شخص يزوره للحصول على الموافقة.
المشاهد الأخرى في أوروبا:
تابعت قصة فتاة أرترية ، كانت قد نفرت من أبويها ، وسكنت بعيدا عنهما محمية بقانون البلد وتواصل العمر بها حتى وصلت الزواج فاختارت شريك حياتها كانت تجمعها به قاعة الدراسة، استيقظ ضميرها وصحت من سكرة الحرية ، ساقتها قدماها العاقلتان إلى العودة إلى الأسرة تريد بركتها وحنانها ، ورضاها ،طلبت من والديها الموافقة على زواجها من صديق العمر والدراسة ، وفي سبيل تسهيل أمر الزواج طلبت من صديقها أن يدخل في الاسلام، فوافق على الفور، كانت الأسرة متخالفة في أمر الموافقة لبنت ظلت فترة نافرة عنها لكن تراجعت الفتاة بالتدرج لصالح الزواج فالحلال يوجب التناصر ، فقد أقنعت الأم العطوف الوالد العنيد أن يلين تجاه المناسبة ويقدر الظرف وعودة البنت الوحيدة إلى الأسرة بعد النأي الجافي يستحق المكافأة بالموافقة قمنا بوساطات عملت على تليين موقف الوالد ،تجاوزنا العقبة التي كان يضعها الوالد أمام الوسطاء بالسؤال عن سيرة بنته التي يصفها بالعقوق والسؤال عن السيرة وأهل الزوج ” ا لخواجة ” ولماذا يبدو منفردًا ، أين أهله ، أين قبيلته ، كان يريد الوالد تطبيق ما ترسخ في عرف صارم وتقاليد المحيط الأسري النبيل .
تجاوزنا العقبة ، تم الزواج ، وقبل تم الإعلان عن اسلام الزوج الخواجة أمام الحضور
ولم يكن يتضايق مما يرى من الاستهلالات الدينية في المناسبة وأهازيج الفرح بالعربي
يبدو لي من خلال القصتين أن إرادة الأبناء تتباين أمام إدارة الآباء ، وإن مزاج الصغير ينتصر أمام مزاج الكبير المنسحب ولهذا أدعو أن يخطط الآباء لانسحاب مقنن مألوف بدل الانسحاب المهزوم
أننصح أن يرتب الآباء الأولويات ليأتي على رأسها مباركة الزواج الحلال ما دام قد جاء على واحد من الخيارات الفقهية الإسلامية وأن نفصل بين ما هو عادات مجتمعية عما هو أساسيات دينية في الزوج الشرعي حتى يتخفف الحلال الطيب من الأثقال المعيقة .
إن ثقافة العصر الجديد التي تمجد الفردانية وتحارب كيان الأسرة وكل ماله علاقة بالأعراف والموروثات الشعبية المترابطة، هي معركة غير متكافئة بين الأباء والأبناء دفعت بالوالدين دفعاً إلى التنازل عن بعض مبادئهما وقناعاتهما، من أجل البقاء داخل دائرة الأسرة .
والحقيقة أن الأسرة المهاجرة خاصة مهيأة أصلا للتنازل عن قناعاتها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها تحت ضغوط الحياة المستمر وتمرد الأبناء على قوانين الأسرة ونظامها التقليدي والأسرة التي تحاول أن تتمسك بعاداتها وتقاليدها وقناعاتها دون التخلي عن بعضها فهي واهمة، من المتوقع أن تصمد أمام التيار العنيف الذي يدفع الأبناء بعيدا عن التراث الذي ينظر إليه بناء على أنه أثر متخلف ،
يلزم الآباء صحوة عاقلة تدعوهم لإنشاء مؤسسات تدعم الأسرة بالتوعية والتوجيه وتهتم بقضايا الأسرة في :
- الاندماج الإيجابي في المجتمع المحلي.
- الإصلاح بين الأزواج في حالة الخلاف.
- قضايا الأسرة زواجا وطلاقا.
- الاهتمام بقضايا المراهقين وتوجيههم وإيجاد حلول ترعى وضعهم الاجتماعي والنفسي.
- تنمية قيم الانتماء للوطن والأهل للمراهقين
- تحفيز المراهقين على المشاركة الاجتماعية والسياسية ليكتسب المراهق شعورا بوحدة المصير للأسرة والوطن الذي ينتمي إليه.
تنزيل هذه المقترحات على أرض الواقع من شأنه أن يساعد على الحفاظ على صلاح أبنائنا وأسرنا ومجتمعنا في الوطن الأصل أو البديل فالمجتمع الصالح يبني على الأسر الصالحة، والأسرة الصالحة تبنى على الزوجة الصالحة. قال تعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) سورة النساء . (34).