يا جلاد اقصر..فابن الأسير قادم
فإن الحق لا يقتل بعصى !!
وابن الشهيد قادم ..
وابن الأسير قادم ..
وزحف الشعب قادم ..
اليوم عيد فلهذا لا عجب أن أراه يجري مثل الآخرين نحو شخص أتى من السوق بملابس عيد !! ويقول : بابا بل يا عماه أين ملابسي ؟ لماذا تعطي الآخرين , ولا تمد يدك إلي ؟ ألم تقل أمي أنك مثل أبي وتقوم مقامه في رعايتي ؟
ولما علم أن كلماته وتوسله لم يستطع إقناع الآخرين تجاهه , انصرف قنوعا يبحث عن أبيه !! ولأنه هذه المرة ابن بضع عشرة سنة؛ قد تجاوز مرحلة الطفولة ,واشتد عوده, نظر إلى أمه نظرة كبير ناضج يعرف واجبه ويعرف فضل الوالدة التي تحملت مسئوليته وهو صغير عديم الأب وكانت تطمئنه بأن له أكثر من أب :
التنظيم السياسي المعارض أبوه
الجيران
الأعمام
الأخوال
الإخوان
كلهم أبوه حبا وخدمة ورعاية ..
لكنه لم يجد فيهم مثل ما يجده أنداده من عطف وحنان وسخاء يد. و قد كبرت سنه الآن حتى وصلت قدرا أدرك معه أن أباه مسجون , وعرف معنى “السجن” بأنه المكان البغيض الذي غيب أباه ؛ فلا خبره يأتيه, ولا سلامه يتلقى ,ولا قتله معلوم ,ولا جريمته تذكر ,ولا إفراج مؤمل لهذا الشخص المغيب .
وعرف معنى “السجان” بأنه نظام جائر, وأدواته شخص بغيض ؛انتزعت الرحمة من قلبه, وغرست عداوة المسلمين في يده ,وعميت بصيرته ؛ فلا يفكر إلا بالضرب الغليظ ,ويقتدي بسياسة من قال الله عنه ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ). لا حجة معه ,ولا منطق يحكم تصرفاته
- دعوة إلى الحوار لا يصغي لها
- المعارضة لا يعترف بها حتى لو كانت في أبواب منزله قوية فاعلة فكيف وهي أوهى من بيت العنكبوت.
- ولهذا رشح نفسه لأمر عظيم لكونه لم يعد اليوم يتيما ضعيفا ؛ وإنما أصبح رجلا ذا عزيمة, وذا ثأر مشروع,وقلب مخاصم,وبيده الحق المنصور .وكانت السنوات البضع عشرة التي غيب فيها أبوه كافية لتكون مدرسة تجعل منه البطل المقدام الذي يرث رسالة أبيه ويرفع العصى في وجه عدوه . ولأنك سجنت وأسرت وقتلت من كل البيوت ومن كل الولايات ومن كل الطوائف فإن ابن الأسير وابن الشهيد لم يعد اليوم شخصا واحدا وإنما تنامى حتى أصبح أمة باحثة عن مخرج فهل تقف يا جبار في وجه الأمة الغاضبة .حينما أقبلت إليك كنت بها بطلا فاتحا فإذا أدبرت عنك تصبح سرابا يتلاشى أمام زحفها بقيادة ابن الأسير وابن الشهيد .
يا جلاد .. أنا لا أرق لحال الأسرى بقدر ما أشفق عليك ؛ فشرف الأسرى مثل شرف الشهداء وسام خالد ؛ يشع نورا لصاحبه كلما تقادم الزمان به. لكني أشفق لحالك ؛ لأنك بين مذلتين : مذلة الزائل المذكور بالشرمثل أبي لهب , أو مذلة الساقط المقهور مثل فراعنة الربيع العربي فبما كسبت يداك تجزى , وما غرست تحصد, ولا يجنى من الشوك العنب .
أترى ابن الأسير ينسى ما عليه أمر والده؟ ويتجاهل ما تفعله أنت تجاه أبيه ؟ أكثر من عشر سنوات مضين والتاريخ يسجل أنك كل يوم تطلع فيه الشمس تختطف أحد الأشراف؛ معلما أو سياسيا أو شيخا, تدفن بتغييبهم الحكمة والحق والماضي والمستقبل, إذ لا ماضي دون احترام السابقين في الخيرات, علما ونضالا, ولا مستقبل دون تقدير العلماء والاحتفاء بهم ,وفسح المجال أمام ريادتهم, وإن الأنظمة التي تريد أن تبني المستقبل دون العلماء لأنظمة جوفاء, لا تحمل معها عوامل البقاء, وليست مؤهلة للريادة ولا هي قادرة لنمو الوطن حتى لو رفعت شعارات النماء ؛ وذلك لأنه لا يصل إلى المبتغى من أخطأ الطريق ولا يتحقق النمو من يكسر أدوات البناء؛ تارة بالحرب ضد الخارج , وتارة بالتعارك ضد النفس فهل يمكن تحقيق النمو دون أدواته من العلماء والأمن والسلام والتصالح مع الشعب . ومهما يكن أمر بغضك للحق وأهل الحق ومهما اشتدت وطأتك عليهم فإنه يلزم أن تعلم لو كان السجن والجلاد قادرين على قتل الحق وقتل القضايا ما كان يوسف ليعود حاكما على مصر من غياهب السجن ولا من ظلمات البئر. ولو كان السجن والسجان قادرين على قتل الحق وعلى قتل القضايا ما كان موسى عليه السلام قد ولد وربي في منزل فرعون وليخرج سالما من سياسة قتل الأبناء واستحياء النساء وإبادة الرجال
أريد أن أخبرك بخبر وإن كان بشارة لنا لكنه كالصاعقة عليك أني :
رأيت بعض أبناء الأسرى وقد أصبحوا مجاهدين يحملون راية آبائهم فأي معارضة هذه التي تريد أن تخنقها بأسر بعضها ؟
رأيت بعض أبناء الأسرى المعلمين وقد أصبحوا خريجين يحملون شهادات جامعية يواصلون درب الآباء تربية وتعليما ودعوة فأي علم هذا الذي تريد أن تحاربه بأسر بعض معلميه وبعض أساتذة معاهده
رأيت بعض أبناء الشهداء يقولون : لن نلقي السلاح حتى نثأر لآبائنا ولديننا فأي معركة هذه التي تظن أنك أطفأتها بجيش خرج لملاحقة المجاهدين ؟
رأيت مجاهدين كانوا قد وقعوا في الأسر فأفرج عنهم الجلاد مرة وظن أنهم قد تابوا على يده فإذا بهم يعودون إلى الجهاد من جديد بصورة أشد شراسة من الأولى !! فأي حبل هذا الذي تظن انك قطعته حتى لا يتواصل الجهاد ضدك
رأيت كثيرا من رفقاء الشهداء تدافعوا إلى الشهادة بعد قتل أصحابهم في درب العز والبطولة فأي عزيمة هذه التي تظن انك ثبطتها بقتل بعض المجاهدين ؟
كانت بدر أرتريا ( فانكو ) المجاهدة- التي أرادها نظام الجلاد خاتمة المعارك ضد المجاهدين – الشعلة التي أضاءت الطريق الأكثر استقامة والأكثر هدى,فكم من الوقائع الجهادية أتت بعدها, وكم من الشهداء سقطوا بعد شهداء فانكو :
معارك في بركا والقاش
معارك في الساحل الشمالي
معارك في رورا منسع
معارك في رورا ماريا
معارك في رورا حباب
معارك في قلب
معارك في دبر سالا
وحتى سمهر شهدت نار بل نور الجهاد وتشرفت بالاستشهاد وكانت وصلا لتضحيات من مجاهدين سقط إخوانهم شهداء في الدرب نفسه نصرة للحق والعدل والإسلام, وحماية للعرض والمال والنفس والعقل .
- إنه جهاد لم تنشره وسائل الإعلام
- لم توثقه أدبيات التنظيمات
- لم يجد القدر المناسب من الدعاية
- لم يستثمر لصالح المعارضة
- حتى المجاهدون لم يجعلوا منه أدبا حيا ثائرا في المنتديات والمحافل
- لم يسلم من عداء واحتقار المعارضة الوليدة الشلاء الجبانة
- لكنه مسجل عند الله وعند الملائكة
- ومعلوم كذلك عند النظام
- ومروي في الأفئدة والقلوب ويتناقل بالشفاه فأم الشهيد وأم المجاهد وأبناؤهما وأم الأسير وأبو الأسير وأبناؤهما يدركون ما أدركه شهيدهم أو أسيرهم من عز وفخار فأي هدف هذا الذي يريد أن يحققه جلاد أرتريا ؟
- إذا الأسير المفرج عنه عاد إلى الجهاد من جديد
- وظلمات السجن والتعذيب لم تكن وسيلة ناجعة لقتل قضايا العدل والحرية
- والقتل والاختطاف لم يحقق غرضه في إخافة وتثبيط همم الخلف المقتدية بالسلف في التشبث بالحق والمطالبة به والتضحية من أجله
فإلى متى يا جلاد سوف تظل مقتنعا بأن الحل السحري في العصا والجبروت لا في الحوار والمنطق والمصالحة وتقاسم المصالح ؟
الوطن ينهار , وينهار بفعل الحرب المستمرة التي تتجه تارة إلى الجوار, وتارة إلى النفس, ولا شيء غير الحرب لديك, فإلى متى تظل ترفع راية الحرب ترهق بها نفسك, وترهق الآخرين بلا جدوى؟ هل يعجبك الوصف الدائم الذي يلاحقك بأنك مشاغب القرن الأفريقي لمصلحة الآخرين دون أن تحقق شيئا لنفسك ولا لشعبك ووطنك ؟ بل قد أصبحت عارا لكل أرتري في الخارج والداخل إذ لا يتشرف أن ينسب إلى رئيس ونظام أخفق في كل الميادين,وبغيض عند كل المحافل , وقد أصبح لا يلوذ إلا باليهود ولا يأنس إلا بهم أنس حية بحية و إيواء عقرب إلى عقرب .
آخر المداد :
قبل فوات الأوان – يا جلاد – مد اليد التي قتلت وافسدت إلى اليد التي تعفو وتصفح , ومن مبادئ دينها وسمو خلقها أن تضع دماء الجاهلية تحت قدمها وأن سعيها إلى العفو والمسامحة أكبر من سعيها إلى الثأر والانتقام دون أن تغفل أن للسلاح موضعا لا يصلح له إلا هو وعلى الجبار الجائر ترفع السيوف البواتر. فهل أضافت السنون العجاف التي حكمت موقفا إيجابا جديدا في نفسك يأخذ بيدك إلى الحق والمصالحة مع خصومك أم لا تزال تصر على سياسة العصى والسجن والسجان حتى يأتيك ابن الأسير وابن الشهيد فهو غير نائم وغير ناسي وغير عاجز لأن معه الحق المنصور والقلب الشجاع والثأر المشروع ؟؟ .
باسم القروي
الجمعة 2 شوال عام 1426هـ
الموافق 4 / 11 / 2005م
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم