حقق الحُلم … فهل اكتملت الصورة ؟؟
ولدتُ بها وكأنني لم أُولدُ بها ، لكأنما هي خيال
يعشش في مٌخيلتي وينازعني اليقين حينا ً والشك كثيراً من الأحيان ،
هل هذا الوطن موجود في هذه الكرة الأرضية ، قائما علي أرض الواقع ..؟ رغم علمي واطلاعي عليهِ في أطلس العالم . كان كل حُلمي وأمنياتي أن تُلامس أقدامي تُرابه، وتتفتح عينياي على حقيقة وجوده ! لتدور عجلة الزمان ، ومن حُسن حظي ومن شابهني من بني وطني أن تأتي الثورة المعلوماتية لأراها هذه المرة على الشاشة البلورية . فبدأت تكتمل الصورة شيئاً فشيئاً حتى أصبحت من مدمني التلفاز ، لا أنفك أتنقل بالريموت عن ( أبو جمل ) ، نعم من يقرأ هذه الكلمات قد يستغرب ويتعجب بعض الشئ !! ولكنني صادق ومحق فيما أكتبه ، لان انتماءنا لهذه الرقعة الجغرافية ليس إلا الانتماء التاريخي ، لا انتماءاً وجدانياً ، عازياً هذا لقصور الكبار في تربية النشء ، كيف لا ولم يرفرف أمامنا علم لنتعلق به ، ولا نشيد وطني يرتل صباحا ومساء نرتبط به ؟ ولا تاريخ نستنير به ، ليذوب لوني وتضيع هويتي الحقيقة فماذا كان يرجى مني سوى أي شيء في هذا الخيال الذي لازمني لتلكم الفترة الطويلة من عمري . ولولا ارتباطي الوثيق بالوسط الطلابي وكيانه العظيم لما أتيحت لي كتابة مثل هذه الخاطرة . انقضت السنون والشهور والساعات وبدأ العد التنازلي بفك الارتباط عن تحقيق الحلم الذي لطالما راودني سنين عديدة ، قبلها حاولت جاهداً لأزورها ولكن للأسف باءت كل محاولاتي بالفشل ، والأسباب هنا كثيرة عديدة .. ! لتأتي الدعوى الكريمة من السفارة الوطنية بالخرطوم ، فكان لي شرف عضوية الوفد الزائر لأرض الوطن . وعندما أبلغت لم أتردد لحظة واحدة ، وقلت في نفسي لقد أتى وقت تحقيق الحلم بعد الانتظار الطويل الذي كنت أترقبه بشوق ولهفة …. حزمنا حقائبنا وأمتعتنا متجهين صوب الشرق ، كانت السعادة تغمرني والنشوة تتملكني ، وقاموس الكلمات يعجز عن تجسيد الحالة ، لاسيما وان نسيما عليلاً قد بدأت اشتم رائحته الزكية حينها … تهيأتُ تماماً لتطأ قدماي أرض أجدادي وآبائي ، اللحظة التي طالما رسمت لها مشاهد شتي في مخيلتي ، وسيناريوهات كثيرة …. عند وصولنا الحدود كنت أتوقع أن يكون الفاصل الحدودي كيلومترات بين الجبهتين على الأقل ولكن تفاجأتُ بالفاصل الحدودي ، (حبل تيل) فقط يمتد علي طول 25 متر ، فما كان منا إلا أن أعبرنا هذا الحبل الذي يفصل بين الدولتين كما يفصل بيني وبين أحلامي أيضا ، في ثواني ، لأجد نفسي في تراب جديد و أجواء جديدة . وهكذا تحقق الحُلم لكن لم تكتمل الصورة . أتمني أن يتحقق حُلم الآخرين الذين يحلمون بمثل هذه اللحظة التاريخية ، من بني وطني وهم بلا شك كثر
صبراً لا تواصل في نشوة السرور بالعودة للوطن الحبيب لأني غادرته راغماً مرة أخرى والمرارات تلاحقني إلى أبعد مسافة ليفصل بيني وبينه المحيطات والقارات بدل الحبل الصغير الذي يحرس جانبيه جنديان وطنيان نحيلان يشكوان ظلم الحاكمين، لم أجد في الوطن أمنية الأماني ، صحيح شاهدت الأرض الخضراء الوفية ، وهذا هو عنسبا المعطاء يسخو بالماء العذب ولكني لم أجد السلطان الوفي ، كما أن المقام لم يطب لي مع الظروف السياسة الطاردة للأهل والشعب والأصدقاء والحرية المخنوقة ، أخذت أسأل عن معلمي ، وعن مشايخي ، وعن أعيان بلادي وعن شبابهم الغض الوديع أين هم ؟ لم أجدهم ؟ وقيل لي: اختفت العناوين ، والغياب سيد المشهد ،والوحشة سيدة الأمكنة الجميلة ، والرعب يحيط بكل جانب والأهل وبعض المعارف المخلصون يطرحون السؤال باستغراب : لماذا جئت هنا من الهجرة الآمنة ، ألم تسمع أن الناس يبحثون عن طريق الهجرة ؟ ما الذي ساقك إلى وطن البلاء ؟ وينصحونك بالتخفي، عندئذ علمت أن الحلم سوف يظل محلقاً في الفضاء يبحث عن أرض الأماني وأن الحبل الصغير الذي يفصل بين دار الوطن ودار الهجرة أشد قسوة من المحيط الذي عبرناه بهدوء إلى بر الأمان لنعيش غرباء مهاجرين مرة أخرى هجرة لم أبتلع مبرراتها بعد :
الاستقلال بجلاء العدو
السلطة الوطنية التي حلت محله مكاناً واتخذت أساليبه بطشاً وتنكيلا ً
ولهذا أجدني من بعيد مثل غيري من الوطنيين الغيورين أرنو وأحلم بوطن العز يستقبل بنيه بحفاوة لا بعداوة ، وبلين لا بقسوة وبحرية وأمن واستقرار وتنمية لا بكبت وخوف وعطالة وفقر
لا زال الحلم متواصلا بأمل أن يأتي الوطن الذي يستوعب المواطنين ويحتضنهم بحنان ٍ، يطلق سراح المعتقلين ، ويبسط الحرية ، ويحكم بالعدل ، ويستوحي شرائعه من تراث الوطن قيما ودينا ومصالح ووفاق وتراضٍ ولأن الرؤى الصادقة قد تكون من نبراس الوحي المنزل ولهذا يظل الأمل يحدوني إلى التفاؤل بوطن جميل كما قد تخيلته ، وحلمت به ، وإن أحلام ا ليوم حقائق الغد ، وإن الله يبارك على الجهود المخلصة التي تسعى لتحرير البلاد والعباد في أرتريا ، الحلم الجميل والأماني ا لعذبة وإنا لمنتصرون إن شاء الله .
أ.عثمان شيكاي – لندن
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم