ميناء مصوع …. ضوء في الزوايا المعتمة في حياة الصيادين الأصليين
تسهيلات كبيرة لتمكين المسيحيين والتضييق على المسلمين
النظام الأرتري يحتكر السلع البحرية ويحرم المواطنين
تقرير زاجل – مصوع
**************************
بعد تقريرها عن الميناء عصب زاجل تطل عليكم اليوم من الميناء مصوع لتضيء زاوية معتمة عن علاقة الصيادين مع النظام لأنه ميناء يصبح من البدهي أن يعيش سواد من سكانه على البحر صيداً وتجارة وحياة بحر لكنهم لم ينجوا من قهر النظام الأرتري لهم فماذا يجري لهؤلاء السكان ؟
تحدثت تقارير متكررة عما يقوم به النظام ضد شعبه من احتكار السلطة والثروة بخلاف المعلومات التي تنشر عن معاناة سكان البحر عامة والصيادين خاصة ولهذا كان هذا التقرير
صعوبة المهمة
مصادر المعلومة في أي بلد هي الشعب والسلطة بخلاف أرتريا فإن الشعب لا يبوح بشكواه خوفاً ولا أمل في ذئب وجد ما يفترسه أن يروي للإعلام ما يدينه ولهذا كان المصدر الأصلي لهذا التقرير هو المشاهدة الميدانية خفية والأنس الطيب مع الأصدقاء أصحاب الوجع
الميناء والجزر
من أقدم الموانئ في أرتريا مصوع وهو الأكبر مساحة والأكثر نشاطاً مقارنة بالميناء الأرتري الثاني ” عصب ” الذي يقع في أقصى الجنوب قريبا من دولة جيبوتي . ومصوع الميناء يفصل الساحل الأرتري من وسطه إلى نصفين ولهذا صلح من حيث الموقع أن يخدم كل أرتريا وأن يخدم شمال إثيوبيا في حال وجود وضع سياسي متعافي بين البلدين
ويتبع الميناء مصوع عدد كبير من الجزر الـــــــ 360 التي تملكها دولة أرتريا في البحر الأحمر
حياة السكان :
الميناء الأرتري الآن راكد بسبب الحصار المفروض على النظام الحاكم ولهذا تعطلت الأيدي العاملة التي كانت تعيش على مناشط الميناء من شحن وتفريغ والعمل في الملاحات التي بارت سلعها والمصانع
ويبقى الصيد خياراً مهماً
كان صيد البحر من أعظم المهن لسكان مصوع في تاريخها وعلى الرغم من محاصرة النظام لهذه المهنة لا تزال تكافح استجابة لضغوط المعيشة ولهذا توجد مناشط للصيادين تمخر مراكبهم لجج البحر وهذه مشاهد من المعاناة :
أولاً – شرط الترخيص الجائر:
يشترط النظام الترخيص للأنشطة البحر المعيشية مثل كل القيود المفروضة على سكان أرتريا فلا يسمح لأحد مزاولة المهنة دون أن يجد رضى من السلطات وترخيصاً، والمرخص لهم على قلتهم يأخذهم البحر في عمقه ويتفاوت حجم السفن والمراكب وقدرتها على الصمود أمام أمواج البحر وشح الوقود الذي يجبرهم أن يعودوا بما يجدون من مغانم السمك وتستغرق الرحلة أسبوعا في الغالب وقد تعود خلال يومين حسب كسبها من محصول السمك أو كنوز الجواهر.
ثانياً – القسمة الظالمة :
يطلب من الصيادين قسرا أن يسلموا صيدهم إلى الإدارة المعنية بالمدينة مصوع التي تعودت أن تستلم منهم محصولهم مقابل خدمات تقدمها لهم بينها القروض التي تتزود بها الرحلة من مصاريف ووقود وتيسيرات يحرم منها غير المرخص لهم من الصيادين
وأكد صيادون تحدثوا لوكالة زاجل الأرترية للأنباء أن المحصول يقسم أثلاثا غير متساوية فأولها سداد فواتير القروض التي تستلمها مؤسسات الحكومة ثم حصة البيع الإجباري والسعر الإجباري الذي تفرضه الحكومة ويبقى الثلث الأخير مقسماً بين صاحب المركب والصيادين المرافقين له ولهذا تتعاظم أحوالهم سوءاً
ثالثاً – أسعار ظالمة:
ولبيان الظلم الواقع على الصيادين و وأصحاب المراكب على يد النظام نجد أن سعر الكيلو لدى السلطات المجبرة 50 نقفة وفي الأسواق البعيدة عن سيطرة الحكومة أكثر من 200 نقفة وهي تشتري السمك من الصيادين خلسة وتهريباً لأن الحكومة تطاردها وتتعقبها بالعقاب القاسي. ويتحدث الصيادون في مصوع أن الحكومة الأرترية تبيع السمك المصادر إلى الصينيين ويضيف بعض الصيادين الذين تواصلنا معهم أن السمك المرغوب لدى الصينيين هو سمك كبير الحجم وكثير اللحم وكثير الدم قد تزن الواحدة منه 50 كجم وهو من النوع السيء من حيث الجودة لكن التجار يعمدون إليه بسبب رغبة الصيينيين فيه
رابعاً – فروق في التجهيزات
الصيادون الصغار وأصحاب المراكب لا يقوون على التخزين الطويل الأمد للمحصول بهدف تصديره إلى الخارج وذلك لأن السلطات لا تسمح للمواطنين بالتصدير الحر الرابح ومن ناحية أخرى أن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بالتجهيزات اللازمة لحفظ السمك ولهذا فهم مضطرون لبيع المحصول لشركة حكومية رسمية ( هبتي بحري) استجابة للقوانين المفروضة وعجزهم عن توفير بيئة آمنة وتخزين مصون لمحصول السمك أما السلطات الرسمية فلها ثلاجات كبيرة تستقبل أنواع السمك من المواطنين ولها فروع في عدد من الأقاليم الأرترية تتعامل مع السمك تخزيناً وبيعاً وشراءً وترحيلاً عبر سيارات خاصة مجهزة بوسائل حفظ السمك من التلف وتعمل تلك الفروع على إثقال كاهل المواطن بالقروض والتسليف الجائر الذي تنتزع باسمه عرق الصيادين وتجار السمك الصغار الذين يعيشون على صيد السمك والمتاجرة
خامساً – صيد ثمين :
يتحصل البحارة على أنواع أخرى من الصيد البحري يحرصون على اقتنائها والهرب بها من عين الحكومة تعويضاً للضرر الذي يلحق بهم من ضغوط السلطات التي تتعقبهم ومن أنواع الصيد الثمين ما يأتي :
1- أنواع من الأسماك الخاصة غالية الثمن وجيدة الطعم
2- اللآلي البحرية والجواهر والحجارة الكريمة
3 – الظفر وهو حيوان بحري مأكول اللحم وأظافره تخلط بالطيب ويباع وزناً وسعر الكيلو منه يصل رسميا 900 نقفة وفي االسوق الأسود أكثر من 1700 نقفة ويهربه الصيادون إلى خارج البلاد ليباع بأثمان باهظة
4 – يوجد حيوان بحري آخر يسمى محليا بــ ” حزرة أو العزيرة ” وهو بحجم الموزة وقيمته أعلى من الظفر إذ يصل السعر الرسمي بحوالي 2000 نقفة وفي السوق الحر يباع بسعر يتراوح بين 6000 إلى 7000 نقفة وهو نادر الوجود ومرغوب جداً ولهذا غلا ثمنه .
سادساً – عملان مختلفان
الصيادون غالباً لا يجمعون بين صيد السمك وبين صيد جواهر وكنوز البحر وذلك لأن الأخيرة تلتقط بمشقة من أعماق البحر بخلاف السمك الذي يمكن الحصول عليه بواسطة إغراء وتحفيز ضئيل وشبكة بينما الجواهر تتطلب جهداً ومهارات وصبرًا أشد لمواجهة محاولات من الفشل متكررة و ربما تلتقط بآليات لكن الغالب يتعامل معها الصيادون يدوياً لعدم توفر الآليات الحديثة ولهذا نجد أن المخاطرين فيها قليلون وأن معظم الصيادين يتجهون إلى صيد السمك لسرعة الحصول عليه وقلة مخاطره .
سابعاً – مدة الصيد وصفة المراكب :
المراكب التي يملكها المواطنون صغيرة تحمل ما بين عشرة إلى اثني عشر فردًا وفيها ثلاجة كبيرة تحمل حوالي ثلاثمائة قالب ” لوح ” ثلج توضع مع السمك ويغطى به بغرض حفظه من التلف وفي المركب مولد كهربائي يعمل بالوقود يساعد على الحركة والسرعة في البحر الأحمر لغرض صيد البحر ظاهراً.
وتقضي هذه المراكب في عمق البحر حوالي اثني عشر يوما حسب تصريح رسمي يمنعها من تجاوز هذه المدة كما أن كمية الثلج نفسه المحفوظ في الثلاثة قد يجد صعوبات في الصمود لمدة أطول من شهر و أن الوقود المرخص به لهذه المراكب محدود ولهذا قد يجبر على العودة العاجلة من عمق البحر إلى الميناء
ثامناً – مخارج من المضايق :
يتعامل الصيادون مع هذه الخيارات الضيقة بصور متباينة فبعض الصيادين قد يكتفي بالقليل من السمك فيعود سريعا بعد مضي يومين أو ثلاثة وبعضهم قد تمتد به الرحلة لمدة قد تزيد عن الشهر ولهذا يتعامل الصيادون بطرق ملتوية للنجاة من بطش السلطات التي تؤاخذ بصرامة على مخالفة تعليماتها
تحدثنا لعدد من المواطنين لهم معرفة لصيقة مع الصيادين أكدوا أن صيادين وأصحاب مراكب كانوا يمضون مدة طويلة قد تزيد عن الشهر في مخالفة واضحة يهربون فيها محصول السمك والجواهر إلى دول الجوار ويتحايلون على الحكومة متهمين الأحوال الجوية وتقلبات أمواج البحر بتأخيرهم عن العودة السريعة وهو تبرير معقول لأن البحر قد يحبس المراكب مدة طويلة تظل فيها آوية على جزر مقطوعة حتى تتحسن الأحوال وبالنسبة لمشكلة نفاد وذوابان الثلج أو نفاد كمية الوقود المعتمد المصرح به يعرف الصيادون كيف يتجاوزون مثل هذه الصعوبات عبر طرقهم ا لخاصة بالتعاون مع التهريب المتوفر بصورة كبيرة في وسط سكان الجزر الذين يتعاملون مع النظام بنصف ولاء وينظرون إلى مصالحهم بالنصف الآخر .
تاسعاً – شكاوي الصيادين :
يشكو الصيادون في مصوع مثل بقية المواطنين من مضايقات رسمية تعمل على تثبيط هممهم من العمل الحلال وتؤدي إلى إفقارهم عمدا ويلخص المواطنون سياسة الحكومة المضادة لمصالحهم بما يلي :
1 – قلة الوقود التي تمنح لهم فهي لا تكفي للإبحار أكثر من المدة المصرح بها رسميا ” أسبوع واحد فقط”
2 – الثمن الزهيد التي تصادر السلطات به قسرًا محصولهم من البحر
3- ربط السفر في البحر والصيد فيه بالخدمة الوطنية الطويلة الأجل
4 – مضايقة المواطن الأصلي من سكان مصوع والجزر ومنح تسهيلات لغيرهم من طائفة المسيحيين تتمثل حسب رأي المواطنين الاصليين في :
* تسهيلات يمنحها المسيحي أو الموالي للنظام لتجاوز الشروط الصعبة
* منحهم تراخيص سريعة للعمل في البحر
* تحفيزهم بعلاج مجاني لإصابات العمل و مخاطره المحتملة
* تدريبهم على العمل في البحر والصيد دراسة أكاديمية وتطبيقية بخلاف الصيادين الأصليين الذين من العسير ان تتاح لهم مثل هذه الفرص الرسمية
* تزويد انصار الحكومة الصيادين بآلات صيد متطورة مع حرمان غيرهم منها
عاشراً – السكان في الجزر :
أتى المسيحيون في جزر مصوع بشكل عمال شركات وموظفي دولة وجيش مرابط في هذه الجزر ثم تطور أمرهم لامتلاك أرض وتشييد منازل فخمة بواسطة مانحين أجانب وبتسهيلات من الحكومة وأتى بهم التعليم والخبرة والقدرة والحكم فأخذوا يمكنون للغتهم وأخلاقهم ودينهم فشكلوا الآن ظاهرة محكمة فارضة نفسها على واقع كان يعتبرها بداية شذوذاً وعابر سبيل .
وقد أضفت الحكومة وداعموها الأجانب حياة مترفة على هذه الجزر حيث زودتها بخدمات الماء والكهرباء والطرق المعبدة وهي تبعد عن مصوع عدة ساعات تقريبا بالمراكب العادية
السكان الأصليون ينظرون إلى هذه الجزر وما أتى إليها من رفاهية ومعمار حديث ينظرون إليها بانها غرس ظالم أرغم على تشييده وتخضيره وتجميله جنود الخدمة الوطنية الذي حرموا من تعويضات عرقهم بينما النظام استلم بالعملة الصعبة من الداعمين مقابل استغلال الأراضي الأرترية وموانيها
يسكن السكان في جزر مغايرة مثل – ” قرى دهلك : دهلك كبير ، درمشي ، دبعلو ، سلعيت ، مليل ، داسقو ، والعاصمة جيملي و تقع هذه الجزر في مساحة 70 كم مربع ويقدر عدد سكانها بالآلاف و هم يكابدون البؤس والعذاب نتيجة لسياسة الحكومة الطاردة حيث لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات راقية في التعليم والصحة والاقتصاد ولا أمن ولا تنمية.
الخلاصة :
السكان في مصوع يعيشون حياة قاسية مثل بقية المواطنين لأن النظام فرض عليهم القيود الظالمة التي تضيق معيشتهم وقام بتسهيلات كبيرة لاستيطان المسيحيين وولهذا بقي معظم سكان مصوع المسلمين في دور الهجرة يتابعون الوضع بقلق ومن صمد منهم يعاني. مرارة الاضطهاد والحرمان علي يد النظام الطائفي المستبد كما يصنفه المسلمون الأرتريون.
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم