مقالات وآراء

المثقف الارتري والأجنحة المتحاربة في إرتريا وإثيوبيا

أ.د.جلال الدين : المثقف الارتري والأجنحة المتحاربة في إرتريا وإثيوبيا

في مقال جديد خص به ” زينا ” البروفيسور جلال الدين محمد صالح: الأقوياء الأوفياء، لاينكسر لهم قلم، أو يجف حبر، أمام مرهبات ومغريات المتسلطين.وكثيرًا ما ينشق المثقفون الأحرار عن سلطة المتسلطين،لا العكس وفاءً بعهدهم مع ضميرهم.
المثقف القوي لا يطير مع الحرب التي يشعلها فرد طاغ وإنما يضيقون مساحتها حتى يجيزها برلمان منتخب بخلاف المثقف المهزوم الخائن لضميره وشعبه فهو مع هوى السلطان الجائر دائرٍ مجارٍ .
يأتي حديث أ.د.جلال الدين محمد صالح فيما يأتي من تفاصيل تحت عنوان :

 المثقف الارتري والأجنحة المتحاربة في إرتريا وإثيوبيا 

يؤثر عن لينين أنه قال: المثقفون أسرع الناس إلى الخيانة؛ لأنهم أقدر على تبريرها. 

ومع ذلك ليس كل المثقفين يستعذبون الخيانة وتبريرها، ففيهم الأقوياء الأوفياء، لاينكسر لهم قلم، أو يجف حبر، أمام مرهبات ومغريات المتسلطين.

وكثيرا ما ينشق المثقفون الأحرار عن سلطة المتسلطين، وفاءً بعهدهم مع ضميرهم.

وكثيرا ما تكون الحروب المدمرة التي يشعلونها باسم الشعوب هي الفيصل في القطيعة بين المثقف وبينهم، عندما يصر المثقف على ضرورة كشف خبايا دواعي الحرب، من تمجيد الذات، وتصفية الحسابات، ويصرون هم على كتم أنفاسه بسجنه أو قتله بتهم الخيانة الوطنية. وكثيرا ما يرى المثقف أن السبيل الوحيد لدخول الحرب متى ما أصبحت الخيار الوحيد هو القرار البرلماني وأن إمكانية تحاشيها بطرح حلول بديلة يرد بسلاسة لو ان البلاد أدارها العقل الجمعي بمؤسساته الدستورية. ويكون العكس عندما يتسلط عليها المتسلطون؛ لأن طبيعة تكوينهم النفسي، ونزعتهم الاستبدادية، لا تحلو معها إلا الفتن والحروب. ومن هنا يغيب عن ساحتهم العقل الناقد، والصوت الرافض، ولا يحيط بهم إلا من يزين لهم سوء عملهم. ولعل ما ذكره سفير العراق في الأمم المتحدة محمد الدوري، في كتابه ( اللعبة انتهت ) يجسد هذه الحالة، إذ قال: إن في العراقيين من كان يرى في دخول الكويت خطرا ماحقا للعراق، ولكن ما كان أحد يجرؤ فيقول الحقيقة أو حتى يتحفظ؟.

ومثله يحدثنا مثقف إيراني عن حرب الخليج الأولى   1980 – 1988م  بين العراق وإيران، فيقول:  إنهم عندما يخلون بأنفسهم في مجالسهم الخاصة ينتقدون بقوة إصرار الخميني على المضي فيها، ولكن عندما يجلسون معه يرمون بأبصارهم إلى الأرض، مطأطئين رؤوسهم وصامتين، يصغون فقط بخشوع مصطنع طبعا إلى ما يقص عليهم من استشهاد الحسين – عليه السلام – ولا أحد ينظر إليه، فضلا من أن يناقشه وقف الحرب. ولا محالة أن هذا التصرف من هؤلاء المثقفين العراقين والايرانيين يعد خيانة لرسالتهم الثقافية، غير أنهم قادرون على  تبريره وعقلنته.

ولكن مما يحسب للمثقفين الايرانيين أنهم ما أطالوا الصمت بل طلبوا من رفسنجاني الرجل القريب إلى الخميني ضرورة إقناعه بوقف الحرب وقد فعل، إذ قرر القبول بقرار وقفها، وقال مقولته الشهيرة: لَتَجَرُّعُ السم أحب إلي  من وقف الحرب.

وهو ما يفترض فعله من المثقف الارتري بالنسبة لهذه الحرب المجنونة الدائرة اليوم بين رأس النظام في إرتريا وحلفائه الأمهرى، ضد التجراي، يجب أن يطالب بوقفها، ويقول بصوت عال لهؤلاء المستهترين بالحياة، المندفعين بروح الانتقام لكبريائهم: كفى فقد أهلكتم الحرث والنسل.وهذه هي خاصية كل مثقف نبيل في الموقف من تصرف حكام بلده الشرعيين وغير الشرعيين، في الحرب والسلم. وليست الضحالة والسطحية والانسياق للخطاب العاطفي الشعبوي من طبع المثقف الحر.

ولكن عندما يسقط المثقف إلى هذه الهوة السحيقة من السطحية يتحول إلى مجرد طبال مضلل، لا يسمعك إلا ما يسمعه من الجهة التي يواليها، ويسلمها زمام فكره وعقله؛ ليكون رهن  إشارتها وطوع إرادتها.

وهذا ما يسعد كل متسلط جبار، ومن ثم نرى الجبابرة لا يعيرون تساؤلات المثقفين الأحرار المشروعة أدنى إهتمام، و لا يقبلون منهم إلا مجاراتهم وتبرير تصرفاتهم، ليس إلا.

ومع أن هذه خيانة ما بعدها خيانة، متى ما فعلها المثقف، بيد أنه لا يعدم من يفعلها منهم ويبررها، وهؤلاء هم من تنطبق عليهم مقولة لينين:  المثقفون أسرع الناس إلى الخيانة؛ لأنهم أقدر على تبريرها . وإذا ما طال أمد هذه الحرب المتوحشة التي تحصد شبابنا في تكتم إعلامي رهيب، دون حسمها من أحد الأطراف المتحاربة، فإنها ستعود على مستقبل إرتريا بعواقب وخيمة، وساعتها سيسائل التاريخ كل المثقفين الذين أطالوا الصمت، وكل المثقفين الذين خانوا ضمائرهم، وخانوا شعبهم، لصالح مجد الدكتاتور، وسيحملهم مسؤولية ما لحق

بالمواطن والوطن من هوان، دون إعطاء أي قيمة لتبريراتهم، مهما كانوا بارعين فيها ومبدعين. وبغض النظر عن منطقية الاسباب التي دعت إليها وشرعنتها من الناحية الوطنية، 

فإن خروج إرتريا منتصرة  فيها إنتصارا حقيقيا، أمر فيه نظر؛ لأنها:

أولا : وليدة قرار غير مؤسساتي، تفرد به شخص غير منتخب، لا يسمع إلا صوته، ثم صوت من يزين له سوء عمله، وبحكم العمر تعطل عطاؤه العقلي المتوازن.

ثانيا: وجود انقسام سياسي حاد بين الشعب الارتري في الموقف منها، مما يفقدها الاجماع الوطني، وينعكس عليها سلبا في معنويات المقاتلين.

 ثالثا: وجود إنشقاق رأسي واضح في بنية النظام الحاكم نفسه أدى إلى إخفاء قيادات عليا في معتقلات مجهولة المواقع بتهمة الخيانة، لابد أن يخلف من ورائه أزمة ثقة بين قيادات الصف الأول فما دونهم.

رابعا: تزايد الشكوك في مصداقية أفورقي نفسه ووطنيته، من جراء السياسات التي اتبعها في تعطيل بناء دولة المواطنة ونهضتها اقتصاديا.

خامسا: يخوضها جيش منهك في ذاته، محطم نفسيا، منفصل كليا عن قيادته بمشاعره وأحاسيسه، غير مؤهل تأهيلا عسكريا كافيا حسبما أفاد الأسرى الذين عرضهم علينا تلفزيون (أسنا) إذ قالوا: خضنا معركة على أرض لا خبرة لنا بتضاريسها، وهرب عنا من كلفوا بإرشادنا من العفر، مما حدا بنا إلى تسليم أنفسنا.

وهذا مؤشر جد واضح في أن فكرة الهروب والتسليم إلى العدو حاضرة بقوة في ذهنية المقاتل الارتري.

ومن هنا فإن مهمة المثقف المسؤول هي بالدرجة الأولى والأساسية أن يقف مع شهداء هذه المعركة الطاحنة وأسراها من شباب الوطن المنكوبين وعوائلهم المكلومة المتألمة، وقفة تاريخية وأخلاقية، بعيدة عن العواطف والمزايدات السياسية، يناقش بموجبها المنهجية التي اتبعت في تجنيدهم إلى أي حد هي متوافقة مع مواثيق حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة.

ويناقش أبعاد الحرب على مستقبل البلاد بشكل عام، معتمدا في كل ذلك مبدأ الشك المنهجي، من اتهام غاية التجراي في هذه الحرب بإلغاء وجود الكيان الارتري وإلحاقه بما يسمونه( تجراي الكبرى)

وإلى أي حد مقبول هذا الادعاء منطقيا وممكن حدوثه من الناحية الواقعية؟ وهل الأمحرى في ذلك أقل من التجراي؟.

وإلى أي حد يصح ما يسربه النظام عبر أصواته الاعلامية من إحراز الانتصارات؟.

وفي هذا السياق لابد من أن ينوع المثقف الارتري مصادر تلقيه للمعلومة، ويدرك في الوقت ذاته معنى النصر الحقيقي، مقابل حجم الخسائر الكبيرة التي يقدمها الشعب الارتري ثمنا لهذه الحرب، من أرواحه وأمواله، ويسمو بفكره من أن يكون أسير معلومات مضلله من أي طرف كانت.

وعلى ضوء ذلك يؤدي واجبه الوطني والإنساني والفكري في تحميل مسؤولية الحرب لمن يستحقها.

وكتبه / أ. د. جلال الدين محمد صالح

لندن

المثقف الارتري والأجنحة المتحاربة في إرتريا وإثيوبيا

أ.د.جلال الدين : المثقف الارتري والأجنحة المتحاربة في إرتريا وإثيوبيا

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى