بناءً على تقرير اللقاء بين رئيس المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي والحكومة الفيدرالية الإثيوبية، يمكن تقديم التحليل السياسي التالي:
أولًا: السياق الإقليمي للزيارة
تأتي هذه الزيارة في وقت مفصلي تشهده منطقة القرن الإفريقي، بعد التغيرات الجوهرية التي طرأت على خريطة التحالفات السياسية والعسكرية، خاصة في أعقاب اتفاق بريتوريا الذي أوقف الحرب في إقليم تقراي، وأعاد رسم توازن القوى داخل إثيوبيا وخارجها. وقد أسفرت هذه التحولات عن تدهور العلاقات بين نظام أسمرا ونظام أبي أحمد بعد أن فشل الرئيس الإرتري إسياس أفورقي في تحقيق هدفه المعلن بتصفية جبهة تقراي، مما جعل النظام الإثيوبي يبحث عن بدائل إقليمية أكثر توازنًا، ومنها الانفتاح على قوى المعارضة الإرترية.
ثانيًا: أبعاد التحول الإثيوبي نحو المعارضة الإرترية
التحول الإثيوبي تجاه المجلس الوطني الإرتري يُعد مؤشرًا على تغيّر في الرؤية الرسمية الإثيوبية حيال إرتريا، حيث أصبح واضحًا أن العلاقة مع نظام أسمرا لم تعد تحقق مصالح أديس أبابا الإستراتيجية، خصوصًا مع دعم إسياس لقوات “فانو” المعارضة للحكومة الإثيوبية، وتحالفه مع جناح من التقراي. هذا التحول يفتح نافذة جديدة لقوى المعارضة الإرترية، لا سيما المجلس الوطني، ويضعه في موقع تفاوضي جديد، قد يعيد تشكيل توازن القوى في الداخل الإرتري والخارج.
ثالثًا: أهمية اللقاء ودلالاته السياسية
أهمية اللقاء لا تقتصر على بعده الدبلوماسي، بل تتجاوزه إلى: إضفاء شرعية إقليمية على المجلس الوطني بوصفه ممثلًا سياسيًا معتبرًا للمعارضة الإرترية، وإعادة تموضع المجلس الوطني في الخارطة الجيوسياسية للقرن الإفريقي، بعد سنوات من التهميش والتضييق الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى إثبات وجود تواصل مباشر بين الحكومة الإثيوبية والمجلس الوطني دون وساطة، وهو ما يُفند الروايات التي حاولت التقليل من شأن المجلس أو التشكيك في وزنه السياسي.
رابعًا: المخاوف السيادية ومواقف المجلس الوطني
من أبرز نقاط القوة في المقابلة التي أُجريت، هو وضوح موقف المجلس الوطني من قضية السيادة الوطنية الإرترية، خاصة في ظل التصريحات الإثيوبية الأخيرة التي ألمحت إلى مطالبة بمنفذ بحري قد يُنتزع بالقوة. وقد أظهر المجلس وعيًا سياسيًا واضحًا حين أكد على رفضه المطلق لأي مساس بسيادة إرتريا أو ترابها الوطني، وحرصه على بناء علاقات تكامل وتعاون مع الجوار على أساس الندية والاحترام المتبادل. كما طرح المجلس رؤية واقعية بأن التواصل لا يعني بالضرورة الاتفاق في كل القضايا، وهو موقف ناضج يعزز من استقلالية المجلس.
خامسًا: التحديات والفرص أمام المعارضة الإرترية
رغم المكاسب الظاهرة، إلا أن هذه الزيارة لا تخلو من تحديات، من بينها: أن الرهان على إثيوبيا الجديدة ما يزال محفوفًا بالغموض، وضرورة الاستفادة من الزخم السياسي الراهن تتطلب رؤية استراتيجية موحدة داخل المجلس الوطني، كما يجب تجنب التوظيف الإثيوبي للمعارضة الإرترية كورقة ضغط ضد نظام أسمرا دون نتائج حقيقية لصالح التغيير الديمقراطي في إرتريا.
سادسًا: الاستنتاج العام
الزيارة تمثل اختراقًا سياسيًا مهمًا للمعارضة الإرترية، وفرصة لإعادة تموضعها كلاعب فاعل في المشهد الإقليمي. لكنها تتطلب إدارة ذكية للتوازن بين الانفتاح الإقليمي والحفاظ على الثوابت الوطنية، وتحقيق تحصين للموقف السياسي من الاستغلال الخارجي، واستثمار هذه اللحظة في بناء مشروع سياسي جامع يعبر عن تطلعات الشعب الإرتري في التغيير والديمقراطية.