إعتصرت قلوبنا أبو أيمن
بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، ودعنايوم الخميس الموافق 17.10.2024 قامة عظيمة، ورمزًا للعلم والأخلاق والشجاعة. فقدت إرتريا ابنها البار، عبدالله إسماعيل آدم، الذي كان مثالًا للإنسانية في أبهى صورها، كان يعيش من أجل وطنه ومجتمعه، ويترك أثرًا لا يُنسى في كل من عرفه. لقد كان نورًا يهتدي به الناس، وحكيمًا ننهل من علمه. سيظل إرثه حاضرًا في القلوب، وذكراه خالدة في وجداننا.
برحيلك، نفتقد رجلاً نادراً جمع بين مجالات قلما اجتمعت في شخص واحد: العلم العميق، السياسة الرشيدة، والدعوة المخلصة. لم تكن قانعاً بالتفوق في مجال واحد، بل أبدعت في كل منها، وتركت بصمة لا تُمحى في كل ميدان خطوت فيه. لقد كنت نوراً يضيء لمن حوله، ومثالاً يُحتذى به في الإخلاص والتفاني. برحيلك، فقدنا ركناً من أركان الحكمة والعطاء، وسيظل أثرك حياً في القلوب والعقول، وفي كل مكان عملت فيه.
العلم والمعرفة
كنت باحثًا لا يكل، تسعى وراء الحقيقة أينما كانت، وكنت مثالًا للالتزام والشغف بالعلم. كانت دراساتك الأكاديمية منارة للبحث العميق والتفكير المستنير، يشهد لك زملاؤك وأساتذتك بالدقة والأمانة في كل ما قدمته من بحوث ومقالات. لم تكن مجرد منظّر يقف عند حدود الأفكار، بل كنت جسراً حيًا يربط بين الفكرة والتطبيق، وبين النظرية والواقع. سعيك لتطبيق المعرفة على أرض الواقع كان إيمانًا منك بأن العلم بلا عمل لا قيمة له. كنت تسعى دومًا إلى أن تكون بحوثك نافعة، ليست فقط للمكتبات أو الأكاديميين، بل للمجتمعات والأفراد، تسهم في تغيير حياتهم للأفضل. كنت تؤمن أن المعرفة هي أداة التغيير الحقيقي، وأن الأفكار العظيمة يجب أن تُترجم إلى أفعال ملموسة.
اسهاماته العلمية
تولى عبد الله عدة مناصب في مؤسسات إرترية بالسودان، من ضمنها إدارة مركز دراسات القرن الإفريقي. وكان له دور بارز في مجالات البحث العلمي والتأليف، حيث قدم العديد من البحوث والمؤلفات التي تناولت تاريخ إريتريا والشخصيات الوطنية الهامة.
الإنسانية والدعوة
برحيلك نفقد ليس فقط باحثًا مخلصًا، بل إنسانًا نبيلاً، عاشت في قلبه هموم أمته ووطنه، وسعى بلا كلل لإيجاد حلول عملية لتلك التحديات. ستبقى ذكراك حية في قلوب كل من عرفوك وعملوا معك، وسيظل علمك وإسهاماتك نبراسًا ينير للأجيال القادمة طريق المعرفة والعمل. ولم تغفل أيضًا الدعوة، فقد كنت داعيًا بالفطرة، تأسر القلوب قبل العقول. كانت دعوتك نقية وصادقة، تهدف إلى نشر الخير بين الناس دون أن تطلب منهم شيئًا في المقابل. كنت تعلمهم بحب وتوجههم بحكمة لا تشوبها شائبة، ترشدهم برفق وتلهمهم بعمق. لم تكن كلماتك مجرد خطب، بل كانت رسائل من قلب يؤمن بما يقول، تنبع من رغبة حقيقية في إحداث فرق في حياة الآخرين.
الشجاعة في السياسة
أما في السياسة، فقد كنت مثالاً حيًا للشجاعة والحكمة. لم تتردد يومًا في التعبير عن آرائك، حتى في أحلك الظروف وأصعب التحديات. كنت ثابتًا على مبادئك، ترفض التنازل عنها رغم الضغوط والمغريات. كنت سياسيًا نبيلًا يحمل في قلبه قضية إرتريا العادلة، تؤمن بأن السياسة ليست مجرد لعبة للمصالح الشخصية، بل وسيلة لتحقيق الحرية والعدل للناس.واجه عبد الله التحديات الوطنية وكافح من أجل القضية التي يؤمن بها بشجاعة لا تتزعزع. لم يكن لديه همٌّ سوى رفع الظلم وتحقيق المساواة والحرية والعدل في ارتريا وكانت رؤيته للسياسية قائمة على خدمة الإنسان الإرتري وتعزيز حقوقه وحرياته. ستظل ذكراه خالدة في كل الساحات التي وقف عليها، وفي القلوب التي لمسها، حيث كان صوتا للحق والحرية والحكمة.
الإرث والذكريات
لقد كنت، وما زلت، يا أبوأيمن, مصدر إلهام لنا جميعًا، وسنبقى نستلهم من قيمك وأفكارك في سعينا للتغيير لبناء مستقبل أفضل لوطننا إرتريا. وأن ابتسامتك الصادقة سيبقى محفورة في الذاكرة للأبد، تلك الابتسامة التي لم تفارقك يومًا، حتى في أصعب اللحظات. بابتسامتك، كنت تصنع الأمل في قلوب من حولك، وتنشر الطمأنينة والسكينة، وتؤكد لنا أن الطريق، مهما كان شاقًا، يمكن تجاوزه بالصبر والإيمان. إنك كنت مثالًا حيًا للإيجابية والتفاؤل، وعلّمتنا أن نواجه التحديات برأس مرفوع وقلب مليء بالأمل. ستظل ذكراك حاضرة في كل ابتسامة نراها، وفي كل فعل خير نعمله.
فقدان لا يعوض
في خضم مشاعر الحزن العميق والأسى التي تغمر قلوبنا، نعبر عن أصدق تعازينا لأسرته وأولاده وزجه المصون وأهله وأصهاره وعلى رأسهم الشيخ محمد إدريس محمد علي بره, وجميع إخوانه ومحبيه, برحيل الأستاذ عبدالله إسماعيل (أبو أيمن)، الذي ترك بصمة لا تمحى في حياة كل من عرفه. كان إنسانًا يحمل في أعماق قلبه حبًا جارفًا للعلم والمعرفة، وكرّس حياته بأكملها في خدمة وطنه ومجتمعه. عُرف بصدقه وإخلاصه، وكان دائمًا مثالًا يحتذى به في التفاني والصبر. كان قليل الكلام، كثير العمل، وكثير الكتمان، ولكن عندما يتحدث، كانت كلماته تتدفق علمًا وحكمة.
مسيرة حياة ملهمة
في رحلة حياة مليئة بالتحديات، بدأ والد عبد الله رحلته من حلحل إلى مدينة كرن حيث كان يعمل ممرضًا في مستشفى كرن ثم انتقلت الأسرة بعدها إلى أغردات، وحين بدأت الأوضاع السياسية تتدهور بسبب حملات الاستعمار الإثيوبي، اضطرت الأسرة إلى النزوح نحو تكرريت. ومع تفاقم الحملات العسكرية الهمجية الاثيوبية، غادرت الأسرة أرض الوطن مجبرة إلى السودان.
الأسرة.
كان الشهيد أبو أيمن متزوجا وله عدد من الأولاد، وله ثلاثة عشر من الإخوة: منهم ثلاثة أشقاء له أكبرهم هو، وتسعة إخوة من الأب.
الدراسة:
بدأ دراسته الابتدائية في مدينة أغردات، ثم أكمل الصف الرابع والخامس في كسلا، قبل أن ينتقل إلى الجزيرة في السودان حيث التحق بالمرحلة التمهيدية في التكينة. بعد ذلك، واصل دراسته في معهد التدريب المهني بود مدني لمدة سنتين.
استمر شغفه بالتعلم، فالتحق بمعهد التكينة الذي أسسه الشيخ محمد إدريس حفظه الله. وبعد سنتين، وقعت مشاكل إدارية في المعهد، كان ضحيتها الطلاب، حيث تم طردهم جميعا,مما دفعه إلى الهجرة مرة أخرى إلى المملكة العربية السعودية. هناك، أكمل دراسته في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم التحق بجامعة الملك محمد بن سعود وتخرج في كلية العلوم الاجتماعية قسم التاريخ والحضارات. ورغم الصعاب التي واجهها خلال حياته، إلا أن أبو أيمن ظل متشبثًا بالتعليم وبناء مستقبله، مما يجعله مثالًا يحتذى به في الصمود والعزيمة. وبعد تخرجه، عاد عبد الله إلى السودان وكرس حياته لخدمة أبناء اللاجئين الإرتريين في السودان حيث عمل في مجال التوعية والتعليم، وتعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم نحو الوطن الأم ومساعدتهم وتوعيتهم للحفاظ على هويتهم الوطنية الإرترية وكان ملمًا بشكل واسع بتاريخ إرتريا القديم والحديث.
كلمة وداع
عندما سمعت خبر رحيلك يا أبو أيمن، كنت في مكتبة مشغولاً ببحث علمي، غارقًا في أفكاري وأوراقي، ولكن الخبر مزق هدوئي. لم أستطع المضي قدمًا في عملي، وكأن الكلمات التي كنت أكتبها فقدت معناها. خرجت من المكتب وأنا أُحاول أن أتمالك نفسي، والدموع تتساقط بغزارة ركبت القطار لأبكيك مع أفراد عائلتك، ورغم وجودي معهم، شعرت بالوحدة التامة. حاولت أن أنسى الألم الذي يعتصر قلبي، ولكن كانت الذكريات تتدفق كالنهر، تُغرقني في مشاعر الحزن والأسى.
كل لحظة، كنت أتذكر ابتسامتك، وكيف كانت حياتك تضفي على الجميع الأمل والفرح. حاولت أن أتحدث عنك مع من كان بالمجلس، لكن الكلمات كانت تعجز عن وصف ما أشعر به. مع مرور الوقت، أدركت أنني لا أستطيع نسيانك يا أبو أيمن، وذكراك ستبقى محفورة في قلبي يا حبيبي. فقد كنت أكثر من مجرد صديق، كنت رمزًا للأمل، والمعرفة، والمحبة. رحيلك ترك فراغًا في حياتنا لا يمكن تعويضه، لكنني أعلم أن قيمك ومبادئك ستظل حية في نفوسنا.
الختام
إن رحيلك يُمثل خسارة كبيرة، ولكن إرثك من القيم والمبادئ سيبقى حيًا في نفوسنا. إننا ندعو الله أن يرحمك ويغفر لك، وأن يسكنك الفردوس الأعلى من الجنة, وسنذكرك في دعائنا ودموعنا. لن ننسى أبدًا ما قدمته لنا، وسنبقى نذكره بكل حب وتقدير. رحمك الله يا أبو أيمن، ودمت في قلوبنا, لقد رحلت بجسدك، وستبقى روحك حاضرة في قلوبنا.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
وداعًا, أبو أيمن, إلى جنة عرضها السماوات والأرض
أخوك محمد إدريس قنادلا.