مقالات وآراء

ابراهيم قارو: من الفساد إلى الفوضى وانهيار الدولة

يشهد النظام السياسي في ارتريا، منذ الاستقلال، حالة من الاستبداد والانفراد بالسلطة، مما أدى إلى نمو الفساد بشكل هيكلي وتغلغله في جميع مؤسسات الدولة. ساهم هذا النظام الاستبدادي في إقصاء الدستور وتعطيل العمل بالآليات الرقابية، مما مهّد لانتشار الفساد المؤسسي كأداة لضمان الولاء وبسط الهيمنة. نتج عن ذلك تآكل المؤسسات وتدهور الخدمات الأساسية، وأدى إلى شلل الدولة وانعدام ثقة المواطنين في الحكومة، ليصل المجتمع إلى حالة من الفوضى والانهيار الاقتصادي والاجتماعي. في هذا المقال، نستعرض كيف يمكن لهذا الاستبداد أن يقود إلى انهيار الدولة، مع تسليط الضوء على العلاقة العضوية بين الفساد والاستبداد، وتأثيراتهما على مسار التنمية والاستقرار في ارتريا، كما نطرح بعض الحلول الممكنة للخروج من هذه الأزمة وإعادة بناء الدولة على أسس الديمقراطية والشفافية.

   ▀   الاستبداد كجذر للفساد وتآكل الدولة

الأنظمة الاستبدادية تقوم على احتكار السلطة وتعطيل أي رقابة مؤسسية للمؤسسات التي قد تهدد هيمنة الحاكم مما يخلق بيئة ملائمة لترسيخ الفساد. وفي إرتريا يُجسد النظام هذا النهج عبر إقصاء العمل بالدستور المُقر عام 1997 وغياب أي استحقاقات انتخابية منذ الاستقلال. هذا التغييب المتعمد للمؤسسات السياسية والقانونية يجعل السلطة أداة لتوطيد الولاءات حيث تُمنح الامتيازات للنخب العسكرية والسياسية لضمان ولائها المطلق.

تلعب “الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة” دوراٌ محورياٌ في تكريس هذه الهيمنة عبر دمج الحزب بالدولة مما يجعل كافة موارد الدولة خاضعة لإرادة الحاكم. بهذا يتحول الفساد من مجرد انحراف إداري إلى ركن أساسي في الحفاظ على النظام حيث تُستخدم المناصب والموارد لضمان الولاء السياسي وإسكات أي معارضة محتملة. هذا الاحتكار الشامل يؤدي إلى تفكيك المؤسسات وتدمير استقلاليتها لتصبح الدولة أداة تخدم بقاء السلطة لا احتياجات المجتمع.

▀  الفساد المؤسسي كأداة لضمان الولاء وبسط الهيمنة

في ظل الأنظمة الاستبدادية يصبح الفساد منهجًا سياسياٌ لا مجرد مظهر جانبي للسلطة. في إرتريا تم استغلال الموارد العامة لإثراء النخب المرتبطة بالنظام وضمان استمرار ولائها ما أفرغ المؤسسات من مضمونها الوظيفي وحوّلها إلى هياكل مشلولة. غياب آليات الرقابة والمحاسبة أدى إلى انتشار الفساد في جميع القطاعات مما عمّق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.

تُظهر موجات الهجرة الجماعية من البلاد كيف أصبح الفساد جزءًا من أزمة أوسع تتجلى في انسداد الأفق الاقتصادي وغياب الفرص وانتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب الذي يوضح أن النظام لا يوفر الحد الأدنى من الفرص أو الخدمات التي تعزز بقاء المواطنين في البلاد ما يجعل الهروب إلى الخارج خياراٌ وحيداٌ أمام شريحة واسعة من السكان. وبهذا يصبح الفساد ليس فقط أداة للهيمنة بل عاملاٌ أساسياٌ في تفكيك العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.

▀  شلل الدولة والانحدار نحو الفوضى

مع مرور الوقت يؤدي الفساد المؤسسي المستشري إلى شلل كامل في مؤسسات الدولة، وانهيار الثقة بين النظام والمجتمع، مما يدفع الدولة نحو الفوضى. في الحالة الارترية تسببت هيمنة النخب المرتبطة بالسلطة في تهميش الكفاءات، وخلق أزمة تنموية خانقة والفشل في تقديم خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية دفع الشباب إلى الهجرة الجماعية ما زاد من تفريغ المجتمع من طاقاته الإنتاجية.

إن غياب التخطيط الاقتصادي، واعتماد النظام على الولاء السياسي بدلاٌ من الكفاءة  أدى إلى انهيار بنية الخدمات العامة وتعميق حالة الفقر. هذه الديناميكية جعلت مؤسسات الدولة عاجزة عن أداء وظائفها الأساسية ما أسفر عن تحول تدريجي نحو حالة من الفوضى التي تهدد بقاء النظام نفسه. في ظل هذه الأوضاع لم يعد النظام قادرًا على ضبط التوازن الداخلي أو تقديم وعود تنموية ذات مصداقية، مما يفتح المجال أمام مزيد من التوترات والانهيارات على المستويين الاجتماعي والسياسي.

▀  انهيار المؤسسات وانعدام دولة القانون: ارتريا تحت قبضة الحكم الفردي

بعد الاستفتاء وإعلان استقلال ارتريا عام 1993 هيمن النظام على مؤسسات الدولة بشكل مطلق  وتفصيل هياكل الحكم على تنظيمه وإلغاء أي إمكانية لتأسيس نظام قانوني متوازن بمشاركة شعبية لكل مكونات الشعب إلا من كان عضواٌ في الحزب واقصاء الآخرين. ولاحقا جرى تعطيل الدستور وإلغاء البرلمان حتى ولوكان صوريا  وبه أصبحت جميع السلطات ممركزة بيد الرئيس المستبد الذي يدير البلاد منفرداٌ. لم تعد هناك سلطة تنفيذية  مستقلة حيث تحوّل الوزراء إلى أدوات تنفيذية تنفذ أوامر رأس النظام المستبد دون أي صلاحيات حقيقية. تحت هذا الوضع  اختفت كل أشكال الرقابة والمساءلة وأصبحت الدولة أداة لتعزيز حكم الفرد  مما ساهم في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 تعطيل الدستور: حكم خارج إطار القانون

رغم اعتماد دستور 1997، لم يُفعّل أبدًا، ما ترك النظام بلا ضوابط قانونية تنظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، حيث ألغى النظام أي التزام بفصل السلطات وحكم الرئيس بمراسيم فردية دون استشارة أو نقاش. ومع غياب دستور فعّال بات النظام يفرض سياساته دون اعتبار للقانون  ما أضعف فرص الإصلاح وعمّق الاستبداد.

إلغاء البرلمان: غياب التمثيل الشعبي والرقابة

أنهى النظام دور البرلمان كسلطة تشريعية ورقابية، وحُرم الشعب من أي تمثيل سياسي أو دور في صنع القرار. لم تعد القوانين تصدر عبر مؤسسات تشريعية، بل تصاغ في دائرة الرئيس الضيقة وتصدر بمراسيم رئاسية  ما عزز احتكار السلطة وأجهض أي أمل في التغيير السلمي.

فالوزراء لا يعدو أن يكن دورهم  أدوات تنفيذية وسلطتهم صورية بحيث اصبح كل شيئ بيد رأس النظام المستبد ولم يعد للوزراء أي سلطة مستقلة  بل أصبحوا منفذين مباشرين لتعليمات الرئيس. تُدار الدولة من خلال أوامر مركزية تصدر من رأس النظام  مما حول السلطة التنفيذية إلى امتداد لإرادته الشخصية. هذه الهيمنة على جميع مفاصل الدولة جعلت من المؤسسات مجرد هياكل فارغة، غائبة عن خدمة المجتمع أو تحقيق التنمية.

تدهور الثقة بين الدولة والمجتمع: انهيار الحوكمة وتفشي الفوضى

في ظل غياب المؤسسات الفاعلة وانعدام القانون انهارت الثقة بين الدولة والمجتمع وأصبحت المؤسسات الحكومية عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية، وتراجع الأداء الإداري نتيجة سيطرة الولاءات الشخصية على معايير الكفاءة. وتفاقم هذا الوضع ليخلق حالة من الإحباط الشعبي حيث لم تعد الدولة تُرى كأداة للتنمية، بل كمصدر للاضطهاد والقمع.

النتيجة: نظام يفتقر إلى الشرعية ومهدد بالانهيار

مع إلغاء الدستور والبرلمان واحتكار السلطات بيد الرئيس المستبد بات النظام في مواجهة تحديات خطيرة تهدد استمراريته. يفتقد النظام أي شرعية قانونية أو شعبية فيما تتزايد احتمالات الاحتقان الشعبي والانفجار السياسي. ومع غياب الإصلاح واستمرار الفوضى المؤسسية يصبح مستقبل الحكم الفردي محفوفاٌ بالمخاطر مما يجعل التغيير – سواء من الداخل أو تحت ضغط دولي – أمراٌ لا مفر منه.

▀  هيبة الدولة عبر القمع

في ارتريا تتجلى هيبة الدولة بشكل مشوه حيث يعتمد النظام على القمع لترسيخ سيطرته. منذ الاستقلال عام 1993 كرّس إسياس أفورقي سلطته عبر أدوات القمع التي أفرغت مفهوم الهيبة من معناه الحقيقي إذ لم تستند إلى الشرعية أو رضا الشعب بل إلى الخوف والولاء القسري.

يسيطر النظام بشكل مطلق على الحياة العامة حيث تتحكم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كل جانب من جوانب المجتمع مع غياب تام للحرية والتعبير. يعيش المواطنون تحت مراقبة دائمة في ظل تهديد مستمر بالاعتقال التعسفي لكل من يبدي معارضته. ويقبع فعلاٌ الآلاف في السجون بظروف قاسية يتعرضون فيها للتعذيب بشكل ممنهج مما يخلق بيئة من الرعب الجماعي تجعل الحياة اليومية خاضعة للخوف.

أدى هذا القمع إلى تآكل الثقة بين المجتمع والدولة حيث بات العقد الاجتماعي هشًا. بدلاٌ من الولاء القائم على المشاركة زرع النظام الخوف مما عمّق الانقسامات وأفقد المواطنين القدرة على التكاتف في مواجهة الأزمات. أصبحت العلاقات بين الأفراد محكومة بالحذر والشك ما زاد من عزلتهم وأضعف قدرتهم على مواجهة التحديات المشتركة.

هذا الوضع ينذر بسيادة الفوضى في الداخل مع تفكك المؤسسات وازدياد الجريمة. ليتحول الشارع إلى ساحة صراعات بينما يجد المواطن نفسه محاصراٌ بين قبضة القمع وانعدام الأمن. ويعزز النظام هذه الفوضى بزرع الانقسامات بين الجماعات المختلفة مما يعرقل أي محاولة لتوحيد المجتمع في مواجهة استبداده.

هذه الدينامية تفاقم أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، حيث تستنزف الموارد لصالح النخبة الحاكمة فيما يعاني الشعب من الفقر والبطالة. مع انسداد الأفق ليصبح الهروب هو الخيار الوحيد أمام الشباب، في موجات هجرة تسلب البلاد طاقاتها الحية.

ورغم هذه الهيمنة الظاهرية تبقى هيبة النظام هشة لأن السيطرة المستندة على الخوف لا تدوم. في غياب الحوار والمشاركة ويتحول المجتمع الارتري إلى برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة لاستعادة مؤسسات الدولة هذه المرة بإرادة الشعب وليس بقبضة القمع.

تُظهر التجربة الارترية أن الهيبة المصطنعة القائمة على الخوف لا تحقق الاستقرار الحقيقي. ومع تعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تقترب لحظة الحقيقة التي قد تُسقط هذا القناع الزائف لتكشف عن دولة فشلت في تحقيق الشرعية لتضع حكمها على شفا انهيار.

▀   محاولات الإصلاح الشكلي كأداة لتأخير الانهيار وإطالة أمد النظام

في مواجهة الضغوط الداخلية المتزايدة والضغوط الدولية المطالبة بالتغيير يلجأ النظام الارتري إلى ما يمكن تسميته بـ”الإصلاحات الشكلية” أو المناورات السياسية  التي تهدف إلى تهدئة الاحتقان الشعبي وكسب الوقت. غير أن هذه الإصلاحات  التي تفتقر إلى العمق والجذرية لا تعالج المشكلات الأساسية للنظام  بل تؤدي في الغالب إلى تفاقم الأزمة.

على سبيل المثال، يعلن النظام عن تحسينات في الخدمات العامة أو إعادة تنظيم قطاعات اقتصادية محددة، لكن سرعان ما يتضح أن هذه الإجراءات إما تُنفَّذ بشكل جزئي أو تخضع لمصالح النخبة المرتبطة بالسلطة. ونتيجة لذلك  تتحول هذه الإعلانات إلى وعود فارغة تزيد من حالة السخط الشعبي وتعمّق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع. وبذلك  تصبح هذه الإصلاحات مجرد أدوات لتأخير الانهيار المحتوم، دون أن تمنح النظام أي شرعية أو قدرة على استعادة زمام المبادرة.

▀  البُعد الإقليمي والدولي وتأثيره على الوضع الداخلي

لا يمكن فهم الأزمة في إريتريا بمعزل عن السياقين الإقليمي والدولي. إذ تتسم سياسة النظام الخارجية بالتدخل في شؤون الدول المجاورة لا سيما في السودان وإثيوبيا، مما أدى إلى استنزاف الموارد الوطنية وزيادة الضغوط الداخلية. هذه المغامرات العسكرية والسياسية لم تؤمّن مكاسب استراتيجية للنظام، بل أسهمت في عزلته الدولية وتعميق أزمته الاقتصادية.

من جهة أخرى، ساهمت الحرب الدائرة في السودان في تفاقم أزمة اللاجئين، حيث تدفقت أعداد إضافية من النازحين إلى إرتريا ما شكّل عبئاٌ إضافياٌ على البنية التحتية الضعيفة أصلاً. كما أن استمرار هذه الأزمات الإقليمية يعزز حالة عدم الاستقرار داخل إريتريا، حيث يفقد النظام قدرته على ضبط الحدود وتأمين الموارد الأساسية. في ظل هذه المعطيات، تصبح أي محاولة لإصلاح الوضع الداخلي مرهونة بتراجع النظام عن سياساته التدخلية والبحث عن توافقات إقليمية تخفف من عزلته.

▀   احتمالات الانهيار الكامل: مؤشرات ودروس مستخلصة

تتجلى مؤشرات انهيار النظام الاستبدادي في ارتريا بوضوح في ظل التدهور السياسي والاقتصادي الحاد. بتصاعد السخط الشعبي والاحتقان الاجتماعي، الناتج عن القمع والفقر والهجرة القسرية الذي يعكس أزمة عميقة التي تهدد استمرارية النظام. مع هروب الشباب بحثًا عن فرص خارج الوطن، وتضعف بنية المجتمع وتفكك الروابط الاجتماعية التقليدية.

فالمؤسسات العامة التي يفترض أن تلبي احتياجات المواطنين باتت عاجزة عن أداء دورها إذ تدهورت قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية بشكل خطير. هذا الفشل يزيد من تفاقم الغضب الشعبي مما يضع النظام في مأزق وجودي حيث يصبح الحفاظ على السلطة دون تحقيق رضا شعبي مهمة شبه مستحيلة.

وفي ظل هذه المعطيات يبرز خطر الانهيار المفاجئ للنظام كاحتمال واقعي. وغياب المؤسسات المستقلة والفعالة يعني فيما يعنيه أن سقوط النظام قد يؤدي إلى فوضى شاملة بدلاً من انتقال سلس للسلطة مما يفتح الباب أمام اضطرابات داخلية قد تعيق استقرار البلاد.

تاريخ الأنظمة الاستبدادية يقدم دروساٌ واضحة: فالأنظمة التي تعتمد على القمع والفساد وتفتقر إلى الشرعية والمؤسسات القوية تنهار بسرعة عند مواجهة تحديات داخلية أو خارجية. وبالتالي، يجب على القوى السياسية والاجتماعية الاستعداد لمواجهة سيناريو الانهيار المحتمل عبر صياغة رؤية مشتركة للمستقبل، لضمان تحول منظم وتجنب الفوضى.

وفي مثل هذا التوقع فإن التخطيط المبكر والتحرك الجماعي باتا ضروريين، إذ إن غياب الإرادة السياسية الصادقة قد يترك الشعب يواجه تحديات تفوق قدراته. إن نجاح التغيير يعتمد على مشاركة فعلية من كل فئات المجتمع لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

  نحو حلول عملية واستراتيجيات شاملة للخروج من الأزمة

في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية التي يعاني منها النظام الارتري، تبرز الحاجة الملحة إلى صياغة استراتيجيات فعّالة ومتكاملة تعالج جوانب الأزمة بعمق وتوفر بدائل عملية للخروج منها. وهذا يستلزم تبني رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار دور المعارضة والنخب، إلى جانب ضرورة التحرك على الصعيدين الداخلي والخارجي.

1. دور المعارضة في الداخل والخارج: صياغة خطاب جامع وتحقيق توافق سياسي

تحتاج المعارضة الارترية في الشتات إلى تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتنظيمية التي أضعفت قدرتها على التأثير. ولتحقيق ذلك، لا بد من تطوير خطاب سياسي جامع يرتكز على أولويات الشعب ويطرح بدائل واقعية توازن بين الإصلاح التدريجي والاستجابة الفورية للأزمات.

كما ينبغي على المعارضة الاستفادة من الحراك الدولي الراهن وحشد الدعم من القوى الإقليمية والدولية، سواء من خلال الضغط السياسي لتحقيق إصلاحات داخلية أو طرح القضية الإرترية في المحافل الدولية. لا يقتصر دور المعارضة على نقد النظام  بل يشمل تقديم رؤية متكاملة حول مستقبل الدولة ما يعزز فرص التغيير السلمي ويحول دون الدخول في مرحلة من الفوضى بعد سقوط النظام.

  1. الداخل يصنع التغيير: استراتيجيات وأدوات فعالة

يمكن للنخب بمختلف أدوارها السياسية والثقافية والاجتماعية أن تلعب دوراٌ محورياٌ في دفع عملية التغيير من الداخل رغم التحديات التي يفرضها النظام المستبد من خلال التضييق ومنع الحريات. فإحسان توعية المجتمع بخطايا النظام يعد أحد التكتيكات الأساسية حيث يتطلب الأمر ربط الفشل الحكومي بظواهر الاستبداد، وتسليط الضوء على مظاهر هذا الفشل الذي يتمثل في الفساد والجهل والتخلف. هذه الجوانب تشكل أسبابًا رئيسية ستؤدي إلى تلاشي النظام في النهاية.

يمكن استخدام استراتيجيات متنوعة لزيادة الوعي وتحفيز المجتمع على مقاومة الفساد المستشري بما في ذلك تعزيز التعليم وفتح قنوات للحوار والنقاش حول واقع الحياة تحت الحكم الاستبدادي. كما يمكن للنخب الاستفادة من الأدوات الرقمية كوسيلة فعالة للوصول إلى جمهور أوسع، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ونشر المعلومات حول الفساد.

علاوة على ذلك من المهم تعزيز التحالف مع المجتمعات المدنية والناشطين المحليين والاستفادة من الضغط الدولي لتحقيق إصلاحات فعلية على الأرض. يجب أن تُسهم هذه الجهود في تعزيز المقاومة السلمية حيث إن خلق واقع جديد يتطلب تكامل هذه التكتيكات عبر مبادرات مدنية فاعلة.

  1. التحرك على الصعيد الخارجي: فتح آفاق جديدة

على الصعيد الخارجي يُعد الانفتاح على الدول والمنظمات غير الحكومية أمراٌ حيوياٌ في جهود كشف زيف النظام الاستبدادي. يجب العمل على تشكيل تحالفات دولية تستند إلى حقوق الإنسان والديمقراطية وتوجيه رسائل واضحة للمجتمع الدولي حول الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها النظام الإرتري.

في هذا السياق يجب أن تُستخدم المنصات الدولية لتسليط الضوء على الأزمات الإنسانية وتوجيه الدعم نحو مشاريع تعزز من استقلالية المجتمع المدني وتدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. التحرك الخارجي ليس مجرد أدوات دبلوماسية، بل هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية متكاملة تسعى إلى تحقيق التغيير المنشود.

  1. ضرورة وجود رؤية وقيادة

كما هو معروف، نجاح أي مشروع يعتمد على وجود رؤية واضحة وقيادة قوية بالإضافة إلى وسائل ومؤسسات تدعم هذا المسار. يتطلب الأمر إيجاد تيار شعبي يضم جميع الفئات الراغبة في التغيير من خلال خلق منصة جامعة للنقاش والتنسيق، بحيث تساهم هذه المنصة في تحفيز الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة.

الختام

الخروج من الأزمة الارترية يتطلب مساراٌ متكاملاً يعالج التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بواقعية مع تركيز على تمكين الشباب وتوحيد المعارضة. هذا المسار لا يهدف فقط إلى تجنب الانهيار بل إلى بناء نظام ديمقراطي يعيد للشعب حقوقه ويفتح آفاق التنمية المستدامة.

إعادة بناء المؤسسات على أسس الكفاءة والمساءلة ضروري لضمان استقرار طويل الأمد بحيث تكون مستقلة عن النفوذ السياسي وقادرة على تقديم الخدمات بفعالية. كذلك، يتطلب نجاح المرحلة الانتقالية وجود معارضة متماسكة برؤية موحدة لتجنب الفوضى وقيادة التغيير بسلاسة.

رغم أهمية الدعم الدولي فإن التغيير الجذري ينبع من الداخل عبر تعبئة الطاقات الشعبية وتفعيل دور النشطاء والمجتمع المدني. الديمقراطية التشاركية هي الضمانة لاستدامة التغيير ومنع عودة الاستبداد إذ تعزز من مشاركة الجميع في صنع القرار وترسيخ المسؤولية الجماعية.

بناء دولة ديمقراطية في ارتريا ليس خياراٌ بل ضرورة تفرضها تحديات الواقع. بتضافر الجهود بين الداخل والخارج يمكن للإرتريين تأسيس مستقبل قائم على الحرية والعدالة والتنمية الحقيقية.

 

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى